زينون هو الفيلسوف اليوناني (الرواقي) الشهير وصاحب أهم مدرسة اعتبرت مصدر استنتاج الفكر البراجماتي
الرواقيون رأوا أن عدم القدرة على التغيير يحتم عليك القبول بالباطل على الأقل ..ومن ثم التعايش معه، هذا لأن الرواقي وضع مبدأ أصيل عنده هو (الفضيلة وعدم الانفعال) كوسيلة حصول على متعة السعادة، وكرد فعل على الحروب الأهلية اليونانية وصراع الأوربيين مع الفرس اللي ختمه الإسكندر الأكبر باحتلال بلاد فارس
وعشان نفهم القصة
الرواقيون وفيلسوفهم الكبير زينون عاشوا في عصر جمع بين (العقل والروح) بعد نهاية العصر الهليني بموت الإسكندر في القرن 4 ق.م.. وخد بالك يوجد فارق بين (الهلينية) و (الهلنستية) الأولى هي عصر العقل اليوناني انتهى بموت الإسكندر، الثانية هي عصر العقل والروح انتهى بسقوط اليونان وبدء حضارة الرومان في القرن 1 ق.م..
وكميزة أي فلسفة مزيج بين العقل والروح تظهر فيها الأدب والمثال، ومعها فنون النحت والشعر والقصة، واهتمام أكبر بالقيم الإكسيولوجية (الحب والخير والجمال) لذلك اعتبر الهلنستيون أساس الاتجاه الرومانسي الفلسفي في القرن 19، وكلاهما أي (الهلنستية والرومانسية) رد فعل على حروب وطغيان عامل المادة في نفوس البشر..
وفي فلسفة التاريخ اعتبرت الهلنستية مقدمة وترسيخ للفكر الديني المسيحي بعد ذلك بوصفها تجمع بين (العقل والروح)، نفس الشئ بعد الحرب العالمية الثانية توقع حركة نشطة للأديان والفكر الرومانسي ردا على مجازر هتلر وروزفلت..وهو ما حدث بإعادة إحياء التشدد الديني مرة أخرى خصوصا (الإسلامي والمسيحي واليهودي) بعد توقعات سابقة بقرون على انقضاء عهد التطرف وزوال خطر الكهنة..
المهم زينون وفلسفته الرواقية تأثرت بحروب الاسكندر وفارس وطبيعي يواجه هذا الوضع فكريا بطريقة مختلفة، فهو كمفكر شايف إن وضعه لن يغير شئ في السياسة القائم عليها مستبدون..بالضبط كالوضع العربي الحالي، المفكر الآن لا وزن له إطلاقا ولا يقوم بأي دور سياسي، ومعارك الدول يقوم عليها حمقى وشباب عديمي الخبرة..أو متطرفين متشبعين بالكراهية.
وبالتالي أصبح المطلوب ليس الحقيقة المعرفية (لأن مالهاش تلاتين لازمة) بل الانسجام مع المجتمع وقبول الواقع كما هو وليس كما يجب أن يكون، لأنك سواء قبلت أو ماقبلتش لن تغير شئ، فرأى زينون أن قبولك بالأصل علامة انفتاح وسعادة داخلية تحملك على العيش الآمن ومن ثم إمكانية التغيير بالأخلاق.
زينون استفاد من الفيلسوف "أبيقور" بحكم معاصرتهم رغم اختلاف فلسفتهم نسبيا عن بعض، لكن بالنظر هتلاقي إن الرواقية والأبيقورية متشابهين جدا في مبادئ الانسجام مع الباطل واعتزال السياسة والاهتمام بنشر الفضيلة والأخلاق..وهي سمة عامة للعصر الهلنستي أثرت على تفكير الناس وأصبحوا أقل ثورات توازيا مع ارتفاع ملحوظ لصراعات النخب، وهو تعبير عن حقيقة تاريخية في المادية الجدلية بتقول (حتمية الصراع)، يعني لو زينون وأبيقور ذهبوا بأفكارهم لاتجاه (اللاصراع) فكرهم نفسه سيتصارع مع بعضه..
وشخصيا اعتبر أن الرواقيين والأبيقوريين ساهموا في صناعة الفكر العلماني، فالعلمانية أخذت مبادئ العصر الهلينستي وطورتها لأسلوب الدولة الحديثة بمزيج من العقل والروح..وهذا هو أساس قبول العلمانية في المجتمعات الروحية (كالهند) والعقلية المادية (كبريطانيا) وإثبات قاطع إنها لا تتعارض مع الأديان بل تتناغم معها في الغالب، وهذه مشكلة أصابت العقل السلفي الإسلامي في مقتل، فكلما أرادوا اتهام العلمانية بالتحرر المادي والانسلاخ من الفضائل وجدوا لديهم نماذج علمانية أخلاقية وروحية..بل فاقت نسب الأخلاق في مجتمعات العرب..
