ما هو الفرق بين خرافة بابا نويل و خرافات السلف الصالح كما يسمى ؟
مقدمة متواضعة
منذ 21 سنة أي في دجنبر سنة 1996 كنت طفل معاق في مؤسسة الوردة الرملية لاستقبال الاطفال المعاقين بمدينة اكادير حيث كانت مديرة هذه المؤسسة فرنسية ذات الديانة المسيحية تدعى السيدة فرنكا بصي و طبعا هي امراة طيبة بكل ما تحمله هذه الصفة من المعاني العميقة حيث في يوم من الايام دخلت الى مكتبها كما هي عادتي فأخبرتني انني سألبس ملابس بابا نويل بمناسبة حفل نهاية سنة 1996 داخل المؤسسة مع المربيات و نحن كاطفال انذاك .
و بطبيعة الحال كنت سعيد بهذا الخبر لانني لازلت طفل عمره وقتها 13 سنة حيث يشاهد الرسوم المتحركة سواء في التلفزيون المغربي او في الفضائيات الفرنسية على الخصوص بمعنى ان شخصية بابا نويل الخرافية لم تكن غريبة عن جيلنا الطفولي في تسعينات القرن الماضي باعتبارنا نعيش في مدن يصلها البث الارضي للقناة الاولى و القناة الثانية وقتها حيث ان القناة الثانية كانت تمثل الاتجاه الغربي في اغلب برامجها بمعنى كنا كاطفال انذاك نشاهد الرسوم المتحركة الحاملة لمضامين خرافة بابا نويل المسيحية ..
و فعلا لبست ملابس بابا نويل في ذلك الحفل و تم تصويرنا بالكامرا من طرف مديرة المؤسسة لكن معلمتي الاولى ذات النزعة السلفية قالت لي انذاك هذا شيء حرام في الدين علما ان الوالدين عندما شاهدوا شريط الحفل على جهاز الفيديو لم يقولوا لي شيئا من هذا القبيل حيث كنت صغيرا عن كلام معلمتي الكبير للغاية لان ذلك الحفل كان عبارة عن توزيع الهدايا على الاطفال و تناول الحلويات الخ من هذه الاشياء الداخلة في ادخال الفرح الى قلوبنا كاطفال حينها ..
ان عقلية السلف السخيفة اصلا تحرم اية علاقة مع المسيحيين او اليهود باعتبارهم كفار سيدخلون النار بصفتهم حرفوا دينهم و أضافوا الخرافات و الاساطير كأن الاسلام حسب قراءته السلفية هو نظيف للغاية من هذه الخرافات او من هذه الاساطير حيث كنت اسمع مثل هذه الاقويل من معلمتي الاولى في مرحلة الطفولة أي من 12 سنة الى 15 سنة تقريبا أي كنت تحت رحمة افكارها الوهابية ان صح التعبير حتى قررت مديرة المؤسسة تسليمي الى معلمة اخرى اكثر انفتاح على الاختلاف و التسامح الديني بمعنى انني اكتشفت مبكرا الاسس البدائية لفكر السلف أي معاداة المسيحيين و اليهود ...
و بعيدا عن استرجاع ذكريات الطفولة فان المغرب منذ سنة 1956 اصبح دولة ذات وجهان أي وجه المخزن التقليدي و وجه الدولة الحديثة التي تركتها فرنسا علما ان المغرب منذ ذلك الحين قد انخرط دينيا في منظومة السلف الصالح المناهضة للدولة الحديثة و مفاهيمها الفلسفية و السياسية بل اكثر من هذا قرر الراحل الحسن الثاني في عقد السبعينات تشجيع المدارس القرانية ذات التوجه السلفي لمحاربة الاحزاب اليسارية و الوعي الثقافي الامازيغي الناشئ وقتها..
لكن ان العاقل سيتساءل مجموعة من الاسئلة المشروعة من قبيل لماذا شجعت السلطة وقتها خرافة بابا نويل اعلاميا ؟ مع العلم اننا نعتبر مجتمع عربي مسلم وفق نظريتها انذاك حيث ان خرافة بابا نويل هي مسيحية الاصل و بالتالي ستشكل خطرا على عقيدة الاطفال في عقد التسعينات على اقل ..
