الدور الخفى للصحابة الذين مردوا على النفاق فى عهد النبوة : محاولة للفهم
مقدمة :
1 ـ عن مقالة (عثمان بن عفان ) السابقة جاءت تعليقات ، ورددت عليها ، وأعيد النشر هنا لتسجيل هذا التفاعل الذهنى بيننا فى موقع أهل القرآن .
قالت بنت الفرات ( شكرا لك دكتور احمد على هذه المقاله الرائعه، انه فعلا مكر تزول منه الجبال فعثمان بمكانته وثراءه ترك كل هذا وهاجر الى المدينه كي يتجسس على النبي عليه السلام. الا يدل هذا ان قريش قد احست منذ البدايه قبل اخراج المسلمين من مكه بنجاح دعوة الرسول عليه السلام واثر ذلك بالنهايه على تجارتهم وثرائهم ومكانتهم بين القبائل الاخرى، فبعثوا اكابرهم جواسيس. عثمان لم يكن ليترك ماله وراحته ويهاجر لو لم يحس انه هناك تهديد حقيقي لثروته ومكانته الاجتماعيه، كان بامكان قريش ان تشتري المعلومات والجواسيس من داخل المدينه ومن حولها لكن احساسها بالخطر الحقيقي تطلب وجودهم الدائم مع النبي عليه السلام ومصاحبته. والمسلمون مع كل هذا التاريخ الاسود لعثمان وضعوا حديثا للنبي محمد عليه السلام ما معناه ان عثمان اشبه اصحابه به خلقا )
وكتب الاستاذ سعيد على ( النفاق ظاهة لم ولن تنتهى ) : ( أولا : ملامح المنافقين : في دولة النبي محمد عليه السلام ظهرت ظاهرة جديرة بالتحذير منها و هي ظاهرة النفاق لذا استلزم الأمر أن تنزل سورة كاملة باسم المنافقون و نلمح من خلال هذه السورة صفات المنافقين و هي : الكذب : يقول سبحانه : ( و الله يشهد أن المنافقين لكاذبون ) يتخذون من الإيمان الظاهري وقاية و يبطنون ما لا يظهرون : ( اتخذوا أيمانهم جنة ) ، الإيمان ثم الكفر : ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا ) لهم هيبة في الشكل و المظهر و الخطابة : ( و إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و إن يقولوا تسمع لقولهم ) الفسق : ( إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ) . يجاهرون بعدم الإنفاق في أعمال الخير : ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله. الغرور و التباهي بالعزة – الملأ غالبا – العنصرية القبلية : ( يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منا الأذل ) ، التلّهي بالأموال و الأولاد عن ذكر الله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله ) هذا التلّهي هي صفة الخاسر . ثانيا : في دولة النبي محمد عليه السلام دولة الحرية و العدالة – العلمانية الحقيقية - : المنافقون من حيث معرفتهم من عدمها صنفين صنف معروف و آخر غير معروف. و الأخطر هو الصنف الآخر الغير معروف و هذا الصنف يمتلك من المكر و الدهاء بحيث أصبح غير معروفا على النبي عليه السلام و المؤمنين المخلصين و فضحته أعماله بعد انتهاء القران الكريم نزولا و وفاة النبي عليه الصلاة و السلام . في دولة النبي محمد عليه السلام كان الكثير من المنافقين معروفون و يعرفهم أهل المدينة يقول جل و علا : ( إذا جاءك المنافقون ) ، ( و إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ) ، ( و إذا قيل لهم تعالوا ) لاحظ كلمة تعالوا كناية على الأكثرية المعروفة ، ( هم الذين يقولون ) لاحظ كلمة يقولون كناية على الأكثرية ( لا تنفقوا ) أي هم معروفون في المجتمع المدني الذي ينفق أي أن هناك من ينفق و من لا ينفق و من يحرض على عدم النفقة ، فالذين يحرضون بالقول على عدم الإنفاق هم معروفون و هم المنافقون و لأنهم معروفون و يأمنوا على حياتهم في ظل دولة النبي عليه السلام دولة العدل و الحرية فقد جاهروا علانية بأن يخرجوا ( الأذل ) !! أي أن العنصرية متأصلة فيهم و بالتالي هم من الملأ المدني أصحاب النفوذ المالي و الاجتماعي و مع ذلك تمتعوا بالحرية و هم كافرون مرتدون عن الإسلام ( هنا ملمح واضح لبطلان ما يسمى بحد الردة . الأخطر هم الفئة ذات المستوى ( الراقي في النفاق !!! ) أعلى مراتب النفاق غير معروفين لا للنبي محمد عليه السلام و لا للمؤمنين يقول جل و علا : ( لا تعلمهم نحن نعلمهم ) هؤلاء موجودون في : ( حول المدينة من الأعراب ) و ( من أهل المدينة ) و أول خيط لمعرفتهم هو تأريخي ! و ليس قرآني ذلك لأن القران الكريم إنتهى نزولا بعد وفاة النبي عليه السلام و أول الخيط هو : ( سنعذبهم مرتين )) .
