المراة في الاسلام بين التكريم و الذهنية السلفية

مهدي مالك في الأربعاء ٠٧ - مارس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 

المراة في الاسلام بين التكريم و الذهنية السلفية

مقدمة لا بد من منها                               

كثير ما يطرح موضوع المراة في الاسلام منذ عقود طويلة داخل مجتمعات شمال افريقيا و مجتمعات الشرق الاوسط وفق مقاربات مختلفة بحسب السياق السياسي و السياق الديني لكل مجتمع على حدة .

غير ان المشترك داخل هذه المجتمعات باستثناء بعض النماذج مثل تونس و تركيا الخ هو الخطاب الديني الرسمي و المؤسس على السلفية بدرجاتها من الوهابية المتوحشة الى السلفية المتحالفة مع السلطة كما هو الحال بالنسبة لحالتنا المغربية..

و كما قلت مرارا و تكرارا في مقالاتي المنشورة في موقع اهل القران ان اكبر تحدي يقف امام تحديث الاسلام و المسلمين هو الذهنية السلفية ببعدها الديني و السياسي لان فكرة اقامة ما يسمى بالخلافة الاسلامية لم تاتي من الفراغ على الاطلاق بل هي فكرة اصيلة في كتب التراث السلفي من قبيل الحديث و الفقه البشري او الوضعي بمعنى وضعه انسان في سياق لم يعد موجود الان في اغلب مجتمعاتنا الاسلامية التي انتقلت الى مفهوم الدولة الحديثة عبر التحاكم الى القوانين الوضعية و عبر اجراء الانتخابات الخ ....

الى صلب الموضوع                    

 

ان التنظير لحقوق المراة في مجتمعاتنا الاسلامية يعتبر عملية صعبة للغاية بحكم طبيعة ثقافتنا الدينية السائدة و المعتمدة على التاويل السلفي للاسلام بشكل جوهري و اقصد الخطاب الديني الرسمي لدى اغلب دولنا الاسلامية كما اشرت سابقا .

ان الاحتفال باليوم العالمي للمراة يعتبر مناسبة بالنسبة لنا بغية طرح جملة من الاسئلة الاساسية حول واقع المراة في مجتمعاتنا الاسلامية خصوصا بعد مرور موجات الربيع الديمقراطي و وصول التيارات المسماة بالاسلامية الى السلطة بتونس و المغرب بفضل الامية الابجدية و الامية التاريخية و بفضل رفع شعار الاسلام هو الحل الخ من فضائل الوهابية المتوحشة التي عملت طيلة هذه العقود بهدف منع المسلمين و المسلمات من التقدم في سياقهم الانساني و بهدف قتل اية مبادرة للتحديث و التطور من داخل الدين الاسلامي نفسه ...

ان التنظير لحقوق المراة في مجتمعاتنا الاسلامية حسب اعتقادي المتواضع ينبغي له ان يحارب التاويل السلفي للاسلام بصريح العبارة لان عامة الناس يعتقدون ان الاسلام حسب قراءته السلفية قد اعطى حقوقا مشرفة للمراة المسلمة لكن التنظير شيء و الواقع التاريخي شيء اخر ...

عندما كنت ابلغ من العمر 16 سنة اي في اوج مشاكلي العميقة مع ايديولوجية التخلف القروي كنت احب مشاهدة بعض الفضائيات السلفية حيث كنت انذاك مجرد معاق لا علم له و كنت اصدق كل ما يقال كاي انسان امازيغي مسلم حيث حينما  اسمع انذاك شيخ سلفي يقول ان الغرب يريد نشر الانحلال و الفجور في عالمنا الاسلامي عبر الفضائيات الاباحية و دعوات لتحرير  المراة الخ كنت اعتقد وقتها ان ما يقوله هؤلاء الشيوخ هو عين الحق.

لكن حينما اصبحت شاب واعي بعدة قضايا من قبيل قضية الاسلام السياسي و قضية المراة حيث اكتشفت مدى زيف كلام هؤلاء الشيوخ لان هذا الخطاب المضاد يحاول اخفاء حقيقة معاداة الذهنية السلفية للمراة و حقوقها حيث يقول مثلا ان الاسلام هو دين الاخلاق الفاضلة و العفاف حيث لا يوجد في ديننا شيئا يدعو الى استحلال الفجور او الى العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج على الاطلاق.....

ان خطابنا الديني الرسمي بالمغرب منذ سنة 1956 الى اليوم لم يكن الا خطاب سلفي على طول الخط حيث لو سالت الان اي فقيه مغربي سؤال صغير لكن مضمونه عظيم الا و هو هل المراة عورة ام لا حيث سيرد عليك بجواب واحد لا ثاني له نعم انها عورة اي عليها عدم السلام باليد على الرجال الاجانب عنها و عدم الخروج من بيتها باعتبارها ستساهم في اثارة شهوات الرجال الجنسية الخ من هذه القيم السلفية المعتمدة لدى اغلب فقهاءنا الان بالمغرب بمعنى هناك مسافة شاسعة بين فكر فقهاءنا الكرام و تطلعات الحركة النسائية ببلادنا .

