بعد مرور 17 عامًا علي محاولة اغتيال نجيب محفوظ.. مرتكبو الحادث في أول حوار صحفي لـ'الأسبوع': الأزهر م

في الأربعاء ٠١ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بعد مرور 17 عامًا علي محاولة اغتيال نجيب محفوظ.. مرتكبو الحادث في أول حوار صحفي لـ'الأسبوع': الأزهر منع نشر الرواية.. والحكومة صادرتها.. ونحن نفذنا فتوي إهدار دمه
حوار أجرته: سلـوي علـوان 
سبعة عشر عاماً مضت علي تلك الحادثة التي هزت مصر فألقت الرعب في قلوب المصريين وأصابتهم بالصدمة والدهشة في توقيت كان وقتها بالنسبة لهم غريبًا، فقد جاءت محاولة اغتيال الكاتب الشهير نجيب محفوظ بعد 
حصوله علي جائزة نوبل في الأدب وكان المصري - بل العربي - الأول الذي يحصل علي تلك الجائزة العالمية الكبري، في تلك الأثناء كان الاحتفال بنجيب محفوظ متواصلاً، وكانت شعبيته بين الناس مرتفعة، والاحتفاء به في الأوساط الأدبية غير مسبوق كجائزته، وفجأة تعرض محفوظ لمحاولة اغتيال كادت تودي بحياة هذا الرجل الذي كان عمره آنذاك قد تجاوز الثمانين عاماً.. تلك المحاولة التي أصابت مصر - بل العالم - بالصدمة، وتساءل الناس: هل كان لمحفوظ توجهات سياسية جعلت هناك من يريد التخلص منه؟ هل هناك يد أرادت أن تفسد فرحة المصريين بحصول الأديب المصري الأشهر علي تلك الجائزة؟ لماذا يقتل محفوظ؟، ومن هؤلاء الذين أرادوا قتله؟ ومن وراءهم؟ وما دوافعهم؟ وبعد أقل من 24 ساعة فقط علي الحادثة أُلقي القبض علي الجناة ونظراً لسرعة ضبطهم ظن الناس وقتها أن من أُلقي القبض عليهم ليسوا هم الجناة الحقيقيين وأنهم كبش فداء لتهدئة الرأي العام والشارع المصري الذي غضب كتابه ومثقفوه وثاروا لما حدث.. 
ونشرت الصحف آنذاك خلاصة ما تم من تحقيقات عن سبب محاولة اغتيال الرجل، وأرجع السبب لرواية كان قد كتبها عام 1959 هي رواية 'أولاد حارتنا'، تلك الرواية التي أحدثت بعد ذلك ضجة كبري كجائزة كاتبها وحكاية قتله، وأثارت حالة من البلبلة والانقسام داخل المجتمع المصري ما بين مؤيد لنشرها مبرراً الحرية في التعبير والإبداع ومعارض لها حيث اعتبرتها مؤسسة الأزهر والجماعات الإسلامية تجاوزاً في حق الذات الإلهية وأنها خاضت في سيرة الأنبياء والرسل بشكل يدعو لضرورة توبة كاتبها وإن لم يفعل فقد أهدر العديد من فتاوي العلماء المعاصرين دمه باعتباره مرتداً.
ورغم كل ما نشر وأذيع عن تفاصيل محاولة اغتيال نجيب محفوظ منذ هذا الوقت حتي الآن فإن هناك الكثير من التفاصيل والأسرار والحكايات التي لم يعرفها الناس بعدُ.. من هم الذين حاولوا اغتياله؟، ولماذا قتله بعد مرور أكثر من أربعين عاماً علي كتابته تلك الرواية؟ وهل كانت روايته هي السبب الحقيقي وراء محاولة الاغتيال؟، كيف تم التخطيط لقتل محفوظ؟، وكيف تمت العملية - كما يطلق عليها أصحابها -؟ وكيف وصلت إليهم الشرطة في أقل من 24 ساعة بعد الحادث؟ وهل هم حقاً الفاعلون الحقيقيون؟ كيف عاشوا؟ وكيف خططوا؟ وكيف نفذوا؟ وماذا حدث لهم؟ وما فكرهم الآن بعد مرور كل هذه السنوات خلف القضبان؟، تغيرت أحداث وتبدلت أحوال ومات محفوظ في سريره ميتة طبيعية وُنشرت روايته تحدياً للعنف وإصراراً علي حرية التعبير، فما حدود حرية التعبير من وجهة نظر هؤلاء؟
في هذا الحوار الأول من نوعه مع من حاولوا اغتيال نجيب محفوظ نكشف الستار عن الكثير من الأسرار التي عاشتها مصر في فترة كانت من أخطر مراحل التطور السياسي والديني والأمني والاجتماعي في تاريخ مصر الحديث.
