هذا مقال هو دعوة للنقاش والتفكير حول أختلاف وسائل الدعوة في عصر خاتم المرسلين وعصر من سبقة من الرسل وسأتحدث عن ملامح قصة النبي إبراهيم مع قومة ومقارنتها بعصر خاتم المرسلين في وسيلة الدعوة ..
ونبدأ من خلال عصر خاتم المرسلين ونزول الرسالة القراءنية بقول الله تعالى له في تبليغ الدعوة للناس (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل 125] ، و أمره في آيات عده أن لا يكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وأن يكتفي بانذارهم وتركهم يعبدون مايشائون وجعل موعدهم في يوم الحساب (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) ( وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )
لكن في ثناء عودة إلى الزمن ماقبل نزول القراءن ، وفي قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام تحديداً نجد بعض الأختلافات البسيطة في وسيلة الدعوة ؛ حيث كان إبراهيم عليه السلام في صغره يحمل عقل ناضج ووعي أكبر مما كان يحمله قومة ، وقد كان يتعجب وينبذ ويستنكر فكرة التقديس للحجارة وعبادة أهله وقومة لتلك الأصنام التي ينحتونها بأيديهم ، و تعجبه لعدم نطق تلك الاله المزعومة وعدم تناولها الطعام او الذبيحة التي تقدم اليها {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (الصافات)
فحاول أن يبحث عن الله بتجرد و بتفكره في خلق السماوات والأرض والجبال والأنهار والنجوم والكواكب { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
ومع تقدمة على قومة في الوعي و الأدراك ، ونضوج عقله و فكره وزيادة في العلم و المعرفة أستطاع إبراهيم أن يعود لفطرته الأصلية وهي لا اله الا الله فاطر السماوات والأرض ، فأراد ان يوصل هذه الرسالة لقومة يهديهم بها ، ويعلمهم أنهم في ضلال مبين .. فجاء بقوله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}[مريم]
{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 47]
{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
لكن مع الأسف قومة كانوا في سباتهم نائمين مسلمين بما وجدوا عليه ابائهم تسليماً أعمى ، و أقل وعياً من أن يأخذوا بكلام إبراهيم ويتفكروا به بجدية أو أن يجاروه بعقلانيه .
خاصة والده الذي كان من أكبر المعادين والمعارضين له ؛ لكن مع هذا أصر إبراهيم عليه السلام وحاول مع والده في أن يهدية فجاء بقوله تعالى { يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا }
فكان رد والده بنهاية ان قال له {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم]
وحينما علم إبراهيم عليه السلام أن الجدال معهم لا يفيد طالما ان عقلهم متمسك بثقافة ماوجود عليه ابائهم أراد ان يهديهم بطريقة مختلفة يبين فيها حمق ما يتصورنهم وما يعتقدون به
فاقرر ان يهدم اصنامهم وابقاء كبيرهم في حاله سليمه ، وحينما اخذ القوم يتسألون عن من فعل هذا .. علموا انه من فتى يدعى إبراهيم .. فجاء بقوله تعالى { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}
وحينما شعروا بالخجل والعار من أنفسهم ، ونكشف حمق ما يعتقدوه ويؤمنوا به أرادوا النيل منه والقاءه بالنار فانجاه الله منها { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}
وكذلك جاء بقوله تعالى { قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} (الصافات)
وقال سبحانه {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (العنكبوت)
المعلوم هنا أن تحطيم إبراهيم للأصنام لم يكن بغظاً او انكار لتلك الحجارة التي لا تنفع ولا تضر ؛ انما نتج عن سئم إبراهيم عليه السلام في محاولة أقناع قومة بالحديث والجدال فا أراد ان ينزل في مستوى عقولهم ليستطيع ان يقيم فيها حجتة.
