عادل حمودة يكتب: علي من سيطلق الإخوان الرصاص؟

في الأربعاء ٢٧ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 


 
 

عادل حمودة يكتب:

علي من سيطلق الإخوان الرصاص؟

- فشلوا في قتل عبدالناصر ومبارك ..لكنهم نجحوا مع السادات

- ثروة حبيب العادلي: 23 شقة و11 فيللا في مارينا والسخنة وقصر في أكتوبر به حمام سباحة ضد الرصاص وشريك في قري سياحية ومراكز تجارية

 

لاتزال الشرطة في مأزق حرج.. يصعب عليها الخروج منه بمفردها.. لو تدخلت لفض ما يعكر صفو الأمن اتهمت بالتعسف والتجاوز.. ولو رفضت التدخل اتهمت بالتقصير والغياب.. تفتح الشباك أم تغلقه؟

وحالة الأمن غير مطمئنة مهما كانت التصريحات والتمنيات.. وكل مواطن يعود إلي بيته سليما يحمد الله علي أن اليوم مر علي خير.. فلا أحد يعرف شر المستخبي.. لكن.. شيوخ السلفية وقادة الإخوان وأمراء الجهاد يعرفون.. فهم مستفيدون من غياب القانون.. ويصرون علي إغفاله.. ويحكمون بعيدا عنه.

لقد قطعوا أذن قبطي في قنا فلم يحاسبهم أحد.. وسعوا إلي رجم امرأة في اسيوط فلم يوقفهم أحد.. وحرقوا كنيسة في أطفيح فلم يحقق أحد معهم.. بل استعان المجلس العسكري بشيخ منهم كي يرضيهم ويقنعهم بإعادة بناء الكنيسة علي حساب القوات المسلحة في نفس مكانها.. وكان ذلك اعترافا من أعلي سلطة في البلاد بشرعية حكمهم.. وتكرر ذلك فيما بعد كثيرا.

إنهم ليسوا أقوياء وإنما نحن ضعفاء.. هم لا يحكمون بأمر الله وإنما بأمرهم.. ولو كانوا قد خرجوا عن القانون فنحن لم نعاقبهم.. ولو كانوا قد تمادوا في أفعالهم إلي حد نصب سرادق عزاء علي شريط قطار الصعيد احتجاجا علي تعيين محافظ شرطي قبطي في قنا فنحن السبب.. فقد دللناهم.. وقدسناهم.. ووقرناهم.. وغفرنا ما تقدم من ذنبهم وما تأخر.. وسلمنا بسلطتهم وسلطانهم.. وعلينا أن نتحمل ما هو أكثر من ذلك.

وكل التنظيمات والتيارات الدينية تعيش حالة من النشوة والاستعلاء.. فكل الملفات التي كانت ترصد سوابقهم وخططهم ومؤامراتهم قد حرقت وفرمت.. وكل محاولات إعادتها تحتاج عمرا.. فالأمن أصبح بلا ذاكرة.. وكلما سعي لاستردادها ضربوه علي رأسه كي يفقد الوعي من جديد.

تنصل الإخوان من كلامهم المعسول عن حقوق المرأة ومساواة الأقباط ليقولوا علنا إنهم يسعون إلي تطبيق الحدود بعد امتلاك الأرض.. لم يحتملوا طويلا ترديد جمل كتبت لهم عن التسامح والرحمة وقبول الآخر وتداول السلطة ورفض الدولة الدينية وأخرجوا ما في صدورهم من طيور جارحة.

وفي غياب الدولة نصب أمراء الجماعات الإسلامية في الصعيد أنفسهم قضاة.. يفرقون بين المرء وزوجه.. ويحكمون في نزاعات حدود الأراضي.. ويحددون أرباح التجارة.. واسعار المحاصيل.. وقيمة دية القتل.

وانضم إلي الخارجين عن القانون بلطجية يسيطرون علي أحياء خلفية كاملة بالسنج.. وعصابات منظمة للسرقة والخطف.. وهؤلاء رغم شراستهم وقسوتهم هم أسهل من تتعامل الشرطة معهم.. وكثيرا ما وضعتهم في حجمهم.. وقبضت عليهم متلبسين بما ارتكبوا من جرائم.. فقد أعادوا طفلة مخطوفة إلي أهلها.. وقبضوا علي لصوص الآثار.. وأمسكوا بسارقي أموال جمرك بورسعيد.. في نجاحات متتالية تؤكد أن الأمن الجنائي سهل استرداده.. لكن.. الكارثة لاتزال في الأمن السياسي.

