رحلتى الى اسرائيل وفلسطين ( 1 )

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٩ - مارس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

رحلتى الى اسرائيل وفلسطين : ( 1 )

مقدمة : تغيبت حوالى اسبوع عن موقع أهل القرآن ، وكتبت للأحبة بهذا الغياب راجيا رعاية الموقع فى غيابى ، ولم أخبرهم بالسبب ، وهو أننى ذاهب فى رحلة الى فلسطين ، ولا بد أن أمر على تل ابيب ومنها الى مدينة نابلس . لماذا كانت هذه الرحلة ؟ وماذا جرى فيها ؟ أكتب هذه المقالات للتسجيل التاريخى لأول رحلة لى الى اسرائيل وفلسطين ، وثانى رحلة لى خارج أمريكا بعد حصولى على الجنسية الأمريكية .

أولا : السبب هو زفاف إبنى الأمير أحمد صبحى منصور

1 ـ هو رقم 3 فى أولادى ، عبقرى فى عمله فى الانترنت ، ويشغل منصبا مرموقا فى جامعة ميرلاند . أكثر أولادى شبها بوالدى الشيخ منصور محمد على . وأكثر أولادى تفانيا فى خدمة الآخرين ، وهو الذى يعمل ـ متطوعا ـ فى الاشراف التقنى على موقع أهل القرآن. مشكلتنا مع أمير هى تردده فى إختيار شريكة حياته . أخيرا تعرف بفتاة مسلمة أمريكية تعمل فى جمعية أهلية دولية معنية بالفلسطينين فى الضفة والقطاع ، وابواها يحملان الجنسية الأمريكية ، وهما أصلا من فلسطين ، أبوها استاذ سابق فى الرياضيات وأمها تحمل ماجيستير . أمير وبيسان إتفقا على الزواج ، وفرحنا بأنه بعد طول بحث قد عثر على فتاته التى يحلم بها . والداها كانا قد قررا الرجوع الى بلدتهما التابعة الى نابلس . وهما يريدان أن يكون الزفاف فى نابلس حيث يبنى بيتا فى أرضه هناك . السفر الى الضفة الغربية يستلزم دخول اسرائيل . حاولت أن أتفادى السفر بأن أقمت حفلا فى بيتنا فى فيرجينيا وقمت بعقد القران ، وقمت أيضا بإقامة حفل فى قريتنا ( أبوحريز ) على شرف العروسين ( أمير / بيسان ) لأقدم عذرا عن عدم مصاحبتى لهم فى حضور الزفاف فى نابلس . ولكن لأمير طبيعته الآسرة ، هو لا يحب الإلحاح على أحد ( مثلى تماما ) ، وعندما تعللت بأننى لا أستطيع السفر وحضور زفافه أبدى الرضا ، ولكن ملامحه كانت عكس ذلك . لم يكن فى مقدروى تخييب رجائه ، فوافقت على السفر .

ثانيا : السفر الى تل ابيب :

1 ـ كانت ـ ولا تزال ـ لدى عُقدة نفسية من الإجراءات الأمنية بسبب معاناة ربع قرن من الإضطهاد الأمنى فى مصر . سمعت عن الاجراءات المتشددة فى مطار تل ابيب ، من استجواب وفحص ، خصوصا مع من هم من أصل عربى حتى لو كانوا يحملون الجنسية الأمريكية . وسمعت عن نفس التشدد عند مغادرة اسرائيل ، وأن بعضهم فاته ميعاد الطائرة بسبب طول الاستجواب . كما سمعت عن الحواجز الأمنية بين الضفة واسرائيل وفى داخل الضفة ، وطوابير الانتظار والتعنت فى التعامل مع الناس . وقد كتب أحد القرآنيين فى الموقع عن هذه الحواجز ، وصدقته فكتبت مقالا أهاجم فيه هذه الاجراءات التعسفية وأدعو السلطات الاسرائيلية الى تخفيفها وأن تُحسن معاملة الفلسطينيين عموما وعند هذه المعابر .

2 ـ مخاوفى من الاجراءات الأمنية فى مطار تل أبيب  فى القدوم  وفى المغادرة ومخاوفى من أجراءات الأمنية عند المعابر ونحن نتنقل بين اسرائيل والضفة جعلنى أتصل بصديقى اليهودى تشارلز جيكوب ، ولنا تاريخ مشترك فى تكوين الجمعية الأمريكية فى بوسطن ( مواطنون من أجل السلام والتسامح ) ، وهو أيضا صاحب فضل فى مساندتنا . أخبرته بموضوع سفرى وخشيتى من الاجراءات التعسفية فى اسرائيل . صديقى النبيل كان سعيدا بهذا ، وطلب منى ان ارسل له صورا من جوازات سفرنا وتذاكر الطيران ، ووعد بأن يرسلها الى بعض أصدقائه فى اسرائيل لتيسير الأمر علينا . كما وعد بالاتصال ببعض معارفه من أساتذة الجامعات والمهتمين بمجال عملى الاصلاحى لكى نلتقى ونتعارف .

