حارة الجرابيع

محمد حسين في الخميس ١٠ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

حارة الجرابيع
ذكر ان حكيما سئل عن ابلغ الكلم فقال السكوت فالسكوت فيه السلامة، والكلام الفارغ عاقبته الندامة. وقيل ان الحكيم بيدبا ذات يوم قص بان بعض من الحكماء قد اجتمعوا ذات يوم وقد طلب من كل منهم ان يقول كلمة فى المجلس ، فاخذ كل منهم يقول كلمته فقال اولهم: أفضل حلية العلماء السكوت. وقال الثاني: أنفع الأشياء أن لا يتكلم الإنسان حتى يعرف قدر منزلته من عقله. وقال الثالث: أنفع الأشياء للإنسان أن لا يتكلم بما لا يعنيه. وقال الرابع: أروح الأمور للإنسان التسليم للمقادير.

اتنهد كلما قرأت هذا الكلام وانا انظر تماما الى النقيض فى احوال مجتمعاتنا العربية "منهم لله" وقد انتقل كلام الحكمة والفلسفة وعلماء النور الى مكان آخر وكأنهم كانوا فى امة اخرى غير تلك الامة ، بل وكأن الأمة كانت أمة غير الأمة ، وجاءنا اناس آخرون تفننوا فى صناعة المكلمة الفارغة ، فى كل مكان مكلمة والمكلمة لا تتغير فهى كدورة المياه - اقصد الدورة من البحر للبخار للمطر للبحر وليس دورة المياه التى هى المرحاض ، مع ان كلامنا فى تلك الايام اشبه بالمراحيض – المكلمة فى نفس الاشياء التى تم الحديث فيها منذ خمس عقود من الزمان تجدد نفسها ، الحجاب الذى تحدثنا عنه منذا عقود واللحية والاسبال والحكم والشوارع والناس والمشاكل "والخلفة الكتيرة وتحديد النسل". كلام يجدد نفسه فى مكلمة فارغة ، ولأننا اصبحنا امة مكلمة فلا نحل مشاكلنا ونؤتى بمشاكل ليس لها من قرار كمن يصنع التماثيل ليعبدها ، والعالم يخترع من حولنا ويتقدم ونحن مازلنا فى المكلمة "وربنا يزيد ويبارك" .

وعندما سألنى صاحبى وهو يحاورنى عن مشكلة الحجاب "والماحجبشى" قلت له اولا الاسم نفسه لا يطاق ، فكل شئ عندنا حجب ، الكرامة حجبت والعقول حجبت وكل شئ تم حجبه ، وكأن مشاكل الشارع والمجارى والبنية التحتية والتعليم واخلاق الناس المنحطة "والناس اللى فوق واللى تحت" كلها اختصرت فى هذا الحجاب ، وهى هى نفس المشاكل التى مافتئت يتحدثون عنها منذ ان وعيت انا على الدنيا ، واكتشفت انهم كانوا يتحدثون عن نفس الشئ منذ عقود من الزمان ، وكله فى المكلمة "امة بتتعب صحيح". فسكت صاحبى وهو يحاورنى!

وبحثت فى القرآن على قدر معرفتى على اجد شيئا عن تلك الهواجس ولم اجد ،  فوجدت ان السفه اوصل ديننالمرحلة  اختزل فيها الى وسائل ، الاشياء التى من المفروض ان تكون وسائل لهدفا ما اصبحت هدفا فى حد ذاتها ، كالصلاة التى هى وسيلة للتقوى ، فيقول رب العزة "أقم الصلاة لذكرى" فالصلاة وسيلة للذكر والهدف التقوى ، ولكننا جعلنا الصلاة هدفا ، فاصبحنا نرى ركعا سجودا لا يتقون ، فتسمع عن شيخ يصلى ويسبح ويصوم ومعه المليارات الدفينة مجهولة الهوية ، وتعلم عنه ما لا يطاق سماعه ، واخر يترك الجامع ويذهب لكى يستمتع بسيجارة البانجو او الحشيش مع زملائه ، وحجته ان "ساعة لقلبك وساعة لربك يا عم" ، وانا اقسم بالله انى رأيت بعينى من سيماه على وجهه من اثر السجود ويقف على الناصية ينتظر بائعوا الحقن لئلا ينام قبل "الكيف" ، والمحجبة كما قلت ومازلت اصمم ترتدى "المحزق والملزق" وتذهب المنقبة الى المواعيد ، وهذا كله نتاج اننا جعلنا الوسيلة هدف فى حد ذاته فبلغنا المرحلة القصوى عند الوسيلة واصابنا القصور فى الهدف الحقيقى .