خمسة عشر شخصاً قدموا للمحاكمة وتراوحت الأحكام الصادرة ضدهم ما بين الإعدام والمؤبد والسجن من خمسة عشر عاماً إلي ثلاثة أعوام، اثنان فقط من كل المحكومين في هذه القضية هما من بقيا في السجن حتي الآن إنهما: عمرو محمد إبراهيم وحسين علي بكر.. ولنبدأ الحكاية.. 
عمرو محمد إبراهيم، عمره الآن أربعون عاماً، كان يقيم بمنطقة عين شمس - تلك المنطقة التي اشتعلت بالأحداث في فترة التسعينيات وشهدت الكثير من الصراعات ما بين الشرطة - يد النظام - والجماعات الإسلامية.
> كنت عضواً في الجماعة الإسلامية، فكيف انضممت إليهم؟.. وكم كان عمرك وقتها؟
>> لم أكن أعرف شيئاً عن الجماعة الإسلامية وحينما كان عمري 15 عاماً تطوعت للالتحاق بالقوات الجوية، كنت أحلم بقيادة طائرة ومحاربة إسرائيل، فأنا من هذا الجيل الذي وُلد أثناء حرب الاستنزاف وتربي علي أن إسرائيل هي العدو الأبدي، ظللت في القوات الجوية حوالي سنة وكنت أخطط للالتحاق بالمعهد الفني للقوات المسلحة لكني فوجئت بوقف القبول بالمعهد فقررت دخول الثانوية العامة، في تلك الفترة التزمت بالصلاة في البيت ثم في المسجد، وقتها كان أفضل خطيب تجذبني خطبته هو خطيب مسجد آدم، فانتظمت هناك بالصلاة وبدأت ألاحظ أن المسجد يقدم مساعدات للفقراء والأيتام فأعجبني الخير الذي يفعلونه بطريقة تجعل المحتاج متعففاً عن السؤال حيث كانوا يذهبون بالمساعدات للمحتاجين في منازلهم، وارتبطت بالمكان وبدأت أحضر دروس الدين ومقرأة تحفيظ القرآن والتجويد والتلاوة، وذات يوم فوجئنا - ونحن داخل المسجد - بقوات من الشرطة تقتحم المسجد وتلقي القبض علي من فيه وكنت واحداً من المصلين، وقتها لم أفهم ماذا يحدث فقد كان عمري لم يتجاوز السادسة عشرة وقتها، واعتقلت لمدة أسبوع دون معرفة السبب، حينئذ قال لي ضابط الشرطة إن أصحاب هذا المسجد 'ناس وحشة وبتشتم في الحكومة ومالكش دعوة بيهم تاني' وبعد أسبوع خرجت وظننت أن هناك خطأ ما في الموضوع وأن الأمر لن يتكرر خاصةً أنني لمست بنفسي أن القائمين علي المسجد أناس جيدون ويساعدون الناس وملتزمون بتعاليم الدين، ألم يكن ذلك أفضل من أن تشرد الأسر المحتاجة أو تبيع اليتيمة أو الأرملة نفسها في الطريق!!
بعد أسابيع من تلك الحادثة كنت في المسجد وفوجئت بقوات كبيرة من الشرطة تحاصر المسجد مرة أخري وتحاول اقتحامه، فتصدي الموجودون لهم بوضع أشياء خلف الباب حتي لا يدخلوا المسجد بالأسلحة والأحذية وهو بيت الله الذي يجب أن تكون هناك قدسية في التعامل معه ومع من فيه، وبدأت الشرطة في إلقاء القنابل داخل المسجد وتكسير الشبابيك فاستطعت وغيري الهروب.
