حتى كتابة هذه الكلمات فقد وصل عدد المحللين السياسيين والعسكريين والاستراتيجيين والأمنيين في مصر إلى ضعف عدد السكان، فضلا عن إعلاميي برامج التوك شو المصرية فأكثرهم لا يعرف أين يقع الخطُ الفاصل بين شمال وجنوب سيناء، وما هو الفارق بين السيناوي والبدوي!
التصفيق الوطني قد يكون مصيدة إذا تحوّل من ثقافة إلى شعارات، ومن عِلــْـم إلى برامج تلفزيونية، ومن حمدانيات( نسبة إلى جمال حمدان ) إلى فيسبوكيات تقرأها في المقهى، وترد عليها في التوكتوك في طريق عودتك إلى البيت.
الارتياب والشكوك تزداد كلما تجرعنا معلومات مهشّمة، وممزقة، وغير مترابطة فيتساوىَ أعلمُنا بأجهلـِـنا، والكتابُ بالبوست، والخريطةُ برسم كرتوني على رمال الشاطيء.
أخطر شيء في متابعة ما يدور في شمال ووسط سيناء هو تصادم الغث والسمين في المعلومات التي يستند عليها فهمُنا، وحوارنا، ونقاشنا، ونتائج معرفتــِنا.
عتابك كمواطن على أخيك الجندي لا يقلل من دعمك المعنوي له، واستخفاف جنرال في الجيش بحق مواطن نصف أمّي ينتقص من تماسك الجبهة الوطنية، العسكرية والشعبية، فمن حق الجميع أن يغرفوا من مائدة المعلومات الصحيحة وغير الغامضة فهو المدخل الوحيد لتوحيد جبهة غير ذات ثغرات يتسلل منها الجهل إلى الداخل، والغموض إلى الساحة.
المزايدة في الدفاع عن أي قرار عسكري تأتي بنتائج كارثية لأنها تصنع ديكتاتورية الحرب الشبيهة بطغيان حالة الطواريء المستمرة؛ لكن الجيش والشعب جبهتان إذا اشتكت واحدة مرضت الأخرى، والجيش المنتصر هو الذي يسند الشعبُ ظهرَه، والشعب المنتصر يتلقى بيانات وحقائق وأرقام عدد الشهداء وصحة المعلومات الحربية( في حدود الأمن الوطني ).
إذا اختلط الأمر على الجماهير وظنت الوطن هو يونيفورم القائد العسكري، فقد فتحتْ للعدو ثغرة، لأن الجيش بأفراده ومجموعه يمثل أبناءَنا واخواننا وجيراننا و.. زملاءَنا!
الجبهة العسكرية ضد الإرهاب تضعف كلما غضَّت السلطة بصرها عن خلخلة الجبهة الداخلية بواسطة ضحالة الفكر الديني لدعاة يبتهج بهم العدو، فإذا كانت هناك جهة مثل السلفيين يحتقرون الوطن في عَلَمه ونشيده، فالسلفيون هنا يمثلون الطابور الخامس النائمَ للعدو.
وإذا كانت هناك جهة دينية، مثل الاخوان المسلمين، تنطلق أيديولوجيتها من الثأر والانتقام والكراهية والفشل السياسي لتسعين عاما، فضلا عن عام البؤس في الحُكم، فهنا نجد أنفسنا في مواجهة طابور خامس مُكرر.
إذا أساء القائد اختيار مستشاريه العسكريين كما أساء من قبل اختيار مستشاريه الإعلاميين والسياسيين فقد حفر لنفسه حفرة في قلب الوطن، تُضعف وتُهْلك وتُهزم، الثكنة والشارع.
يطرحون تساؤلات تواصلية عن التعاون بين الجيش المصري وجيش الاحتلال الإسرائيلي للتعجيل في القضاء على الإرهاب، تماما كما نطلب من الموساد عمل خارطة إعلامية للأمن المصري، ومع ذلك فالموضوع أخطر من الحديث الإنترنيتي لأننا ندفع كل يوم ثمن كامب ديفيد، وهناك شروط في تفاصيل التواجد العسكري المصري على الستين ألف كيلومترًا مربعـًـا، والرئيس الراحل أنور السادات أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، وحسني مبارك الطاغية اللعين فتح أبوابَ سيناء للارهاب وتهريب السلاح والمخدرات، وتركوا له شرم الشيخ منتجعا آمنا يرتع فيه ويستجم. أما المعزول محمد مرسي فلو انتظرنا عليه ثلاث سنوات أخريات لجعل سيناء منبع ومصدر وبؤرة الإرهاب العالمي باسم الدين.