وهذا يذكرنى بباحث انجليزى كان فى مصر ومر "بترعة" فوجد فتاة تستحم عارية ، فوقف يتأمل هذا الجسد الربانى الجميل بلا مبالغات فنسى نفسه ونسى انه مرئى فرأته الفتاة فارتبك الرجل للموقف المحرج ، ولكن ما ادهشه هو رد فعل الفتاة فى انها عندما ارادت ان "تحجب" حجبت وجهها بيديها ، وكأن شغلها الشاغل ان تخفى وجهها كى لا يعرف من هى ولكن ليس هناك مشكلة فى ان يرى ما ليس من المفروض ان يرى ، ولما قرأت هذا قلت لنفسى "ارزاق" . وهذا يشرح الحجاب والنقاب بدلا من ان تكون وسيلة لهدف ، ان فرضنا وجوبيتها ، اصبحت فى حد ذاتها هدف.

وترى عند كل حى وعلى كل جدار عبارات مشهورة "الحجاب قبل الحساب" "والصلاة يا عباد الله" "وحاجات ياما" ، ولاننا امة مكلمة فى مكلمة ، ولان مشاكلنا كلها مكلمة فى مكلمة ، ولان حياتنا اصبحت مكلمة فى مكلمة ، فقد رأيت كل هذه العبارات ولم ارى يوما عبارة واحدة تقول "اتقوا الله"!

******* 

"كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار" ، والمسيخ الدجال "اللى هيلف الدنيا على رجل واحدة" والمهدى المنتظر ، وووو وايه الكلام ده يا جماعة ؟ قالك دى احاديث ، احاديث مين؟ قالك الرسول ، رسول مين؟ قالك انت هتخرف ، ايه اللى رسول مين ، سيدنا محمد!! ففركت اصابعى وابتدأت ان "اهرش" فى رأسى على اجد تفسيرا ، ولكن تفسيرا لأى شئ ، امة كان بينها ابن رشد والبحترى واساتذة الفلاسفة والكتاب اصبحت تعلق حياتها ومستقبلها فى خرافات ، اخترعت لرب العزة اشياء ليس لها من قرار ، اشياء تدعو الى الاحباط والسفه ، فنبى الرحمة الذى قيل عنه فى القرآن نبى الرحمة يأتون على لسانه بخرافات وخزعبلات ويستدلون باستدلالات لا يعرفون من اين هى آتية ، او لأى اتجاه تقود. نبى الله صاحب الرسالة الشاملة التى جمعت كل شئ ولم تترك اى شئ الا وقد ذكر فى كتاب المولى عز وجل جعلوه يتحدث فى حكاوى واساطير اشبه بكليلة ودمنة او الف ليلة وليلة . لا والله انا ااسف لتلك الكتب بتشبيهها بتلك الخزعبلات ، فإنها حملت حكم ومواعظ للناس وادهشت العالم اجمع وترجمت فى كل موطئ ومكان ، غير تلك السفاهات التى تركت ترسبات فى عقل كل طفل ورجل وامرأة حتى تحولنا من امة النور لامة الخزعبلات ، ولاننا نسينا كل شئ وتذكرنا المكلمة ، ولاننا عندما لا نجد ما نتكلم فيه "عن جهل" نبتدع ما يحجب العقل ويلوث حضارات انارت وجه التاريخ.

