أدعو لترك الفلسطينيين وشأنهم؛ وليس للتخلي عنهم!
يحتاج الجائع أحيانا إلى أن يُترَك وشأنه بدلا من المـنّ عليه بالفتات، وتاريخ الفلسطينيين مع الاحتلال كان مشروطا من الأصدقاء والأشقاء، حتى لو كانت أكثرُ الشروط بحُسْْن النية.
الشعب الفلسطيني لم تتـــَـح له فرصة إبداع، وخَلــْـق، وصناعة مقاومة خالصة بدون أي تأثير خارجي.
أنا لم أطلب التخلي عن شعبنا الفلسطيني، لكنني أرىَ، وقد أكون مخطئـًـا، أن الذين يتعذبون تحت الاحتلال قادرون على بدء نوع جديد من المقاومة، لا أعرفه طبعا، لكن قيادة ذكية ومخلصة وهوشية( نسبة إلى هوشي منه) أو غاندية أو لومومبية أو جيفارية.. يمكنها أن تعيد صف المقاومين في شعب واحد بعيدا عن الأيديولوجيات المتصادمة.
أغلب البلاد العربية مرتبطة، ماليا وأخلاقيا وعسكريا، بالقوى الكبرى الداعمة لاسرائيل، وكلما اشتدت قوة وشكيمة وحماسة الفلسطينيين، جاءتهم وساطات واقتراحات واجتماعات ومؤتمرات تنتهي بفتح درج الملفات والشجب حتى تموت بعد حين.
من أراد أن يدعم الفلسطينيين فليقاوم بصمت، ويقاطع إسرائيل بهدوء، ولا يشرح قضية الشعب الفلسطيني بنصف جهل وأرباع معلومات مغلوطة.
إن حيرة الأيديولوجيات الملتصقة بالقضية جعلتها تتراشق بالنصوص المقدسة كما يفعل الصهاينة.
عبقرية الحل تأتي من الاعتراف بالضعف، والبحث عن سبيل القوة الفكرية والمعلوماتية والتاريخية والدولية، أما المقاومة بنفس الأسلوب والطريقة والمكان والقيادات على مدى عشرات السنين ثم جعلها بين شفاه وأنامل إعلاميين لا يعرفون الفارق بين اليهودي والإسرائيلي والصهيوني والعبراني ينتهي إلى كارثة فكرية تُضعف الحق الفلسطيني.
القيادات الفلسطينية الحمقاء أدخلت أبناء شعبنا في صراعات عربية وإسلامية، داخلية وجيرانية، فحصد الاحتلال ثمار التصادم بيننا.
إذا أراد العرب والمسلمون المساعدة دون التدخل حتى بالنصيحة والوساطة فليقاطعوا منتجات إسرائيل ولو كانت برتقالة واحدة تعادل ثمن رصاصة تستقر في قلب طفل عربي لا يعرف الفارق بين النجمة والصليب والهلال.
عندما أكتب عن حرية الفلسطينيين في اختيار طرق المقاومة الحديثة بعد نضال أكثر من ستين عاما، فإنني لا أطالب بالتخلي عنهم؛ إنما بالتخلي عن أنانينتنا وغطرستنا وكبريائنا في الظن بأننا ندلهم على الطريق الذي لم يكن ينبغي أن يسلكوا غيره.
الوجه الأمريكي القبيح كان يصرخ في وجوهنا بأنه إعلان حرب من الإدارة الأمريكية ضد العرب كلهم من أغاديرهم إلى خليجهم، وأعقبته إهانة صريحة ومُذلة بأن نُصفَع على أقفيتنا، ونكرِم مَن صفعنا.
مرة أخرى لئلا يُُساء الفهم فأنا لا أرىَ حلا في العنف والقتل وحرب السكاكين والطعن بالأسلحة البيضاء، فنحن الخاسرون، والإعلام الدولي قادر على تحويل قضية اسرائيلي يسقط في حفرة إلى يهودي يتعرض للهولوكوست العربي.
لا أحب قطع المسيحية الشرقية من دعوات المقاومة والحق الفلسطيني، فــ27% من سكان فلسطين مسيحيون لهم كامل الحق في كل شبر من أرض الوطن كشركائهم المسلمين، والمسجد الأقصى ليس أطهر من كنيــسة القيامة.
المقاومة إبداع وقد تكون بداية النهاية لحل أزمة الاحتلال الغادر حتى لو انتهت بدولتين، نصف العَمىَ، إلى أن يأتي أحفادنا بعد ألف عام ويحاسبوننا على تفريطنا وضعفنا ومعاركنا الخاسرة.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 8 ديسمبر 2017