الظالمون و العذاب الكبير
الظالمون و العذاب الكبير

أسامة قفيشة في الأربعاء ٢٥ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الظالمون و العذاب الكبير

الظالمون نوعان , النوع الأول من يظلم الله جل وعلا بكفره و إنكاره للخالق جل وعلا أو بشركه أو بادعائه و نسبه أقوالاً و أحكاماً لم يأمر بها الله جل وعلا , و أشدهم ظلماً لله جل وعلا هو ذلك المدعي على الله كذباً ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) 18 هود ,

هذا النوع من الظلم مأواه جهنم خالداً فيها و نصيبه العذاب , أما من كان من ضمن الصنف الأخير و هم الذين يفترون على الله كذبا , فعذابهم ضعفين و هذا واضح من سياق الآيات ( أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ ) 20 هود ,

هذا النوع من الظالمين ليس لنا عليهم سوى دعوتهم و إخراجهم من الظلمات إلى النور , و لم يجعل الله جل وعلا للمؤمنين عليهم سبيلا , فإن أصروا على ظلمهم فالله جل وعلا أولى بهم و حسابهم عند ربهم يوم الحساب .

أما النوع الثاني من الظالمين فهم من يعتدون على الناس و يظلمونهم بسلب الحقوق و الاضطهاد و القمع و الإذلال , هذا النوع هو محور هذا المقال لنرى ماذا قال الله جل وعلا عن هذا النوع من الظالمين , و ما يترتب على المؤمنين تجاههم في الحياة الدنيا , و ما سيكون نصيب هذا النوع من العذاب في الآخرة .

هؤلاء المعتدين على الناس و المتجبرين بهم و بحريتهم و أرواحهم و أرزاقهم هم من ضمن الظالمين الذين يقع ظلمهم على البشر حتى و إن كانوا ممن يؤمنون بالله جل و علا و لكنهم يمارسون مثل هذا النوع من الظلم ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) 9 الحجرات ,

إذا هذا الظلم بجوانبه هو بغيٌ إي اعتداءٌ صارخ على الحقوق التي كفلها الله جل وعلا للبشر جميعاً , هنا وجب قتال من يبغي و يعتدي على البشر سلباً لحقوقهم , و يستمر هذا القتال حتى يعود الظالمين عن ظلمهم و يرجعوا إلى أمر الله و يمتثلوا بتنفيذ هذا الأمر و هو حفظ تلك الحقوق لجميع البشر ,

فلا يجوز للمؤمن السكوت على هؤلاء الظالمين أياً كانوا و أينما وجدوا , بل عليه الدفاع عن كل المظلومين على حدٍ سواء و نصرتهم لاسترجاع حقوقهم المسلوبة ,

هذا الدفاع لا يعد اعتداءاً بالمطلق , لأن المؤمن لا يقاتل عدواناً أو اعتداءاً , بل عليه القتال دفاعاً عن حقوق البشر لتحقيق أمر الله جل وعلا المتمثل بحفظ الحقوق ( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) 190 البقرة , فالدفاع عن المظلومين هو قتالٌ في سبيل الله جل وعلا ,

ثم يأتي الحديث عن بيان ظلم البشر بجوانبه المختلفة , و وصف هذا الظلم بأنه فتنه فيقول جل وعلا داعياً لقتال و قتل الظالمين ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ) 191 البقرة , و هنا نلاحظ أيضاً بأن الظالمين كافرين بسلوكهم المعتدي وجب على المؤمنين قتالهم حتى يتوقف ظلمهم الذي يمارسوه على البشر ,

ثم يقول سبحانه و تعالى ( فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) 192 البقرة , أي أن هذا القتال مرهونٌ بتوقف الظالمين عن ظلمهم , و ليس مرهوناً بإيمانهم القلبي بل على سلوكهم تجاه البشر ,

و الآية التي تليها تأتي للتأكيد على ذلك فتقول ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) فالقتال هنا من أجل أن لا تكون فتنة , و قلنا بأن الفتنة هي وصفاً للظلم و الاعتداء بجميع جوانبه , كما يأتي التأكيد بأن الإيمان القلبي العقائدي لا يحكم عليه بين البشر و لا يجوز الحكم عليه أو قتال من لا يؤمن عقائدياً بالله جل وعلا ( وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) أي أن الله جل وعلا هو الذي يحكم على الدين , ففي اللحظة التي يتوقف فيها الظالمين عن ظلمهم و يتراجعوا عنه يتوقف قتالهم , فلا يجوز الاعتداء عليهم و أنما الاعتداء فقط على الظالمين الذين يمارسون ظلمهم على البشر ,

هنا تجدر الإشارة للفظ ( فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) فسبحان الله جل وعلا و ما أعظم كلامه و بيانه , فكما يعلم الجميع بأن الله جل وعلا قد نهى المؤمنين و البشر جميعاً من الاعتداء ,

فكيف أجازه هنا !

جاءت الإجازة هنا بالعدوان محصورة بالظالمين الذين يمارسون الظلم على البشر فقط , و لم يرد أو يتكرر هذا اللفظ في كتاب الله جل وعلا سوى في هذا الموضع , فكان لافتاً للانتباه بإجازة العدوان رداً للعدوان المتمثل بممارسه أحد أنواع الظلم تجاه البشر ,

أما فيما سيلاقيه الظالمون يوم القيامة من عذابٍ فقال جل وعلا واصفاً هذا العذاب بالكبير , و هذا أيضاً كان لافتاً للانتباه , فلم يوصف العذاب يوم القيامة بالكبير سوى في موضعٍ واحد يخص الظالمين وحدهم فقال سبحانه (فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ) 19 الفرقان , فيبدو بأن العذاب الكبير هو أضعاف أضعاف العذاب , أي أن أقصى أنواع العذاب سيكون من نصيب الظالمين الذين يظلمون البشر و هو أكبر أنواع العذاب , أما من يظلم رب البشر فأقصى عذاب له كان الضعف .

أما من آمن بقلبه تجاه الله جل و علا و بسلوكه تجاه البشر فله فضلاً و أجراً كبيرا , أي أضعاف أضعاف الأجر فقال سبحانه واصفاً لثوابهم و أجرهم :

(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ) 47 الأحزاب ,

و قوله جل و علا (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) 9 الإسراء .

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين        

اجمالي القراءات 9445