وكتب الاستاذ محمد على الفقيه : ( تقديس الصحابة تيئيس وتحقير للآخرين ) : ( البعض يقول ابو بكر انفق ماله كلة طيب لنفسه أم لنفسك طيب هل هذه المقوله تحفز الناس على الأنفاق بالطبع لا لماذ؟لأنها مقولة بشرية ليست وحي منزل . وايضا مقوله ماضر عثمان ما عمل بعد اليوم كما في الروايات حين انفق ثلثين ماله طيب هل سيفترى الرسول على الله كذبا ان يشهد زور لعثمان ان ماعمل قبل ان ينفق لا يحاسب عليه؟؟؟. اقلعوا عن الفكر الموروث . رساله الله لمحمد تجعلك تعمل بالخير وأنت في القرن العشرين أعظم ممن عاصروا الرسول لأنها رساله عالميه فالله رحيم بالجميع. ما يفعل بعذاب الناس في ماقبل 1400عام ومن هو في القرن العشرين ومن سيأتي بعدنا الى قيام الساعة. كفاهم تحطيم آمال الناس وعقولهم وتثبيطهم عن الخير:( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) وقلت : ( شكرا أحبتى على هذا العصف الذهنى ..ونحتاج الى المزيد ) : 2 ـ
( كما قلت فى نهاية هذا المقال :إن الباب لا يزال مفتوحا للنقاش . هى جوانب ظلت مخفية أكثر من ألف عام لا يتطرق أحد الى درسها بل لا يجرؤ أحد على مجرد تصورها. نحن هتكنا عنها الحجب ، وهى البداية الأولى فى تاريخ ( المسلمين )الفكرى لا يستطيع باحث بمفرده أن ينهض بهذا ـ لا بد من عصف ذهنى نتشارك فيه جميعا ، نتدبر القرآن الكريم ونتعقله وبنوره نبحث روايات التراث من تاريخ وحديثث وتفسير لنتعرف ليس فقط على التناقض بين الاسلام والمسلمين ولكن أيضا لنكتشف أن الخلفاء ( الراشدين ) وصحابة الفتوحات هم شياطين الإنس الذين طعنوا الاسلام وشوهوا مبكرا صورته النبيلة السمحة ، ولا تزال تلك الصورة المقيتة تلتصق بالاسلام حتى الآن ـ يعززها أن أولئك الشياطين قد اصبحوا آلهة فى أديان المحمديين الأرضية ، من أجلهم يكفر المحمديون بالقرآن الكريم . سعدت بهذه الاضافات التى كتبتها بنت الفرات والاستاذ سعيد على والاستاذ محمد على الفقيه .. وننتظر المزيد ) .
3 ـ هذا النقاش مع إعادة التدبر فى الآيات القرآنية عن عصر النبى محمد عليه السلام قاد الى هذا الموضوع : (الدور الخفى للصحابة الذين مردوا على النفاق فى عهد النبوة : محاولة للفهم ) :
أولا : أنواع المؤمنين :
السابقون من المهاجرين والأنصار:(الحشر 8 : 9 )(الحجرات 15 )(التوبة 100 ) . ظلوا سابقين إيمانا وعملا حتى الموت ، لم يشاركوا فى الفتوحات التى أبهرت التاريخ ، لذا تجاهلهم التاريخ الذى ينام فى أحضان الطغاة .
المؤمنون المستضعفون :
1 ـ منهم من دخل فى الاسلام بالمعنى السلوكى ، وهاجر، وظل على تقديسه الأنصاب الى أواخر ما نزل من القرآن واستمر بعدها ( المائدة 90 : 92 ) . ومنهم من هاجر وكان يتثاقل عن القتال الدفاعى :( النساء 77 : 78 )(البقرة 216 ). وظلوا على تثاقلهم الى أواخر ما نزل من القرآن الكريم (التوبة 13 : 16 ، 38 : 39):
2 ـ ومنهم من عجز عن الهجرة وظل فى مكة رغم أنفه تحت الاضطهاد يتمنى الخروج منها ولا يستطيع : ( النساء 75 ، 97 : 99 ). وكانت قريش تمنعهم من الصلاة فى المساجد فوصفهم رب العزة بالوقوع فى أكبر الظلم ( البقرة 115 ) .
