ليلة من الزمن السماوي
في البداية , كنت أبحث و مازلت في طبيعة الزمن و ارتباطه بتكوين الإنسان و عن كيفية تعايشه بشعوره و إحساسه لهذا الزمن , في تكملة لبحثي المتعلق بكيفية الشعور و الإحساس و ارتباطه بتكوين الإنسان و ماذا يحدث لهذا الشعور و الإحساس في كل مرة حين تغادر جسد الإنسان إحدى مكوناته الثلاث .
من خلال حساب فارق الزمن السماوي الحقيقي و الزمن الأرضي الوهمي , و بما أن الزمن يعد بعدا إضافياً أو ضلعاً آخر يؤثر على العنصر المادي فإننا نلاحظ اختلاف الزمن حسب مكونات تلك المادة , و عن كيفية الشعور بالزمن في كل حاله , لن أتطرق الآن حول تلك الاستنتاجات لأنها لم تكتمل بعد , و سيكون هذا المقال فقط حول هذا الإعجاز الزمني بدلالته و معناه .
يقول جل وعلا خالق هذا الزمن و خالق جميع الأزمان عن القاعدة الإلهية التي أوجدها فيما يعرف بالزمن , حيث أوجد زمناً أرضياً تخضع له مخلوقات الأرض , و أوجد زمناً سماوياً تخضع له مخلوقات السماء , و كل خلقٍ من المخلوقات يستشعر هذا الزمن حسب مكوناته المادية الملموسة و مكوناته الغيبية الحسية الغير ملموسة , أما هو جل و علا فلا يحده أي زمن , فقال مبيناً لنا هذا الفارق بين الزمن السماوي و الزمن الأرضي ( وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) من الآية 47 الحجو قال سبحانه ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) 5 السجدة , و هاتان الآيتان تتحدثان عن الزمنيين الحاليين ,
أي أن زمن اليوم السماوي الحالي = 1000 سنةٍ من الزمن الأرضي الحالي .
حيث قال جل وعلا عن الحساب الزمني الأرضي ( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ) 5 الرحمن ,
و قال ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ ) من الآية 36 التوبة ,
لنضع هذا الجدول لنرى تساوي الأوقات بين هذين الزمنين :
الزمن السماوي الزمن الأرضي
اليوم : 1000 سنة
اليوم : 1000 سنة * 12 شهر = 12000 شهر
هذه هي القاعدة الحسابية التي تبين لنا الفارق الزمني الحالي بين هذين الزمنين .
و لكن وردنا في قوله جل وعلا عن ليلة القدر ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) 3 القدر ,
فلننظر لهذا الحساب من خلال الجدول التالي :
الزمن السماوي الزمن الأرضي
ليلة القدر : 1000 شهر
مع العلم بأن ليلة القدر ليست ليلة من الليالي الأرضية , بل هي ليلةٌ من الزمن السماوي الذي يعادل 1000 شهر من الزمن الأرضي , و لا علاقة لها بالليل و النهار على الأرض ,
الزمن الأرضي يعتمد تقديره على الشمس و القمر بالنسبة للأرض , أما الزمن السماوي فله تقديرٌ آخر لا نعلمه , فالزمن الأرضي بيومه و ليله يختلف عن الزمن السماوي بيومه و ليله ,
أخبرنا المولى جل وعلا عن لحظةِ انتهاء تلك الليلة و حددها بمطلع الفجر و لم يخبرنا عن بدايتها , فبما أنها زمنٌ سماوي مختلف عن زمننا الأرضي فهل لنا من حسابه و معرفته بموجب المعطيات التي أبلغنا بها الله جل وعلا ؟
و هل لنا من تقدير مدتها بالنسبة لزماننا الأرضي ؟
أستطيع القول هنا و من خلال المعطيات في الجدولين السابقين بأنه نعم نستطيع معرفة مدة تلك الليلة السماوية و تحديدها بالنسبة لزمننا الأرضي ,
فحين نقوم بقسمة الزمن الأرضي في الجدول الأول على الزمن الأرضي في الجدول الثاني تكون النتائج مذهلة :
الأشهر : 12000 شهر / 1000 شهر = 12 شهر
نلاحظ بأن الناتج هو ما يرمز لعدة الأشهر عند الله جل وعلا أي يرمز لسنةٍ كاملة , و هو وظيفة تلك الليلة السماوية ففيها تقدر الحتميات لسنةٍ كاملة ,
و عليه تكون نسبة ليلة القدر في الزمن السماوي بالنسبة لليوم السماوي هي 1 من 12 ( 1 : 12 ) , أي أنها تعادل شهراً كاملاً من أصل اثنا عشر شهراً ,
و من المعروف للجميع أن ليلة القدر يتم فيها تقدير كل شيءٍ حتميٍّ لمدة سنةٍ كاملة , فما تلك الليلة السماوية ( الزمنية ) سوى شأنٌ من شؤون الله جل وعلا ينزّل فيها أحكامه المقدرة التي لا مجال فيها لاختيار البشر ,
و بما أن مدتها الزمنية هي 1 من أصل 12 فهي تستمر شهراً كاملاً من شهور السنة , و هذا ما أخبرنا به المولى جل وعلا في قوله ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) 3 الدخان , ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) 1 القدر , أي في تلك الليلة السماوية و الذي جاء بيان مدة زمنها الأرضي في قوله ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) من الآية 185 البقرة ,
و من هنا يأتي التأكيد بأن ميعاد ليلة القدر السماوية هو شهر رمضان بشكلٍ كامل من الزمن الأرضي , و لأن شهر رمضان هو زمنٌ أرضي لا يمكن من موافقته و مساواته مع الزمن السماوي فلم يقل جل و علا عن ليلة القدر بأنها كألف شهر بل قال عنها ( خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .
و يقول جل وعلا عن الأمور التي ينزلها فيها ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) 4 الدخان ,
( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) 4 القدر ,
تلك الآيتان تتحدثان عن ما يحدث في تلك الليلة السماوية , و نحن نعلم بأن الحتميات التي تقدر هي أربع حتميات ( الميلاد والوفاة والرزق والمصائب ) , فهل كان ترتيب هاتان الآيتان في المرتبة الرابعة في سورتي ( الدخان و القدر ) هو إشارةٌ بأن تلك الحتميات هي أربع !
و من الجدير هنا من التنبيه بأن قوله جل وعلا ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) 4 المعارج , تتحدث عن زمنٍ آخر سيكون بعد تبديل السماوات و الأرض و استبدال هذا النظام بنظامٍ آخر جديد .
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
سبحانك إني كنت من الظالمين