توقيت شهر رمضان:(2):التقويم القمرى أساس العبادات الاسلامية،ومنها صيام رمضان.

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٨ - سبتمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

توقيت شهر رمضان:(2):التقويم القمرى أساس العبادات الاسلامية،ومنها صيام رمضان

أولا : الحج نمودذجا للعبادة فى الأشهر الحُرُم القمرية :

1 ـ يعيش الانسان مُحاطا بالزمان والمكان . ولرب العزة جل وعلا (حرم ) زمانى هو الأشهر الأربعة الحرم بالتقويم القمرى، وله جل وعلا ( حرم ) مكانى هو الكعبة البيت الحرام فى مكة . قال جل وعلا : ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) المائدة ). هنا البيت الحرام والشهر الحرام .

2 ـ الحرم الزمانى ( الأشهر الحرم ) وضعه الله جل وعلا مع خلق السماوات والأرض ليكون ( أمنا زمانيا ) للبشر يمتنعون فيه عن سفك الدماء والظلم ، قال جل وعلا :( ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) (36) التوبة ). هو حرم زمانى ينبغى الامتناع فيه عن الظلم ، والعدوان الحربى ، إلا القتال الدفاعى فقط . قال جل وعلا : (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)البقرة ) . وعندما تساءل بعض الصحابة عن حكم القتال الدفاعى فى الأشهر الحرم نزل قول الله جل وعلا : (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) البقرة )، فالقتال فى الشهر الحرام جرم كبير ، ولكن الصّدّ عن سبيل الله والكفر بالله جل وعلا والصّدّ عن المسجد الحرام وإخراج المؤمنين من مكة والبيت الحرام ـ جرم أكبر . لأن الفتنة ـ أى الاضطهاد الدينى ـ أكبر من القتل .

3 ـ الحرم المكانى ( البيت الحرام ) جعله الله جل وعلا مثابة للناس وأمنا ، ومن دخله كان (أى أصبح ) آمنا (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ) 97 ) آل عمران ) . فالبيت الحرام هو أول بيت وضعه الله جل وعلا للناس جميعا : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) آل عمران ) وهو البيت العتيق (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) الحج) ، وتشريع الأمن لا يشمل من يحج الى البيت فقط ، بل أيضا من يسير اليه وانعام الهدى التى معه والقلائد التى تميز حيوانات الهدى عن غيرها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) المائدة )

4 ـ وكما أن الحرم الزمانى للناس كافة فكذلك البيت الحرام للناس كافة ، المقيم فى مكة أو من يقصد الحج  يقطع البوادى ليصل الى البيت الحرام ، لذا يحرم صدُّ الناس عن الحج اليه أو حتى إرادة الظلم فيه : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج). الترحيب هو بالمؤمنين ظاهريا الملتزمين بالأمن والأمان والسلم والسلام ، لذا يحرم دخوله على الكافرين المعتدين حاملى السلاح لأنهم ( نجس ) بما يفعلون : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) التوبة )

5 ـ الحج الى البيت الحرام فرض على الناس كافة :( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97) آل عمران )  وهذا هو تشريع الرحمن للبشر جميعا . وبالحج يمتزج الحرم الزمانى بالحرم المكانى ، إذ يكون الحج الى البيت الحرام فى ألشهر الحرام ، وبهذا يكون الاحرام الذى يكتمل بأن يلتزم الحاج بألّا يرفث ولا يفسق ولا يجادل ، أى الدرجة العليا من التقوى . قال جل وعلا :(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) البقرة )

6 ـ هذه العالمية فى الحرم الزمانى والحرم المكانى وفى فرض الحج يعنى أن التقويم القمرى يجب العمل به فى تأدية فريضة الحج مع الالتزام بحُرمة الأشهر الحُرُم حتى فى البلاد التى لا تأخذ بالتقويم القمرى . ليس هذا فقط فيما يخص فريضة الحج . بل بفريضة الصوم فى شهر رمضان القمرى . وإذا كانت للسنة تقويمات قمرية وشمسية وبهما معا فإن التقويم القمرى هو مواقيت العبادة الاسلامية ، فى الحج وأيضا فى الصيام .

