السعودية على طريق : إنكار السُّنّة
مقدمة
أخطر قرار صدر ـ منذ ظهور الأسرة السعودية من عام 1745 والعهد بين ابن سعود وابن عبد الوهاب ــ هو مبادرة الملك سلمان التى ظهرت فى أنباء أمس : (بإنشاء مجمع للحديث النبوي تهدف لكشف المفاهيم المكذوبة عن الرسول ). علمت بالنبأ مبكرا بإتصال تليفونى من قناة ( الحُرّة ) يسأل مندوبها عن رأيي فى هذه المبادرة ، ونقل رأيى مختصرا . ما لم ينشره من كلامى أقوله هنا وبتوسع :
أولا : دعونا الى هذا منذ عام 1982 :
1 ـ فى أول كتاب لى عام 1982 ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) فى خاتمة الكتاب دعوت الى مراجعة الأحاديث ( النبوية ) بعرضها على القرآن لأن فيها ما يدفع الشباب للارهاب . كنت وقتها لا أرى بأسا بالحديث الذى يتفق مع القرآن الكريم .
2 ـ بناء على هذا قمت بمراجعة ( صحيح ) البخارى، وإكتشفت فى المراجعة الأولى كثيرا من أحاديثه التى تعارض القرآن الكريم ، وأعلنت هذا فى الأزهر، وفى جماعة دعوة الحق التى كنت من قياداتها . وثار ضدى الجميع ، وإكتسبت لقب ( منكر السُنّة ) ، وإتّحد ضدى السنيون والصوفية داخل وخارج الأزهر ، وإنتهى الأمر بتركى جماعة دعوة الحق والأزهر ودخول السجن ومعى أول مجموعة من أهل القرآن فى أواخر عام 1987. وأصبح لقبنا الرسمى فى القضية الرسمية فى السجن ( أهل القرآن ) ، وفى الاعلام المصرى ( منكرى السُّنّة ) . هذا الاضطهاد كان بتحريض سافر من السعودية ، وهوالذى أوصلنى الى الحق القرآنى ، أنه لا إيمان إلا بحديث واحد هو حديث الله جل وعلا فى القرآن الكريم. وصدر لى كتاب ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع ) عام 1990 ، وهو منشور هنا ومترجم الى الانجليزية . وتعرض أهل القرآن الى موجات متلاحقة من الاعتقال . وبالنفوذ السعودى وتغلغله فى الدولة المصرية العميقة والأزهر فى عهد الرئيس الحالى دخل السجن من جرؤ على إنتقاد بعض الأحاديث : ( اسلام بحيرى ومحمد عبد الله نصر ). والآن تقف السعودية رسميا فى نفس المربع الداعى الى تنقية الأحاديث .
ثانيا : ـ لو كانت السلطة السعودية مخلصة فى تنقية أحاديث دينها السُّنّى فلا بد أن :
1 ـ تعتذر لمن تسببت فى سجنهم ـ لا أقصد نحن أهل القرآن ـ أقصد من هم لا يزالون على دينها يرجون إصلاحه بتنقية الأحاديث وإنتقاء بعضها وترك البعض الآخر . أقصد أن تعتذر لاسلام البحيرى ومحمد عبد الله نصر . وأن تصدر أمرا للرئيس المصرى ( التابع لها ) بإطلاق سراح الشيخ محمد عبد الله نصر . وأن تعتذر علنا للمستشار أحمد عبده ماهر الذى يجاهد بقلمه وبحضوره فى قنوات التليفزيون وفى ساحة المحاكم داعيا الى تنقية دينه السُّنّى من أحاديث البخارى وغيره ومناهج الأزهر العفنة .
2 ـ تفرج فوريا عن الاستاذ حسن فرحان المالكى مع الاعتذار له ، فهو أروع عقلية حالية فى الجزيرة العربية ، وهو يذكرنى بالراحل ناصر السعيد .
3 ـ بمناسبة الراحل ناصر السعيد الذى إغتالته السعودية فإن له رؤية فى إصلاح المملكة السعودية عرضنا لها بالتفصيل والتحليل فى كتابنا ( المعارضة الو هابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ) . رؤية الراحل ناصر السعيد التى مضى عليها حوالى نصف قرن لا تزال صالحة لاصلاح المملكة ، وحمايتها من السقوط .
