أمراض الإعلام المصري!
لماذا يكره الإعلاميون المصريون الإعلاميين المصريين؟

محمد عبد المجيد في الثلاثاء ٠٦ - فبراير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

سؤال ما أنفك شاغلي لأكثر من ثلاثين عاما هي عُمر حضوري ملتقيات وندوات ومؤتمرات إعلامية وصحفية، خاصة في الخليج!

لماذا يكره الإعلاميون المصريون الإعلاميين المصريين؟

عشرات من التجارب والخبرات والمحاورات واللقاءات التي تخصّني أو يشترك فيها غيري تؤكد لي وجَود بقعة سوداءُ مُلوّثة ومُسَمَّمة في صدر الإعلامي المصري نحو زميله في مهنة البحث عن المتاعب.

أستطيع أن أقصّ حكايات كثيرة، مؤلمة، ومؤسفة، وحزينة عن البقعة السوداء المُشار إليها.

قد يعود الأمرُ إلى الغيرة أو التنافس على الجلوس على حِجْر السلطة أو اللهث المالي أو يرجع الأمرُ إلى أن الإعلامي يستطيع أن يكتشف زيف وغشَّ وفبركة التاريخ الصحفي والثقافي والفكري والحزبي والقصري ( نسبة إلى القصر ) لدىَ زميله فيُعرّيه، ويكشف سوءاته، أو يتكاشفا فتسقط مهابة القلم أو اللسان أمام زميل من نفس الكار(!).

وقد يكون السببُ التقربَ من سلطات الأمن والاستخبارات التي يتبرع الإعلامي بفتح خط ساخن بينه وبينها، بثمن أو مجانا، أو بضمان حماية في المطار أو في الصحيفة أو في الاستديو.

قد يكون السببُ أنها المهنة الوحيدة واليتيمة التي اقتحمها أنصافُ أميين، وكارهو الكتاب، ومبغضو المعلومات، وكُسالىَ المعرفة، فإذا تناقشوا أو تحاوروا أو تجادلوا فستسقط قلوبهم في صدورهم، وورقة التوت عن أدمغتهم!

لا أنكر أنني قابلت عددًا قليلا من مشاعل الصحافة المصرية، وموسوعات متحركة، وضمائر لا تتوقف عن متابعة الخبر الصادق ونشره، لكن في الغالب فإن الإعلاميين المصريين فضيحةٌ لأرض الكنانة في الملتقيات.

عاشقون للفنادق الفخمة والطعام الذي تكفي مائدةٌ منه قريةً بأكملها، وينتظرون في الغرف الهدايا الساعاتية فلا يغادرون خشية مغادرة الفرصة إياهم.

كثيرٌ منهم أنانيون يهتمون بأخبار مصر فقط كأنَّ الشمس والقمر لا يكسفان ولا يخسفان فوق أم الدنيا، ويتباطأون إذا تعلق الأمر بأخبار البلد المضيف، ويتركون اجتماعات المضيفين للتسوّق و.. شراء الهدايا.

كثير منهم مغرورون بفتات معلوماتهم ولا يفكّرون في زيارة متحف أو مكتبة عامة أو معهد للبحوث أو مؤرخ أو مركز لتراث البلد المضيف، فإذا استعرضوا  ثقافاتهم فهي لا تخرج عن مؤلفات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي.

أقل من القليل يعودون لمصر متأبطين كتابـًـا عن دولة أخرى يلتهمونه في الطائرة العائدة للقاهرة، فالدنيا هي أم الدنيا ودول الجامعة العربية تدور في فلكها.

لا يفهمون أن التاريخ ليس فرعونيا فقط، إنما عربي وأفريقي وآشوري وفينيقي وأمازيغي وطوارقي وبيزنطي وكنعاني وعبراني وحجازي وفارسي وعُماني وزنجباري و ...

إذا التقوا في عاصمة عربية تقاذفوا الحوارات حول عبد الناصر والسادات، وإذا تجادلوا حول الحروب فهم يغضّون الطرف عن انتصارات وهزائم أشقائهم، فخيرُ أجناد الأرض اختارتهم السماءُ دون غيرهم.