 ان هذه القيم السلفية لن تساهم في تقدم المراة المسلمة في سياقها الانساني المعاصر باعتبارها قيم لبست ملابس الاسلام منذ عهد بني امية الى الان بمعنى انها قيم جاهلية بصريح العبارة و لا تستحق ان تسمى بالقيم الاسلامية على الاطلاق بصفتها تفرق بين المراة الحرة و الجارية او العبدة  حيث يحق لها او المفروض عليها حسب  فقهاء السلف الأفاضل كما يسمون عندنا التعري كاملا امام الرجال في عز النهار امام العامة اي ان التاويل السلفي للاسلام أجاز النظر الى جسد الجارية العاري ثم الاستمتاع به في الفراش بدون عقد الزواج كأن الاسلام لم ينزل قط على العرب نهائيا  .

 ان انتشار تيارات الاسلام السياسي في معظم الدول الاسلامية و الحاملة لافكار عودة الخلافة القرشية الى حيز الوجود كما اسميها كحد اقصى و تطبيق الشريعة الاسلامية كما فهمها علماء السلف منذ 1200 عام على واقعنا الراهن كحد ادنى حيث ان هذه الاحلام المستحيلة تحقيقها بالنسبة لنا  كدول حديثة لها دساتير و اتفاقات دولية و لها  جمعيات حقوق الانسان التي تناضل من اجل محاربة كل مظاهر التمييز بسبب الجنس او الدين و اللون الخ...

يوجد راي غالب في المجتمعات الاسلامية برمتها الا و هو ان الغرب المسيحي يعتبر المسؤول الاول و الاخير عن فساد اخلاق المسلمين منذ عقود من الزمان بفعل الاستعمار و الغزو الثقافي الحامل لتصورات هذا الغرب الكافر و الفاسق اخلاقيا حسب منظور اغلب السلفيين في عالمنا الاسلامي باعتبارهم حماة الدين الخاتم و الاخلاق الاسلامية من قبيل العفاف و الشرف و الوقار المجتمعي..

غير ان هناك الحقيقة المؤلمة التي قد تم تجاهلها من طرف دعاة السلفية و جل العلماء في الشرع الاسلامي تقول بصريح العبارة ان فقهاء السلف قد شوهوا الاسلام عبر تحويله الى دين يقدس التقاليد العربية ما قبل الاسلام و جعلها في صميم الاسلام وفق التاويل السلفي  من خلال اعادة السبي و هتك الاعراض حيث كان من الطبيعي في عز الخلافة الاسلامية  ان يمارس الرجال الجنس دون اي عقد شرعي مع الجواري و مع السبايا بدون اي حدود بمعنى ان في عز دولة الخلافة العادلة حسب وصف دعاة السلف اي الدولة الاموية و الدولة العباسية الخ من دول المشرق العربي كانت تمارس الدعارة في واضحة النهار امام الجميع من خلال اسواق النخاسة حيث تعرض لحم النساء و البنات للبيع و الشراء تحت سند ديني كاذب الا و هو ملك اليمين حيث صحيح ان ايات ملك اليمين موجودة في القران الكريم لكن فقهاء السلف أعطوا تفسير يناسب مع سياق دولة الخلافة التوسعي مع ما يسمى بالفتوحات الاسلامية  و اصلا ان الاعراب اختزلوا دور المراة في الفراش و الطاعة فقط   ..

و لهذه الاسباب نرى ان تيارات الاسلام السياسي في دول شمال افريقيا و في دول الشرق الاوسط تعارض تحرر المراة  من قيود الذهنية السلفية من اجل احتلال مناصب عليا في الدولة الحديثة لان هذه التيارات مازالت تحين الى استرجاع دولة الخلافة ...

ان المراة المسلمة الان ليست بالحاجة الى قيم السلف الصالح كما تسمى على الاطلاق باعتبارها تعيش في عصر اخر يسود فيه قيم التعدد و العيش المشترك حيث انها اصبحت وزيرة و طبيبة و تقود الطائرة في السماء بدون الحاجة لفتوى سلفية سخيفة حول جواز قيادة الطائرة في السماء او جواز الاختلاط مع الرجال في السماء او في الارض الخ من هذه الفتاوى المتجاوزة  اصلا.

ان الاسلام الحقيقي قد كرم المراة و أعطاها حقوقا مشرفة بمقارنة مع وضعتها قبل الاسلام في شبه الجزيرة العربية بشكل خاص لان اجدادنا  الامازيغيين قبل اسلامهم كانت امراة تحكمهم ..

ان العالم صار قرية صغيرة بفضل الغرب المسيحي الذي نجح منذ قرون في احداث نهضة دينية تنويرية حقيقية بفصله التام عن السياسة كشرط جوهري للانطلاق في التقدم و اختراع اشياء مفيدة للانسانية جمعاء بدون التمييز بين العالمي كمصطلح قراني ....

 و اما فقهاء السلف فانهم اخترعوا قيم تمنع العقل المسلم من الاختراع و الاسهام ايجابيا في الانسانية و اخترعوا  فتاوى تقتل كل العالمين باعتبارهم  ليسوا الفرقة  الناجية ....

mehdi1983k@gmail.com

اجمالي القراءات 5538