ليس من حقي أن أجلس على مقعد مريح وأحدد لقيادة جيشنا طرق التعاون مع جيوش أخرى، ومنها اسرائيل؛ لكنني على المستوىَ الشخصي، فكريا ووطنيا وقوميا، لا أثق قيد شعرة بقادة تل أبيب ولا بالرئيس السيسي.
لكن الوطن إذا احتاج أن يقترض عقولنا وقلوبنا، فلا نتردد، وكل شهيد يتحدث عنه الإعلام المصري المتردي والوقح والأفّاك، وبعيدًا عن شعارات الهتــّـيفة الجوفاء هو ابن أحدِنا، ونقف مع الجيش بعيدًا عن المزايدة الفجّة التي يمارسها.
بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة لا تشفي غليل الفضول الوطني لدىَ أبناء شعبنا، ومشهد طائرات تحلق، وسيارات تنهب الصحراء، ومدافع تنتصب، وجنود يتحركون لا تعني أننا عرفنا شيئا في أصعب فترات التاريخ المصري الحديث.
كل دول العالم تعلن المعلومات الكاملة عن القتيل واسمه وعنوانه وجنسيته وتاريخه منذ مهده إلى لحده؛ إلا في مصر فليس من حق الشعب أن يعرف، والقيادة فقط هي صاحبة الحق الأوحد.
نتعاطف مع إزالة الكيلومترات المعدودة حول مطار العريش، فقد كان الإرهابيون يختبئون فيها كما يختبيء خُطّ الصعيد في مزارع القصب، لكن الظلم الشديد والمفجع هو عدم تعويض أصحاب مزارع الزيتون التي كانت تتعيّش عليها آلاف الأسر في العريش وغيرها، مع العلم بأنه لم يحصل أي صاحب مزرعة زيتون على تعويض منذ عامٍ ونيّف، وتلك هي صناعة الكراهية لدىَ أهل العريش بسبب ظُلم القيادة في القاهرة.
وربما لهذا السبب جاء بيان القيادة باستهداف الإرهابيين لطائرة وزيري الدفاع والداخلية ضعيفا وهشّا وغيرَ مترابط، ولم يصدّقه عريشي واحد، وكان الهدف هو مزارع الزيتون لخمسة كيلومترات وهي المسافة التي قيل بأن الإرهابيين أطلقوا منها صواريخَهم على طائرة الوزيريّن.
إن محاربة الإرهاب الملموس منفصلا عن الإرهاب المعنوي مثل الدجال الأعور، فجنودُنا يحاربون بأمانة وإخلاص وشرف، وقيادتنا تفتح ثغرات الحماقة والطائفية ودعاة تمزيق الوطن ودعوشة الجماهير وترك الإعلام العفن يطارد عيون وأسماع المصريين بالفكر السلفي والمتطرف والطالباني والمتخلف.
إن القائدَ الذي يمسك السلاح ولا يقرأ الكتابَ يُصوّب نيرانه نحو الصديق وليس العدو، ومن لا يكترث لصناعة عالم التسامح لن تستجيب له القوة الغاشمة.
إن لصق ( تحيا مصر ) بالجيش فقط هي عملية تزييف وعي الجماهير، فتحيا مصر ينبغي أن تكون للجيش والشعب معـًـا وليست لسيد القصر.
إن كل سجين بريء خلف القضبان يرفض الرئيس الإفراج عنه يمنح قوة للإرهاب الديني الذي يوحي للساذجين أنه يحارب الظلم، فإذا كان الرئيس السيسي جادًا حقا في محاربة الإرهاب فليــُـقْم دولة العدل التي لم تعرف النور منذ أربعين عاما إلا ثمانية عشرة يومـًـا.
إن الكراهية والحقد ضد أنبياء العصر الصغار، أي شباب 25 يناير، وجعلهم يدفعون ثمن غضبهم على الطاغية اللعين مبارك وخلعه والإطاحة به هي أرفع وأهم وأعلىَ هدية منحتها الدولة للإرهابيين، وكلما انتقم الرئيس السيسي ومبارك والمجلس العسكري وطنطاوي من أبنائنا الينايريين، ازدادت قناعة الإرهاب أنه يقاتل السيسي و.. ليس الشعب.
