القاموس القرآنى : الرشد والرشاد
مقدمة
1 ـ خلق الله جل وعلا الانسان حر المشيئة ، إن شاء آمن وإن شاء كفر ، ويلقى نتيجة مشيئته يوم القيامة بالجنة أو النار ، قال جل وعلا : ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) الكهف ).
2 ـ وأنزل الله جل وعلا الكتب للهداية وترك للبشر حريتهم فى الايمان أو الكفر بها ، قال عن القرآن الكريم ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ) (107) الاسراء)، ووصف جل وعلا القرآن الكريم بأنه تذكره داعيا لأن يهتدى به الناس ، قال جل وعلا : ( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (19) المزمل ) . وتكرر هذا فى سورة أخرى ( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) الانسان )، وبعده يقول جل وعلا : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (31) الانسان )، أى إنه بمجرد أن يشاء الانسان تأتى مشيئة الرحمن تؤكد ما شاءه الانسان لنفسه ، ونتيجة لذلك يكون هذا فى الجنة وذاك فى النار .
ومشيئة الرحمن لا تقتصر على تأكيد مشيئة الانسان بالهداية أو الإضلال ، بل أكثر ، فالذى يشاء الهداية يزده الله جل وعلا هدى : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17) محمد )، والذى يشاء الضلال يزده رب العزة جل وعلا ضلالا ، قال جل وعلا : ( قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْاهُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76) مريم ).وبالتالى فالذى يشاء الهداية يهده الله جل وعلا ، ومن يشاء الضلالة فلن يجد من يرشده الى الحق ، قال جل وعلا : ( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً (17) الكهف ).
وندخل بهذا على مفهوم ( رشد / رشاد ) فى القرآن الكريم .
أولا : بمعنى الهداية :
1 ـ ( الرُّشد ) (بضم الراء وسكون الشين )
1 / 1 : يقول جل وعلا : ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) البقرة ). القاعدة التشريعية القرآنية ( لا إكراه فى الدين ) علّلت السبب بأنه قد تبين بالقرآن المبين ماهية الهداية ( الرُّشد ) والعكس هو ( الغى ) . وتمام الرشد أن تبدأ بالكفر بالطاغوت ( وهو الأحاديث الشيطانية وتقديس البشر والحجر ) وتنظف قلبك منها ليكون قلبك قد تمسك بالعروة الوثقى التى لا إنفصام لها ، وهى ( لا إله إلا الله ) ، فالرشد هنا بمعنى الهداية .
1 / 2 : وعن الرشد بمعنى الهداية وأنه عكس ( الغىّ ) يقول جل وعلا : ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) الاعراف )، فالمستكبرون بغير الحق ،أى المستكبرون بالباطل لا تنتظر منهم أن يؤمنوا بالحق ، لذا يرفضون سبيل الرشد أى الهداية ويتبعون طريق الضلال أى الغواية ، وهذا فى حد ذاته هو إختيارهم لأنهم كذبوا بآيات الله وغفلوا عنها . وهذا ينطبق تماما على المحمديين
1 / 3 : وأخبر جل وعلا أن بعض الجن إستمع الى القرآن وإهتدى به : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) الجن )، قالوا إن القرآن الكريم يهدى الى الرشد ، وهو أنه جل وعلا لا إله إلا هو ، وما إتخذ صاحبة ولا ولدا ، كما يقول بعض الضالين .
1 / 4 ، وتوصل ابراهيم وهو فتى الى أنه لا إله إلا الله ، أى إهتدى الى الرشد مبكرا جدا ، قال جل وعلا :( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) الانبياء ).
2 ـ ( الرشد ) بفتح الراء وفتح الشين ) : عن الباحث عن الرشد أى الهداية
2 / 1 : قال الجن المؤمنون :( وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15) الجن )، فالمسلمون هم الذين تحروا الرشاد .
2 / 2 : وقال جل وعلا :( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً (24) الكهف)، أى نداوم على ذكر الله جل وعلا ، ونطلب الهداية منه جل وعلا لنقترب أكثر وأكثر من الرشد أى الهداية .
2 / 3 ـ ووقف محمد عليه السلام ضد قومه وقد دنّسوا مساجد الله فى مكة بتقديس القبور والتوسل بالموتى فيها ، وذكر أسمائهم فى الأذان وفى الصلاة ـ كما يفعل المحمديون فى مساجدهم الضرار الآن . قال جل وعلا : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) الجن ) بعذ هذه الحقيقة التى يكفر بها المحمديون قال جل وعلا يذكر وقفة النبى محمد ضد مساجد الضرار فى مكة :( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) الجن ) وهو فى النهاية لا يملك لهم ضرا ولا رشدا ، أى لا يملك أن يهديهم ، لأن الهداية مشيئة شخصية ( قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) الجن ).