ثالثا : إشكالية تنقية الأحاديث عموما :
1 ـ منشور لنا هنا مقال بعنوان ( السُّم الهارى فى تنقية البخارى ) فى تفنيد دعوى الاصلاح فى داخل الدين السُّنّى . الدين السُّنّى باطل كله، وهو طاغوت مثل طواغيت الشيعة والصوفية والكاثوليك والارثوذكس والهندوس والبوذية وسائر طواغيت الأديان الأرضية . وما نزل القرآن الكريم إلا لتطهير البشر من رجس هذه الطواغيت . بالتالى فإن تنقية هذه الأحاديث لا جدوى منها فى الاصلاح الحقيقى . ومن هنا فإننا لسنا معنيين إطلاقا بتنقية الأحاديث . وليست لدينا إشكالية فى هذا الموضوع . الاشكالية هى فى الدعوة لتنقية لهذا الفساد الدينى.
2 ـ إشكالية تنقية الأحاديث تكمن فى قيامها على الهوى .وبالهوى تختلف الأحاديث وتختلف المذاهب وتختلف أحاديث البخارى حتى فى الصفحة الواحدة،وأثبتنا هذا فى كتابنا ( القرآن وكفى ). أئمة الأديان الأرضية إفتروا احاديث بهواهم ونسبوها للنبى محمد عليه السلام بعد وفاته بقرنين وأكثر . وتكاثرت الأحاديث فى العصر العباسى الثانى ووصلت الى ملايين ، منها ما كان شيعى الهوى ، فإخترع أئمة الدين السُّنّى اللاحقون ما يسمى بالجرح والتعديل ، وأختلفوا في كل تفصيلة من التفاصيل ، ويظهر هذا فى أكبر كتاب فى الجرح والتعديل، وهو ( ميزان الاعتدال ) للذهبى ، الذى أثبت أنه لا يوجد مطلقا أى إتفاق بين علماء الحديث فى تعديل راو أو تضعيفه . هذا لأن عملهم قائم على الهوى والانتقاء بالهوى . ثم بدأ التأليف فى الأحاديث الموضوعة فى العصر العباسى الثانى ، ومنها كتاب ابن الجوزى فى ( الموضوعات ) والعصر المملوكى مع ابن تيمية فى كتابه ( أحاديث القصاص ) وابن القيم فى ( المنار المنيف فى الصحيح والضعيف ) والسيوطى فى ( الموضوعات ) ، وأخيرا الألبانى فى عصرنا مع سلسلة الموضوعات . كله جهد فاشل لم ينفع فى التنقية ، أى إن ما سيفعله السعوديون اليوم هو إستمرار لجهد ضائع لا فائدة فيه .
رابعا : إشكالية تنقية الأحاديث مع السعودية خصوصا
1 ـ لا توجد مشكلة مع علماء الوهابية الذين تركبهم الأسرة السعودية خصوصا آل الشيخ ، أمضوا حياتهم دفاعا عن تلك الأحاديث وتكفيرا لمن ينتقدها فى كتب وفتاوى منشورة وفى قنوات فضائية وعلى الانترنت . ومع هذا فهم لا يملكون حُمرة الخجل ، سيسارعون بالتهليل لإلههم ( ولى الأمر ) وسيسحبون كلامهم .
2 ـ المشكلة الحقيقية فى تراث ابن عبد الوهاب ورسائله الكثيرة والتى تعتمد على أحاديث البخارى وغيره ، وبها قامت الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة الراهنة . برفض تلك الأحاديث تتهاوى الشرعية الدينية السُّنّية للدولة السعودية الوهابية .
3 ـ الاشكالية أيضا أنه لا بد من مواجهة تلك الأحاديث ومواجهة تراث ابن عبد الوهاب لأن القاعدة وداعش والاخوان وكل جماعات الارهاب تؤمن بتلك الأحاديث وبما كتبه ابن عبد الوهاب فى رسائله .
4 ـ هل تجرؤ الدولة السعودية على التبرؤ من أحاديث تؤسس للإرهاب مثل حديث البخارى ( أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا .. ) ؟ هل يمكنهم رفض ما أفتى به أئمة الحنبلية ( التى تنتمى اليها الوهابية ) من قتل ثلث الرعية لإصلاح الثلثين ؟ هل يمكنهم نقد رسائل ابن تيميه التى تمتلىء بقتل الناس لأتفه الأسباب ، ولأسباب مضحكة ؟ وقد فصّلنا القول فيها فى كتاب منشور هنا عن ( دستور مرسى ) الرئيس الاخوانى .
