هذا أو الطوفان!
رسالة مفتوحة للأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي

محمد عبد المجيد في الخميس ١٢ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

رسالة مفتوحة إلى الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي

هذا أو الطوفان!

دعني أعترف لك أولا بضعفي أمام من يغمرني بشجاعته في قالب إنساني مليء بالودّ والتعاطف، وذلك هو موقفي من والدك، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، اطال اللهُ عُمره.

قبل أن أتحدث إليك حديثا ربما يحجبه عنك مستشاروك، وهم ككل المستشارين لدى  القيادات العربية أو العالمية يتحكمون بالمعلومة المرسَلة من الرجل العاشر إلى التاسع إلى الثاني فالأول، أن أكلمك عن والدك الرائع والشجاع الذي كان لسنوات طويلة، منذ زيارتي الأولى للمملكة عام 1985 وحتى قراري النهائي أن لا أعود لزيارة هذا البلد الطيب الذي يحلم والدك أن تصبح أنت خادمَ حرميه الشريفين.

كان قبل أن يسابقني الزمن فيرهقه في وقت عصيب يتحمل فيه مسؤولية إعادة ترتيب البيت الداخلي، يقرأ كتاباتي، ويشدّ من عضدي، ويصارح مَنْ حوله بأنني في حمايته، ويوصي وزير الإعلام الوفي والأمين المستشار علي الشاعر أن أكون في كنفه مهما كانت كتاباتي.

ظل الملك سلمان بن عبد العزيز يتابع كتاباتي الشديدة لمجتمع غرق أو أغْرق في عالم الفتاوى ورجال الدين فأصبح الحلال يمشي على استحياء، والفتوىَ تخترق حرمات الناس بخطاب مزيف من السماء، وممهور بتوقيع كل من انتسب للمؤسسة الدينية، حقا أو زيفا.

كتبت عن ضرورة منع النقاب وعن الفنون والآداب والفلسفة والاختلاط وحُرمة تحريم الموسيقى والغناء والمساواة وحقوق غير المسلمين في المملكة ومساواة الشيعة والسُنة وعشرات غيرها من الموضوعات، فأنا لستُ من المؤلفة قلوبهم، وحتى آخر زيارة قمت بها للرياض وكادت تتحول إلى شبه مصيدة، والمصائد، سمو ولي العهد، مصائب في وطننا العربي الكبير، ويقوم بها الصغار لاقناع الكبار بخروج كاتب أو إعلامي أو مسؤول عن الخط المستقيم في الطاعة.

بعدما علمت أن زيارتي كانت لشدّ الأُذُن، جاء استقبال والدك لي في المكتب بإمارة الرياض ليفهم القاصي والداني أنني في حمايته.

أحببت والدَك منذ استقباله الأول لي في 1985، وفي سبتمبر 1992 استقبلني على هامش افتتاح المركز الإسلامي في مدريد، وصليّت بجواره، وأهديته ألبوم صور لمدينة الرياض بعدستي فهو، أطال الله عُمرَه، الأب الروحي للعاصمة السعودية.

تمنيت في عدة مقالات لي إبان حُكم الملك فهد ثم الملك عبد الله، رحمهما الله، أن يتم افساح المجال للأمير سلمان ليصبح ولي العهد والملك القادم، مما أغضب كثيرين مني.

هذا ملخص لأسباب ضعفي واستحيائي الشديد عندما انتقد المملكة العربية السعودية، ولعلي لا أنسىَ الموقف المشرف والقومي والإنساني والأخوي للملك فهد بن عبد العزيز عندما اعتبر المملكة أرضا للشرعية الكويتية حتى تعود ويندحر الغزو الصدّامي الآثم.

عشرات القضايا التي أنظر إليها بزوايا مغايرة تماما للنهج السعودي، وأكاد أهمّ بادخال قلمي الساحة غاضبا، فإذا بصورة الملك سلمان توحي لي بكبح جماح الغضب فالطريق الذي اختاره والدك شاقا للغاية، وإذا بك تتسلم شطره الشبابي وليس الأشيب، فتتعرض لعواصف، لو لم يكن والدك في ظهرك ساندًا إياك، أطال الله عُمره، لما تحملت يوما أو بعض اليوم، فالأسرة متفرعة، وبعضها متشابك، أو مترابط، وكثير من أعضائها حائر ما بين القديم المعاكس للزمن، والجديد الذي يحتاج لشجاعتك بنفحات سلمانية تضاعف خبرة حياتك دون أن تبرح شبابك إلا قليلا.

