الخطبة شعيرة سياسية فى العصر الفاطمى

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٨ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الخطبة شعيرة سياسية فى العصر الفاطمى

مقدمة :

1 ـ الدولة العباسية دخلت فى دور الضعف منذ عصر الخليفة المتوكل ، وتزايد ضعفها ، وتحكم فى الخلفاء مراكز قوى من القادة الأتراك والدول القادمة من الشرق كالبويهيين والسلاجقة . وهذه القوى التى سلبت الخليفة العباسى سلطانه السياسى حرصت على تعظيم كهنوته الدينى لتستمد منها شرعية الحكم . فأصبح الخليفة العباسى كهنوتا دينيا مقدسا ولكن منزوع السلطات . هذه هى السمة الأساس فى العصر العباسى الثانى . وفى هذا العصر أسس الفاطميون الشيعة دولتهم فى المهدية فيما يعرف الآن بتونس ، ومنها زحفوا الى مصر واستولوا عليها واسسوا القاهرة والجامع الأزهر ، وزحف نفوذهم شرقا فى الشام والعراق ، ووصل حينا من الدهر الى بغداد نفسها حيث أعلن القائد البساسيرى الدعوة للخليفة الفاطمى المستنصر بالله . أعلن هذا فى الخطبة فى بغداد ، لأن الخطبة فى هذا العصر أصبحت من شعائر الحكم السياسى الدينى ، أو الدولة الدينية .

2 ـ الدولة الفاطمية كانت النموذج الكلاسيكى للدولة الدينية ، فأصبحت الخطبة فيها وظيفة رسمية وسياسية ،  ومن خلالها يكون إعلان التبعية للخليفة ، ويحرص الخليفة الفاطمى على أن يخطب الجمعة ينفسه ـ حتى لو كان فتى مراهقا ـ ولذا كان يصطحب معه فى الخطبة بعض كبار أتباعه ، أو ينوب عنه آخر يختاره .

3 ـ بهذا تميز الخليفة الفاطمى عن قرينه العباسى ، لذا كان المؤرخون يذكرون خطبة الخليفة الفاطمى كأحد أنشطته السياسية الرسمية ، وليس هذا ملحوظا فى الحوليات التاريخية التى تؤرخ للدولة العباسية .

4 ـ  ونتعرف على رسوم وطقوس الصلاة والخطبة للخليفة الفاطمى فى صلاة الجمعة والعيدين مما كتبه المقريزى فى تاريخه :( إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء )، وهو ينقل عن مؤرخى الدولة الفاطمية مثل المسبحى وابن زولاق .

أولا : الخليفة المعز لدين الله الفاطمى ثالث الخلفاء الفاطميين وأول الخلفاء الفاطميين فى مصر:

1 ـ قال عنه المقريزى : ( وفي يوم عيد الفطر ركب المعز وصلى بالناس على رسمه وخطب‏.‏) (على رسمه :أى طبقا للنظم الرسمية للدولة ) .وتكرر هذا : ( وصلى المعز صلاة العيد وخطب على الرسم الذي تقدم ذكره وانصرف إلى القصر فأطعم على الناس‏.‏)

2 ـ  ( عام 378  وفي يوم الجمعة عشرة شهر رمضان ركب العزيز إلى جامع القاهرة بالمظلة فخطب وصلى‏.) أى كان يسير بمظلة  ( شمسية ) فوقه ، ضمن شعائر الصلاة والخطبة . وجامع القاهرة هو الجامع الأزهر .

3 ـ ذكر المؤرخ ابن زولاق أنه صلى الجمعة خلف الخليفة المعز لدين الله الفاطمى ، قال : (‏ أنا سبحت خلفه في كل ركعة وفي كل سجدة نيفاً وثلاثين تسبيحة ، وكان القاضي النعمان بن محمد يبلغ عنه التكبير . وقرأ في الثانية بأم الكتاب وسورة والضحى ، ثم كبر أيضاً بعد القراءة ، وهي صلاة جده علي بن أبي طالب ، وأطال أيضاً في الثانية الركوع والسجود . وأنا سبحت خلفه نيفا وثلاثين تسبيحة في كل ركعة وفي كل سجدة ، وجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في كل،  فلما فرغ من الصلاة صعد المنبر وسلم على الناس يمينا وشمالا ، ثم نشر البندين اللذين كانا على المنبر فخطب وراءهما ، وكان في أعلى درجة من المنبر وسادة ديباج مثقل فجلس عليها بين الخطبتين ، واستفتح الخطبة ببسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ وكان معه على المنبر جوهر وعمار بن جعفر وشفيع صاحب المظلة ثم قال‏:‏ الله أكبر الله أكبر استفتح بذلك وخطب وأبلغ وأبكى الناس وكانت خطبته بخضوع وخشوع‏.‏ فلما فرغ من خطبته انصرف في عساكره وخلفه أولاده الأربعة بالجواشن والخوذ على الخيل بأحسن زي وساروا بين يديه بالفيلين‏.‏) . هنا طقوس فى الخطبة وهو على المنبر ، وهناك القائم بالمظلة أو الشمسية ، واسمه شفيع . وموكب فى دخوله الجامع الأزهر وموكب فى رجوعه القصر ( قصر الذهب )