كذلك مشكلة زينون كانت مع الفلسفة الكلبية التي أسسها الفيلسوف اليوناني "أنتيس تنيس" اللي ورث من سقراط عقلانيته الأبستمولوجية ، وقال إن الفضيلة مقدمة على اللذة، وباعتبار إن الانسجام مع الباطل هو بحث أصلا عن اللذة فبالتالي أصبحت أقوال أبيقور وزينون هي عنده (أصل الشرور) أو بالأحرى إعانة الشرير على شره، وقد قيل أن الكلبية تشابهت مع مبادئ المسيح، ورأيي أن التشابه موجود بالفعل...لكن الكلبيين عقلانيون..ومبادئ المسيح لم تذكر اهتماما بالعقل بل سيطرة تامة للروح، ممكن يكون اتجاه إنساني في زمن المسيح تأثر بفضائل العصر الهلنستي..يعني لا يتوقف ذلك على أنتيس تنيس بل رأيي أن ما قام به المسيح له جذور عند الرواقية والأبيقورية بشكل أكبر..وسمة التناغم مع الباطل واضحة في الأناجيل واتجاه القساوسة كمبدأ.."الخد الأيمن والأيسر"..هذا إفراط أصلا برفض تجليات الحروب والصراعات وتأسيس قاعدة مستقبلية لها..فإعانة الشرير على شره ليس قتلا للصراع كما يظن..بل مقدمة لصراع أكبر قد يكون مدمر فيما لو قررت مواجهته في السابق
وأخيرا : فالقول بالانسجام مع الباطل غير متحقق أصلا مع طغاة العرب الحاليون، الواقع يقول أن الصراع معهم حتمي، وإسقاطهم لا مفر منه، فلو كان زينون بيقول (أطيعوا المستبد وأولي الأمر منكم) فالحج أنتيس تنيس قال لأ (لا طاعة لمخلوق في الجهل والكذب)..وسيظل البشر في صراع أبدي بين القبول بالأمر الواقع ومقاومته..حتى يتغير التاريخ ويصبح الواقع القديم شر وتجربة لا يجب أن تتكرر..
الرواقيون رأوا أن عدم القدرة على التغيير يحتم عليك القبول بالباطل على الأقل ..ومن ثم التعايش معه، هذا لأن الرواقي وضع مبدأ أصيل عنده هو (الفضيلة وعدم الانفعال) كوسيلة حصول على متعة السعادة، وكرد فعل على الحروب الأهلية اليونانية وصراع الأوربيين مع الفرس اللي ختمه الإسكندر الأكبر باحتلال بلاد فارس
وعشان نفهم القصة
الرواقيون وفيلسوفهم الكبير زينون عاشوا في عصر جمع بين (العقل والروح) بعد نهاية العصر الهليني بموت الإسكندر في القرن 4 ق.م.. وخد بالك يوجد فارق بين (الهلينية) و (الهلنستية) الأولى هي عصر العقل اليوناني انتهى بموت الإسكندر، الثانية هي عصر العقل والروح انتهى بسقوط اليونان وبدء حضارة الرومان في القرن 1 ق.م..
وكميزة أي فلسفة مزيج بين العقل والروح تظهر فيها الأدب والمثال، ومعها فنون النحت والشعر والقصة، واهتمام أكبر بالقيم الإكسيولوجية (الحب والخير والجمال) لذلك اعتبر الهلنستيون أساس الاتجاه الرومانسي الفلسفي في القرن 19، وكلاهما أي (الهلنستية والرومانسية) رد فعل على حروب وطغيان عامل المادة في نفوس البشر..
وفي فلسفة التاريخ اعتبرت الهلنستية مقدمة وترسيخ للفكر الديني المسيحي بعد ذلك بوصفها تجمع بين (العقل والروح)، نفس الشئ بعد الحرب العالمية الثانية توقع حركة نشطة للأديان والفكر الرومانسي ردا على مجازر هتلر وروزفلت..وهو ما حدث بإعادة إحياء التشدد الديني مرة أخرى خصوصا (الإسلامي والمسيحي واليهودي) بعد توقعات سابقة بقرون على انقضاء عهد التطرف وزوال خطر الكهنة..