تناقض رهيب ومثير للفزع ما نحن فيه ، لا نتحرى الدقة ونسمع بما لا نعى وننعق بما لا نفهم ، نلوم الاخرين على التحريف فى كتبهم مع انهم وعوا على الدنيا فوجدوا كتبهم محرفة ، مع اننا فى الوقت ذاته بدعنا واحترفنا التحريف ، ولأن الله حفظ القرآن فاخترعنا ما أشبه بالسنة "ماهو لازم نخترع مكلمة والا البواسير هتنزل لو ما اخترعناش مكلمة فارغة".
والله انا لست ضد ما يقال له بالسنة ، فأنا كنت تحدثت مع استاذ فاضل لى بيننا هنا فى هذا الموقع بأننى احترم ما يقال وان كانت السنة موضوعة بيد البشر ففيها من الحكمة ما يدعو للاحترام ، فالله جعل لنا عقلا نفكر به ونبتدع بما ينفعنا طالما لا نمس الثوابت ونتلاعب بها ، ولكن ان يأتى شيئا ما او كتاب ما او رجل ما يقول لى هذا على لسان الرسول ويفرضه على اقول لا والف لا ، فانا لست على استعداد ان افترى على رسول الله ، والرسالة واضحة وجلية وكلنا نتفق على ان رسول الله لم يأتى بشئ من عنده والاسلام فى كل العصور وهى نفس الرسالة التى انزلت على نوح وابراهيم وموسى وعيسى وكل الرسل والانبياء ، ولم نسمع قط بسنة ما لرسول فيهم. واذا قال احدهم ان رسولنا له وضع خاص وفى مرتبة اعلى اقول له مقدما الزم مكانك ولا تخرف فى الدين ، فقد امرنا فى قرآننا ان لا نفرق بين احد من رسل الله ، فلا تتحدث فيما ليس لك به علم وكفى!
ولكن كيف كفى ونحن امة مكلمة ، والمكلمة "واخده حدها معانا اوى" واذا لم نبتدع المكلمة ونتمعن فى اختراعها لطق لنا عرق!!! 

****** 

رحم الله كاتبنا العظيم نجيب محفوظ وتجاوز عن خطاياه وخطايانا ، فقد تذكرت له – وانا اقرأ له يوميا- كتابه الفريد من نوعه "اولاد حارتنا" وتذكرت حارة الجرابيع التى هى اشارة واضحة لأمة اعطت النور للدنيا ولم تستبق لنفسها شيئا فجلست وحيدة شريدة فى الظلمات.
وكنت فى احد المنتديات ووجدت موضوعا عن ضحايا "ستار اكاديمى" فى تونس وقد كان احدهم ينقل مقالا عن الخبر ، وتوقعت ان تكون الردود دعاء الرحمة والغفران واستنكار لادارة الاشياء والبحث فى المشاكل المؤدية للحادث المأساوى ومقارنة بين الغرب وبيننا فى ادارة اشيائهم ، ولكننى صدمت ولم افاجأ بالردود ، صدمت لان احدهم سأل هل يحتسب هؤلاء عند الله شهداء ، فقلت لنفسى مالهذا ومال قضاء الله وحكمه ، ولكننى صدمت اكثر عندما تابعت ووجدت ردا اخر يقول له "لا اعتقد ان هؤلاء شهداء ، ولكنهم قتلى ، لعن الله ستار اكاديمى وصانعوه". فتوجهت بنظرى الى النافذة وانا فى تفكير كاد يصيبنى بالجنون عندما تعمقت بتفكيرى فى الناس وقد اقحموا نفسهم فى مشيئة الله وحكمه ، تركوا كل مشاكلهم ومصائبهم وبدلا من ان يفكروا فى حلول لها صبوا لعناتهم على خلق الله ، بل وتجاوزوا الحد وتدخلوا فى حكم الله! هى المكلمة وصلت للدرجة دى يا شعب ، يا امة؟!! ولم افاجأ لانها امة مكلمة.
الم اقل لكم اننا فى وضع خطير ، وضع مأساوى ، تدخلنا فى كل شئ وآن الاوان ان نتدخل فى الحكم الالهى على البشر؟؟؟
اه ياحارة الجرابيع!!

اجمالي القراءات 15037