والحقيقة أن المشكلة ليست في الشيء وإنما في إدارته.. المشكلة ليست في السيارة وإنما في سائقها.. ليست في القلم وإنما فيمن يكتب به.. ليست في الشرطة وإنما فيمن كانوا يوظفونها لصالح النظام فساد ولصالحهم.. وكل حوادث المرور لم تلغ حاجتنا للسيارة.. وكل جرائم النشر لم تفرض علينا كسر القلم.. وكل تجاوزات وزراء الداخلية لم تنف حفاظنا علي أهمية الشرطة.

إن جريمة حبيب العادلي الكبري أنه أفسد جهازا عريقا في حماية الوطن والمواطن.. وهو ما أبقاه في مكانه أكثر من 13 سنة.. وهي مدة طويلة أخذ فيها نصيب 4 وزراء داخلية علي الأقل.

وفي مقابل الخدمات القذرة التي قدمها للنظام السابق راح يغرف وينهب ويكنز ثروات تجاوزات المليارات.. فحسب ما جمعت أجهزة رقابية من معلومات فإنه يمتلك ثلاث شقق في ميدان لبنان.. و20 شقة في الإسكندرية.. وجناحين في فورسيزونز سان ستيفانو.. وثماني فيللات في مارينا.. اثنان له وأربعة لأولاده واثنان لحارسه.. وقصر خرافي في مدينة 6 أكتوبر به حمام سباحة محصن بزجاج ضد الرصاص.. وفيللا في رأس سدر.. وأخري في العين السخنة.. وثالثة في طريق الواحات كان يستخدمها لنزواته الخاصة بعيدا عن العيون.. بجانب مشاركة في قري سياحية ومراكز تجارية.. دون أن ينسي تهريب أمواله إلي الخارج ليسجل لنفسه السبق في ذلك بين كل وزراء الداخلية.

ويجمع كل الذين عملوا معه علي أنه لم يكن ضابطا محترفا لكنه كان يفعل كل شيء من أجل المنصب.. وهناك شك في أن حادث الأقصر الذي جاء به وزيرا من تدبيره وهو مدير لجهاز أمن الدولة.. وهناك ما يشبه اليقين بأن تفجيرات الأزهر وحادث كنيسة القديسين في الإسكندرية مؤامرة دبرها للاستمرار في منصبه.. والإفراج عن المتهمين في هذه الجرائم دليل علي برائتهم منها.. لكن.. يفترض أن نحقق معه في هذه الجرائم الأخطر.

وطوال عمره الوزاري لم يدخل غرفة العمليات ولا مرة واحدة.. وعندما انفجرت مظاهرات 25 يناير تابعها من مبني أمن الدولة القريب من بيته في 6 أكتوبر.. وعندما اقترحوا عليه أن يخرج مبارك ليتحدث إلي الناس مبكرا قال من طرف أنفه : " إن لعبة الشطرنج لا يمكن أن تبدأ بنزول الملك للقتال".. وعندما انهارت الشرطة لجأ إلي وزارة الداخلية ليعرف المتظاهرون بوجوده فيأمر بإطلاق النار عليهم بدعوي حماية المبني من السقوط في أيديهم.. وتحت ستار الظلام حملته سيارة عسكرية مصفحة إلي المبني الرئيسي لأمن الدولة في مدينة نصر.

والمثير للدهشة أنه ظل بملابسه الكاملة في انتظار استدعائه لحلف اليمين أمام مبارك في وزارة أحمد شفيق.. إنه نوع من المجرمين يوصف بالسيكوباتي.. ضميره غائب.. لا يشعر بذنب ارتكبه.

ولم يكن منافسه حسن عبدالرحمن مدير مباحث أمن الدولة بأفضل منه.. فقد تطوع بتنفيذ تعليمات أحمد عز وسوزان مبارك بتزوير الانتخابات.. واكتفي بمباركة من حبيب العادلي.. وهي جريمة إضافية يجب محاسبته عليها.. فعل ذلك كي يكون وزير الداخلية القادم الذي يحلف اليمين أمام جمال مبارك.. وفي الوقت نفسه لم ينس نصيبه من الثروة.. شركات.. وعقارات.. ومضاربات في البورصة.. وسبائك ذهبية تحولت إلي كنز ينافس ما في مغارة علي بابا.

وبعد أن حلف محمود وجدي اليمين لم يتردد في اجتماع خاص بينه وبين مبارك أن يقول له : إن وزارة الداخلية التي يتسلمها لا تزيد عن أطلال وخرائب خالية من الجنود والضباط.. وعندما سأل مبارك عن قوات الأمن المركزي سمع منه : إنها قوات لم تكن لتزيد عن 100 ألف جندي لم يبق منها سوي أقل من الخمس.. أما الضباط الذين لا يزيد عددهم عن 63 ألف ضابط فلا وجود لهم في الوحدات والأقسام ومقار أمن الدولة.