ثانيا : صوم رمضان بالتقويم القمرى :

1 ـ الحج من ملة ابراهيم توارثه العرب وأهل الكتاب منذ أن قال جل وعلا : ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) الحج ).

2 ـ وأيضا فريضة الصوم فى رمضان ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)البقرة ) . فى الآية الكريمة تقرير بأن الصوم كان مفروضا بنفس الطريقة من قبل وفى نفس الشهر ، ووسيلة للتقوى . ثم نزلت الآية التالية بتشريعات جديدة لم تكن معروفة من قبل فى التيسير والأعذار المبيحة للفطر : ( أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)) وجاءت الآية التالية بتعظيم شهر رمضان ، شهر الصيام الذى نزل فيه القرآن : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) البقرة ).

3 ـ حين يخاطب الله جل وعلا العرب والبشر ذاكرا شهر رمضان فالمعنى أنه شهر معروف فى التقويم القمرى المعروف ، وأن الصيام فيه معروف قبل نزول القرآن الكريم . يكفى أن الله جل وعلا فى كل التفصيلات عن الصوم لم يحدد معنى الصوم لأنه معروف ، ولم يشرح ماهية شهر رمضان لأنه شهر معروف ومعلوم ، بل وصف أيامه بأنها ( أياما معدودات )، أى إعتاد الناس تعداد أيام شهر رمضان يوما يوما ، وهذا هو ما يحدث حتى الآن فى شهر رمضان ، وبهذا يتميز شهر رمضان عن بقية الأشهر .  

4 ـ وجاءت إشارة الى ليلة القدر فى شهر رمضان ، وهى ليلة عالمية تتكرر مرة فى شهر رمضان ، تتنزل الملائكة فيها بالروح جبريل تحمل أقدار الناس من حتميات الميلاد والموت والرزق والمصائب ، قال جل وعلا : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5))القدر ). هذا يذكرنا بعالمية الحرم الزمانى والحرم المكانى ، وهذا أيضا بالتقويم القمرى العالمى .

ثالثا : التقويم القمرى فى بقية التشريعات الاسلامية

1 ـ واضح  فى القرآن الكريم التركيز على التقويم القمرى أكثر  ، فقد أشار الله جل وعلا للتقويم القمرى خصوصا فى قوله جل وعلا : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)يونس) . ذكر جل وعلا الشمس ، ولكن تحدث عن منازل القمر التى نتعلم منها عدد السنين والحساب . ما خلق الله جل وعلا هذا إلا بالحق.

2 ـ وعن الاهتداء بالنجوم ومعرفة التقويم الشمسى والقمرى قال جل وعلا :( فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) الانعام ) . جاءت هنا إشارة الى التقويم الشمسى مع القمرى والاسترشاد بالنجوم فى معرفة الطريق والوقت فى ظلمات الليل .

3 ـ وفى موضوع النجوم نتذكر مناخ شبه الجزيرة العربية الصحراوى بنجومه المتلألئة وسمائها الصافية ليلا ، وشمسها الحارقة نهارا ، وهذا يجعل العرب أصحاب معرفة بالنجوم يهتدون بها فى ظلمات الليل فى البر وفى البحر ، ثم هم أقرب الى تأمل القمر فى منازله ، وإتخاذه تقويما ، أكثر من غيرهم من سكان الوديان النهرية والتقلبات المناخية .   

4 ـ يعزّز هذا أنهم سألوا النبى محمدا عليه السلام عن ( الأهلّة ) وسكت النبى كالعادة حتى نزل الوحى بالإجابة : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )(189) البقرة ). سألوه عن الأهلة ( جمع هلال ) أو ما نفهمه من منازل القمر ، والاجابة أنه مواقيت للناس فى شتى شئونهم وفى موعد الأشهر الحرم التى يكون فيها الحج للبيت الحرام . بالتالى فإن التقويم القمرى هو السائد والمعتمد فى العبادات .

