إستيقظ أهل القرية على صوت زغاريد عا لية تنبعث فى قوة وبهجة ونشوة من منزل شيخ البلد فشعروا من داخلهم أن شيخ القرية قد رزق بمولوده الأول بعد عشرين سنة من الصبر علىخمسة من البنات وأهل القرية يدركون جيدأ أن زوجة شيخ القرية لو وضعت بنتأ لما طلعت زغرودة واحدة من منزل الشيخ 000إذأ هو الولد ولى العهد ووريث العرش المنتظر على أحر من الجمر
كان شيخ القرية يحلم بولد يسميه (( بركات )) ليعيش مبروكأ فى حياته ولكن الرياح تأتى بما لا تشتهى السفن 0000
كبر الطفل وتخطى عامه الأول تحيط به كل أنواع الرعاية والإهتمام وكأنه من زجاج ولكن هناك أمر يؤرق شيخ القرية والناس جميعأ فالطفل تبدو عليه علامات البلاهة وعدم الإستجابة للمؤثرات الخارجية والالعاب الكثيرة الغالية التى يجلبها أبوه من المدينة كلما سافر لقضاء بعض المصالح 0
الشهور تمضى وجسم الطفل يكبر ولكنه لا يمشى ولا يتحرك ولا يستجيب كبقية الأطفال لأى نوع من المداعبة ولفت الإنتباه 000لا بد من عرض الطفل على أكبر طبيب للمخ والأعصاب 00هكذا قال الناصحون من أهل القرية لشيخهم الذى بادر بإصطحاب الطفل إلى أكبر الأخصائيين فى المخ والأعصاب وكانت نتيجة الكشف مفزعة 00الطفل يعانى من التخلف العقلى الذى لا يستجيب لأى علاج
صدم شيخ القرية وسقط فى يده وكاد يموت حزنأ وكمدأ وسكت على مضض فقد مات حلمه فى ولى العهد ووريث العرش ولم يعد يطيق النظر فى وجه الطفل البرىء المسكين , لم يعد يشترى له الهدايا واللعب كسابق عهده بل لقد أهمله تمامأ ولم يعد يهتم به وكاد الرجل يجن وكاد يطلق زوجته وكأنها المسؤلة عما جرى وحدث للطفل ولولا أنها تملك ثلثى الثروة التى يعيش عليها شيخ القرية لتخلص منها فى طرفة عين 0
مرت السنوات والطفل الأبله المتخلف يكبر جسمأ ولكن بدون عقل وكان أبوه يشعر بالخجل والحرج الشديد كلما رآه أحد الضيوف يجلس فى ركن بعيد بالمنزل يتساقط لعابه فى شتى الإتجاهات فكان الرجل لعدم صبره وقلة إيمانه يحبس الطفل المسكين كلما ورد عليه ضيوف أو زوار 0
وفى لحظة كفر فيها الرجل بكل ما عرفه من أعراف وقيم وتقاليد فاصطحب الولد المسكين إلى أعلى المنزل دون أن يراه أحد وألقى به من أعلى السطح ليسقط جثة هامدة قى الشارع وينزل الأب مهرولاً متباكيأ ليشيع بين أهل القرية أن الطفل الأبله سقط ومات من أعلى سطح المنزل ولم يجرؤ أحدهم أن يسأل عن سبب الوفاة لأن مصير السائل معروف !!!
حرص شيخ القرية على عمل جنازة مهيبة تليق بولده وبعد أسبوع واحد أوحى إليه شيطانه الرجيم بعمل شيطانى مخجل فقد أرسل فى طلب الشيخ المسؤل عن تعليم الدين فى القرية ودفع له مبلغأ كبيرا من المال مقابل ان يوحى لأهل القرية أن (( المرحوم بركات )) إبن شيخ القرية هو ولى من أولياء الله الصالحين وقد جاءه فى المنام وطلب منه بناء ضريح وقبة ومسجد وأمره بنقل جثمانه من القبور إلى ذلك الضريح 0
لم يكذب أهل القرية الخبر بل لقد أكلت السعادة قلوبهم وكأنهم يموتون شوقأ لوجود مثل ذلك الولى ليكون وسيطأ بينهم وبين الله وكأن الشرك بالله أمنية تداعب خيالهم فلم تجد منهم شخصأ واحدأ يقف ليرفض ذلك الهراء وإنما تقبلوه طائعين راضين متشوقين !!!
فى صباح اليوم التالى تم نقل الجثة من القبور العادية إلى الضريح المخصص لها فى موكب مهيب تتخلله أعلام الطرق الصوفية الشهيرة وطقوسهم الممقوتة مثل رجل يمشى برجليه فوق رقاب الناس التى تعلوها سيوف صدئة رديئة وآخرون يرقصون فى الشوارع بشكل هستيرى مفزع بحجة أنهم أخذتهم الجلالة ولا أدرى ماهى هذه الجلالة ؟ ونساء يزغردن ويطبلن فى منظر عجيب حتى وصلوا بالولى إلى ضريحه لتستريح إلى الأبد جثة الأبله المسكبن 0
وتم أستخراج الأوراق المطلوبة للولاية والمشيخة ولزوم عمل المولد السنوى وصندوق النذور وهى عبارة عن عدة الشغل والنصب على الناس وتم عمل الإعلانات اللازمة فى كل القرى والنجوع المجاورة وعرف الجميع موعد مولد مولاهم الشيخ بركات السنوى وشدوا إليه الرحال من نساء وأطفال وشيوخ ورجال وهم يصطحبون معهم نذورهم من أغنام وماعز وديوك رومى ومبالغ مالية هم أحوج مايكونون إليها بل قد يمر عليهم العام دون تذوق طعم اللحم ولكنهم يهدونه لسدنة الشيخ بركات طائعين سعداء 0
ووجد شيخ القرية ضالته وتخيل بكفره أن الله تعالى عوضه عن الولد ورزقه بالولى الصالح الشيخ بركات ونسى فعلته الشنيعة مع مرور الزمن وكلما إستيقظ من نومه فى الصباح نظر للضريح الماثل أمام منزله قائلا ((نظرة و مدد يا شيخ بركات ))