> ألم تسأل نفسك: لماذا تهاجم الشرطة هذا المسجد بالتحديد؟
>> لم تكن تهاجم هذا المسجد فقط بل كان هناك العديد من المساجد التي تتعرض لهذا الهجوم، ولا أدري السبب، لقد كنت ضمن الناس الموجودين فيه ولم يفعل أحدنا أي شيء غير الصلاة وتلاوة القرآن ومساعدة الناس، ما قلته وقتها إنه بالتأكيد الشرطة علي خطأ، وقررت الانضمام لتلك الجماعة التي لم أر منها سوي أنها تفعل الخير.. 
كنت قد قرأت في هذا العام في الجرائد عن كتاب 'آيات شيطانية' لسلمان رشدي، وقتها نشرت جريدة 'الحقيقة' فتوي للخميني بإهدار دم سلمان رشدي، بينما علق عدد من علماء الدين آنذاك علي الموضوع بعد تكرار الفتوي في مصر قائلين: ولماذا يهدر دم سلمان رشدي ويترك نجيب محفوظ صاحب رواية 'أولاد حارتنا'؟ بعدها حاولت البحث عن الرواية لقراءتها ومعرفة سبب تلك الفتوي لكنها كانت مصادرة وممنوعا تداولها.. وانتهي الأمر آنذاك عند هذا الحد.. 
وفي ديسمبر 1988 فوجئ أهالي منطقة عين شمس بقوات هائلة من الأمن تحاصر المنطقة بالكامل وتلقي القبض علي كثير من أفراد الجماعة الاسلامية وتهينهم وتضربهم في الشارع لدرجة أنهم كانوا يمدونهم علي الأقدام أمام الناس، وقتها تعاطفت مع الجماعة الإسلامية وقلت لهم: 'أنا معاكم' بعدها غابت الشرطة عن المنطقة حوالي أربعة أشهر قبل أن تعود مرة أخري لتسكن المنطقة نحو الخمسة أعوام كاملة حيث رجال الأمن ينتشرون في كل مكان بأسلحتهم وعرباتهم.. وفي أغسطس 89 جاءني زوار الفجر، اقتحموا بيتي بينما كنا نائمين وفتشوا غرفتي فلم يجدوا فيها سوي بعض الكتب العادية مثل التفسير لابن كثير وفقه السنة ومصحفين، وصادروا تلك الكتب ثم اعتقلوني، وفي مقر أمن الدولة سئلت عن الشيخ يحيي وكان جاري من المنطقة ويصلي معي في المسجد، لم أكن أعرف مكانه لكنهم لم يصدقوني، ظللت معتقلاً لمدة ستين يوماً كنت مع عدد من أفراد الجماعة، وخلال تلك الفترة تعلمت علي أيدي بعضهم أحكام التلاوة وحفظت بعض سور القرآن الكريم، وقتها اكتملت قناعتي بالاستمرار معهم دفاعاً عن الحق.. الحرية.. العدالة الاجتماعية.. تلك هي رسالة الإسلام.. 
كانت المرة الفاصلة التي اعتُقلت فيها حينما كنت مريضًا وملازمًا الفراش واعتقلت من سريري وتم اقتيادي لقسم شرطة مدينة نصر بينما كنت مصاباً بالحمي والمغص الكلوي، بعدها قررت ألا أعيش في البيت حتي لا يتأذي أهلي خاصةً أن أبي وأخي تعرضا للتعذيب في قطاع ألماظة دون سبب سوي أنهم أسرتي حين تعرض محل ذهب في الزيتون للسرقة وخرجت شائعة تقول إن الجماعة الإسلامية هي من فعلت، وجاءت الشرطة لاعتقالي فلم تجدني فأخذوا أبي وأخي، إلا أنه بعد أيام ظهر الجناة الحقيقيون الذين ثبت عدم انتمائهم للجماعة فأفرج عن أبي وأخي.. 
.. وبالفعل ظللت منذ عام 90 حتي 92 أعيش في الشارع، أحياناً أذهب لبعض أقاربي وأحياناً أخري أذهب إلي أصحابي، وأحياناً كثيرة أنام في الشوارع والحدائق العامة، حتي استطعت الحصول علي عمل وتزوجت.