إن جعل الجماهير تحدّث نفسها خوفا ورعبا بتحيا مصر ونحن مع الجيش تأتي بنتائج عكسية، فحبُ الوطن ليس لا يحتاج للشعارات، وإكراه المواطن على الحب هي كراهية معجونة بالخوف من انتقام السلطة.
إن غياب الحقيقة يومُ فرح للباطل، والقائد الذي يطلب من شعبه أن يُغمض عينيه ويصمّ أذنيه كأنه يُقدّم الوعي أضحية للغياب القسري الوطني.
الانتخابات الرئاسية الصورية والهزلية والتي يرفض فيها الرئيس منافسا، وإلا سلط عليه القضاء والبرلمان والإعلام، هي إضعاف لوطن حدوده مهددة، ومياهه على شفا جفاف، وجيرانه يستعرضون عضلاتهم في عهد تستطيع دول بحجم أكواخ متناثرة أن تطرد النوم من عيون المصريين.
يطالبنا الرئيس السيسي بالثقة فيه رغم غطرسته الطاووسية المقيتة، فهو الآمر الناهي في أرض مصر وجُزُرها ومالها ومائها وقروضها ومُلكها، و يمسك رقبة الشعب من ( محاربة الإرهاب ) ويصنع مستشاريه وإعلامييه ومثقفيه وسلفييه ورجال الدين وفهمه الأعوج للاستنارة الدينية، ومع ذلك فكل مصري عاشق للوطن يهيم حبا وتعاطفا مع الجيش في حربه ضد الإرهاب المصنوعة أفكاره من ينابيع الظلم والحماقة والسلفية والدولة الدينية التي ينكرون وجودها رغم أنها ماثلة أمامنا في اليقظة والمنام.
إن عدم فهم الرئيس السيسي لقضية التسامح والمواطَنة والمساواة وحقوق الناس على اختلاف مشاربهم وأديانهم ومذاهبهم قد أضعف القدرة على مواجهة الإرهاب.
إن الضعف المصري في ظلم أجهزة العدالة، وتحدي المصريين في مخلوعهم اللعين فقام القضاء بتبرئته والبصق على ثورته الينايرية المباركة لا يمكن أن ينهض بالوطن، ومن يظن أن النهضة عمارات وشوارع وطرق وكباري جاهل بكل المعايير.
إن خضوع وخنوع وذُل ومسكنة ومهانة كل مسؤولي الدولة وهم يصغرون، ويتقزّمون، ويتحجّمون، فيَضْحَىَ كل من حول الرئيس أصغر من بينوكيو لا يبشر بخير.
نحن نرفض المزايدة التي تمارسها السلطة، وليس كل من ينتقد الرئيس يصبح عدوًا لمصرَ، فمصرُ أكبر من السيسي وكل رؤسائها في التاريخ، والكذّابون فقط هم الذين يهددوننا بنزع الوطن من قلوبنا إذا لم نجعله يسبّح بحمد الرئيس ورجاله.
إن القروض التي تحصل عليها مصر وتُلقي بها لأجيال قادمة تسددها بجوعها وعطشها هي قروض باطلة ولو أقام بها مئة قناة سويس ومثلها من العواصم الإدارية الجديدة.
إن الشعب الذي يعيش في رعب وذعر وخوف في ظل قانون الطواريء مهزوم على المستوىَ البعيد، والحرب ضد الإرهاب حجة بليدة لاستمرار قانون ربط لسانَ المصري في حلقه، والمظاهرات السلمية ليست حقا متوارثا فقط، لكنها الميزان الوحيد الذي لا يطفف، ويستطيع الرئيس أن يعرف وزنه وقيمته وفكره وموقعه في قلوب المصريين.
إن جيشنا هو امتداد لشعبنا، ومن يتوعد ويهدد من ينتقدون سلوكيات القادة العسكريين يمزق وحدة الوطن، ويفصل الابن عن أبيه، والجندي عن أهله.
لقد عاد النظام المخلوع ينايريا، وبدأ يحكم من جديد بروح مبارك، وقسوة طنطاوي، وغباء مرسي، وكبرياء السيسي، لكن سيظل جيشنا في عيوننا صدْقــًـا وحبــًـا، وليس كما يقول الرئيس أننا نور عينيه.