4 ـ وعن خطبة المعز لدين الله فى صلاة عيد الأضحى  والمأدبة بعدها :  ( وغدا المعز لصلاة عيد النحر في عساكره وصلى كما ذكر في صلاة الفطر من القراءة والتكبير وطول الركوع والسجود ، وخطب ، وانصرف في زيه، فلما وصل إلى القصر أذن للناس عامة ، فدخلوا والشمسية منصوبة على حالها ، فلم يبق أحد حتى دخل من أهل مصر والشام والعراق ، فذكر أهل العراق وأهل خراسان ومن يواصل الحج أنهم لم يرو قط مثل هذه الشمسة ، وذكر أصحاب الجوهر ووجوه التجار أنه لا قيمة لما فيها ، وأن شمسية بني العباس كان أكثرها مصنوعا ومن شبه وأن مساحتها مثل ربع هذه‏.‏)

ثانيا :  الخليفة العزيز بالله ابن الخليفة المعز لدين الله :

1 ـ فى عام  380 (  وفي رمضان صلى العزيز الجمع ، وخطب بجامعه وعليه طيلسان وبيده القضيب وفي رجله الحذاء ، وصلى أيضاً بجامع القاهرة وخطب‏.‏) . مذكور هنا أن الخليفة صلى وخطب بجامعه ( أى الجامع الأزهر ) ، ونتعرف هنا على طقوس أخرى : الطيلسان والقضيب وهو يخطب بالحذاء .! ( وصلى العزيز صلاة عيد الفطر وخطب على رسمه‏.)

2 ـ عام  383 ( وخطب العزيز في رمضان بجامعه وصلى بالناس صلاة الجمعة ومعه ابنه منصور ( وهو الذى تولى الخلافة باسم الحاكم بأمر الله ) فجعلت المظلة على الأمير منصور بن العزيز،  وصار العزيز بغير مظلة . وصلى أيضاً صلاة عيد الفطر ومعه ابنه على الرسم‏.‏) ( وحمل سماط العيد وخطب العزيز بالمصلى بعد ما صلى صلاة عيد النحر بزيه وفرق الضحايا ونحر‏.‏ ) نحر الذبائح بعد صلاة عيد الأضحى ( النحر ) كان ضمن الطقوس .

3 ـ عام  384  : ( وصلى العزيز بالناس الجمعة بعد ما خطب بجامع القاهرة .. ومعه ابنه في أيام الجمع من شهر رمضان ، وعمل في آخره سماطاً للعيد . ). ومن ضمن طقوس صلاة عيد الفطر مأدبة حافلة للقوم ، أو ( سماط ). ( وصلى العزيز بالناس صلاة عيد الفطر وخطب على الرسم‏.‏)( وصلى العزيز صلاة عيد النحر وخطب بالمصلى على رسمه ونحر وفرق الضحايا‏.‏ )

4 ـ عام  385 ( وصلى منصور بن العزيز بالناس صلاة عيد الفطر وخطب .. على رسم أبيه وزيه وعليه المظلة والجوهر‏.) هنا ولى العهد منصور يصلى بالناس صلاة عيد الفطر ويخطب ، وكان لا يزال فتى صغيرا . أى إن والده يدربه على الخطابة والإمامة . لذا كان والده هو الامام فى العيد التالى عيد الأضحى : ( وصلى العزيز بالناس صلاة عيد النحر وخطب في مضاربه ) . وسبقه مراسم يوم وقفة الأضحى : ( وفي يوم عرفة حمل يانس السماط ، وصلى العزيز وخطب يوم النحر ، ونحر النوق بيده ومضى إلى القصر ونصب له السماط والموائد وفرق الضحايا على أهل الدولة‏.‏ ‏وحملت أسمطة عيد النحر على العادة وصلى العزيز بالناس صلاة العيد وخطب ثم نحر بالقصر ثلاثة أيام وفرق الضحايا‏.‏)

(  وخطب العزيز في رمضان في جامع القاهرة وصلى وركب يوم الفطر فصلى بالناس وخطب على الرسم‏.‏ وعمل سماط عيد نحر وركب العزيز فصلى بالناس صلاة عيد النحر وخطب على رسمه ونحر وفرق الضحايا‏.)

