اعترفت عائشة عبد الهادي وزيرة القوى العاملة والهجرة بأن تدني الأجور يعد أبرز أسباب تصاعد ظاهرة الإضرابات والاعتصامات العمالية في مصر، مع تأكيدها أن الأساليب الاحتجاجية التي يلجأ إليها العمال تمتد إلى عصر الفراعنة، في الوقت الذي اتهمت فيه الأحزاب بالوقوف وراء تحريض العمال على التظاهر.
جاء ذلك في ردها على سؤال عاجل مقدم من النائب محسن راضي إلى الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء حول تزايد الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات العمالية وحالات الانتحار والفصل والشكاوى المقدمة من العاملين نتيجة معاناتهم من ظروف العمل والمشكلات الإدارية والتنظيمية.
وقالت إن ذلك يرجع إلى 22 سببا مباشرا وغير مباشر، من بينها حداثة الغالبية العظمى من أعضاء مجالس إدارات اللجان النقابية بالشركات التي تشكلت خلال الدورة النقابية 2006/20011، وعدم امتلاك معظمهم خبرة العمل النقابي، بينما هناك من يحمل وعودا انتخابية يصعب تحقيق بعضها والبعض الآخر يحتاج تنفيذها إلى وقت كبير، فضلا عن أن بعض الشركات لم تحسن إدارة الأزمات وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع.
كما أرجعت الوزيرة أسباب هذه الظواهر إلى عدم وجود تواصل بين إدارة الشركات والعاملين بها، مما أحدث فجوة بينهما ساعدت على وصول "شائعات مغرضة" نالت من استقرار علاقات العمل بينهما، فضلا عن تهميش دور اللجنة النقابية من إدارة الشركات وبعض العاملين بها، مما أدى إلى عدم وجود قناة شرعية تتولى تقريب وجهات النظر بين الجانبين، ومن ثم عدم وجود توازن بين مصالح العمال ومصالح الشركة ساعد على ذلك أيضا وجود خلل إداري داخل إدارة الشركة، مما دعا النقابة العامة إلى القيام بدور المفاوضة عن العمال حتى انتهاء الأزمة.
وعزت أسباب ذلك أيضا إلى عدم رضا العمال عن أداء إدارة شركاتهم، وتحميلها مسئولية كافة المشاكل القائمة، وتراخي إدارة الشركات في دراسة الأسباب الحقيقية للاعتصام ومحاولة تلافيها، خاصة بعد تدخل الدولة لحل مشكلة المديونيات وعلاج بعض السلبيات التي ظهرت على سطح الأحداث مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
وأوضحت أن هناك أسباب عامة وراء تلك الأزمات، منها تدني الأجور في معظم قطاعات الإنتاج، الأمر الذي يؤدي إلى سهولة إثارة العاملين، فضلا عن المنافسة غير العادلة بقطاع الغزل والنسيج مع الغزول والأقمشة والملابس المستوردة من الخارج نتيجة تخفيض "البنود الجمركية"، وازدياد ظاهرة التهريب داخل الأسواق، وعدم توفير الرعاية الصحية والاجتماعية الملائمة للعاملين في القطاعات المختلفة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الكفاءة الإنتاجية للعامل وانخفاض مستواه المعيشي، وعدم كفاية وسائل الأمن الصناعي من ملابس وأجهزة ومعدات.
وأشارت إلى أن هناك بعض أصحاب الأعمال لا يوافقون على تحقيق مطالب العمال حتى المشروعة منها، بعد الإضراب أو الاعتصام لاعتقادهم أن تنفيذ هذا المطلب سيضعف موقفهم أمام العمال، وهو في رأيها أحد العوامل المفجرة للأزمات.
كما أن عدم تحديث وتطوير الآلات والمعدات اللازمة للإنتاج بما يتماشى مع احتياجات السوق، إضافة إلى انتشار مصانع بئر السلم التي تقوم بإنتاج الكثير من المنتجات بأسعار زهيدة الأمر الذي يؤثر على تسويق منتجات الشركات العاملة في ذات المجال، بين أسباب الأزمة.
ولم يخل كلام الوزيرة من محاولتها تسييس التظاهرات والاعتصامات العمالية، متهمة جماعات وأحزاب خارجية بإثارة وإطلاق شائعات مغرضة بين العمالـ وطبع وتوزيع منشورات تتضمن هجوما على الحكومة من ارتفاع الأسعار والأحوال الاقتصادية ولا تتضمن مطالب عمالية.
وأرجعت أسباب الظاهرة أيضا إلى نشاط بعض الأحزاب والجماعات "المحظورة" والمراكز المتخصصة غير المرخص لها، وتدخل بعض الصحف والقنوات الفضائية غير المسئولة بمساعدة بعض القوى والتيارات السياسية المغرضة، وتسلل عناصر غريبة عن العمال خلال فترة الاعتصام كان سببا في التلاعب بمشاعرهم، وتحريضهم على مواصلة الاعتصام حتى وصل الأمر إلى حد إرغام هؤلاء العمال وترهيبهم من العودة إلى ممارسة عملهم، حسب زعمها.
أكدت وزيرة القوى العاملة أنه خلال شهر أغسطس 2007 تم رصد عدد تسع حالات إضراب عن العمل بلغ عدد العمال المشاركين فيه حوالي 1739 عاملا، وبلغت ساعات العمل الضائعة نتيجة هذه الإضرابات حوالي 5042 ساعة عمل فائضة، وتم إنهائها جميعا بعد الاستجابة لمطالب العمال المشروعة.
كما تم رصد خمسة حالات اعتصام بمقر العمل بلغ عدد العمال المشاركين فيه حوالي 870 عاملت ولا توجد ساعات عمل فائضة، حيث كانت تتم الاعتصامات بعد ساعات العمل الرسمية وتم إنهائها جميعا بعد الاستجابة لمطالب العمال المشروعة، حسب قولها.
وتلقت الوزارة خلال الشهر نفسه 206 شكوى عمالية جماعية تم تسوية حوالي 161 شكوى منها بنسبة 80%، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأن الباقي منها حفاظا على حقوق العمال.
أكدت الوزير أن ممارسة العمال لحق الإضراب هو وسيلة للدفاع عن المصالح المهنية لهم، وقالت إن الإضراب ليس جديدا على المجتمع العمالي في مصر بل ظهر في العصور الفرعونية والإغريقية والرومانية.
واعترفت بأن معظم حالات الإضراب التي ظهرت في الآونة الأخيرة كان يشهدها قطاع الغزل والنسيج نتيجة ما يواجهه هذا القطاع من مشاكل وصعوبات تتمثل في مديونيات تاريخية بدأت بالفعل منذ بداية تحرير تجارة القطن عام 1993 وبعد أن تم ضخ استثمارات خاطئة وغير مدروسة أدت إلى تراكم الخسائر والمديونيات، حتى ظهرت مشاكل غزل حلوان ثم كفر الدوار ثم شبين الكوم ثم باقي الشركات العاملة في هذا القطاع.
وحددت العوامل وراء اندلاع الأزمات والإضرابات والاعتصامات العمالية داخل تلك الشركات إلى ارتفاع فوائد القروض من البنوك، وتآكل رأس المال في العديد من الشركات، وعدم القدرة على التشغيل الكامل، فضلا عن الاتجاه إلى زيادة الأجور سنويا مع ثبات وضع الشركات، وتراجع موقفها التنافسي في ظل افتقاد السوق، وفي ظل فتح باب الاستيراد بفواتير مخفضة، والتهرب بأساليبه المختلفة، والبيع بدون فواتير، الأمر الذي أدى في النهاية إلى الإضرار بالاقتصاد القومي، وإجبار الشركات على تخفيض الأسعار والبيع بأجل، وبما له من انعكاسات سلبية على خطورة التحصيل.
أكدت الوزيرة أنه بالتنسيق مع الدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار تم احتواء تلك الأزمات والعمل على عدم تفاقهما، من خلال أربع محاور يأتي في مقدمتها تسوية مديونية شركات قطاع الأعمال مع البنوك، وتقليص مديونياتها من 31.5 مليار جنيه في 30/6/2004 إلى 10.5 مليار جنيه في الوقت الحالي، وقد ساهمت هذه التسويات في هبوط مديونيات شركات الغزل والنسيج من 10.5 مليار جنيه إلى 2.5 مليار جنيه بعد سداد ثمانية مليارات جنيه ديون البنوك العامة.
وأشارت في الوقت ذاته إلى أن هذه التسويات حققت وفرا يتراوح بين 900 إلى 800 مليون جنيه في شكل أعباء مديونية، ومن المنتظر أن تظهر الآثار الإيجابية على ميزانيات الشركات في الأعوام القادمة، بعد أن أكد وزير الاستثمار بأنه خلال عام من تاريخه سوف يتم سداد باقي مديونية هذه الشركات، مع استمرار الهيكلة