ثقافة الإعلامي المصري تلفزيونية، مكتبة بيته ثلاثة أرباعها هدايا من زملاء أو ناشرين.

حائرون بين النهضة الحديثة واللوثة الدينية المستوردة، ويلعبون الدورين في وقت واحد، الصلاة والمرقص.

قليلون من مسلميهم من يُلقي على مسامع المضيفين دروسا في التسامح والتاريخ القبطي، وكثيرٌ من منهم يخفون فكرًا داعشيا فوقه قشرة متمدّنة يستطيع إزاحتها إذا تحرك القصر نحو المقطم.

يتفاخرون بأنهم كانوا يعلمون بنتائج ثورة 25 يناير كأنهم عرّافون غـَجَر يلعبون بالبيضة والحجر، ويرتعشون من أي حُكم حالي فيهرولون في كل حوار نحو الماضي فهو أكثر أمانا وغير مراقــَـب من أجهزة الأمن.

أكثر الإعلاميين المصريين يحتاجون لعلاجات نفسية وفكرية، ونزع حالة الخوف من السلطة.

كبرياءٌ شديدٌ نحو العرب الآخرين، فيصنفونهم أعرابا وعُربانا ومتخلفين وحفاة ونفطيين ولولا الحضور المصري ما عرفتهم الحضارة الحديثة ولا تقدموا خطوة نحوها.

يكتبون التقارير المسيئة ضد بعضهم، ويتلقفها أمن الدولة/الأمن الوطني باحتقار وازدراء لأصحابها، ويتحدث أكثرهم في الملتقيات بصوت جهوري ولغة سقيمة وتعبيرات مهترئة، ويخرج أكثرهم عن آداب الضيافة.

متسولون لحكومتهم في الملتقيات حتى يصل صوتهم لسيد القصر في قاهرة المعز؛ فيمنحهم رضاه.

يغتابون زملاءَهم، ويتكاسلون في الحصول علىَ المعلومة، ويجلسون في المركز الإعلامي الذي تقيمه الدولة المضيفة فينقلون مقتطفات من أخبار وزارة الإعلام المضيفة دون حذف أو إضافة، ويرسلونها إلى صحفهم كأنها جهد خارق.

جاءت إحداهن متأخرة عن الغداء في فندق عاصمة خليجية، وصرخت، وصاحت، وأهانت مضيفيها المهذبين قائلة: أنا مصرية؛ جئت لأكتب عنكم ويعرفكم العالم، وبدوننا ما كان لكم صوت!

رئيس تحرير صحيفة مصرية كان معنا على الغداء في دائرة مستديرة سادس الجالسين كان وزير الإعلام، فانطلق لسان صاحبنا يلقي النكات الجنسية القبيحة، والوزير يضحك بخجل مجاملا لنا .. نحن الإعلاميين المصريين.

كانوا يتهافتون على كروت التليفونات المجانية للاتصال بعائلاتهم، ويستخدمون سيارات الضيافة في التسوق فقط رغم أنها لمشاهدة معالم البلد وزيارة متاحفها ومؤسساتها ومكتباتها.

وفي النهاية يتسابقون في مصر أو لدىَ العودة لكتابة تقارير ضد بعضهم البعض، وكلما كشف الإعلامي المصري عورة زميله، عرف أن السلطة والأمن يقفان معه.

ربما في ثنايا هذا المقال غضب جمْري مشتعل من جراء حكايات وأحداث ومشاهد مخجلة عشتها ورأيتها بأم عيني، والآن عندما أشاهد برامج التوك شوك المصرية ومانشيتات صحف الإفك ومقالات التزييف، أستعيد ذكريات بنصف عُمري فلم أخجل من بلدي.. مصر، لكنني خجلت كثيرًا من إعلامييها.

 

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في 6 فبراير 2018

 

اجمالي القراءات 6459