رابعا : الخروج على التشريع الالهى :

1 ـ ما سبق هو الواجب المفروض الذى ينبغى أن يكون . ولكن الواقع يأتى بالعصيان . قريش كانت تصُدُّ عن سبيل الله وعن المسجد الحرام ، وشوهت بعض معالم ملة ابراهيم ، وتلاعبت بالأشهر الخُرُم بالنسىء ، فإعتبره رب العزة زيادة فى الكفر:( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) التوبة ). هم لم يقوموا بإلغاء حُرمة الأشهر الحُرُم ، بل فقط التلاعب بها . قريش فى الفتوحات فى عصر الخلفاء إستحلوا قتل مئات الالوف فى قارات العالم الثلاث خلال الشهر الحُرُم وغيرها . وبهم تناسى الناس حُرمة الأشهر الحرم ، وحتى الآن . فهل توقفت حرب بين المسلمين مُراعاة للشهر الحرام ؟

2 ـ وقبيل موت النبى وبعد دخول النبى مكة سلميا ، قامت قريش بحركة ردّة ، نقضوا فيها ، فنزلت سورة ( براءة ) تعطيهم مهلة الأشهر الحرم ليتوبوا : ( بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) التوبة )

3 ـ قريش بعد موت النبى محمد عليه السلام إرتكبت جريمة الفتوحات ، إنتهكت فيها شرع الله جل وعلا المؤسس على السلام والعدل والاحسان والحرية وعدم الاكراه فى الدين . وعلى هامش هذه الخيانة العظمى لدين الله جل وعلا طرد عمر بن الخطاب أهل الكتاب من الجزيرة العربية ، وصدّهم عن الحج الى البيت الحرام ، وبتوالى القرون تركز فى الأذهان أن الحج ليس فريضة عالمية بل خاصة بما اصبح يعرف ب ( أُمّة محمد ) .

3 ـ  كما قام عمر بن الخطاب بتغيير السنة القمرية التى كان يعرفها العرب ويجعلون مواقيتهم بها قبل ولادة هذا العمر بن الخطاب بقرون . قام عمر بوضع ما أسماه بالتقويم الهجرى ، وجعل السنة تبدأ بشهر محرم ( وهو ثانى الشهور الحُرُم ) بينما المفهوم من القرآن الكريم أن السنة القمرية تبدأ بشهر ذى الحجة ، لأن السنة القمرية لقبها ( حجّة ) بكسر الحاء . وكان هذا هو المعروف بقرون قبل نزول القرآن الكريم . ونتذكر أن الرجل الصالح قال لموسى عليه السلام : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (27) القصص ) . لم يقل ثمانية أعوام بل ( ثمانية حجج ) ، فالحجة تعنى عاما بالتقويم القمرى . والسنة القمرية تبدأ بذى الحجة فى بلاد العرب وما حولها وقبل نزول القرآن الكريم بقرون طويلة حيث إعتاد الناس الحج الى البيت الحرام ( أول بيت وُضع للناس / البيت العتيق ) تلبية لدعوة ابراهيم ، وفي شهر ذى الحجة يكون إفتتاح موسم الحج بأشهره الحرم الأربعة التى يمكن الحج خلالها، والتى كانت معلومة للعرب وقت نزول القرآن. هذا هو المفهوم من قوله جل وعلا :(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) (197) البقرة ) وعن إبتداء السنة القمرية بذى الحجة وإفتتاح موسم الحج ب ( الحج الأكبر ) قال جل وعلا : (وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ  ). تبدأ المهلة بأول ذى الحجة : الحج الأكبر، أول السنة القمرية ، وتستمر طيلة الأشهر الحرم الأربعة (  فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ )، وتنتهى بإنتهائها : (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ )(5) التوبة ) ، فالأشهر الحرم هى ذو الحجة ، محرم ، صفر ثم الرابع : ربيع الأول .

4 ـ على أن هذا التغيير فى بداية السنة القمرية لم يغير أسماء الأشهر فظلت كما هى ، وظل رمضان كما هو شهر الصيام . ولتميزه بالصيام وليلة القدر ظل شهرا متفردا فى حياة المسلمين ، وإنعكس هذا فى تاريخهم .

وللحديث بقية . 

اجمالي القراءات 12505