3 ـ وبعد مرحلة الهجرة الجماعية إتخذت قريش بعدها سياسة جديدة ، كانت تمنع المستضعفين من الهجرة حتى لا يكشفوا أسرار قريش للنبى والمؤمنين فى المدينة ، وكانت أخشى ما تخشاه هو كشف عصابتها من الجواسيس الذين زرعتهم حول النبى ، أولئك الذين مردوا على النفاق وكانوا قرب النبى ولم يعلمهم . وبسبب هذا فقد طاردت قريش أى محاولة للهجرة ، حتى لقد أنزل رب العزة جل وعلا تشريع القصر فى الصلاة فى سياق موضوع الهجرة ، بإعتبارها حالة الخوف أثناء الهجرة مثل الإشتباك الحربى . ( النساء 97 : 104 ). ودخل فى الاسلام آخرون كتموا إيمانهم وظلوا مع المستضعفين فى مكة حتى قبيل فتحها،ولم يكن يعرفهم النبى والمؤمنون فى المدينة، وحرصا على حياتهم قال جل وعلا : ( هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ )(25)الفتح ). من ناحية أخرى كانت قريش ترسل جواسيس من النساء ، فأمر الله جل وعلا المؤمنين أن يعقدوا لأولئك المهاجرات إمتحانا ( أمنيا ) بمعنى الأمن وليس بمعنى الايمان القلبى الذى لا يعلمه إلا علام الغيوب جل وعلا ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) (10) الممتحنة ).
4 ـ بهذا نفهم وجود ( حرب مخابرات ) شنتها قريش على النبى والمؤمنين فى المدينة ، ونجحت فى زرع هذا الطابور الخامس الذى مرد على النفاق حول النبى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ).
مؤمنون مهاجرون عاديون :
أولئك لم يكونوا سابقين إيمانا وعملا ،ولم يكونوا من الذين مردوا على النفاق . ونتعرف عليهم من خلال الموالاة .
ثانيا : الموالاة :
فى حالة الحرب التى شنتها قريش على النبى والمؤمنين برز مصطلح الموالاة ، أو الانحياز لهذا المعسكر أو ذاك . ومن المفترض أن يوالى المؤمنون الدولة التى ينتمون اليها والتى تواجه هجوما معتديا من قريش وغيرها . ومع وضوح هذا الأمر فقد تباينت المواقف .
1 ـ فى البداية فقد وضع رب العزة جل وعلا أساس الموالاة ، وهى الهجرة ، تبدأ الموالاة بأن تهاجر الى الدولة الاسلامية فتكون هذه الدولة ملزمة بالدفاع عنك ، قال جل وعلا :
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) الانفال ). واضح هنا أن الموالاة للدولة تتحق بالهجرة اليها والحصول على المواطنة فيها. من لا يهاجر ليست له موالاة حتى يهاجر. ولو تعرض لاضطهاد وطلب النُّصرة من الدولة الاسلامية فعليها أن تنصره إلا إذا كانوا فى دولة بينها وبين الدولة الاسلامية معاهدة بالسلام .
2 ـ تطبيق الموالاة إختلف :
2 / 1 : المؤمنون المستضعفون فى مكة ـ وهم تحت الاضطهاد الدينى والمراقبة ـ نزل فى حقهم تشريع التقية حفاظا على حياتهم . أى لهم أن يتظاهروا بموالاة المشركين المعتدين ظاهريا وليس قلبيا ، قال جل وعلا : ( لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) آل عمران). هذه التقية الاسلامية تختلف عن التقية الشيعية التى تعنى التآمر للوصول الى الحكم ، وتختلف عن معارضة المنافقين فى المدينة ، وقد تمتعوا بالحرية المطلقة فى الدين وفى السياسة قولا وعملا ـ دون اللجوء للسلاح .
2 / 2 : لا نتصور أن يوالى المؤمنون السابقون الكافرين المعتدين .
2 / 3 : المشكلة فى المؤمنين العاديين والمستضعفين
2 / 3 / 1 : عانى أولئك المهاجرون من الحنين الى مكة والى أهاليهم الكافرين ، وطبّق بعضهم هذا الحنين موالاة لأقاربهم القرشيين المعتدين ومودة لهم ، وتناسوا العداوة القرشية لله جل وعلا ورسوله وأنهم أخرجوهم من ديارهم إثما وعدوانا ، فنزل قوله جل وعلا لهم :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) الممتحنة ).
2 / 3 / 2 : لم يتعظوا بهذا التحذير ، فنزل قوله جل وعلا يصف المؤمنين الحقيقيين : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (22) المجادلة )
2 / 3 / 3 : لم يتعظوا أيضا فنزل تحذير أشد فى قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً (144) النساء ).
