في عالم بائس – عن عالمنا العربي أتحدث – يبدأ الصباح بآذان الفجر .. نسمة هواء نقية صافية تدخل رئتيك و أنت تتنفس بعمق مغمض عينيك .. لا ترى سوى الظلام .. سوى السواد .. أتفتحها أم تستمر في إغماضها !! ماذا لو لم تفتحها !! استمرار الغمض يجعل التفكير أنقى و أشد .. تذهب بعيدا .. بعيدا .. أكاد أرى و أنا مغمض العينين !!
تتلاطم الأفكار مشوشة !! هذا يوم جديد .. يوم يفتح ذراعيه ليحتضنك .. ليضمك .. يهمس فيك .. إني ضيف عليك .. فماذا أنت فاعل !!
تبدأ بتدبر آيات من الذكر الحكيم .. تتخيل المشهد العظيم .. رسول الله عليه السلام يتلو آيات ربه جل و علا .. بسم الله الرحمن الرحيم : ق و القران المجيد بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ!!
و يأتي جواب الحق جل و علا مفصلا مبينا غاية في الإعجاز إذ يقول جل و علا رداً على سؤالهم : (هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ) ؟ فيقول سبحانه :
(قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) .
تعود فتغمض عينيك .. تخرج خارج غرفتك .. لعل نسائم البكر مازالت بكرا!! لعلها لم تتلوث بعد بأدخنة المخابز و المطابخ و عوادم السيارات و الشاحنات !!
تغمض عينك .. تغمضها بقوة .. تعيد قراءة الآية الأخيرة : ( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) !! بصرك اليوم حديد يا ولدي .. حديد ..
سترى كتاب أعمالك ... أعمالك كلها ..
أعود للغرفة أراجع جدول أعمالي .. ماذا لدي اليوم .. أعمال لا تنتهي !! روتين لا يتغير .. يمر اليوم ببطء و معاناة تتكرر منذ خروجي من البيت و حتى العودة .. شتان بين يوم هنا و يوم أقضيه في مدينة هادئة بعيدة عن هنا حيث نسمات الريح أكثر نقاء و منظر أشجار الراتنيج و التنوب تتراقص و هي تصفق لجريان مياه الراين !! مع مساحات خضراء شاسعة و نظافة تكاد لا ترى حفنة تراب و ناس تمشي على عجل و آخرون على مهل و هناك تحت ظل شجرة صنوبر جلست عجوز تأخذ أنفاسها أملا في المواصلة ... هنا لا شئ من ذاك ! ليس للهدوء ثقافة !! و لا للخصوصية قانون !!
هو وحدة موقع أهل القران يأخذك بعيدا عن حياة بائسة .. إلى أمل .. أمل يعيش في مخيلتي .. تذكرت أفلاطون و مدينته الفاضلة .. عدت إلى آيات ربي جل و علا : و جاءت سكرة الموت بالحق .... هل تريد أن تحيا حياة طيبة ؟ أعمل صالحا و أنت مؤمن !! بكل بساطة هذه هي معادلة الحياة الطيبة يقول جل و علا : ( من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون) .
يقول الشاعر الطغرائي في لامية العجم :
أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها
ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