هل ينبغى أن نحزن ونتأسف بسبب الانقسام بين القوى الرئيسية التى أنجزت الثورة؟!
بالطبع نعم، لكن هل ينبغى أن نصرخ ونثور؟! بالطبع لا.
الحزن والأسف وحتى الغضب شعور إنسانى نبيل، لكن لطم الخدود وشق الجيوب مرفوض وهو إذا كان مكروها حتى فى الموت وأقصى لحظات الحزن، فهو مستهجن فى السياسة بالضرورة، ناهيك عن أن عائده صفر وأضراره مؤكدة.
يقولون إن الثورة تأكل أبناءها، وهذا أيضا صحيح وتكرر كثيرا، لكنه يحدث فى معظم حالاته بعد أن تنجز الثورة أهدافها الرئيسية فى حين أن ثورتنا أسقطت رمز الحكم، لكن معظم أركان نظامه لاتزال مغروسة فى التربة السياسية التى تقاوم بضراوة نبتة الثورة الوليدة.
الحمد لله أن ثورتنا لم تأكل أبناءها حتى الآن، لكن علينا أن نتقبل الخلافات بين القوى التى شاركت فى صنعها.
كان طبيعيا، أن يتوحد الجميع أثناء الثورة وحتى تنحى مبارك، الإخوانى والشيوعى، الليبرالى والسلفى، الناصرى والوفدى، الرأسمالى والاشتراكى، رأينا المسيحى يحمى المسلم أثناء الصلاة، رأينا الجميع ينصهر فى بوتقة واحدة وينكر ذاته.
كل ذلك شعور طبيعى حتى تم إنجاز الهدف. وبنفس المنطق علينا تفهم أن الخلاف بعد ذلك هو شىء طبيعى أيضا، فإذا كانت معارضة مبارك قد وحدت الجميع، فإن غيابه يجعل كل فصيل يبدأ فى البحث عن مصلحته الخاصة أو ما يتصور أنها مصلحة البلد بأكمله.
كنا نأمل أن تستمر حالة التوحد أو على الأقل الاتفاق على قضايا رئيسية طويلا، لكن ذلك ضد حقائق الواقع على الأرض.
لا يخفى على أحد أن بعض أحزاب المعارضة التقليدية كانت ترى نظام مبارك بكل مساوئه أقرب إليها من جماعة الإخوان المسلمين، وبنفس القياس فإن بعض الأقباط كان يتمنى أن يعيش فى «جحيم مبارك» بدلا من جنة السلفيين. كما أن بعض الإخوان كان يجد مساحة من الاتفاق مع بعض قوى الحزب الوطنى أكثر مما يراها مع بعض الليبراليين واليساريين أو «العلمانيين» حسب تعبير بعض أدبيات الإخوان مؤخرا.
ومن لا يصدق ذلك عليه تذكر وقائع الحملة الشرسة ضد فاروق حسنى فى مجلس الشعب أثناء أزمة الحجاب ليرى كيف تم الاصطفاف وقتها.
من الآن فصاعدا علينا أن نهيئ أنفسنا لطريقة وخريطة الصراع السياسى فى مصر.
أغلب الظن أن قوى سياسية كثيرة ستجد نفسها فى صراع وحرب أفكار مع جماعة الإخوان المسلمين وبقية فصائل تيار الإسلام السياسى.
ومن الآن وحتى إجراء الانتخابات البرلمانية، سندخل فى وصلات هجوم متبادل بين الفريقين، وبعد الانتخابات وإذا قدر لحزب الإخوان الجديد أن يحصد مقاعد معتبرة، فالمؤكد أنه سيتحول إلى «صورة أخرى من الحزب الوطنى» فى نظر بقية القوى السياسية خاصة اليسارية والليبرالية منها.
لو أن الصراع دار حول أفكار جادة وحقيقية فسوف يستفيد المجتمع بأكمله لكن المشكلة فى كل ذلك أنه وبدلا من انشغال القوى السياسية بالمعارك حول شكل الدستور المقبل وطريقة الانتخابات وكيف يمكننا تحقيق العدل الاجتماعى سنجد أنفسنا لسوء الحظ منهمكين فى معارك تافهة من قبيل هل يجوز للعلمانى أو لغيره أن يتزوج من الإخوانية، وماذا يفعل الإخوانى إذا وقع فى قصة حب عاطفية مع وفدية أو ناصرية أو «واحدة من الفلول».. وأسئلة كثيرة من هذه النوعية لن تجد لها إجابات شافية حتى عند فضيلة الشيخ صبحى صالح!.