> من سياسات الأمن التي كان قد اتبعها مع الجماعات الإسلامية خاصة عندما أرادت تهدئة العنف أنها كانت تسمح لهم بالزواج في السجون والهدف كما تردد لإلهائهم بمسئوليات أخري تقصيهم عن التفكير في أعمال انتقامية أو عن التركيز في قضايا يتبنونها.. ألم يترك الزواج ذلك التأثير فيك ليثنيك عن قضايا الجماعة لتتجنب ملاحقات الشرطة لك؟
>> عندما يكون عندي منطق في التعامل وقناعات دينية أو سياسية أو فكر في حياتي فلن تختلف حساباتي حتي في وجود زوجة أو أبناء.. 
> حتي هذه اللحظة لا أعرف سبباً حقيقياً لمطاردة وملاحقة الأمن لك، هل فقط لأنك كنت تصلي في مسجد وتحفظ القرآن.. هل هذا منطقي؟
>> لم تكن الجماعة تورطت حقيقة في أي أعمال عنف حتي ُتطارَد.. كل ما كانوا يفعلونه هو أن أئمتها يتحدثون في المنابر عن سلبيات النظام وفساده، وهو ما كان يغضب النظام ذاته ويستفزه وجعله يطارد أعضاء الجماعة بل وصل الأمر لتصفية بعضهم مثلما حدث مع شعبان راشد في أسيوط وعلاء محيي الدين المتحدث الإعلامي باسم الجماعة ثم ماجد العطيفي وغيره فضلاً عن حملات الاعتقالات والتعذيب الوحشي الذي كان يتعرض له قادة الجماعة وأعضاؤها في السجون، تلك الأحداث التي استفزت باقي أعضاء الجماعة الإسلامية الذين أصبحوا بين أمرين: إما الاعتقال والسجن وإما التصفية الجسدية، فقررنا أن نفعل شيئاً نؤكد به أننا أقوياء ونثبت للحكومة أننا موجودون وقادرون علي فعل شيء يُوقفهم عنا وزحفهم نحونا وأن يغلوا أيضاً أيديهم عن الإخوة في السجون، وفي الوقت نفسه كان هناك احتفاء رسمي من الدولة بنجيب محفوظ بعد حصوله علي جائزة نوبل وتحدث الكثيرون عن أن نوبل جاءت لرواية 'أولاد حارتنا' التي تجاوز فيها في حق الذات الإلهية ولم يحاسبه أحد عليها بل تم تكريمه في مصر أيضاً، وسألنا أنفسنا: كيف يُقتل وُيعتقل قادتنا لمجرد أنهم يتحدثون عن الفساد في الدولة بينما يُترك كاتب رواية تنتهك القدسية الإلهية وتسب الأنبياء والرسل؟!، وفي هذه الفترة كان قد نُشر نص فتوي للدكتور محمد مزروعة كان قد أفتي رسمياً في شهادته أمام المحكمة في قضية اغتيال فرج فودة حينما سألته المحكمة: 'هل من حق الرعية إقامة الحدود؟' فأجاب: 'يجوز لآحاد الرعية إقامة الحد حتي في وجود الحاكم المسلم إن لم يقم الحد' وما حدث مع فودة ينطبق علي محفوظ وهو ما جعلنا نفكر في تطبيق الحد عليه وفي الوقت نفسه نوجه رسالتنا للحكومة.
> هل تري من المنطقي والعقلاني اليوم أن من حق الفرد تطبيق حدود الشرع بيده، ألا يعد ذلك انتهاكاً لسيادة الدولة والمساس بهيبتها وأن ذلك يبيح نشر الفوضي والغوغائية في المجتمع باسم الدين والشرع؟
>> عندما يخرج عالم من الأزهر صاحب كلمة مسموعة ويعلن تلك الفتوي أمام جهة رسمية وتُنقل عنه للناس ولا يحاسبه أحد فهذا يعني أن كلامه صحيح، ثم إننا وقتها لم يكن لدينا وقت للتفكير في مثل هذه الأمور، كنا معرضين للتصفية أو الاعتقال ما بين لحظة وأخري، وكان لابد من اتخاذ خطوة سريعة وقوية.
> ولماذا لم ترجعوا إلي أحد أئمة أو قادة الجماعة بتلك الفتوي؟
>> لم يكن منهم أحد خارج السجون، جميعهم كانوا معتقلين، كنا فاقدي الاتصال بهم نهائياً.
