الرحمان في اللغة: الرحمان صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم، الرحمة تكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف.
...قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ...""

محمد صادق في الإثنين ١٣ - نوفمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

"...قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ..."

من البداية أود أن انبه على أن كتابة الرحمان فى المقال بالألف الطويلة أما فى الآيات تكون كما هى مرسومة فى المصحف.

السؤال: مَا الرَّحْمَنُ ؟      

هذا هو موضوع المقال المختصر من البحث الأصلى عن " مَا الرَّحْمَنُ".

أولا: ماذا قال التراثيون عن " الرحمان"... ثانيا: ماذا قال القرءآن العظيم عن " الرحمان".

أولا: ماذا قيل فى التراث عن " الرحمان.. .

مجمل ما قيل عن الرحمان فى كتب التراث ... مختصر أقوال الفقهاء :

الرحمان الرحيم : اسمان مشتقان من الرحمة

الرحمان في اللغة: الرحمان صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم، الرحمة تكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف.

أما إذا قلنا الله جلّ جلاله هو الرحمان، الرحمان اسم يختص بالله عز وجل، ولا يجوز إطلاقه في حق غيره، والرحمان سبحانه هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة.

من قولهم "رحمان الدنيا والآخرة". الرحمان فعلان من رحم كغضبان من غضب، وفي الرحمان من المبالغة ما ليس في الرحيم.

ثانيا:ماذا قال القرءآن العظيم عن " الرحمان...

قبل الإسترسال وتدبر آيات القرءآن الكريم، أقول أنه لا يوجد ترادف فى القرءآن العظيم، وعلى ذلك نبدأ بسرد بعض مقاطع من القرءآن إختتمت بصفتين من صفات الله جل وعلا:

على سبيل المثال لا الحصر : { التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } { الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } { شَاكِرٌ عَلِيمٌ } { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } { غَفُورٌ رَحِيمٌ } { وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .... نجد أن كل إسم أو صفة تغاير الآخرى والآيات كثيرة نكتفى بذلك. فهل يوجد ترادف بين هذه الصفات أو الأسماء ؟  نستنتج من ذلك أنه لا توجد آية من آيات القرءآن العظيم  تختم بإسمين أو صفتين من صفات الله مترادفتين في المعنى.

 من هنا نعود إلى قولهم " الرحمان الرحيم " إسمان مشتقان من الرحمة ... وهذا يعتبر ترادف وحاشا لله عن ذلك. إذن لا بد أن يكون كلمة الرحمان لها معنى ومدلول آخر.

*** لمن السجود :إذا سألت لمن تسجد يقول أسجد لله الواحد القهار... فهنا السجود لله جل جلاله، فلنقرأ الآيتين من سورة الحج وسورة الفرقان..

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ } (سورة الحج 18

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا } (سورة الفرقان 60

نجد فى سورة الحج " أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ... " أما فى سورة الفرقان جاء الأمر "اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ" لذلك إعتبروا هذا أمر مخالف لما إعتادوا عليه فجاء الرد بالإستنكار "وَمَا الرَّحْمَنُأَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا". أليس هذا دليل على أن الإسم ليس مشتقاً من الرحمة؟ ...  دلالة (1)

***  من الخالق:

قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } (سورة الرعد 16

الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ(3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) (سورة الرحمن 1 - 4)

نجد فى سورة الرعد الله خالق كل شيئ أما فى سورة الرحمان نجد خلق الإنسان نسب إلى الرحمان...   دلالة (2)

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) (سورة الملك 1 - 3....     دلالة (3)

 أنظر إلى هذه الآية الكريمة وهى فى نظرى قول الفصل الحق.

... دلالة  (4){قُلِ ادْعُوااللهَأَوِ ادْعُواالرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } (سورة الإسراء 110)

****من هذه الدلالات الأربعة نستنتج أن كلمة الرحمان إسم الله جل وعلا وليس صفة مثل الرحيم وليس مشتق من  رحم "."

دلالات أخرى من القرءآن العظيم ....

كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ  } (سورة الرعد30       دلالة  (5)

إذن: الرحمان وهو رب وإله  

الآيات آيات الله أو الرحمان...

أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } (سورة مريم 58

الله جل جلاله وعد عباده الصالحون جنة النعيم وجنة المأوى ....الخ والرحمان وعد عباده {عِبَادُ الرَّحْمَنِ} بجنات عدْن.

{ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِإِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا  } (سورة مريم 61)

أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) (مريم 77 - 78

معانى ودلالات أخرى لكلمة الرحمان:

فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) (سورة مريم 17 - 18

هل يصح أن أستعيذ بما له الرحمة أو بما له القوة والقدرة والسيطرة ؟ وعلى ذكر القوة والسيطرة والهيمنة على ما خلق يقول الله سبحانه:

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } (سورة الحديد 1 - 4

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا  (الفرقان 59

إذن الله جل جلاله إستوى على العرش والرحمان على العرش إستوى ... القدرة والسيطرة والهيمنة التامة على كل ما خلق فتكون الإستعاذة بالذى له القدرة لذلك علمت مريم عليها السلام إنها تستعيذ بالرحمان وعلمت أيضا أن الرحمان هو القادر على كل شيئ والمسيطر والمهيمن.  إذن فالرحمان هنا لا تختص بالرحمة ولكن بالقوة والقدرة.

لننظر فى قول إبراهيم عليه السلام لأبيه:

يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) } (سورة مريم 44 - 45

إن العذاب لا يأتى إلا من له القدرة والسيطرة والهيمنة على كل المخلوقات القوى الشديد الجبار.

والآن مع لمحة بسيطة عن دلالات ومعانى الرحمان فى الآخرة :

(وَخَشَعَتْ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا)   طه 108

(رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَن لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا )37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ  وَقَالَ صَوَابًا) النبأ 37-38

(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَن عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا) مريم 93-96

(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَن عَهْدًا) مريم 85-87

إن هذه الآيات تدل على أن الرحمان هو المسيطر العليم وهو المهيمن العزيز الجبار المتكبر، الحاكم وحكمه لا يتبدل.

خير ما أختم به عن الرحمان:

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ  فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا  (59) الفرقان 58-59

****إذن فالرحمن هو الحي الذي لا يموت، وهو الخبير ولا يخفى عليه شيء ، وهو الخالق لكل شيء، والعليم بكل شيء. فهو الذي لا يليق إلا له الحمد والتسبيح و السجود .

ايها الأخوة والأخوات هذا مختصر لكلمة " الرحمان " وأكتفى بهذا القدر وحتى لا أطيل أكثر وهناك الكثير يمكن أن يُقال عن "الرحمان" وهو فى نظرى إسم الله العظيم ... والله أعلم.

{ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) (سورة الواقعة 95 - 96)

صدق الله العظيم...

اجمالي القراءات 11948