في عصر خاتم المرسلين أمر الله تعالى المؤمنون بجتناب الأصنام فقال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
وفي قصة إبراهيم كذلك دعا ربه فقال (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
اي انه دعا ربه أن يجنبه وأبنه الوقوع في عبادة الأصنام ، ولم يقل بتحطيمها مما يدل على حرية العقيدة و أن هناك من سيأتي ويقيم تلك الأصنام ويعبدها وتعود ثقافة تقديسها ، ويكون المؤمن الحق هو من يحكم عقلة و يعي ويعرف الحق من الباطل في ظل هذا المحيط ، ودليل اخر في هذا ايضاً انه يثبت بأن إبراهيم عليه السلام رغم كونه على الحق إلا أنه لم يأتي لكي يملك السلطة من الله في فرض الدين على الناس أو لكي يجبر أحداً على ان يعبد الله وحده ويكون هو الوسيط بين الناس وبين ربهم ، كما يفعل دعاة الوهابية وملوك سلاطين اليوم ؛ بل على العكس فقد تبرئ من قومة وهجرهم وترك أمر حسابهم لله حينما نظر إلى أصرارهم في تمسك بألهتهم.
لكن رغم أصرار قومة على التمسك بعبادة تلك الأصنام وبعد هجر إبراهيم لقومة مازال العداء قائم بين إبراهيم ومن أمنوا معه وبين قومة وعلى رأسهم والده الذي توعده وهدده بالرجم أن لم يغرب عنه
فجاء بقول الله تعالى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }
وهنا نطرح بعض الأسئلة للتفكير ونقاش فيها ::
النقطة الأولى هي أنه كما نعلم أن تحطيم نبي الله إبراهيم عليه السلام للأصنام كان لسبب وهو إقامة الحجة رجاء في هداية قومة
، لكن هل كان مجبراً على أقناع قومة بالحق ؟
وما هو توافق ذلك مع قوله سبحانه في عصر خاتم المرسلين (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِين) وقوله سبحانه ((ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ؟ أم أنه كما يبدوا بأن إبراهيم قد قام بفعل هذا بدافعه الذاتي وليس بأمر من الله
النقطة الثانية هي حينما فارق إبراهيم قومة قال لهم [ وبدا بيننا وبينكم العداوة و البغضاء ابداً حتى تؤمنون بالله وحده]
السؤال هو هل بغظ وعداوة ابراهيم وبراءته من أهله وقومة مرتبط بعدائهم لهم ام بكفرهم بالله ؟ ام بالأثنين معاً ؟
ولماذا نبي الله إبراهيم ربط كرهه وبغظة لقومة بعدم أيمانهم بالله وحده ؟ وكيف يوافق هذا ماجاء بعصر خاتم المرسلين ؟ حين امره الله أن لا يحزن على أعراض قومة وتكذيبهم برسالة ..
وهل ترون أن هذا له أرتباط بمبدئ الحرية {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} او في قوله تعالى {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} او أنه يتعارض معها ؟
خاصة وأن الله تعالى قال بشأن الوالدين المشركين {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
وقال كذلك {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .. اذاً فاهناك سبب من عداء ابراهيم والذين امنوا معه لقومهم ؛ يجدر بذكر ايضاً ان الله تعالى قال [ أن ما على الرسول إلا البلاغ المبين ] وقد جاء هذا تذكير للناس في عصر خاتم المرسلين بعد تذكيرهم بقصة إبراهيم عليه السلام ، حيث قال تعالى {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ..فأن كان الرسول لا عليه إلا البلاغ فالما أمتد كره وبغظ إبراهيم لقومة حتى يحققوا الشرط وهو [ أن يؤمنوا بالله وحده] ؟ احب سماع اجاباتكم وارائكم حول هذه النقاط