وحاول الوزير الجديد أن يبيض وجه الشرطة بفلسفة جديدة تضعها في خدمة المواطن.. وكان أول ما فعل معرفة المتسببين في معركة "الجمل".. وكان تقريره الذي وصل إلي النائب العام السبب المباشر وراء القبض علي إبراهيم كامل وعائشة عبدالهادئ وماجد الشربيني وغيرهم.

وبعد أن نجح في أن يعيد تماسك رجاله كان هناك من يصر علي أن يهتزوا من جديد.. فقد كانت هناك جماعات بعينها تصر علي الفراغ الأمني.. كي تواصل تنفيذ ما تهدف إليه.. ورغم أنها نجحت في تهريب لواري ترحيلات وسيارات نصف نقل إلي منظمة حماس في غزة ومعها مساجين جري تحريرهم ببلدوزرات ومدافع مضادة للدبابات من السجون (حسب تقرير في وزارة الخارجية) فإن القوي المستفيدة من غياب الأمن واصلت هجومها علي مقار الشرطة.. خاصة أمن الدولة.. مستغلة كراهية الناس لها.. كي تحرق سجلات سوابقها الجنائية.. وتمسح من الذاكرة جرائمها السياسية.. دون أن تتذكر أن التاريخ شاهد إثبات مستمر إلي يوم القيامة. وقد قضت هذه القوي علي ما عرف بأخلاق الثورة.. فالوحدة الوطنية انقلبت إلي طائفية.. والتسامح تحول إلي تعصب.. والانضباط انفجر بالتسيب.. والشعور بالأمان تناثر شظايا من الخوف.. خوف من عصابات السطو المسلح علي الممتلكات.. وخوف من تنظيمات السطو الديني علي السلطة.. وخوف من جماعات السطو الأخلاقي علي الحياة الخاصة.

ويتصدر السلفيون مشاهد الرعب علي مسرح الدولة الدينية.. لكنا.. نعتقد أن الإخوان هم من يحركونهم من وراء الستار كي نستجير بهم.. ونتحمس لهم.. ونوليهم علينا.. ليكشفوا بعد أن تسقط ثمرة الحكم في حجرهم عن وجههم الحقيقي.. والتجربة ليست بعيدة عنا في غزة.

ونتحدي أن يكون الإخوان وعدوا بشيء ووفوا به.. أو تحالفوا مع غيرهم واستمروا معه.. فتاريخهم كله مؤامرات ومناورات.

لقد مد جمال عبد الناصر يده إليهم بعد ثورة يوليو وقرأ الفاتحة علي قبر حسن البنا وقدم المتهمون بقتله إلي المحاكمة وأدخل عناصر منهم في لجنة الدستور.. وأدخلهم الوزارة.. لكنهم أرادوا السلطة وحدهم.. فدبروا محاولة قتله.. لكن.. الرصاصات التي أطلقت عليه في المنشية أصابت أنور السادات في المنصة.. وكانت حياته جزاء إعادتهم للنور بعد عصور قضوها في عتمة السجون.. وتكرر السيناريو مع مبارك في سبع محاولات اغتيال مقابل عشرات القضايا ومئات المعتقلين.

وسيتكرر السيناريو نفسه مع السلطة القائمة.. ستكون خطط الاغتيال جاهزة لو لم يضعوا السلطة كاملة في جيوبهم.. هذه حقيقة وليست نبوءة.. لكن.. تري من سيكون الهدف القادم الذي يقلب السحر علي الساحر من جديد ؟.

وهم أكثر الجماعات استفادة من إصابة الأمن بالشلل.. فهم يتحركون بحرية.. ويجتمعون دون الحاجة للتخفي والسرية.. وتحرروا من ضغوط ما في ملفاتهم الأمنية.. إنها فترة الفراغ التي يجب أن يستغلوها كاملة وبأقصي سرعة قبل أن تسترد الدولة كيانها ويسترد الشعب وعيه.

لكن.. ثمن الفراغ فادح.. اقتصاد في غرفة الإنعاش.. شعور غائب بالأمان.. تصفية حسابات بسيل من البلاغات.. تفتيش في العقول والضمائر بكلمات جارحة لا أحد يحاسب عليها.

علي أن هناك من يعجبه ذلك ويصر عليه.. فهو يريد مصر كاملة في جيبه ولو كانت خرابة.. فهذه فرصته التي انتظرها طويلا ليقيم عليها إمارة.


اجمالي القراءات 5547