تعميم و تأميم ملكية المصادر
تحدثت في المقال السابق عن الحالة الطبيعية للبشر جميعاً و ضرورة العيش المشترك بين الجميع بسلامٍ و أمن مبتعدين عن الفساد و الإفساد و سفك الدماء ملتزمين بالإصلاح و الأمان و التعارف ما بين الجميع و بأن الإنسان هذا المخلوق الذي نال التكريم فإن حياته و وجوده و كرامته هي الهدف السامي الذي يجب أن يصان كي يكون مغايراً لما فعله المخلوق السابق الذي سبق وجوده على الأرض و الذي طغى عليه الفساد و سفك الدماء , و كان هذا مستخلصاً من قوله جل وعلا ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) 30 البقرة .
و من خلال النظر في الآية التي تسبقها يقول جل وعلا ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) 29 البقرة :
هنا يبن لنا الحق سبحانه و تعالى قبل حديثة لنا عن الحكمة من خلقة للإنسان و يبين لنا سبب صراع البشرية فيما بينها على هذه الأرض , فيضع لنا قانون التأميم لتلك الثروات الطبيعية و مصادرها و أحقية البشر فيها جميعا دون تحديدٍ أو قيد ,
و يبين لنا بأن كل خيراته التي أوجدها و سخرها لنا و التي يحتاجها هذا المخلوق لتسير أموره الحياتية و تسهم في تقدمه و تطوره و راحته هي ملكٌ للجميع دون استثناء , و هي حقٌ مشروع لكل فرد موجودٌ على وجه هذه الأرض لينتفع منها , فلا يحق لأحدٍ كان من احتكار تلك الموارد لنفسه , و لا يجوز لأي جهةٍ من الهيمنة على تلك الموارد لصالحها فقط , بل هي جزءٌ لا يتجزأ من مكون الأرض التي هي بدورها تم جعلها و تأميمها للجميع دون استثناء ,
و تلك المصادر الطبيعية هي حقٌ مكفولٌ للبشرية جمعاء كمصادر الطاقة و الماء و المعادن و جميع الثروات الكونية الطبيعية , و هذا في اعتقادي هو جوهر الصراع البشري و هو الدافع الحقيقي خلف الفساد و سفك الدماء بين البشر لذا نلاحظ أهمية تأميم هذا الأمر للبشرية جمعاء منعاً للفساد و حقناً للدماء و النزاع و العداء .
ففي قوله سبحانه ( الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ) أرى بأن كلمة ( جميعاً ) تعود إلى البشر تأكيداً لكلمة ( لكم ) مخالفاً للأغلبية التي ترجعها لتلك المصادر و الموارد التي خلقها الخالق جل وعلا و تقول بأن كلمة ( جميعاً ) تعود على جميع ما في الأرض ,
و المعنى و الفهم الذي أراه بأن المقصود هو بأن الله جل و علا قد خلق للبشر جميعاً كل ما في الأرض من خيرات و مؤكداً جعلها ملكاً لهم جميعاً و تم تأميم تلك الموارد لصالح البشرية جمعاء كي لا تستفرد بها جهة دون أخرى و يتحقق بهذا الهدف الأسمى و هو الصلاح و حقن الدماء في التنازع عليها .
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
سبحانك إني كنت من الظالمين