المرشَح والجماهير
كلنا في الانتخابات أصفار!

محمد عبد المجيد في الثلاثاء ٢٣ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

كثير من الشعوب تفضل أن تكون أصفارًا متراصة أو مركبة عن اليسار، ففي هذه الحالة تأمن شرَّ السلطة، ولا تشاهد أنياب الأسياد، وتضمن المرور بأمان أمام قسم الشرطة.

عرفت كثيرين اختاروا التقزيم والتحجيم والتصغير لئلا يراهم الزعيم من شرفة قصره، ثم جاء الإعلام ليعملق الصفر ويجعله الرقم الأكبر؛ فالجماهير هي التي تتسيد، وتحكم، وتحاكم، وتؤمن، وتزاوج الدين والسياسة ليتحولا إلى لعبة الثلاث ورقات.

الزعيم لا يحتاج طوال الوقت إلى الهراوة أو العصا أو السوط؛ فالجماهير تحتفظ بها تحت سروالها لتخيف نفسها، لا لتدافع عن حقوقها.

إذا تحالف القضاء والإعلام والسلطة التشريعية ورجال الدين فإن إبليس يرفع قبعته من فوق قرنيه مهنئا على (لأغوينهم أجمعين)، فيجلس واضعا ساق فوق ساق فقد تبرعت الجماهير بالإرشاد عن المساق.

إذا أقنعتَ الجمهورَ أنه ليس حمارًا فقد وقعتَ في مأزق لا قـِـبَل لك به؛ فالجماهير ستحتج، وتتبرم، وتغضب لأنك أهنتها في أسفارها التي تحملها راغبة فيها و.. ليس عنها.

في ذروة الحملات الانتخابية في العالم الثالث يتقلص حجم المخ، ويتراجع العقل، ويضمر الفكر فالبقاء للسان والبطن و .. قِرَدة الإعلام.

أنت لا تحتاج للتزوير والغش والتزييف لتحصل على نتائج خطط لها إبليسُك؛ فيكفي أن تمسك كتابك المقدس وترهب به المقترعين فيرقص الصندوقُ فرحــًــا بالنتيجة قبل ظهورها بوقت طويل.

قبيل التوجه للجان الاقتراع أو الاستفتاء سيدهشك أنَّ الأخبار التلفزيونية والصحف والمانشيتات واليافطات كلها، تقريبــًــا، معجونة بلعاب الشيطان، ومع ذلك فأكثر الإعلاميين تزداد حساباتهم في المصارف، ويصبح الحرامُ حلالًا، ويرفع المرتشون شعاراتِ حب وغزل وعشق في وطن تركوه خلف ظهورهم أو تحت أحذيتهم.

قبيل حملات الانتخابات يلتصق كفُّ السلطة بقفا المواطن دون أن يلمسه، وبعد الخروج من اللجنة يعرف المسكين إنْ كان قفاه قد التهب أو .. تداوىَ.

في خضم حملات الاختيار الأعمىَ تظن الجماهير أن بصرها أصبح حديدًا، وأن كل تذكرة انتخاب مرفق بها نسخة من زرقاء اليمامة، والحقيقة أنها الفترة الأكثر وضوحا لانتشار وسطوع وسطوة الحماقة.

في كثير من الأحيان تختار الجماهير بين المرشح الوحيد وبين خياله؛ وفي الحالتين تتوهم أنها كانت حرة في الاختيار، وتشكر الله والوطن والسيد على إتاحة الفرصة لها ليظهر شبحُها قبل أنْ يختفي بعد الانتخابات تحت حذاء السيد.

سوق عكاظ الانتخابي يحتشد فيها الأغبياء لإثبات ذكائهم، وعندما يــَـنـْـفضّ يلطم الأذكياء وجوههم على غبائهم.

برامح التوك شو تقوم باختيار الهازم والمهزوم، ويدير اللعبةَ محنك محترف أو أبله ضعيف، لكن النتيجة معروفة مسبقا، وموضوعة في مظروف صغير به عملة خضراء ليس عليها للأسف صورة ترامب أو إيفانكا رغم أن الأول كابوس الجماهير والثانية حلمها تحت الوسادة الخالية.

أحمق الحمقىَ من يسألك: هل أذهب لأعطي صوتي أم لأمتدح في سوطه؛ وهنا تمر في مخيلته كل الزنزانات الموجودة في أقبية تحت الأراضي التي قال له عنها السيد أنها مباركة، فيذهب في عملية تنويم مغناطيسي، سياسي أو ديني، ويضع إبهامه في الحبر الأزرق عكس رغبته في أن يضع الإصبع الأوسط في الحبر الأحمر.

قرّب أُذنيك من متحاوريّن عن الانتخابات القادمة في أي مكان؛ لن تسمع صهيل الخيل، إنما لهيب الانتقام من الآخر المخالف والمختلف.

لو تم إنفاق أموال الانتخابات على الفقراء والمتسولين والمرضىَ والأطفال لأعلن إبليس هزيمته أمام الجماهير الواعية.

يعلن المرشَح عن رغبته في تلبية رغبات الجماهير في مشروعات عملاقة وخطوط سكك حديدية وتصدير الغاز، لكنه لا يُذكّر الجماهير بالمستشفيات والمدارس والمعلمين ومراكز الأبحاث وتحلية مياه البحر والعلاج المجاني للأطفال و.. القضاء العادل.

ستذهب الجماهير إلى حديقة الحيوانات لتشاهد جبلاية القرود وتراها تقفز وتلعب وتعطيها مؤخرتها الحمراء، ثم تطلب منها قشرة موز ووضع علامة معروفة مُسبقا على تذكرة الانتخاب.

السيد العبقري في العالم الثالث هو الذي يختار أفضل الكفاءات من شباب المستقبل، ويسابق بالنساء الرجال، ويحارب التطرف الديني في كل مناحي الحياة، ويصنع السعادة قبل العدالة، والسكن قبل الطعام، والكرامة قبل صندوق الانتخاب.

صناديق الانتخاب في مشرقنا العربي فشلت وسحلها القصر، من السودان والعراق وسوريا ومصر والجزائر وغزة والضفة الغربية، فالجماهير التي تأكل هتافات تجوع قبل انبلاج فجر اليوم التالي.

لست مع الانتخابات أو ضدها؛ لكنني مع مركز للعلاج وللأبحاث العلمية وللعدالة وللمساواة ولحقوق المرأة ولسعادة الطفل وللمشروعات المفيدة والمثمرة وللمواطن المكرم.

لست مع انتخابات يُذكــَـر فيها الدين لأنها فرصة الشياطين لخداع الساذجين، الدين وعي وعظمة ورسالة سماوية فإذا وضعه الإنسان على لسانه فقد تحول إلى تضليل وغش وإرهاب.

كل قرش يُنفــَـق على الانتخابات في العالم الثالث يُشوَىَ به جسد الحاكم في نار جهنم إذا كان يعرف مسبقا أنه ناجح رغم أنف الجماهير.

لا أدعو إلى المقاطعة أو الهرولة، لكنني أدعو إلى البحث عن العقل الغائب أو المقتول أو ..   المجهول.

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في 23 يناير 2018

اجمالي القراءات 7550