القاموس القرآنى : (المشى ) بين الاسلوب العلمى التقريرى والاسلوب المجازى :

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢١ - سبتمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى : (المشى ) بين الاسلوب العلمى التقريرى والاسلوب المجازى :

 مقدمة

 1 ـ  يأتى الاسلوب العلمى التقريرى بالحقائق مجردة بدون تشبيه أو إستعارة أو كناية أو مشاكلة . ومنه فى موضوع المشى قول رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) النور ) . الآية واضحة ومباشرة المعنى .

 2 ـ ونتعرض لمصطلح ( المشى ) بالتفصيل فى مجالات (الوعظ والدعوة) ، و(التشريع) و( القصص ) بين الاسلوب المجازى والاسلوب العلمى .

أولا : (المشى) فى مجال (الدعوة والوعظ )  بين المجاز والاسلوب التقريرى :

1 : يقول رب العزة جل وعلا : ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) الملك ). فى الاسلوب الحقيقى لا يمشى أحد مكبا على وجهه ، ولا يستطيع أى إنسان فى دنيا الواقع أن يسير بقدميه فى الطريق فى إتجاه واحد سويا مستقيما . هنا الاسلوب المجازى فى إستعارة عمّن يتبع الحق ومن يتبع الباطل .

2 : والذى يتقى ربه جل وعلا متبعا القرآن الكريم الذى هو نور من رب العالمين يكون له القرآن نورا معنويا يهتدى به فى تعامله مع الناس . كان قبل ذلك ميتا بالضلال فأصبح حيا بالتقوى مستنيرا بنور القرآن الكريم ، وهذا عكس الذى يسير فى الظلمات. هذا بالاسلوب المجازى فى قوله جل وعلا: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)الانعام). وهذا معنى قوله جل وعلا :( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) الزمر )   

3 : ويوم القيامة سيتحول هذا المجاز الى حقيقة ، فالقرآن الكريم نور : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) النساء )( قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) المائدة ) .وهذه ( الهداية القرآنية ) فى الدنيا تتحول الى نور حقيقى تكون به الرحمة ودخول الجنة .

وجاء هذا فى موضوع ( المشى ) فى قول رب العزة جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) الحديد ). المتقى فى الدنيا يتنعم يوم القيامة بنور ( يمشى به ) مغفورا له مرحوما من عذاب السعير . ونحو ذلك فى قوله جل وعلا عن نور المؤمنين فى الآخرة : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)الحديد )، وهذا ما يجب ان يعمل له المؤمنون ، قال لهم رب العزة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم  )

4 : ويأتى ( المشى ) بالاسلوب الحقيقى فى الحوار الدعوى . فالمشركون الكافرون فى كل عصر يقيمون قبورا ( أنصابا ) ينصبونها للعبادة على ( جثة ) أو ( رفات ) ميت رميم ، يزعمون  ـ ليس فقط حياته ـ بل وكونه الاها يتصرف فى الأحياء بالمنع وبالمنح ويتوسلون به يطلبون منه المدد والعون . كان هذا فى عصر نزول القرآن ، وإستمر بعد تمام القرآن نزولا . وكان النبى رسول الله محمد عليه السلام يناضل كى تكون المساجد لرب العزة جل وعلا وحده وألّا يُدعى فيها إلّا الله جل وعلا : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) ( الجن ). ثم جعل المحمديون قبرا نسبوه للنبى محمد زورا وبهتانا ، وهم يحجون اليه يعتقدون أنه حىُّ فى قبره تُعرض عليه الأعمال فيراجعها ويشفع فيها ويرد السلام من أى شخص يسلم عليه . وهذا الهجص كان يعتقده مشركو العرب ، وجرى حوار قرآنى معهم، منه قوله جل وعلا:( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)النحل).  أى هم أموات لا يشعرون . وهذا اسلوب علمى تقريرى ليس فيه مجاز . وهو يصوّر حال المحمديين الذين يعبدون القبور المقدسة للاولياء الصوفية وأئمة السنة والشيعة .

ومنه فيما يخص موضوع ( المشى ) نقرأ : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) الاعراف ). هم عباد أمثالنا ولكن ماتوا واصبحوا رمادا ، ليس لهم أرجل يمشون بها ولا أيدى يبطشون ها ولا أعين يبصرون بها ولا آذان يسمعون بها . لا يستطيع أحد أن يجادل فى هذه الحقائق التى جاءت بالاسلوب العلمى .