المهم زينون وفلسفته الرواقية تأثرت بحروب الاسكندر وفارس وطبيعي يواجه هذا الوضع فكريا بطريقة مختلفة، فهو كمفكر شايف إن وضعه لن يغير شئ في السياسة القائم عليها مستبدون..بالضبط كالوضع العربي الحالي، المفكر الآن لا وزن له إطلاقا ولا يقوم بأي دور سياسي، ومعارك الدول يقوم عليها حمقى وشباب عديمي الخبرة..أو متطرفين متشبعين بالكراهية.
وبالتالي أصبح المطلوب ليس الحقيقة المعرفية (لأن مالهاش تلاتين لازمة) بل الانسجام مع المجتمع وقبول الواقع كما هو وليس كما يجب أن يكون، لأنك سواء قبلت أو ماقبلتش لن تغير شئ، فرأى زينون أن قبولك بالأصل علامة انفتاح وسعادة داخلية تحملك على العيش الآمن ومن ثم إمكانية التغيير بالأخلاق.
زينون استفاد من الفيلسوف "أبيقور" بحكم معاصرتهم رغم اختلاف فلسفتهم نسبيا عن بعض، لكن بالنظر هتلاقي إن الرواقية والأبيقورية متشابهين جدا في مبادئ الانسجام مع الباطل واعتزال السياسة والاهتمام بنشر الفضيلة والأخلاق..وهي سمة عامة للعصر الهلنستي أثرت على تفكير الناس وأصبحوا أقل ثورات توازيا مع ارتفاع ملحوظ لصراعات النخب، وهو تعبير عن حقيقة تاريخية في المادية الجدلية بتقول (حتمية الصراع)، يعني لو زينون وأبيقور ذهبوا بأفكارهم لاتجاه (اللاصراع) فكرهم نفسه سيتصارع مع بعضه..
وشخصيا اعتبر أن الرواقيين والأبيقوريين ساهموا في صناعة الفكر العلماني، فالعلمانية أخذت مبادئ العصر الهلينستي وطورتها لأسلوب الدولة الحديثة بمزيج من العقل والروح..وهذا هو أساس قبول العلمانية في المجتمعات الروحية (كالهند) والعقلية المادية (كبريطانيا) وإثبات قاطع إنها لا تتعارض مع الأديان بل تتناغم معها في الغالب، وهذه مشكلة أصابت العقل السلفي الإسلامي في مقتل، فكلما أرادوا اتهام العلمانية بالتحرر المادي والانسلاخ من الفضائل وجدوا لديهم نماذج علمانية أخلاقية وروحية..بل فاقت نسب الأخلاق في مجتمعات العرب..
كذلك مشكلة زينون كانت مع الفلسفة الكلبية التي أسسها الفيلسوف اليوناني "أنتيس تنيس" اللي ورث من سقراط عقلانيته الأبستمولوجية ، وقال إن الفضيلة مقدمة على اللذة، وباعتبار إن الانسجام مع الباطل هو بحث أصلا عن اللذة فبالتالي أصبحت أقوال أبيقور وزينون هي عنده (أصل الشرور) أو بالأحرى إعانة الشرير على شره، وقد قيل أن الكلبية تشابهت مع مبادئ المسيح، ورأيي أن التشابه موجود بالفعل...لكن الكلبيين عقلانيون..ومبادئ المسيح لم تذكر اهتماما بالعقل بل سيطرة تامة للروح، ممكن يكون اتجاه إنساني في زمن المسيح تأثر بفضائل العصر الهلنستي..يعني لا يتوقف ذلك على أنتيس تنيس بل رأيي أن ما قام به المسيح له جذور عند الرواقية والأبيقورية بشكل أكبر..وسمة التناغم مع الباطل واضحة في الأناجيل واتجاه القساوسة كمبدأ.."الخد الأيمن والأيسر"..هذا إفراط أصلا برفض تجليات الحروب والصراعات وتأسيس قاعدة مستقبلية لها..فإعانة الشرير على شره ليس قتلا للصراع كما يظن..بل مقدمة لصراع أكبر قد يكون مدمر فيما لو قررت مواجهته في السابق
وأخيرا : فالقول بالانسجام مع الباطل غير متحقق أصلا مع طغاة العرب الحاليون، الواقع يقول أن الصراع معهم حتمي، وإسقاطهم لا مفر منه، فلو كان زينون بيقول (أطيعوا المستبد وأولي الأمر منكم) فالحج أنتيس تنيس قال لأ (لا طاعة لمخلوق في الجهل والكذب)..وسيظل البشر في صراع أبدي بين القبول بالأمر الواقع ومقاومته..حتى يتغير التاريخ ويصبح الواقع القديم شر وتجربة لا يجب أن تتكرر..