مركز دراسات الأهرام: 20% من المصريين مهمشون والانفجار سيكون مدمراً
- حمل تقرير الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية الصادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام الحكومات المتعاقبة مسؤولية تدهور الأوضاع
الاقتصادية بالشكل الذي أدي إلي زيادة ارتفاع معدلات الفقر، وارتفاع معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، وحذر من الانحيازات الطبقية الصارخة للنظام للطبقات العليا.
وتضمن التقرير فصل بعنوان الفقر والتهميش في مصر يكشف بوضوح عن واقع الفقر في مصر وحظوظ الشعب المصري منه، بما نستطيع معه أن نقول هذه هي خريطة الفقر في مصر، كما تعرض التقرير إلي الأرقام الحقيقية لنسب البطالة التي ابتعدت بصورة كبيرة عن الأرقام التي تتداولها الحكومة.
انحيازات طبقية صارخة
ويؤكد التقرير ان أن التهميش الاقتصادي أحد العوامل الرئيسية للإفقار، ليس للفقراء بالمعني المعروف الذي يتمثل في فئة العمال والزراعيين الأجراء، وصغار المزارعين، وإنما لشرائح مهمة من الطبقة الوسطي أيضًا من خريجي النظام التعليمي ومن المثقفين وأصحاب المشروعات الصغيرة والعائلية.
ويشير التقرير إلي أن حرمان البشر من الخدمات الصحية والتعليمية هو في النهاية حرمان لهم من التأهيل العلمي والصحي ومنعهم من العمل والمشاركة في النشاط الاقتصادي وكسب العيش بصورة كريمة.
ويقول التقرير إن الانحيازات الطبقية الصارخة للنظام السياسي في مصر إلي الطبقة العليا ومصالحها المتنوعة وكذلك سيطرة رأس المال علي السلطة، يساهم في زيادة الفوارق بين الطبقات وتزايد انعدام العدل بصورة أو بأخري وأن كل ذلك يساهم في التهميش الشامل ومن ضمنه التهميش الاقتصادي لشرائح واسعة في المجتمع، حسبما ذكرت جريدة المصري اليوم.
فضلاً عن انتشار الفساد الذي يؤدي إلي تحويل أموال عامة إلي أموال وشركات خاصة بصورة غير مشروعة، بل ويحول أموالاً خاصة إلي جيوب البيروقراطيين كثمن للحصول علي الرخص أو تسهيل الإجراءات،
توليد الفقر
ويؤكد أن كل هذا يساهم بصورة كبيرة في توليد الفقر، ذلك لأن هذه الأموال العامة كان من المفترض أن تذهب للفقراء والطبقة الوسطي باعتبارهم الغالبية الساحقة من أبناء الأمة، وبالتالي فإن حصول حفنة من الفاسدين عليها يحرم هؤلاء الفقراء والطبقة الوسطي من الحصول علي هذه الأموال في صورة أرباح موزعة في الشركات والهيئات العامة، أو في صورة خدمات وتحويلات لو ذهبت هذه إلي إيرادات الموازنة العامة للدولة وتم إنفاقها علي تلك الخدمات والتحويلات.
ويرهن التقرير إمكانية منع توليد ذلك الفقر بضرورة إحداث تغيير جوهري في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ينتهجه النظام المصري، وإن ألمح إلي إمكانية مكافحة الفقر وتخفيف وطأته حتي في إطار النظم الاقتصادية التي يكون الفقر فيها منتجًا رئيسيا لها، وذلك عن طريق اتباع سياسات فعالة لضمان توزيع معتدل للدخل من خلال ضمان حد أدني للأجور يضمن الحد الأدني من الحياة الكريمة للمشتغلين وأسرهم،
ووضع نظام لكفالة العاطلين وكبار السن والمعاقين وتوفير الخدمات العامة الصحية والتعليمية بالذات، بصورة مجانية أو شبه مجانية وذلك من خلال سياسات فعالة لإعادة توزيع الدخل عبر الموازنة العامة للدولة وتوفير فرص العمل في القطاعين العام والخاص لكل المؤهلين والقادرين والراغبين في العمل.