التحديات أمامك ليست عواصف فقط، إنما تسُنوميات، أتمنى أن تنتصر وتعالج ثلثها، ويبقى الثلثان في عُمرك الطويل، إن شاء الله، فقوتك في شبابك وفي الشعب السعودي العظيم الذي انتظر تلك اللحظات الفاصلة في تاريخ وطن أرادوا ادخاله الكهف، فجئت أنت لتبني بدلا من الكهف دارًا للفنون والآداب والفلسفة والأوبرا والنغم والإبداع، وتفتح نافذة للمرأة لعلها تصبح بابا واسعا على مصراعيه، في حدود السلوكيات الحرة والقويمة بدون عصا المطاوعة.

التحدي الأول هو حصار دولة قطر، وعني أنا شخصيا، أتعاطف مع المملكة ودولة الإمارات في محاولة وضع نظام الحمدين في الموضع الصحيح بعيدا عن غرور العملقة الهشة بروح عثمانية، ودعم إيراني، وإعلام اخواني أحمق.

نظام الحمدين آذىَ العرب، وفتح الطريق للميليشيات المتطرفة، وتنفست جماعات إرهابية من الشاشة الصغيرة للجزيرة.

لم يسقط نظام الحمدين لأن القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة تلعب مع الطرفين في وقت واحد، وتبيع الأسلحة قبل الحرب بوقت طويل، وتتوسط حيث تدق الأسافين، وتصالح ليتغلب الخصام على السلام، وتحرض، لكنها تعزز قواعدها في الأرض المشتعلة تحت أقدام المتصارعين.

حصار قطر كان يمكن أن يقوم به جيش من الإعلاميين السعوديين الأذكياء والمحترفين والأحرار والمستقلين بعيدًا عن المؤسسة الدينية، فالحمدان وتميمهما ألقوا بكل ثقلهم خلف القناة الدولة حتى أصبحت الدولة قناةً يتابع حقائقها وأكاذيبها، شهدها وسمومها، حلو ومرها، عشرات الملايين وبعدة لغات، محشوّة برامجها بطرق مختلفة لغسيل المخ، وحتى من يغضب عليها يلتصق بها!

حصار قطر، وأنا أكرر تعاطفي مع السعودية والإمارات، مثل محاولات توم سدّ المنافذ أمام جيري بدلا من البحث عن طرق أخرى حتى يخر صريعا أو يتوقف عن المشاغبة.

اليمن حالة خاصة أتعاطف مع الإمارات والسعودية في محاولات وقف حراس الثورة الإسلامية ودعمهم الطائفي للحوثيين ضد الشرعية اليمنية، ولكن كيف يمكن الخروج من شرف المعركة إلى الهروب من المصيدة؟

قيمة الحوثي في عيون الإيرانيين لا تساوي شيئا، ولك أن تتخيل، مثلا، عندما يسقط شهيد إماراتي فإن كل القيادات تقوم بزيارة أهله، وتمنحه شرف الشهادة ، وتظل صورته العسكرية برّاقة أمام أهله وشعبه وقياداته، بعكس الجندي الحوثي الذي أوهمته قياداته الطائفية بروح فارسية أن الجنة تلهث خلف قتله لتباركه.

هل تتذكر، سمو الأمير، الحرب العراقية/الإيرانية، ولعلها بدأت قبل مولدك، عندما أقنع آيات الله الجنود الإيرانيين بمفاتيح الجنة، فكانت تحتشد على الجبهة كتائب المتوسلين للموت أن يحصدهم للحاق بالجَنـّـة!

