( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) & ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) ...ما هو الفرق ؟
مقدمة :
1 ـ سبق نشر مبحث عن (علوم لم تكتشف فى القرآن الكريم / الإعجاز فى إختيار اللفظ القرآنى ) ، وهو ضمن الأبحاث التمهيدية التى تشير الى ناحية جديدة فى البحث القرآنى ، وتلفت نظر الباحثين القرآنيين الجادين للمتابعة . ويكثر أن تأتى أفكار جديدة فيما سبق كتابته ونشره ، وقبل أن تضيع الفكرة أبادر بكتابتها لتكون ملحقا بما سبق من بحث . والقرآن الكريم عطاؤه لا ينفد ، ولا سبيل الى إستنفاده مهما بلغ العلم ومهما طال العمر . ويظل الباحث القرآنى شاعرا بالعجز والقصور أمام عظمة القرآن الكريم ، أما شيوخ الجهل فهم فى جهلهم يتمتعون ويتراقصون .
2 ـ ونعطى مثلا فى هذا المقال :
أولا : إتفاق وإختلاف فى آيتين .. لماذا ؟
1 ـ يلفت النظر تكرار آيتين فى القرآن الكريم ، مع فارق بينهما فى البداية وفى النهاية، هما قوله جل وعلا : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) الاسراء ) (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (38) الروم ).
الآية الأولى فى بدايتها (واو ) العطف . الآية الأخرى فى بدايتها (فاء ) العطف . الآية الأولى مذيلة ـ أى آخرها ـ نهى عن التبذير . الآية الأخرى مذيلة ـ أى نهايتها دعوة للخير والفلاح . مع هذا فالآيتان متماثلتان فى إيتاء ذى القربى حقه والمسكين وابن السبيل ، وبنفس الصياغة (..َآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ .. ).
2 ـ لماذا جاءت واو العطف فى الآية الأولى ولماذا جاءت فاء العطف فى الآية الأخرى ؟ واو العطف تفيد التماثل فى شىء مشترك . تقول ( جاء محمد ومحمود ) أى تماثلا فى المجىء معا أو تقول ( أكرمته وأكرمنى ) تماثل مشترك وفى نفس التوقيت . الفاء تفيد الترتيب ، أو نتيجة مترتبة على ما سبق ، تقول ( جاء محمد فمحمود )، أو تقول ( أكرمته فأكرمنى ) ، فإكرامه لك جاء نتيجة لإكرامك له .
ثانيا : لماذا الواو هنا ؟
1 ـ الواو فى آية : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) جاءت فى سياق أوامر ونواهى متتابعة فى سورة الاسراء ، فى أولها قوله جل وعلا : ( لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) ) وفى الاية هذه جاء فاء العطف (فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً ) أى ترتيب للذم والخذلان مترتب على من يجعل مع الله جل وعلا إلاها آخر .
ولكن جاء بعدها العطف بالواو بالأمر وبالنهى ، مثل : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) الاسراء ).
وضمن السياق أتى قوله جل وعلا بالعطف بنفس الواو : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) . هذا فى السياق الخاص بنفس الآية فى موضعها فى السورة وعلاقتها بما قبلها وبما بعدها ، فى إطار التشريعات بالأوامر والنواهى .
2 ـ نفس الحال فى السياق العام للآية فى القرآن الكريم فيما يخص تشريعات الأوامر والنواهى أو الوصايا . تأتى كلها بالواو ، ومنه قوله جل وعلا فى الوصايا العشر : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الانعام ) .
ونفس الحال فى صفات عبد الرحمن : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77) الفرقان ) .
وهناك أمثلة أخرى فى سورة النحل ( 90 : 96 )
ثالثا : لماذا الفاء هنا ؟
الفاء بالعطف فى آية (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ )(38) الروم ) جاءت فى سياق مختلف. يقول جل وعلا:( وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (38) الروم). وبالتدبر فى الآيات نلاحظ :
1 ـ الآية 33 تقرر حالة إنسانية ، تكررت الإشارة اليها فى القرآن الكريم ، وهى أن الإنسان يلجأ لربه جل وعلا عند الشّدة فإذا أزالها الله جل وعلا عنه سارع الى ما كان عليه من تقديس البشر والحجر والكفران بنعمة الله جل وعلا .
2 ـ الآية 34 : فيها الوعيد لمن يكفر وهو متمتع بنعمة الرحمن . وسيأتى تحقيق الوعيد وسيعلمونه .
3 ـ الآية 35 : هم يبررون دائما كفرهم بوحى كاذب ينسبونه لرب العزة أو للرسل . والله جل وعلا لم ينزل عليهم سلطانا بهذا ، أى هم يفترون . وهذا سؤال إستنكارى فى الآية الكريمة .
4 ـ الآية 36 تعود الى نفس العادة السيئة للناس ، أنهم يفرحون بالنعمة ـ دون الشكر للرحمن عليها ـ ثم هم يقنطون ويياسون عند الشّدة دون الصبر .
5 ـ الآية 37 : توجيه الى أنه الابتلاء بالخير والشر فتنة للناس ، ويأتى هذا فى توزيع الرزق ، يبسطه الله جل وعلا بالتوسعة لمن يشاء ويقدره بالتقليل لمن يشاء ، ولا يستطيع بشر أن ينال ما يريد من رزق . وهذه آية من آيات الله جل وعلا . لو كان توزيع الرزق بيد البشر لكانوا جميعا بليونيرات وما كان فى الأرض فقير . ولكن الواقع أن الأمور تتقلب بالبشر من مليونير الى مفلس ومن فقير معدم الى غنى ميسور ، والتقلبات تحتار فيها البورصات العالمية ولا يجدون لها حلا لأنها آيات للذين يؤمنون .
6 ـ تأتى الآية الأخيرة فى موضوعنا تضع الحل بإستعمال (الفاء ) : ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) 38) الروم). الفلاح فى إختبار الرزق والشدائد والمصائب وإبتلاءات الخير والشّر هو أن تؤتى ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل . ( الفاء ) هنا هى العلاج المقترح . وبهذا جاءت هنا الفاء ولم تأت الواو .
رابعا : لماذا إختلف التذييل هنا وهناك ؟
1 ـ يقول جل وعلا : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27)) التذييل هنا نهى عن التبذير ، لأن السياق تشريعات بالأوامر والنواهى . فمن الأوامر إيتاء ذى القربى والمسكين وابن السبيل ومن النواهى التبذير لأن المبذرين إخوان الشياطين.
2 ـ التذييل فى الآية الأخرى فى سياق مختلف ، يقول جل وعلا : (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (38) الروم) . الصراع فى سبيل الرزق يستهلك البشر ، وبسببه يقتتلون ويمرضون وأحيانا ينجحون وأحيانا يخسرون ، ثم فى النهاية يأتى الموت صفرا لمن أضاع حياته الدنيا وراء سراب الثروة كفرا بالآخرة . النجاة والفلاح والنجاح الحقيقى هو الايمان والعمل الصالح ، ومن أروع الأعمال الصالحات أن تقدم حق المال صدقة لذوى القربى والمسكين وابن السبيل إبتغاء وجه الرحمن جل وعلا ، نابعا من إيمان بالخالق جل وعلا وحده إلاها لا شريك له . هنا هو الخير . وهنا الفلاح . لذلك جاء العطف وعظا بالفاء وليس بالواو .