5 ـ عام 378 : ( وفي يوم الجمعة عشرة شهر رمضان ..خط أساس الجامع الجديد مما يلي باب الفتوح وبدىء بالبناء فيه ، وتحلق الفقهاء الذين يتحلقون بجامع القاهرة فيه ، وخطب به العزيز ، وصلى يوم الجمعة النصف منه . وحمل يانس الصقلي صاحب الشرطة السفلى السماط ، وبنيت مصاطب ما بين القصر والمصلى ظاهر باب النصر يكون عليها المؤذنون والفقهاء حتى يصل التكبير من المصلى إلى القصر ، وتقدم أمر القاضي محمد بن النعمان بإحضار المتفقهة والمؤمنين وأمرهم بالجلوس يوم العيد عليها وركب العزيز فصلى وخطب‏.‏ )

ثالثا :  الخليفة الحاكم بأمر الله :

1 ـ عام 386  : ( وركب الحاكم يوم الأضحى فصلى بالناس صلاة العيد بالمصلى وخطب وأصعد معه المنبر القاضي محمد بن النعمان وبرجوان وابن عمار وجماعة‏.‏ ) بسبب صغر عمره صعد معه كبار الدولة .

2 ـ عام 387 ( وصلى الحاكم بالناس صلاة عيد الفطر بالمصلى وخطب وأصعد معه المنبر الحسين بن جوهر والقاضي والأستاذ برجوان وجماعة‏.‏ ) ( وفيها صلى الحاكم بالمصلى صلاة العيد يوم النحر بالناس وخطب على رسمه‏.‏ )

3 ـ عام   388 ( وفي شهر رمضان صلى الحاكم بجامع القاهرة بالناس بعد ما خطب وعليه رداء وهو متقلد سيفا وبيده قضيب وزرر عليه جلال القبة لما خطب وقال خطبة مختصرة سمعها من قرب منه‏.‏ وهي أول جمعة صلاها ثم صلى جمعة أخرى وصلى صلاة عيد الفطر في المصلى وخطب على الرسم المعتاد وحضر السماط‏.‏ ) ( وصلى الحاكم يوم عيد النحر بالمصلى وخطب‏.‏)

4 ـ عام 389 : ( وصلى الحاكم في رمضان بالناس جمعتين وخطب وصلى صلاة عيد الفطر وخطب وأصعد القاضي معه في جماعة وجلس على السماط‏.‏) ( وصلى الحاكم صلاة عيد النحر وخطب على الرسم وأجرى الناس في أضاحيهم على عوائدهم‏.)

5 ـ عام  390 : ( ‏وفي يوم عيد الفطر صلى الحاكم بالناس بالمصلى وخطب على رسمه وأصعد ابن النعمان وعدة من القواد معه المنبر فجلس على الدرج‏.‏) ( وصلى الحاكم صلاة عيد النحر بالمصلى وخطب ونحر في القصر على رسمه وجلس على السماط‏.‏ )

6 ـ عام 391  : ( جرى الرسم في ركوب الحاكم لفتح الخليج وفي يوم العيد إلى المصلى على العادات‏.‏ وجرى الرسم في صلاة عيد النحر على ما تقدم ثم انصرف فنحر ودخل تربة القصر وحضر السماط‏.‏ )

7 ـ عام  392 : ( وصلى الحاكم في رمضان بالناس أجمعين بعد ما خطب ، وصلى صلاة عيد الفطر وخطب على الرسم‏.‏ )

8 ـ عام  394  ( وصلى الحاكم بالناس في رمضان صلاة الجمعة مرتين وخطب‏.)

9 ـ عام 395  ( وركب الحاكم يوم عيد الفطر وعليه ثوب مصمت أصفر وعلى رأسه منديل منكر وهو محنك بذؤابة والجوهر بين عينيه‏. وقيد بين يديه ستة أفراس بسروج مرصعة بالجوهر وست فيلة وخمس زرافات فصلى بالناس صلاة العيد وخطبهم،  فلعن في خطبته ظالمه حقه والمرجفين به، وأصعد معه قائد القواد وقاضي القضاة عز الدين‏. وحضر الحاكم وعلى رأسه تاج مكلل بالجواهر‏. ونودي في الناس بأن يلعبوا بالماء في النوروز ونزل الحاكم يوم النحر إلى المصلى فصلى بالناس ، وخطب ونحر بها ثلاث بدن ، وعاد إلى القصر فحضر السماط ، ثم نحر في الملعب إحدى وعشرين بدنة ، وواصل النحر أياماً‏. )