5 ـ بإختصار هل يمكنهم إنتقاد البخارى الذى لا يزالون يقدسونه ؟ مع ملاحظة أنهم بادروا بإطلاق لقب ( منكر السنة ) علينا حين هاجمنا البخارى . ومع ملاحظة أنه لا يوجد شىء إسمه السُّنّة . هى الأحاديث ، وخصوصا ( صحيح البخارى ). وعندما تنتقده يكون الرد الفورى أنك منكر سُنّة ، فالبخارى هو السُّنّة ، أو هو رقم واحد فى الدين السنى . من ينتقده يكون كافرا بالدين السُّنّى . فهل تجرؤ السعودية على أن تكون ( منكر سُنّة ) ؟
6 ـ الأسرة السعودية هى التى نشرت وباء الوهابية فى العالم ونشرت معه حمامات الدم . وهى التى أنشأت جامعاتها الوهابية داخل المملكة وخارجها ، وهى التى تسيطر بوهابيتها على الأزهر وعلى ما يسمى بالمراكز الاسلامية والمساجد السنية فى أمريكا والغرب. هل تستطيع السعودية إصلاح المناهج الوهابية فى جميع تلك المؤسسات الوهابية ؟ .
7 ـ وسؤال على الماشى : شيخ الأزهر التابع الخانع الخاضع للسعودية والذى بذل كل ما يستطيع فى إضطهاد من يحاول تنقية الدين السنى ومناهج الأزهر .. ماذا سيفعل الآن ؟
خامسا : لماذا لجأت الدولة السعودية لهذا القرار الخطير
1 ـ فى كتابنا الضخم عن المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ـ وهو منشور مقالاته هنا ـ أكّدنا على أن الوهابية تعطى مشروعية للمستبد ( الوهابى ) فى الحكم ، وتعطى أيضا مشروعية للثائر ( الوهابى ) فى أن يزايد على المستبد ويقوم بالانقلاب عليه . ومن هنا إنبثقت حركات المعارضة لآل سعود من وهابيين كان منهم الاخوان النجديون الذين أقاموا مُلك عبد العزيز آل سعود ، وكان منهم الاخوان المسلمون وجهيمان العتيبى ثم كان منهم المسعرى والفقية وسلمان العودة وصفر الحوالى، والقاعدة وداعش ..وسيأتى المزيد .
2 ـ الدولة السعودية وصلت الآن الى مرحلة التساؤل : متى تسقط ؟ . لقد قامت ثلاث مرات وسقطت مرتين . فى المرة الأولى بتدخل خارجى ، أسقطها الوالى المصرى محمد على عام 1818 . فى المرة الثانية أسقطتها خلافات عائلية . هذه المرة وصل بالبترول نفوذها الى مستوى لم يكن يحلم به مؤسسها عبد العزيز آل سعود . الآن مع ذبول جيل أبناء عبد العزيز وتصدر جيل الأحفاد مُمثلا فى محمد بن سلمان ( الأصغر سنا ) فإن الدولة السعودية تواجه أخطارا داخلية على مستوى الأسرة نفسها فى الشقاق بينها ، وعلى مستوى مواجهة الشيعة فى الداخل ، وعلى المستوى الاقليمى فى مواجهة الشيعة فى الخارج ( إيران ، واتباعهم الحوثيون وحزب الله ) وعلى المستوى الدولى ، فقد تنبه العالم ـ بفضل جهودنا أهل القرآن ـ الى أن السعودية بوهابيتها هى محور الشّر فى العالم ، وأنها الأم الحقيقية لداعش ،وأن الوهابية ليست هى الاسلام . وفى مواجهة السخط عليها سعت السعودية الى إسترضاء الرئيس الأمريكى ببضعة مئات من بلايين الدولارات ، وتأسيس مركز أسمته (إعتدال )، وبالضغط الدولى وخوفا من ظهور داعش داخل المملكة فقد لجأت الى الدواء الصعب المُرّ كى تطيل عُمرها وتؤجل موعد سقوطها ، بنزع القداسة عن الأُسُس الدينية للوهابية ، والسماح بتنقيتها ، بالانتقاء ، وهذا بالتمسك بالأحاديث التى توجب الطاعة لولى الأمر وتؤكد على تقديسه وتحكم بقتل من ينتقده أو يعارضه ، ورفض الأحاديث التى تحث على قول كلمة حق فى وجه سلطان جائر.
3 ـ فى النهاية فهى قضية خاسرة . فالمعارضون هم أيضا يرفضون أحاديث طاعة ولى الأمر ، و يتمسكون بوجوب الثورة عليه جهادا وهابيا لأنه فى إعتقادهم ( كافر ). بل سيستخدمون تراث ابن عبد الوهاب فى إسقاط شرعية آل سعود ، كما فعل المسعرى وغيره .
أخيرا : الحل الأمثل
هو أن تقطع الأسرة السعودية علاقتها بالوهابية تماما . وهذا يستحق مقالا منفصلا .