انني اعتقد شخصيا ان الراحل الحسن الثاني قد مارس سلطته الدينية باعتباره امير المؤمنين و مارس في نفس الوقت سلطته كرجل حداثي حسب مفهوم ذلك الوقت حيث كان يريد السلام بين اصحاب الديانات السماوية و حل الصراع العربي الاسرائيلي و سمح بتاسيس القناة الثانية سنة 1989 و المعروفة باتجاهها الغربي الواضح لكنه بالمقابل كان يريد الحفاظ على عروبة المغرب عبر الربط بين العروبة و الاسلام و جعل كل القطاعات الإستراتجية تدور حول فلك هذا الشعار الخالد أي العروبة و الاسلام بمعنى ان الراحل الحسن الثاني قد شجع التغريب و السلفية في وقت نفسه مما احدث الازدواجية في حياة المغاربة الان بين السلفية كقراءة صحيحة للاسلام كما يعتقد اغلب المسلمين و التغريب كقيم الحرية و الديمقراطية الخ من هذه القيم التي ليست بالضرورة ملك حصري للغرب المسيحي دون غيرهم ..........
الى صلب الموضوع
تعتبر الخرافة شيء معلوم لدى الثقافات او الديانات من طبيعة الحال أي ان الخرافة تتواجد في كل المجتمعات الانسانية مهما بلغت من اسباب التقدم و النماء حيث ان سؤال هذا المقال ما هو الفرق بين خرافة بابا نويل و خرافات السلف الصالح كما يسمى هو سؤال هام بالنسبة لدعاة التنوير الاسلامي في منطقة شمال افريقيا و في منطقة الشرق الاوسط لان خرافة بابا نويل في رايي المتواضع ذات اهداف نبيلة تتمثل في ادخال البهيجة و السعادة الى الاطفال المسيحيين بمناسبة اعياد الميلاد حيث ينزل بابا نويل من السماء يوم 24 دجنبر من كل سنة قصد توزيع الهدايا على الاطفال المجتهدين في الدراسة او في الاخلاق العامة الخ بمعنى ان خرافة بابا نويل لم تمنع المسيحيين من التفكير او اختراع اشياء مفيدة للانسانية جمعاء ابتداء من الهاتف الى غزو الفضاء و لم تمنعهم في بناء دولهم على اسس الفصل بين الدين و السياسة بفضل حدوث الاصلاح الديني في اوربا منذ قرون من الزمان حيث لا وجود لجماعات تقتل الناس باسم المسيحية او دعوات لاسترجاع دولتهم الدينية التي تشبه دولة الخلافة عند المسلمين بالمشرق من حيث اغتصاب الاراضي و الحسناوات لكن الغرب المسيحي استطاع التخلي عن الدولة الدينية بفضل الاصلاح الديني اولا و اخيرا....
اما عندنا كمسلمين نتوفر على الاف من خرافات السلف الصالح كما يسمى جعلتنا شعوب متخلفة مازالت تعيش على اطلال الماضي الجميل كما يصور لنا خطابنا الديني الرسمي او تيارات الاسلام السياسي حيث لا نستطيع نقد هذه الخرافات بالكلمة باعتبارها اصبحت دينا مقدسا من خلال ادخالها الى صحيح البخاري و الى صحيح مسلم الخ من هذه الكتب علما ان هذه الاخيرة ليست كتب مقدسة بل هي كتب بشرية يمكنها ان تصيب او تخطئ او يمكنها ان تخدم زمانها أي في زمن الخلافة العباسية المعروف بالاستبداد السياسي و الفساد الاخلاقي كما هو معروف..
لكن اغلب فقهاء المسلمين الان يرفضون المساس بكتب التراث السلفي البشرية و لو بالمراجعة النقدية لان الرسول عليه الصلاة و السلام لا يمكنه ان يقول احاديث مشوهة للاسلام كدين رحمة للعالمين و هي كثيرة في الصحيحان كما يسمى ...
و تعلمون الان ما هو الفرق بين خرافة بابا نويل و خرافات السلف الصالح كما يسمى حيث انه فرق شاسع بين السماء و الارض لكن المسلمين البسطاء لا يدركون هذه الحقيقة بسبب طغيان الخطاب الديني ببعده السلفي في المسجد و في المدرسة و في وسائل الاعلام الوطنية و المشرقية على حد السواء بل ان بعضهم أطلقوا عبارات التكفير و الالحاد تجاه دعاة التنوير الاسلامي لكننا لن نتوقف بل سنستمر في هذا الطريق الطويل و الشاق .............
المهدي مالك
mehdi1983k@gmail.com