> هل قرأت رواية محفوظ التي حاولت اغتياله بسببها؟
>> لا.. لم أجدها فقد كانت مصادَرة، لكني قرأت تقريراً عنها من أحد الكتاب الذي قرأها وقال إن محفوظ يحكي فيها عن حارة من حارات مصر، وأنه سمي الأب باسم الجبلاوي كناية عن الله عز وجل، وسمي أبناءه أدهم علي اسم سيدنا آدم، وحمدي علي اسم سيدنا محمد، وكذلك أنبياء الله يوسف وعيسي وموسي، جميعهم بأسماء مستعارة، حتي إبليس سماه إدريس.
> وكيف خططتم لعملية الاغتيال؟ وكم كان عددكم؟
>> كنا خمسة: باسم خليل وكان أكبرنا سناً، حيث كان عمره آنذاك 27 عاماً، محمد المحلاوي ومحمد ناجي وحسين بكر وأنا، واتفقنا في البداية علي أن يرتدي باسم ملابس رجل خليجي ومعه محمد ناجي يمثل أنه سائقه ويصعدان إلي شقة محفوظ ومعهما هدية قيمة ويدعي باسم أنه يرغب في أن يوقع له علي 'أوتوجراف' مدعياً أنه اضطر للحضور لمنزله قبل موعد الطائرة مباشرةً، وأن تتم عملية الاغتيال داخل المنزل.. لكننا تعاهدنا ألا نمس أحداً من أهل البيت غيره هو فقط.
> وكيف تضمنون ذلك وزوجته تقيم معه في المنزل وربما يكون لديه شخص أو أشخاص آخرون يحاول أحدهم التصدي لكم، كيف كنتم ستتعاملون معهم وتضمنون عدم المساس بهم؟
>> بمراقبته لاحظنا أن زواره قليلون وأن الوحيدة التي تذهب إليه هي ابنته ولم يكن ذلك موعد زيارتها، وكنا متفقين أن عملية القتل لن تحدث أمام زوجته بل سيأخذانه في غرفة بعيدة عنها ويقتلانه، وبالفعل صعد باسم وناجي للشقة لكنهما فوجئا بعدم وجود محفوظ وقتها فسلما الهدية 'عبارة عن بوكيه ورد وعلبة شيكولاتة فاخرة' لزوجته وأخبرها باسم بما كان متفقًا عليه ثم انصرفا.. 
> وكيف نمت في الليلة التي سبقت محاولة الاغتيال وأنت تعرف أنك في اليوم التالي ستقتل شخصاً ما؟
>> نمت كما كنت أنام طوال السنوات الماضية، كمطارَد وملاحق معرض للقتل في أي وقت، ذلك الإحساس الذي كان يسيطر علِّي وقتها كما هو الحال كل يوم.
> وكيف دارت الأمور بعد ذلك؟
>> اتفقنا نحن الخمسة علي أن نلتقي في اليوم التالي عند منزل محفوظ، وتقابلت أولاً مع باسم وفي الطريق سألته: ماذا لو لم نجد حارسًا عند العقار، ولا حراسة أمام مستشفي الشرطة المجاور لبيته؟ فقال: 'ده مستحيل، وعموماً لو حصل يبقي ها ننفذ العملية في الشارع'. وبالفعل فقد حدث ما كان مستحيلاً، ولم نجد أي حراسة لا أمام بيته ولا أمام المستشفي، فاتخذنا القرار باغتياله في الشارع، وكنا قد ذهبنا بالصدفة مبكراً عن الموعد الذي اتفقنا عليه مع بقية الإخوة، ووقفت أنا ومحمد ناجي أمام البيت وفوجئنا بسيارة تقف أمام بيت محفوظ.
> السيارة كانت للطبيب البيطري محمد فتحي صديق محفوظ وكان موعد ذهابه للندوة التي كان يلتقي فيها عدد من المثقفين في كازينو قصر النيل.
>> صحيح.. فقد وجدت نجيب محفوظ يخرج من البوابة مستنداً إلي عكازه، عندما وقعت عيني عليه شعرت بشيء غريب ومشاعر غريبة تنتابني، سألت نفسي: 'هو ده إللي أنا جاي أقتله؟'.
> ما الذي لفت انتباهك فيه، فشكله وسنه كانا معروفين؟
>> لا أعرف لكن شيئاً ما داخلي حدث أصابني بحالة من الوجوم والذهول ولم أنطق بكلمة لناجي، ولم يعرف أحد بتلك الحالة التي أصابتني حتي الآن والتي امتدت لما بعد محاولة الاغتيال حتي أُلقيَ القبض علينا، لكني وقت العملية شعرت بالخوف.