مستوي مروع من التهميش
ويؤكد التقرير أن مصر تعاني في الوقت الراهن مستوي مروعًا من الفقر والتهميش، برغم أنهما لا يظهران كما هما في الواقع فعليا
وحسب البيانات الرسمية التي تشير إلي أن النصيب النسبي لأصحاب عوائد حقوق التملك قد ارتفع من 51.5% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية ثمانينيات القرن العشرين إلي نحو 71.4% من هذا الناتج في منتصف تسعينيات القرن ذاته، وبالمقابل انخفض النصيب النسبي لأصحاب الأجور والرواتب والمعاشات من 48.5% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الثمانينيات إلي 28.6% من ذلك الناتج في عام 1995.
وذكر التقرير أن بيانات البنك الدولي تشير إلي أن نحو 3.1% من السكان في مصر عام 2000، أي نحو 2 مليون إنسان كانوا يعيشون بأقل من دولار للفرد يوميا، وكان هناك 43.9% من السكان أي نحو 28 مليون نسمة يعيشون بأقل من 2 دولار للفرد يوميا، أي نحو 730 دولارًا للفرد سنويا.
بيانات صادمة
وتشير البيانات الصادمة التي نشرها تقرير البنك الدولي إلي أنه وفقًا للمسح الذي تم إجراؤه عن الفترة من 1999 إلي 2000 حصل أفقر 10% من السكان في مصر علي نحو 3.7 من الدخل وحصل أفقر 20% علي نحو 8.6من الدخل، وحصل الخُمس الثاني من السكان علي 12.1% من الدخل وحصل الخُمس الثالث علي 15.4% من الدخل وحصل الخمس الرابع علي 20.4% من الدخل، وحصل الخمس الأعلي دخلاً علي 43.6% من الدخل وحصل أغني 10% من السكان علي 29.5% من الدخل.
وبمقارنة أرقام تلك البيانات مع نتائج المسح الذي تم إجراؤه عام 1991 سنجد أن الأغنياء أصبحوا أكثر غني والفقراء أصبحوا أشد فقرًا... حيث تتدهور الحصة النسبية للفقراء ومتوسطي الدخل من إجمالي الدخل القومي، بينما تتزايد حصة الشريحة الأشد ثراء بصورة واضحة علي حساب الطبقة الوسطي أساسًا،
إذ تشير الأرقام في عام 1991 إلي أن أفقر 10% من السكان حصلوا علي 3.9% من الدخل وحصل أفقر 20% علي 8.7% من الدخل وحصل الخمس الثاني من السكان علي 12.5% وحصل الخمس الثالث من السكان علي 16.3% وحصل الخمس الرابع من السكان علي 21.4% من الدخل وحصل الخمس الأعلي دخلاً علي 41.1% من الدخل، بينما كانت حصة أغني 10% من السكان علي نحو 26.7 من الدخل وذلك كله في عام 1991
وأكد التقرير أن البيانات الصادرة عن الحكومة لم تتضمن الدخول الضخمة المتحققة من خلال الفساد ونهب المال العام، وتلك المتحققة في الاقتصاد الأسود والمتولدة عن نشاطات الاتجار بالمخدرات والعملات والسلاح والآثار والأعمال المنافية للآداب، وغيرها من نشاطات الاقتصاد الأسود الذي يحصل كبار القائمين عليه وهم ينتمون إلي الطبقة العليا، علي الغالبية الساحقة من الدخول المتحققة فيه، وبالتالي فإنها تضاف للدخول الحقيقية لهذه الفئة وتزيد من حصتها من الدخل علي حساب الطبقتين الوسطي والفقيرة.
تحول المهمشون إلى قوة مدمرة
ويشير التقرير إلي أن الذين يشكلون نسبة أفقر 20% من السكان والتي يجمعها الفقر المدقع والبؤس والتعرض للاستغلال والقهر من قبل فئات أخري يعملون في الاقتصاد المشروع وغير المشروع.
ويقول إن هذه الطبقة التي تتعرض للتهميش طبقة غير منظمة ويمكن أن تتحول إلي قوة مدمرة في لحظات الاضطراب الاجتماعي لأنها ببساطة تعاني حرمانًا مروعًا، وتفتقد في الوقت نفسه الوحدة أو التنظيم السياسي الذي يمكن أن يضبط حركتها الاجتماعية وانفجاراتها عندما تحدث.
وأكد التقرير خطورة تلك الانفجارات العفوية المدمرة إلي أبعد الحدود التي يمكن أن يقوم بها هؤلاء المحرومون تعبيرًا عن غضبهم الهائل والمكبوت لسنوات طويلة من الفقر والتهميش والحرمان من أبسط حقوق المواطنة.