3 ـ سافرت مطمئنا . سبق أمير فى السفر فى يوم الاثنين 19 مارس ووصل قبلنا فى صباح يوم الثلاثاء . بينما وصلت أنا وأم محمد وابنى محمد بعد العشاء فى نفس اليوم . وكان مقررا أن يلحقنا فى اليوم التالى ابنى حسام من لوس انجليس ثم أبنى الشريف بعده بيوم . فى مطار بن جوريون حدث ما لم أتوقعه . حصلت سريعا أنا وزوجتى على تأشيرة الدخول . بينما ظل ابنى محمد حوالى ساعتين فى إستجواب . ثم إتصل بنا أمير وقال أنهم ظلوا يستجوبونه خمس ساعات ونصف الساعة قبل حضورنا ، وقد أعطاهم كل التفصيلات عن زفافه وعروسه وصهره ومن سيحضر معه، بل وأعطاهم  صورا من جوازات سفرنا على أمل التخفيف علينا فى الاستجوابات . أى لم يكن هناك داع لاستجواب محمد ، ولكنهم أستجوبوا ( محمد ).

4 ـ صديقى النبيل تشارلز جيكوب كان قد عرفنى بالايميل بصديقه ماكس سنجر ، وهو أستاذ جامعى على المعاش ، عمل من قبل فى مركز هيدسون الذى سبق أن إستضافنى عام 2005  وقدمت فيه محاضرة عن أهل القرآن . البروفيسير ماكس سنجر ــ الذى تعدى الثمانين ـ إنسان رائع بكل ما تحمله الكلمة . أعدّ لى برنامجا للقاء بعض المهتمين بعملنا الاصلاحى من الأكاديميين والمهتمين بالسلام . وكان ضمن ترتيبه أن يستقبلنى فى مطار تل ابيب البروفيسور هليل فريش استاذ العلوم السياسية فى جامعة إيلان ، وأن يقوم بتوصيلنا من تل ابيب الى القدس . وفعلا وصل بسيارته ينتظرنا . وأتصل بنا وكنت أنتظر إنتهاء استجواب ابنى محمد . شكرته ورجوته أن يرجع لأن الموضوع سيطول .

ثالثا : معاناة الحقائب

1 ـ كان هذا هو السبب الأول . أما السبب الآخر ـ وكان سبب مصاعب لاحقة ـ أن زوجتى أم محمد إعتادت أن تسافر الى مصر بحقائب ممتلئة بالملابس والهدايا لأقاربنا فى مصر . إعتادت أن تقوم بالتسوق وتطلب من الأولاد دفع الثمن وهم لا يرفضون لها طلبا . وفى رحلة سابقة الى مصر لحضور زفاف ابنى سامح فى قريتنا أبوحريز حملت هى والأولاد 14 شنطة ، ضاعت واحدة . فى هذه الرحلة حملت 12 شنطة ، وصلنا بها تل ابيب ، ومفترض أن نحملها من تل ابيب الى القدس ثم من القدس الى نابلس ، ثم بعدها من نابلس الى جسر الملك حسين ثم عمان ثم القاهرة .! رجع البروفيسير هليل فريش . وبعد أن تم استجواب محمد وحصوله على الفيزا خرجنا بالحقائب خارج المطار نبحث عن ميكروباس يحملنا بحقائبنا الى القدس .

2 ـ قبيل السفر إقترح ابنى محمد أن نسافر مباشرة من تل أبيب الى نابلس ومعنا الحقائب ، ثم أسافر أنا من نابلس الى القدس لأقابل الذين رشحهم بروفيسور ماكس سنجر حسب إتفاقه معى . كان الاقتراح الأمثل ، ولكننى  رفضته خوفا من التعرض لمعاناة الحواجز الأمنية بين الضفة والقدس فى الطريق من بابلس الى القدس. صممت على أن نقضى يومى اللقاءات فى القدس ، وبعد أن ننتهى منها نسافر الى نابلس . كان قرارا خاطئا متعبا مبنيا على معلومات خاطئة ـ هى معاناة الحواجز الأمنية بين الضفة واسرائيل .

3 ـ  الخطأ الثانى كان أفدح والأكثر إرهاقا لى . قام ابنى حسام بالحجز فى فندق فى داخل المدينة القديمة فى القدس الشرقية بناءا على رغبة ابنى محمد الذى يعشق القدس القديمة .