وأعود مره أخرى لكي أذكر بجانب العظة من القصة ، وهو أن مافعله نبي الله إبراهيم مع قومة في تحطيم الأصنام والإبقاء على كبيرهم لإقامة الحج بمستوى يطابق عقول أصحابها .. قد ينطبق فيها الحال على عصرنا في اثناء محاولة لإقناع اتباع السلف الصالح بأن مناهجهم لا تضر ولا تنفع ولا تغني من جوع وقد لا يفيد تذكيرهم بايات القراءن فنضطر للجوء إلى السخرية بمنهجهم لإزالة القدسية الوهمية عنها وايضاح التناقض بينها وبين القراءن فايكون هذا سبباً في اقتناع وهداية قليل منهم بينما يضل معظمهم متمسكين بضلالهم وفخورين بما وجدوا عليه ابائهم ، وهؤلاء غالباً لا يكون لهم حجة إلا بسب والقذف وتكفير وصولاً إلى الأعتداء بالقتل ولكي يكون هذا القتل متاحاً فلا بد ان يلفقوا بالأحكام لكي يجعلوا له اصول شرعية تبيح القتل فيها خارج القصاص ، لكي يستطيعوا تنفيذ العقوبات كفيما يشائون ويزايدون على حكم الله مالم يأمر به او ينزل به من سلطان بينما يتزعمون لأنفسهم بتطبيق الشريعة
- كذلك يستفاد من القصة التخويف بالاله المزعومه و الخرافات التراثية ، و هي من سمات الأديان الأرضية ونجدها واضح بقصة ابراهيم حين قام والده بتهديده بالرجم وحين حاول قومة أن يحاجوه ويخيفوه بعذاب الهتهم ( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ..وصولاً به بنهاية إلى الأعتداء من قبل قومة ورمي في نار
- ونفس الحال حدث مع خاتم المرسلين حين دعا لله وحده فجاءه العتاب و الويل والتحذير من عقاب الهتهم المزعومة فرد الله عليهم أن قال {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } وصولاً إلى اضطهادة بمكة وأخراجه من دياره وطرده منها
-ونفس الحال يحدث بالعصر الحالي على كل من اضطهد من ديارة و سجن وقتل عند كل من يعارض الفكر السلفي الوهابي ، و تهديد ائمة السلف لمن يخالفهم ويخالف قول أسلافهم المبجلين المقدسين او يخالف الثوابت وأجماع الأمة فاذلك مستحق للقتل بزعم الردة في شريعتهم الوهابية وكذلك تخويف الناس بتلفيق أكاذيب حول قصة عذاب القبر وشجاع الأقرع وتوهمهم بالسير على جسر جهنم والحديث المفترى الذي يقول ( أن الأنبياء يعبرون ذلك الجسر وهم مروعوبين ويقولون سلم سلم )
وكل هذا يوضح الفراغ الفكري والمنطق السليم في الرد الحجة بحجة ودليل بالدليل عند هؤلاء .. دون اللجوء إلى العنف او الأعتداء على من لم يعتدي عليهم
كل هذا طبيعي ان تجده في اي دين ارضي لأنه من صنع الشيطان لذلك الشيطان يكون في نفوسهم وفي اقوالهم نصيب وتبجيل .. وبذات الوقت حجتهم ضعيفه ومهترئه وتوشك على السقوط لذلك يحتاجون دائماً الى مزيد من التلفيق ومزيد من التحريف لكي يسندوا بها دينهم القائم على الدجل و الأكاذيب .. ومن له عون وفضل إلى ألة صنع الأحاديث والعنعنات التي يتمسكون بها ، وهذا ماتفعله اديان الوهابية السلفية حينما تحاول ان تواكب العصر الحالى وتحمل معها ثقافة ووباء العصور الوسطى ..مما يثبت الجانب النفسي لكيد الشيطان الذي سبق وان قال الله عنه ( ان كيد الشيطان كان ضعيفاً )
لذلك ما أن ينفضح دجلهم و تخاريفهم وافترائاتهم ومعتقداتهم من العار والخجل لا يكاد يستطيعون الواحد منهم الوقوف للدفاع عنها فايلجئون إلى ابسط حل كانوا يجيدونه بعصر اجدادهم وهو المطارده والإضطهاد والسجن والقتل وسفك الدماء لكي يغطوا على عوراتهم وعلى العار الذي يعيشون فيه
اي هم يخيفون الناس بمفترياتهم في حين انهم انفسهم يشعرون بخوف وتردد وعدم الثقة حين يواجههم أحد بالحقيقة وهو طابع كل من يسلك طريق الهوى .. وهذا عكس المؤمنين حقاً الذين قال لله عنهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} لأن المؤمن الحق هو متمسك ومتبع بالله دائماً وشعوره بالأمن هو من أمن الله عليه وليس بفضل الأولياء المقدسين وشفاعاتهم المزعومة ، الذين يتعارك السنة وشيعة لأجلهم .