إن مرور أربع سنوات على محاربة الإرهاب في سيناء تعني مثلها وأضعافها في مستقبل لا نهائي إذا لم يلجأ الرئيس السيسي للأحرار والمثقفين والعلماء والخبراء وعباقرة الإدارة وفرسان الإعلام والمفرج عنهم من السجون والمعتقلات ليقفوا معه، بدلا من حمقىَ التوك شو، و جهلة مجلس النواب، وظلم القضاة.
إن من يستخرج من مقالي هذا كلمة واحدة ويضعها في مواجهة وطننا وجيشنا وشرطتنا لا يختلف عمن يهتف ضد الإرهاب جهرًا، ويركع له سرًا.
إن شائعة الأربعين عملية عسكرية جوية من إسرائيل في سيناء ليس لها أساس من الصحة، ولا تستوي على قدمها ثانية واحدة، ويجب نبذها ورفض التحدث عنها، فهي دعاية مجانية للجيش الإسرائيلي في مقابل كسب ودّ الشعب المصري الكاره للاحتلال الصهيوني، فإسرائيل لا تحارب الإرهاب الديني لئلا يتعاظم ويكبر جيش مصر، وينشغل بأمور أخرى وعلى رأسها النظر في معاهدة كامب ديفيد.
لا تصدّقوا الإسلاميين ولا الإسرائيليين ولا الاخوان المسلمين ولا الإعلاميين المصريين ولا القضاة ولا البرلمانيين لتصبحوا في مساحة الأمان الوطني والفكري والمعلوماتي.
لا تقعوا في مصيدة ربط جيشكم العظيم بالرئيس السيسي، ولا مانع أن تقفوا معه في الحرب السيناوية، ولكن كونوا حذرين فالرجل كاذب حتى النخاع، وبائع لنفسه وجُزر مصر ومياهها وحدودها.
حاربوا الإرهاب الفكري حولكم ليتساقط الإرهاب المسلح في سيناء، وقاطعوا كل التيارات الدينية وفي مقدمتها الاخوان وحزب النور السلفي الطائفي، وتوقفوا عن المزايدات الدينية ومهاترات دولة الخليفة، ولا تخافوا من الاخوان المسلمين فقد كشفتهم، وعرَّتهم، وفضحتهم سنة الحُكم ولن تقوم لهم قائمة بعد اليوم، فلتأخذ العدالة مجراها وتتم تبرئة من لم تثبت ضده تهمه، ويُعدَم أو يُسجَن قادتهم الذين روّجوا لذبح وطن من فوق المنصّة، ويشترط عليهم هجرة العمل الديني لئلا تظهر من جديد أجيال إرهابية في المستقبل البعيد.
إذا تركتم الرئيس السيسي يختار مسؤولي الدولة فقد هزمتم أنفسكم، فهو غير قادر على اختيار بعوضة، ويكره من يكشف الفساد، ويجعل على رأس المؤسسسة المالية أو البرلمانية أو الحكومية أو الإعلامية المعاقين ذهنيا.
نعود إلى الحرب في سيناء، وإلى نصفِها الآخر داخل الوطن وفي الأدمغة، ونتمنى أن تعود مصر لسابق عهدها في غير عصور الظلام والظلم، وننزع الخوف من صدورنا، وكتائب الأمن من قلوبنا، والتدين الزائف من سلوكياتنا، والفساد من يومياتنا، وتتوقف المشروعات التي تمجّد الرئيس، ولا تهزم المرض والفقر والجهل والأمية والثقافة الضحلة والتعليم الضعيف والإعلام المنحط والفتاوىَ الممزقة للوطن من منابرنا.
مصر تنتصر بالكتاب والقراءة والثقافة والمعرفة والمطالعة والوعي، وتنهزم بالخوف من السلطة والنفاق والتطبيل والتصفيق والكارت بلانش الذي نمنحه للرئيس كلما تكلم أو رفض الإنصات لشعبه.
إن أعداء مصر الحقيقيين هم المطبّلون لأي جريمة وطنية يرتكبها القصر.
إن هجرة المواطن للكتاب والقراءة والبحث عن الحقيقة يهزم أعرق الأمم.
قلوبنا مع جيشنا في سيناء وفي كل مكان، والرئيس السيسي ليس رمزًا أو بطلا أو عملاقا أو عبقريا، إنما الشعب المصري هو الذي يحمل هذه الصفات.
من يؤمن أن الرئيس خادمٌ لديه، وليس العكس، فأبشـّـره بمستقبل باهر ومشرق وجميل لمصرنا، وبنصر مُبين لجيش مصر.
وسلام الله على مصر
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 11 فبراير 2018