وهذا ما سيحدث في مستقبل اليمن، وطهران مستعدة للتضحية بالملايين من الحوثيين والإيرانيين في أعوام قادمة لا تنتهي، فالإمارات لم تتنازل عن جزرها الثلاث المحتلة وقد تركت روح الشيخ زايد، رحمه الله، سلاح المقاومة في بسالة الجندي الإماراتي، ولم يبق أمام آيات قُم غير نزيف سعودي وإماراتي ينهي حلمي البلدين في مستقبل مشرق يحمل السعادة لأبناء الشعبين.

الصواريخ البالستية ليست من يمنيين يبحثون عن الطعام والقات، إنما من غزوة إيرانية طائفية غير مباشرة تُنهك السعودية والإمارات وتجعل البحرين وجبة صغيرة دسمة في نهاية الحرب اللانهائية.

سمو الأمير محمد بن سلمان،

قد يمدّ الله في عُمرك نصف قرن آخر، فهل أنت مستعد بعدما نجحتَ في معركة مراكز القوى في المملكة؟

ليس بعد، ولتعلم، حفظك الله، أن من يتغطى بالرداء الأمريكي، خاصة في عهد ترامب، كالعاري تماما!

لم أفهم فكرك الاقتصادي في منح أو استثمار عشرات المليارات في أمريكا حيث يُصرّ الرئيس، صوت وصورة، أن السعودية ليست بحاجة لأموالها ولكن لحمايتهم إياها، وهي فلسفة البلطجة، وعبقرية الإتاوة، وهي أموال يمكنك أن تصنع بها مملكة جديدة وقوية ومنتجة وتصنع سلاحها بنفسها.

هل تريد، سمو ولي العهد، أن تصبح شعبيتك أضعافا كثيرة في " كلمتين ونُص"؟

تقدَّم إلى شعب مصر، وليس إلى رئيس مصر، وقُل كلمة حب واحدة ملخصها أنك ستعيد للمصريين، شعبا وقوات مسلحة وتاريخا عظيما، الجزيرتين تيران وصنافير، وأن المملكة لن تحتفظ بذرة تراب بغير رضا شعبك المصري!

أقسم لك أنك ستصبح بين عشية وضحاها الزعيم الروحي للمصريين، وأنت تعلم أنه سيأتي الوقت، بعد عام أو عشرة أعوام أو خمسين أو قرن كامل لتجد جيش مصر، حينما يحكمها عاشق لأرضها ونيلها وجُزُرها، وقد دخل حربا مع الأشقاء لاسترداد الجزيرتين؛ فتحصد إسرائيل النصر بعدها، والعرب يخسرون كالعادة.

تلك نصائح لا يذكرها لك مَنْ حولك من محبين ومستشارين، وأنا أنصحك بها، محبة لوالدك العظيم، الذي أحمل في قلبي فضله عليَّ ما حييت!

كل ما قمت به لثورة التنوير وهو عمل رائع بكل المقاييس، لكنه منهزم أمام عشرات الآلاف من الفتاوىَ الدينية الفجّة والمتخلفة والمعادية للإنسانية والمشوهة لخاتمة الرسالات السماوية، والمؤسسة الدينية توالدت كالأرانب في مئة عام فدخلت نسيج ووجدان وعقل وإيمان المواطن السعودي، وعليك أن تنزعها بمساعدة عدة مئات من المثقفين والفلاسفة وعلماء الاجتماع والمؤرخين بعيدًا .. بعيدًا عن رجال الدين.

إن تنقية وتنظيف وتطهير الفتاوىَ هو الطريق الوحيد لقيام مملكة محمد بن سلمان المتصالحة مع العصر والقوية والمتمدّنة.

لقد بدأتها عندما قمت بزيارة البابا تواضروس في القاهرة، وصدمت المؤسسة الدينية المتطرفة في المملكة وكانت تلك إشارة البدء في مملكة التسامح السعودية.

إن إعلاما سعوديا جديدا لا يشار فيه إلى السعودية يؤتي أكُله أفضل من إعلام الأمراء واستقبالات روتينية تنقل المشاهد فورا ليتابع الجزيرة أو سعد الفقيه، وقد كتبت من قبل عدة مرات، وظل والدك، أطال الله عُمره، يشدّ أزري حتى لو لم يُشر صراحة لكل مقال حينما كان أميرًا لمنطقة الرياض.