10 ـ عام  396 : ( وجرى الرسم في شهر رمضان كل ليلة على العادة وصلى الحاكم فيه بالناس صلاة الجمعة وخطب ثلاث مرات‏.) ( وصلى يوم عيد الفطر بالناس وخطب بالمصلى على عادته‏. )

11 ـ عام 401 : ( وقرئ سجل في سائر الجوامع فيه النهي عن معارضة الإمام فيما يفعله وترك الخوض فيما لا يعنى وأن يؤذن بحي على خير العمل ويترك من أذان الصبح قول‏:‏ الصلاة خير من النوم والمنع من صلاة الضحى وصلاة التراويح وإعادة الدعوة والمجلس على الرسم‏. وصلى مالك بن سعيد بالناس صلاة عيد النحر وخطب ونحر في المصلى والملعب مدة أيام النحر‏. ولم يركب الحاكم ولا نحر‏. ). هنا مظهر من مظاهر جنون الحاكم بأمر الله .

12 ـ عام ( 402  ) ( ونزل إلى الجامع العتيق ومعه سائر العسكر بخلعه وقرئ سجله وفيه تشدده في المسكرات والمنع من بيع الفقاع والملوخية والسمك الذي لا قشر له والمنع من الملاهي ومن اجتماع الناس في المآتم واتباع الجنائز والمنع من بيع العسل إلا أن يكون ثلاثة أرطال فما دونها‏. وفي ذي الحجة وردت هدية تنيس على العادة في كل سنة‏. ولم يركب الحاكم لصلاة عيد النحر فصلى بالناس مالك بن سعيد وخطب‏. ). هنا إستخدام المسجد فى إعلان قراراته المضحكة .

رابعا : الظاهر لإعزاز دين الله

1 ـ كان مقتل الحاكم عام  410 ، وتولى ابنه الظاهر لإعزاز دين الله .( وبويع بالخلافة في يوم عيد الأضحى سنة إحدى عشرة وأربعمائة  وله من العمر ست عشرة سنة وثلاثة أشهر واتفق في هذا اليوم أن صلى للحاكم في خطبة العيد ثم بويع الظاهر بعد عودة القاضي من المصلى فكان بين الدعاء في الخطبة للحاكم وبين أخذ البيعة للظاهر ثلاث ساعات ولم يتفق مثل ذلك‏.)

2 ـ قالوا إنه  ( في يوم الجمعة ثانيه ركب أيضا إلى صلاة الجمعة في الجامع الأزهر وعليه طيلسان شرب مفوط بعمامة بياض مذهبة وثياب دبيقية والمظلة دبيقية مذهبة ، وطلع معه المنبر قاضي القضاة أحمد بن أبي العوام وإبراهيم الصانع المؤدب المعروف بالجليس ، فأرخيا عليه سجف القبة التي في أعلا المنبر ، وهي مغشاة بمصمت بياض والعنبر يبخر بين يديه في المباخر الذهب والفضة والجوهر‏. فخطب ، ثم كشف عنه القاضي ، ونزل فصلى وعاد إلى قصره‏.)

3 ـ (  وفي يوم الجمعة سادس عشره ركب الظاهر إلى الجامع الأنور خارج باب الفتوح وعليه رداء بياض محشى قصبا وثياب بياض دبيقية وعمامة بيضا مذهبة وفي يده القضيب الجوهر وعلى رأسه مظلة مديرة ، فخطب ثم صلى وعاد‏. )

4 ـ ( فى يوم الخميس عاشره كان عيد النحر فركب الظاهر إلى المصلى من باب الفتوح على عادته بعد أن رسم لسائر العرائف أن تلزم كل عرافة مكانها وحارتها وتكون صلاة العسكر بأجمعهم في حاراتهم مع أزمتهم فامتثلوا ذلك‏. وصلى وخطب بعد أن استدعى داعي الدعاة قاسم بن عبد العزيز بن النعمان وسلمه الثبت بأسماء من جرت عادته بطلوع المنبر فاستدعى شمس الملك وبهاء الدولة مظفر صاحب المظلة وعلي بن مسعود وحسن ابن رجاء بن أبي الحسين وعلي بن فضل وابراهيم الجليس وعبد الله بن الحاجب ، وتأخر القاضي وغيره لمرضهم فلم يشهدوا صلاة العيد‏. فلما انقضت الخطبة نزل الظاهر إلى المنحر بالمصلى فنحر ناقةً وعاد إلى قصره ومشى إلى المنحر بصحن القصر تجاه ديوان الخراج فنحر تسعاً من النوق ثم انصرف‏. ) .

ونكتفى بهذا فى التدليل على أن خطبة الجمعة والعيدين كانت من رسوم وطقوس الدولة الفاطمية .

اجمالي القراءات 6678