> من ماذا وقد اتفقتم وقررتم وحاولتم تنفيذها قبلها بيوم عن قناعة دينية وسياسية أيضاً ولو كنت متردداً أو تريد التراجع كان لديك الوقت قبلها لذلك، فلِمَ الخوف؟
>> جاء خوفي مفاجئاً لسببٍ آخر، فقد كبلتني هيئته العجوز وعكازه، خفت أن أتحول لمجرم وأن أعتاد علي الدم.. وقفت واجماً وسألت ناجي بتردد: 'هانعمل إيه؟' فقال: 'لسه ها تسأل دلوقتي؟' وخطف السكين من يدي وتوجه نحوه فلم أشاهد ما حدث غير أن ناجي جري بعدها والسيارة التي استقلها محفوظ تحركت، فلم أفسر ما يحدث، هل فعلها ناجي؟ هل مات محفوظ أم أنه نجا فهرب ناجي؟ ولو كان قد فعلها لماذا لم يصرخ قائد السيارة ويستغيث بالناس للقبض علي ناجي أو إنقاذ محفوظ؟ كلها أسئلة دارت في ذهني في هذا الوقت لكني لم أستطع فعل شيء سوي مغادرة المكان، عبرت الشارع ومشيت فسمعت أذان المغرب دخلت إلي مسجد مجاور لبيته صليت وعندما خرجت عدت إلي مكان منزل محفوظ مرة أخري علّي أعرف ما حدث، لكني لم أجد أي شيء، رغم أني كنت أتلفت خلفي طول الطريق منتظراً أن يهتف أحد: 'امسك حرامي' أو يلقي القبض عليَّ، بعدها استقللت أتوبيسًا وأنا بداخله سمعت أصوات ضوضاء فجأة وتوقف الأتوبيس ووجدت الركاب ينظرون للشارع من الشبابيك، وعندما نظرت وجدت شابين صدمهما ميكروباص فألقي بأحدهما علي الأرض وكان غارقاً في دمه، عندما شاهدت منظر الدم زادت الحالة التي كنت عليها وازددت وجوماً واضطراباً.. كنا متفقين قبلها بعد العملية نتقابل الساعة 10 عند كوبري قصر النيل لما رحت قابلت حسين وباسم والمحلاوي، سألوني 'عملتوا إيه' قلت: مش عارف، 'يعني العملية تمت؟'، مش عارف، ناجي فين؟ برضه مش عارف، سبتهم ورحت قابلت واحد صاحبي - ما يعرفش حاجة عن العملية - واحنا قاعدين ع القهوة سمعنا خبر محفوظ، وكان وقتها بيزوره في المستشفي عاطف صدقي رئيس الوزراء وبيكلمه وسمعت محفوظ بيرد عليه عرفت انه لسه عايش، صاحبي حاول يتكلم في الموضوع ويعلق علي الخبر زي كل الناس اللي قاعدة لكن أنا ما كنتش عاوز ولا قادر أتكلم سبته ومشيت، كانت حالتي سيئة وكل من يراني يسألني: 'مالك؟' أعتقد أن ما حدث معنا كان علي عكس الفطرة التي فطرنا الله عليها فيقول تعالي: 'ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين'. وما حدث معنا كان تلوثًا لهذه الفطرة البشرية.
في اليوم التالي قابلت حسين بكر وذهبنا لمقابلة الباقين علي مقهي في مدينة السلام وقبل دخولي المقهي حاولت مراقبة المكان أولاً كإجراء احتياطي فتوجهت لشراء ساندويتشات من مطعم مقابل وشاهدت الإخوة يجلسون في انتظاري، ذهبت إليهم وحاولت أن يكون الأمر طبيعياً فوضعت الساندويتشات علي المائدة أمامنا، سألت ناجي: 'العملية تمت؟' فأجاب: 'أيوه' ولم تمض سوي خمس دقائق فقط إلا ووجدنا الشرطة تحاصر المكان فجأة، لا أعرف كيف حدث ذلك.. وقتها قُتل باسم خليل وأصبت أنا بعدة طلقات نارية وأصيب محمد ناجي، وأُلقي القبض علينا جميعاً.