ويقول التقرير إن الآليات الرئيسية للإفقار والتهميش في مصر تتمثل في عدم عدالة النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والسيطرة المتزايدة لرأس المال علي الحكم في مصر وجمود الحد الأدني للأجور وفساد نظام الرواتب والأجور في مصر، وعدم اتساقه مع الزيادة الهائلة التي حدثت في تكاليف المعيشة مما جعل الملايين من صغار العاملين في جهاز الدولة والقطاع الخاص فقراء بالفعل.
تفاوت رهيب في الأجور
ويعلق أحمد النجار رئيس تحرير التقرير علي التفاوت الرهيب للأجور في مصر بقوله: إنه من العجيب أن تجد الرئيس بوش وهو أكبر موظف عام في العالم باعتباره رئيس أكبر دولة في العالم يحصل علي 400 ألف دولار في السنة بواقع 191 ألف جنيه في الشهر، في الوقت نفسه الذي نجد فيه بعض الموظفين العامين في مصر يتقاضون أجوراً تتخطي حاجز الثلاثة ملايين جنيه في الشهر!
ويهتم التقرير بمشكلة البطالة ومدي تأثيرها علي النظام الاجتماعي حيث يشير إلي أن كثيراً من الحوادث ترتبط مباشرة بالبطالة ومما ينجم عنها من فقر واعتماد علي الأسرة، وبما يرتبط بها من محسوبية وتمييز فج وغير أخلاقي بين أبناء الوطن حسب أصولهم الاجتماعية وعلاقات ذويهم بالمؤسسات العامة وبأصحاب النفوذ، وتبدو الصورة العامة للبطالة ومسبباتها ونتائجها مأساوية، من انتحار البعض يأساً من الحصول علي فرصة العمل، أو نتيجة حرمانهم من هذه الفرصة برغم تفوقهم بدعوي أنهم غير لائقين اجتماعياً.
ويركز التقرير علي خطورة تأثير تلك البطالة علي الشباب من دفعهم للانزواء والانطواء علي أنفسهم نتيجة شعورهم بفقدان الكرامة بسبب استمرارهم في الاعتماد علي أسرهم وانحدارهم معها إلي هوة الفقر.
تهديد لبنية الأسرة المصرية
وفضلاً عن ذلك فإن ذلك الوضع الاقتصادي المزري يهدد البنية المتماسكة للأسرة المصرية بسبب سعي البعض للاستحواذ علي الأصول المحدودة التي تملكها الأسرة، أو لجوء البعض للعنف السياسي أو الإرهاب.
ويشير التقرير إلي أن معدل البطالة ارتفع من مجرد 3% من قوة العمل المصرية في بداية ثمانينيات القرن العشرين ليصل إلي نحو 29% من قوة العمل في الوقت الراهن، وفقاً للتقديرات الموضوعية البعيدة عن البيانات الرسمية التي تتعمد تخفيض معدلها، حيث تشير بيانات الحكومة إلي أنها وصلت بداية 2005 إلي 10.6%.
وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إلي أن عدد العاطلين في مصر من الشباب تتراوح أعمارهم بين 15 و40 عاماً وهو يشكل نسبة 99% من العاطلين، وتتركز بشكل أساسي في الفئة الأكثر شباباً ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاماً، حيث يشكل العاطلون منهم وفقاً للبيانات الحكومية الرسمية نحو 88% من عدد العاطلين، كذلك فإن المتعلمين يشكلون نحو 93% من المتعطلين.
ويعد ارتفاع معدل البطالة تجسيداً لضعف معدل الاستثمار حيث إن الاستثمارات الجديدة وكذلك التوسع في الاستثمارات القائمة هما العامل الرئيسي في تحديد حركة التشغيل ومستوي البطالة في أي اقتصاد، كما يعبر ارتفاع معدل البطالة عن ضعف كفاءة الإدارة الاقتصادية الحكومية وعجزها عن ضمان تشغيل قوة العمل.
وينتهي التقرير في عرضه لمشكلة البطالة إلي أن الحكومة اعتمدت في مواجهتها للأزمة علي تقديم بيانات تخفف من حجم المشكلة بصورة وهمية، واعتمدت علي تهجير العمالة للخارج وعلي برامج التدريب المفتقدة للهدف، وعلي تكديس المزيد من البطالة المقنعة المعطلة للأعمال، والمخفضة للإنتاجية في الجهاز الحكومي وعلي تقديم بعض القروض الصغيرة دون رعاية للمقترضين ومشروعاتهم