3 ـ المنتظر من المهاجرين الذين مردوا على النفاق أن يوالوا الكافرين الذين أرسلوهم عيونا على النبى عليه السلام ودولته . نزل وصفهم بأنهم مردوا على النفاق فى أواخر ما نزل فى سورة التوبة . قبلها جاءت الاشارة اليهم بالمنافقين الذين تقلبوا بين إيمان وكفر ثم ثبتوا على الكفر موالاة منهم للكافرين ، قال جل وعلا عنهم فى سورة النساء : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139) النساء ). هنا حكم مسبق عليهم بالعذاب لأن الكفر تمكّن منهم ، ولأنهم به سيعيشون وبه يموتون .
أخيرا : إشارات أخرى للذين مردوا على النفاق :
1 ـ أول إشارة لهم جاءت بعد الإنتصار غير المتوقع فى بدر . واضح أن حقدهم على هذا الانتصار جعلهم يحاولون التأثير على المؤمنين الذين يمكنهم التأثير فيهم . قال جل وعلا لأولئك المؤمنين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) الانفال ) أى تأثروا بمن قال عنهم جل وعلا فى الآية التالية :( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) الأنفال )، وتوالى الوعظ والتحذير والتذكير : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)) هنا وعظ لهم من أن يكونا خائنين ، أى إشارة الى وجود خائنين من المهاجرين . ثم قال جل وعلا يحذرهم من فتنة المال والأولاد : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)) ثم حثهم على التقوى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)) ثم جاءت الإشارة الى المكر القرشى : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الانفال )
2 ـ الآية 28 من سورة الأنفال أشارت مسبقا الى ( المال )عاملا هاما إستغله الذين وصفهم رب العزة جل وعلا ـ فيما بعد بأنهم ( مردوا على النفاق ) . هذا يستلزم توضيحا :
2 / 1 : قريش كانوا الأكثر ثراءا بين العرب ، الى درجة أن الله جل وعلا نهى النبى محمدا وهو فى مكة عن الإفتتان بما معهم من زينة الحياة الدنيا وزهرتها ، قال له ربه جل وعلا : ( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) طه ) . لاحظ كلمة (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ) .
وكانت قريش بثرائها تتقلب فى البلاد تتاجر وتستمتع . وجاء النهى مرتين للنبى ألا يغتر بهذا التقلب فى البلاد :( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) آل عمران ) ( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4) غافر ).
2 / 2 : المنتظر من قريش أن تكون سخية فى إنفاق مالها فى حرب النبى والمؤمنين ، وقد بدأ هذا مبكرا بعد هزيمتهم فى معركة بدر، وأخبر به رب العزة وأنبأ أن هذا الإنفاق سيكون عليهم حسرة : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) الانفال ).
2 / 3 : والمنتظر أن يكون أولئك الجواسيس تجارا مهرة ، وبهم تحولت المدينة ـ التى كانت تقتصر على الزراعة ـ الى مركز تجارى ،ووصل الأمر الى أن بعض المؤمنين ترك النبى يخطب يوم الجمعة وهرع يستقبل القافلة التجارية التى جاء بها أحد من مرد على النفاق ، فنزلت فى ذلك آيات سورة الجمعة ( 9 : 11 ) . وأدى هذا الازدهار الاقتصادى الى ثراء أكبر للمنافقين من الأوس والخزرج ، وقد نهى رب العزة جل وعلا النبى محمدا مرتين عن الإعجاب بما لدى المنافقين من أموال وأولاد ( التوبة 55 ، 85 ) .
3 ـ المحصلة النهائية أن أولئك الذين مردوا على النفاق بعد فتح مكة كونوا علاقات تجارية إرتبطت بها مصالح ، تسللوا بها الى المؤمنين المهاجرين العاديين ليضموهم الى صفوفهم . وقد نزلت سورة التوبة وفى صدرها حديث عن الكافرين القرشيين ناكثى العهود بعد فتح مكة . وجاء فى هذا السياق قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (23) التوبة ). هنا نهى فى أواخر ما نزل من القرآن الكريم عن موالاة الأقارب والعشيرة الذين إستحبوا الكفر على الايمان. وتأتى الآية التالية تضع أمامهم الإختيار بين الله جل وعلا أو كفرة قريش وأموالها والعلاقات التجارية معها : ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة ) .
4 ـ وإختاروا قريش بعد موت النبى . فحكمت قريش وكانت الفتوحات فى سبيل المال ، ثم إقتتلوا فى سبيل المال . إختاروا أن يكونوا فاسقين (وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة ).