المسلمون بين الخطاب الدينى والخطاب الإلهى

خالد منتصر في الثلاثاء ٢٤ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

ابتعدنا عن الخطاب الإلهى بقدر ما التصقنا بالخطاب الدينى، وهل هناك فرق بين هذا وذاك؟، نعم، هناك فرق شاسع، للأسف لا ندركه نحن أبناء الإسلام بالرغم من أنه أصل مشكلتنا وبيت دائنا، هذا ما يقوله ذلك الكتاب المهم «المسلمون بين الخطاب الدينى والخطاب الإلهى» للكاتب الإماراتى على محمد الشرفاء الحمادى، وهو كاتب مستنير شجاع مهموم بالإجابة عن هذا السؤال الشائك: لماذا تخلف المسلمون بهذا الشكل، ولماذا هذا التناحر؟، ولماذا صاروا علامة الجودة فى الإرهاب حول العالم؟، إنه ركام الخطاب الدينى البشرى القاسى المتجمد المتحنط المتكلس، الذى أخفى نواة الخطاب الإلهى الرحيم الحنون الرحب المحتضن، كتاب لا غنى عنه لكل من يريد أن يفهم وأن يبدأ طريق البحث،  ويأخذك إلى مساحة شك فعال وقلق إيجابى من كل ما حشوا به رأسك من خرافات اعتبرتها أنت مقدسات لدرجة أنك تصورت أن ذبح أخيك فى الإنسانية مصحوباً بالله أكبر أمر إلهى يسعد الرب!!، يقول على الشرفاء الحمادى فى كتابه: «كل ما فعله هؤلاء -يقصد من يسمون أنفسهم بالعلماء- أنهم نقلوا إلينا مفاهيم وتأويلات فقهية حولت الوسائل، التى هى الشعائر وجعلتها غايات، فالتبس الأمر وغاب عن الناس أصل الدين ومقاصده العليا»، ويقول أيضاً: «وقد ابتليت الأمة بفقهاء السوء الذين خدعوا الناس باجتهاداتهم، وما استمدوه من روايات تدعم استنتاجاتهم لصرفهم عن الخطاب الإلهى للناس، وعمل هؤلاء بدعوتهم إلى حصر الأركان فى العبادات»، ويمضى الكتاب بمهارة الجراح الحاذق فى تبيان الفرق بين الخطابين، بينما يهوى الكاتب بمطرقة ثقيلة على رؤوس الأفكار العتيقة التى أخّرتنا سنين، بل قروناً عن العالم وحداثته، وإليكم تلك الاقتباسات كإضاءات قبل قراءتكم للكتاب نفسه، والذى أدعوكم إلى اقتنائه وفتح نقاشات موسعة حوله، يقول على الشرفاء الحمادى:

«بدلاً من أن يكون القرآن المعين الذى لا ينضب نوره، كى يستضىء به العلماء من ظلمة العقل وشهوات النفس، ويطبقون خارطة للطريق مضيئة جلية، فتحفظ للإنسان حريته وحُرمته وكرامته وأمنه ورزقه، فإذا بهم استبدلوا به روايات الإنسان التى لا أصل لها، بل استحدثتها شياطين الإنس لخدمة المآرب الدنيوية».

مَن أعطى لأى مخلوق الحق فى أن ينصّب نفسه قاضياً، فيكفّر من يكره ويزكى بالتقوى من يحب؟، وعجباً كيف غابت تلك الآيات الكريمة عن الذين نصبوا أنفسهم قضاة على العباد، فيقضون بما لا يحق لهم ويحكمون ظلماً على الناس ويمارسون القتل ضد من يكفرونه؟.

لم يمنح الخالق، سبحانه، أى نبى أو رسول أن يشاركه فى التشريع لخلقه، فاحتفظ بحق التشريع له وحده، وترك للأنبياء والرسل التبليغ والشرح لمراد الله.

القرآن يؤكد للناس أن يحرروا عقولهم ولا يرتهنوا لمقولات تواترت عبر القرون ولا يقدسوا الأشخاص مهما بلغ علمهم، فإنهم بشر يخطئون ويصيبون، وما صاغته أفهامهم حسب قدراتهم الفكرية، وحسبما أملت ظروفهم الاجتماعية ومصالحهم الشخصية.

يجب أن تجتهد كل أمة فى كل عصر باستنباط التشريعات اللازمة بما يحقق مصالحها الحياتية، فلن نُسأل عمن سبقنا، وكلٌ سيحاسب بما كسبت يداه، ولن يشفع لنا من عاش قبلنا، ولن تقينا أفهام وتفاسير من سبقونا، إنما يشفع لنا ما قدمناه لأنفسنا وللناس فى عصرنا الذى نعيشه.

كل الذين اتخذوا من أنفسهم دعاة للإسلام وتم تصنيفهم بشيوخ الدين وعلمائه فى الماضى والحاضر كانوا يعلمون أن حساب الله لعباده لا يعلمه أحد غيره ولا يقرره إلا هو وحده، لكنهم يروجون لمفاهيمهم الخاطئة خدمة لمصالحهم الشخصية، واستقطاب العوام لخدمة مآربهم، هؤلاء من حرّفوا فهم القرآن ووضعوه فى خدمة مصالحهم الدنيوية فقدسهم الجاهلون، ثم رفعوهم فوق الجميع، فاكتسبوا قيمة اجتماعية فى مجتمعاتهم، وتسابق لهم الناس بالعطايا، فاكتسبوا الثروات وأصبحوا سلطة سياسية وقوة اجتماعية، ولن يتخلوا عن مكاسبهم الاجتماعية والمادية، بل سيحاربون كل من يحاول المساس بامتيازاتهم ويشنون عليه حملة مسعورة، ولا يستبعد اتهامه بالكفر والإلحاد لإلجامه والقضاء عليه.

اجمالي القراءات 8788