5 : وطالب الكفار العرب كثيرا بمعجزة حسية بديلا عن القرآن ، ومن مطالبهم أن تنزل ملائكة . وجاء الرد عليهم فى سورة الاسراء مع حقيقة علمية غيبية ،قال جل وعلا : ( قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً (95) الاسراء). الملائكة سرعتها لا يمكننا تخيلها ، ولو كانت تعيش على الأرض بأجساد مادية لكانوا يمشون مثلنا ،ولأنزل الله جل وعليهم ملكا من السماء رسولا . الأغلب فى الكلام عن الملائكة وعوالم الغيب ان يكون التعبير عنها بالمجاز . ولكن هنا الاسلوب بالاسلوب العلمى التقريرى .

ثانيا : ( المشى ) فى (القصص القرآنى ) بين المجازى والاسلوب التقريرى العلمى

1 : أحيانا يأتى مصطلح المشى بالمجاز فى القصص : ( وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) ص ) . قول الكافرين ( أن أمشوا واصبروا ) ليس مقصودا به المشى العادى ، ولكن الاستمرار فيما وجدوا عليه أسلافهم من عبادة غير الله جل وعلا .

2 ـ وجاء ( المشى ) بالاسلب العلمى التقريرى الوصفى فى قصة موسى عليه السلام : قال له ربه جل وعلا : ( إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ) 40) طه ). هنا إشارة الى تفصيلات وردت فى سورة القصص ، منها  : (وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11)) . وفى نفس السورة تفصيلات لما حدث له فى ( مدين ) وفيما يخص موضوع المشى قوله جل وعلا عن إبنة الرجل الصالح من مدين : ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ) (25) القصص ).

3 ـ وأيضا فى قول قريش حين تندرت على عمل النبى محمد تاجرا ( يمشى ) فى الأسواق ويأكل فيها الطعام :  ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7)) . وجاء الرد الالهى عليهم بالاسلوب التقريرى بأن كل نبى كان يأكل الطعام و ( يمشى ) فى الأسواق : ( وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ )(20) الفرقان ). هذا يعنى أن الأنبياء الملوك مثل داود وسليمان كانا أيضا يأكلان الطعام و (يمشيان ) فى الأسواق .

ثالثا : ( المشى ) فى (التشريع القرآنى ) بالاسلوب التقريرى العلمى فقط :

1 ـ تأتى الأوامر والنواهى بما يعنى الإلزام ، بمعنى أن يكون عصيانها ذنبا ، ومنها فيما يخص موضوع المشى قوله جل وعلا : ( وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) الاسراء ). المرح فى مصطلحات القرآن هنا يعنى الفخر والتكبر . ومثله قول لقمان يعظ إبنه : (  وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) لقمان ) وتأتى الآية التالية بطرسقة المشى الشرعية : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ) ، وفى قول رب العزة جل وعلا : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً )(63)(الفرقان). وعلى النقيض من ذلك ( المشى ) باستكبار ، والمشى بين الناس بالهمز والنميمة والفساد ، فى قول رب العزة نهى عن طاعة هذا الصنف : ( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) القلم ) . هنا فرض بأوامر ونواهى . من يعصها يكون مذنبا .

2 ـ وهناك ـ فيما يخص موضوع ( المشى ) ما يكون أمرا إرشاديا ، لا ذنب على من يعمل به ، وهو قوله جل وعلا للبشر : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك ) . السعى بالمشى فى قارت العالم ليس أمرا لازما ، والذى يظل فى بلده يعمل فيها ليس عاصيا مذنبا .  

رابعا : بين  (المشى ) و( السير ) بالاسلوب العلمى التقريرى ـ وبلا مجاز :

1 ـ تكرر الأمر بالسير ــ  الفعلى العملى  ــ فى الأرض للإتعاظ بما حدث للأمم التى أهلكها الله جل وعلا ، ومنه :   ( أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22) غافر ). وايضا ( غافر 82 : 85 ) ( الروم 9 ، 42 ) .آل عمران 137 ) مجرد أمثلة .

2 ـ وجاء بمعنى ( المشى ) : ( أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى (128) طه ) ( أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (26) السجدة ).

اجمالي القراءات 6289