أعاد قرار ضم رؤساء تحرير الصحف القومية في مصر إلى الحزب الوطني الحاكم الجدل حول استقلالية هذه الصحف العريقة التي تعاني منذ فترة كسادا ومنافسة شرسة من صحف حديثة العهد بسبب "هيمنة" السلطة التنفيذية عليها.
وتوضح أرقام التوزيع، غير المعلنة، عمق هذه الأزمة، فبعض الصحف اليومية الخاصة التي لم يتجاوز عمرها بضع سنوات قليلة تخطى توزيعها صحفا قومية تصدر قبل أكثر من نصف قرن.
وأصدر الأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف قرارا بضم 24 رئيس تحرير صحيفة قومية ضمن تشكيلات الأمانات المركزية للحزب "في ظل ما يتردد داخل الحزب عن تراجع دور الإعلام في تسويق إنجازات الحزب والحكومة".
مخالفة دستورية
الأسرة الصحفية المصرية أعربت عن عدم ارتياحها للقرار، واعتبر البعض أنه ينطوي على مخالفات دستورية وقانونية وسياسية فادحة، فقد تجاهل الحزب أن المادة الخامسة من الدستور المصري تنص على أن يقوم النظام السياسي على أساس تعدد الأحزاب، وقرار ضم رؤساء تحرير الصحف القومية جميعا إلى الحزب فيه مخالفة واضحة للدستور.
وقال أسامة أيوب الصحفي بجريدة الأسبوع للجزيرة نت إن نص المادة 55 من قانون تنظيم الصحافة يقضي بأن "تكون الصحف القومية مستقلة عن السلطة التنفيذية وعن جميع الأحزاب".
وعلى ذلك رأى أن "القرار يعني مصادرة كل الآراء المخالفة لسياسات الحزب وحكومته في الصحف القومية، حيث لن يسمح أي رئيس تحرير بعد انضمامه رسميا للحزب بنشر تلك الآراء من منطلق التزامه الحزبي الرسمي الفعلي".
ضجة مفتعلة
لكن رئيس الهيئة البرلمانية للحزب الوطني في مجلس الشعب المصري عبد الأحد جمال الدين دافع عن القرار وأوضح أن "رؤساء الصحف القومية هم أبناء الوطن ولهم الحق في الانضمام والأمر ليس إجباريا، فالحزب لا يجبر أي مواطن على الانضمام له".
وأشار جمال الدين إلى أن هذا "لا يعني أن الصحف أصبحت لسان حال الحزب الوطنى لأنها تتمتع بحرية التعبير والنقد ومناقشة جميع القضايا بكل حرية".
أما رئيس تحرير جريدة الأهرام الحكومية أسامة سرايا فوصف للجزيرة نت الضجة المثارة حول القرار بأنها "مفتعلة".
وقال "الصحفيون أوقعوا أنفسهم فى مشكلة بسبب مجاملات النشر، كل رؤساء تحرير الصحف القومية باستثناء اثنين أو ثلاثة هم أعضاء في الحزب الوطني منذ فترة، لكن بعد صدور قرار التجديد، أعادت الصحف نشر أسماء رؤساء التحرير من باب المجاملة، فاعتقد الناس أن انضمامهم للجان الحزب حديث".
ورفض القول بأن انتماء رؤساء تحرير الصحف القومية سيزيد من تبعيتها للحكومة، وقال "لا أحد يستطيع أن يمنعني من الانتماء للحزب، وفي ذات الوقت أنا -في الأهرام- لا أمنع كاتبا أو صحفيا من الكتابة فى الجريدة، ووسائل الإعلام في مصر تمارس عملها في حرية غير مسبوقة".
لكن سرايا لم يقدم تفسيرا لكون جميع رؤساء تحرير الصحف القومية، التي تعود ملكيتها للشعب بنص القانون، أعضاء في الحزب الوطني رغم وجود 23 حزبا آخر في مصر، وقال "لا أستطيع أن أفسر موقف الآخرين، لكن بالنسبة لي فأنا من مؤسسي الحزب الوطني ومقتنع جدا بأفكاره وإنجازاته".
فاقد للياقة
إنه "قرار يفتقد للياقة السياسية ويتنافى مع قاعدة أن لا أحزاب فى الصحف المملوكة للشعب حسب ما يراه محمد السيد سعيد رئيس تحرير جريدة "البديل" الخاصة ذات التوجه اليساري، لكنه هون من أهمية القرار باعتبار أن "هؤلاء أعضاء في الحزب أو ساعون لنيل عضويته ليتقربوا أكثر للسلطة".
ووصف السعيد للجزيرة نت ما يقال عن إتاحة الصحف القومية المجال لكل الآراء والتيارات بأنه "كلام كاذب"، مشيرا إلى أن "الصحف القومية أصبحت حكومية ووطنية (نسبة للحزب الوطني الحاكم) أكثر من الحكوميين وأعضاء الحزب".
فالحزب الوطني -يضيف السعيد- هو الذي يختار رؤساء تحرير الصحف القومية، ودائما هم شخصيات مقربة من الدوائر الأمنية والسياسية، وينقلون إلى مؤسساتهم "الفساد" الذي تعيشه أجهزة الدولة خاصة مسألة انفراد شخص أو اثنين بالقرار.