هل يثور البقر على راعي البقر
في يومٍ من الأيام حين كان الناس نيام , استيقظ العالم على رجلٍ أشقر يحمل فوق كتفيه رقبةٌ حمراء فاقعٌ لونها , و ينتعل بسطاراً ضخماً له عدة مآرب ! و على خصره قد شدّ الأسلحة , و في يده الكثير من الحبال الساحرة !
فجمع أبقاره العجاف , و وضعهم تحت وصايته و حمايته من ذئاب الصحراء الشاسعة , و أخذ يهتم بهم و بأمرهم , فأطعمهم من بعد جوعٍ حتى أثخنهم , و خلف الأسوار تلك الذئاب الجائعة تشتم رائحتهم الكريهة ,
و يوماً بعد يوم تزداد تلك الذئاب جوعاً , و يزداد جمعها و يزداد عددها , و يرتفع هدير عوائها في كل وقت ,
لم تدرك تلك الأبقار هذا الخطر المحدق الذي ينتظرها , و لكن في المقابل قد أيقن راعي البقر حجم المخاطر التي ستواجهه إن اقتحمت تلك الذئاب حصون مزعته ! و بأن تلك الكلاب التي تحرس الأسوار لم تعد ترهب الذئاب كما كانت من قبل !
فقرر بأن يضحي ببعض الأبقار كي يشبع به نهم الذئاب التي ارتفع صوتها و علت زمجرتها !
لم تجرؤ تلك الأبقار على شيء , و لم تحرك ساكناً للدفاع عن نفسها من جشع راعيها الذي لا تهمه سوى مصلحته في حلبها كل صباحٍ و كل مساء ,
و بالفعل ما هي إلا لحظات , فما أن كان يلقي بأحد تلك الأبقار حتى تتجمع عليها بعض الذئاب تنهشها في كل مكان , و تلتهم لحمها و تفتت عظمها ,
و مع مرور الأيام بدأت تشعر تلك الأبقار بنقصان عددها واحدةً تلو الأخرى ! و بدأ راعي البقر متيقناً بأن الوقت ليس في صالحه إن لم يحل مشكلة الذئاب من أصلها , و إلا فقد أبقاره جميعها !
و فقد معها مصدر عيشة و رزقه , فمن أين له بأن يأتي بمثل تلك الأبقار مرةً أخرى !
شعور تلك الأبقار بنقصانها لم يدفع بها للعصيان في وجه هذا الراعي , بل على العكس تماماً , فكل بقرةٍ من تلك الأبقار أصبحت تعطي من الحليب أكثر و أكثر في تنافسٍ منها حتى تغري ذاك الراعي و تدفعه للحفاظ عليها و بأن لا يتخلى عنها !
أي أصبحت تعطي المزيد و المزيد و تتفانى بطاعة هذا الراعي بعطائها و تتفانى أيضاً بالتودد له و لسان حالها يقول ( احلبني أبوس أيدك ) !
و لكن يبدو بأن تلك الذئاب لن تغادر المكان حتى تنال من آخر بقرةٍ من تلك الأبقار السمان !
و الدور لا زال ينتظر تلك الأبقار الغبية , فمن ذكاء راعي الأبقار بأنه لم يضع بين أبقاره أي ثورٍ حتى تسهل عليه السيطرة ! و يحكم قبضته على أبقاره المدللة .
فلا أمل في نجاة تلك الأبقار , و لا أمل أمام راعيها الأشقر , و لا زالت الذئاب جائعةً تحوم في الجوار .