3 ـ من هنا فالشخص الرشيد يعنى المهتدى المتقى ـ فى مجال الايمان ، وقد قالها النبى لوط لقومه الذين إقتحموا بيته يريدون الفسق بضيوفه : ( وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) هود ). لم يكن بينهم رجل رشيد .. وينتشر وباء الشذوذ بين المحمديين ، ولا يوجد فيهم رجل رشيد يناقش هذا علنا معترفا بالمشكلة كما يفعل الغرب .
ثانيا : الرشد / الرشاد : بمعنى ملحقات الهداية
1 ـ بمعنى التقوى: فى قوله جل وعلا :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)البقرة ). جاء هذا فى سياق صوم رمضان ، والتقوى هى المقصد الأعلى من الصيام ، قال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) البقرة )
2 ـ بمعنى التعقل : فى تشريع اليتيم يأتى الرشد نقيضا للسفه . فاليتيم صاحب المال يتم تعيين وصى يحفظ ماله ويستثمره له ، فإذا بلغ النكاح يجب إختباره ، فإذا تبين أنه رشيد يكون له حق التصرف فى ماله ، إن لم يكن رشيدا أى كان سفيها فيجب تعيين رزق وكسوة له من إستثمار ماله ، يقول جل وعلا : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) النساء ).
3 ـ بمعنى التوفيق : قال جل وعلا عن أهل الكهف : ( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً (10) الكهف ) ، أى دعوا ربهم جل وعلا أن يهديهم ويوفقهم الى الصواب
4 ـ بمعنى العلم ، فقد قال موسى للرجل الصالح الذى ذهب اليه ليتعلم منه : ( هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) الكهف ).
ثالثا : قلب الحقائق
1 ـ من يشاء الهداية يهده الله جل وعلا ، ومن يشاء الضلالة يضله الله جل وعلا ، وبالتالى لا تحزن على من يختار الضلالة ويتمسك بها ، لأنه عندما إختارها فقد تركه رب العزة الى شيطان يقترن به يزين له سوء عمله فيراه حسنا ، وبذلك تستحيل هدايته ، قال جل وعلا :( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) فاطر )
2 ـ وعن القرناء من الشياطين الذين يقترنون بالضالين يزينون لهم سوء عملهم قال جل وعلا : ( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت ).
والفرد الذى تعشى عيناه عن رؤية الهداية القرآنية الضال سرعان ما يقترن به شيطان يتخصص فى إضلاله ، قال جل وعلا : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) الزخرف ) وعن وظيفة هذا القرين يقول جل وعلا : ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) الزخرف )، أى يقلب له الحق باطلا والباطل حقا .
3 ـ وفرعون موسى هو النموذج الكلاسيكى لقلب الحق باطلا والباطل حقا ، فقد كان يرى أن ما يفعله من قتل الأطفال عملا صالحا ، وكان يريد قتل موسى متهما موسى بالفساد : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26) غافر ). وإعترض على هذا أمير البيت الفرعونى كان يكتم إيمانه خوفا من سطوة فرعون وملئه : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ) ، وكان رد فرعون ( مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) غافر)، أى إنه مستبد برأيه وأنه لا يرى لهم إلا سبيل الرشاد . وهذه الثقافة الفرعونية لا تزال تعيش فى ذهنية المستبد الشرقى فى بلاد المحمديين . والطريف أن الأمير الفرعونى المؤمن قدّم البديل الصحيح لقومه : ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِي أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) غافر )، أى هو الذى يعرف سبيل الرشاد ،وليس فرعون . لدينا هنا ( سبيل الرشاد ) يزعمه فرعون لنفسه ، و( سبيل الرشاد ) يدعو اليه الأمير الفرعونى المؤمن ، ولكن إتبع قوم فرعون أمر فرعون ، ووصف رب العزة أمر فرعونه بأنه غير رشيد ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) هود ).
5 ـ وفرعون بجبروته وفساده كان يحلو أن يسخر من موسى مفتخرا بأن له ملك مصر والأنهار تجرى من تحته : (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) الزخرف ) ، وقوم مدين كانوا يسخرون بالنبى شعيب قائلين له : ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) هود ). يقولون له الحليم الرشيد سخرية . وهذا ما يحدث من المجرمين الذين يعتقدون أنهم مهتدون ، ويتهمون المهتدين الأبرار بأنهم ضالون ، ويسخرون منهم ، قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ (32) المطففين )
أخيرا :المؤمنون بالبخارى والكلينى وأئمة الضلال وكتب الضلال يسيرون فى نفس الطريق ويحسبون أنهم راشدون مهتدون. حقيقة الأمر إنهم كما قال جل وعلا : ( إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الاعراف ).