أتفق مع المملكة في جمهورية الاستخبارات والسجون والمعتقلات السورية وذلك حتى بعد قيام ثورة الشباب بعدة أشهر، وحينما سرقها اللصوص الأوغاد، من دواعش ونصرة وجيش الإسلام وغيرها، كان يجب أن تُحسن المملكة الاختيار، وأن لا تدفع ريالا واحدًا في أسلحة ستنقلب على المملكة تماما كما انقلب صدام حسين.

سأسر إليك بما لا تعرفه، وقد يغضبك الآن، لكنك ستشكرني بعدما أغادر هذه الدنيا فعُمري يزيد عن عُمرك بأربعين عاما إلا قليلا.

إذا اخترت عينة عشوائية في مكان ناءٍ من شعوب وطننا العربي الكبير وسألتهم عن العدو الأول فسيرد تسعة أعشارهم بأنه النظام السعودي على الرغم من أن كوارث المنطقة كلها من إيران وتركيا وإسرائيل وكل التيارات الدينية وعلى رأسها الاخوان المسلمون والسلفيون والحوثيون.

تقديم المملكة في صورة جديدة عملية فاشلة إذا قام بها ترامب أو تيرزا ماي أو إعلام السيسي أو البشير، وهي بين يديك وتستطيع أن تقوم بأكبر ثورة ثقافية وفكرية وإعلامية وتعليمية وتنويرية.

أمامك، سمو الأمير، شعبنا السعودي وفيه كفاءات وعبقريات وموسوعات متحركة تنتظر الأمان بعد النقد، والأمن بعد إزاحة عصا المطاوعة، المجسدة والنفسية.

حتى هذه اللحظة فالمملكة العربية السعودية لم تنهزم في اليمن، ولكن بعد عامين أو ثلاثة تكون صواريخ إيران البالستية وربما الكيماوية قد أحالت حياة شعبنا السعودي إلى جحيم وتتبرأ طهران من أيدي الحوثيين.

عليك أن تصنع بيديك واستنارتك وتسامحك مملكة محمد بن سلمان على أسس جديدة، لا شرقية ولا غربية.

شعبيتك مرة أخرى تتضاعف إذا استغنيت عن ممتلكات وعقارات ويخوت وغيرها قد لا تكلفك عدة مليارات، لكنك تخسر بها أي جدال أو حوار بين اثنين: الخاسر منهما يؤيدك.

سمو الأمير محمد بن سلمان،

لم أشعر براحة في استقبالات الرئيس ترامب لك، وفيها غطرسة واستعلاء وفوقية وطاووسية وازدراء ضمني، فأنت ملك، أطال الله في عُمر والدك، ربما لنصف قرن قادم، وهو رئيس في دولة ديمقراطية جاء ليُذل العرب، ويثبّت أقدام تل أبيب، ويهيننا بنقل سفارته إلى القدس المحتلة، ويهددنا بقانون جاستا بحجة هجمات 11 سبتمبر التي ستظل فوق رقبة المملكة لعقود فالخصم والحكم واحد، وتعويضات ل800 شخص رفعوا دعاوى ضد المملكة تساوي ثلث ثروة السعودية.

أتمنى، رغم أن تمنياتي أضغاث خيال، أن أكتب لك دستورا جديدًا في كتيب عن مملكة محمد بن سلمان القوية والمتسامحة والمستقلة، فالشارع يمكن أن يكتب أفضل من القصر، وطبعا قراري في عدم زيارة المملكة قرار نهائي لا رجعة فيه.

تُرىَ من يستطيع أن يطبع مقالي هذا ويسلمه لك يدًا بيدٍ ولا ترتجف يداه، ويفهم أنها رسالة حب لك ولوالدك، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؟

في جعبتي مئات من الأفكار الصريحة والمُحبة والصادمة، وأكتفي بهذا القدر، مع دعائي أن يحفظ الله المملكة وشعبها وقيادتها وأرضها وثرواتها وخيراتها وسلامها.

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في 12 ابريل 2018

 

اجمالي القراءات 5505