4 ـ وصل بنا الميكروباس الى باب الخليل على مشارف القدس القديمة . ووضع السائق لنا الحقائب على الرصيف ، إذ فوجئنا بأن المدينة القديمة بابوابها لا يمكن للسيارات أن تدخلها ، فشوارعها ضيقة للمشاة فقط وهى مرصوفة بالبازلت ، وطرقها متعرجة صاعدة نازلة ، وعلى الجانبين ألأسواق البازرات الشرقية . مكان رائع للسياح ( مثل شارع خان الخليلى ) ولكنها مدينة كاملة بشوارع متداخلة متقاطعة ، يستمتع الشباب بالسير فيها وسط الزحام ، ولكن ماذا عن عجوز مثلى يتوكأ على عصا ، ويعانى من آلام الركبتين ومفاصل الظهر ؟ ثم ماذا عن هذه الحقائب الملقاة فى منتصف الليل على الرصيف ونحن ( أنا وزوجتى وابنى محمد الى جانبها ) فى حيرة لا ندرى ماذا نفعل ، والناس يمرون بنا متعجبين .!.

5 ـ حضرت دورية بوليس إسرائيلية تستطلع الأمر ، كانوا من العرب الاسرائيليين ، كبيرهم كان غاية فى الأدب . تكلم معنا بلهجته الفلسطينة وفهم معاناتنا ، فاتصل بالفندق وأمر من هناك أن يأتى الينا ليحمل الحقائب . ظللنا فى إنتظار مرهق كئيب يقرب من الساعة ، ثم حضر القائم بإدارة الفندق ومعه صبى ، فوجد الحقائب فإرتاع . وظللنا جدل . أخيرا تطوع رجل بأن يحضر عربة يد ويحمل الحقائب فيها ويسير بها الى الفندق ـ متطوعا ـ أعطيناه مائة شيكل . تم حل المشكلة بوصولنا بحقائبنا الى الفندق ، ولكن بعد معاناة لى لم أتخيلها ، ولا أرجوها لأى إنسان معما بلغت خصومته لى . أنا اسير بصعوبة ، فقد نسيت المشى ونسينى المشى . وقيل لنا أنها مسافة قصيرة تستغرق عشر دقائق ، فقلت كيف سأتحمل المشى عشر دقائق . إتضح أنها مسافة مشى بالخطوة السريعة تقترب من ساعة ، ليس هذا فقط بل المشى فى طرق من أعلى الى أسفل ومتعرجة وببلاطات ناعمة تشجع قدمى الشاب على الانزلاق فكيف بعجوز مثلى وهن العظم منه ، ربما لو سقط لكانت مشكلة . أنا أعانى من المشى بضع خطوات ، وأعانى أكثر من صعود درجات السلم ، وأعانى أكثر وأكثر من نزول درجات السلم . ولا أستطيع السير إلا بتمهل . وبهذا سرت ( طريق الآلام ) خلال شوارع المدينة القديمة للقدس الى أن وصلنا الفندق ، وتعين علينا الصعود سلالم أخرى ، ووضعنا معظم الحقائب عُهدة مع المدير . وانتهت أول ليلة فى الرحلة فى معاناة نفسية وجسدية لم أكن أتخيلها .

6 ـ كان مقررا أن يلحق بنا ابنى حسام فى اليوم التالى . وفى مطار بن جوريون تعرض حسام لاستجواب استمر حوالى ساعة . هذا مع أنهم أخبروه بأن أخاه أمير سبقه وتمنوا له زفافا سعيدا . وكان مقررا أن يلحق بنا شريف بعدها بيوم ، وقد تعرض أيضا لاستجواب فى المطار أقل من ساعة . ووصل أصدقاء أمير وبيسان الأمريكيون  المدعوون لحفل الزفاف .

رابعا : رحلتى لا تشمل مصر .!

1 ـ من المقرر أنه بعد الزفاف أعود أنا وشريف ابنى الى أمريكا ، بينما يواصل الباقون الرحلة بالحقائب الى الاردن ومنه الى مصر لعمل حفل آخر فى القاهرة ، لا يمكننى حضوره ، وسيحضره الأهل الذين لم أرهم من عام 1998 ، ويبدو أننى سأموت دون رؤيتهم.!!.

2 ـ لا يمكننى حضور حفل الإستقبال لأمير وعروسه فى مصر ، كما لا يمكن لابنى شريف حضوره أيضا ، لأن شريف محكوم عليه بالسجن عامين فى مصر فى تلفيق قضية التمويل الأجنبى لثورة يناير ، حيث كان يعمل فى منظمة فريدوم هاوس الأمريكية الناشطة فى مجال الحريات ونشر الديمقراطية ، وكان شريف رئيس القسم الخاص بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا . حكم عليه عسكر مصر غيابيا بسنتين سجنا . هو شرف عظيم ل ( الشريف منصور ). وحتى الآن هو لا يستطيع ـ مثلى ـ السفر الى مصر.. هذا هو قدرنا .!!

3 ـ نستكمل غدا .

اجمالي القراءات 8790