لقد دخل عمرو السجن وكان ابنه عمره سبعة أشهر، اليوم صار ابنه شاباً عمره 17 سنة.
الرجل الآخر في هذه القضية هو حسين علي بكر، عمره الآن 37 سنة، جميعهم وقت الحدث كانت تتراوح أعمارهم مابين 18 و19 و20 و21 سنة وأكبرهم كان باسم خليل حيث كان عمره 27 سنة. يقول حسين: قبل قضية نجيب محفوظ لم أُعتقل ولا مرة لكني كنت مطاردًا لمجرد أني فتحت بابي لأحد الإخوة المطاردين للمبيت عندي، ونتيجة لذلك عشت في الشارع ونمت علي الأرصفة لشهور طويلة، كنت أبحث عن مقهي يعمل 24 ساعة لأجلس فيه حتي الصباح، ما حدث كانت نتيجة لأشياء كثيرة جعلتنا لا نملك قرارات صائبة ناتجة عن تفكير، خاصةً أنني فوجئت بأشخاص أعرفهم قُتلوا في عمليات تصفية جسدية وقتها عرفت أننا ميتين ميتين، كان عمري 19 سنة ومطلوب اعتقالي لأشياء لم أرتكبها، وفي قضية محفوظ كان الأزهر له دور فهو الذي أصدر فتوي بإهدار دمه، وهو ما ترتب عليه اختيارنا لاغتيال محفوظ.
> لكن الأزهر هو نفسه الذي صرّح بنشر رواية محفوظ بعد ذلك، وكان الشيخ محمد الغزالي عضواً في اللجنة التي وافقت علي نشر الرواية، بل إن الغزالي نفسه الذي أصدر الفتوي نفسها في ذلك الوقت ذهب لزيارة محفوظ في المستشفي فور تعرضه لمحاولة الاغتيال، أضيف أن من قدّم لرواية محفوظ حين نشرتها الشروق كان أحمد كمال أبو المجد المحسوب علي الإسلاميين، فبماذا تفسر كل هذا؟ وهل مازالت لديكم قناعات بصحة ما فعلتم؟
>> لا أنكر ما فعلنا ولكن كل ما أستطيع أن أقوله إنه كان خطأ، ولكن تعليقي علي ما فعله الأزهر من تغيير موقفه من الرواية أن الأزهر في المرحلة السابقة كان تابعاً للنظام وللدولة وينفذ ما تريده الدولة.
> وكيف تري ما حدث؟
>> ما حدث في قضية اغتيال محفوظ كان سببه تقصير الدولة، فالقانون يعاقب من يتعدي علي شخص بالسب والقذف بالسجن والغرامة بينما يترك من يتعدي علي الذات الإلهية دون عقاب، وفي المقابل يضيّق الخناق علي أصحاب كلمة الحق التي تدعو للدين، وهذا خلل كبير يفتح المجال للتأويل والبلبلة والفوضي.
> ماذا تفعلون لو أنكم شاهدتم اليوم بعد كل هذه السنوات من يكرر نفس منهج فرج فودة أو نجيب محفوظ باعتباره حرية إبداع ينادي بها المثقفون وغيرهم في عصر يطالبون فيه بالمزيد من الحريات، هذا فضلاً عن بعض أفيشات أفلام السينما العارية أو أغلفة الكتب التي قد ترونها غير أخلاقية؟
>> لقد تعلمنا من تجاربنا أن منطقنا لم يكن صائباً في الكثير من الأمور، ومادامت هناك حريات في الفكر والتعبير فمن المؤكد أننا نحن أيضاً سنحظي بها.. لتكن الحجة بالحجة والكلمة بالكلمة لا غير.. وأظن أن هذا هو الأحق أن يتبع الآن، وأؤكد أن ما حدث في الماضي لن يتكرر، وأن الحرية ستكون مزدوجة وليست فردية، فضلاً عن كثافة وسائل ومنابر الإعلام الآن التي تتيح للجميع التعبير عن رأيه وفكره بحرية.
انتهت الزيارة لكن هناك من التفاصيل والقضايا المهمة التي سنوالي نشرها في الأعداد المقبلة لتكشف عن المزيد من الأسرار والحكايات.
 

اجمالي القراءات 13713