الشيخ والحلاوة

سامر إسلامبولي في الأربعاء ٠٢ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الشيخ والحلاوة
كان في قرية نائية عن المدينة شيخ محتال . استطاع أن يجمع حوله أكثر أهل القرية، مستغلاً حفظه للقرآن وصوته الجميل في تلاوته ، بجانب قيامه بإنشاء الابتهالات الدينية والإِشراف على حلقات الرقص المترافقة مع الذكر .
فكان في كل مساء من يوم الخميس يحيي حلقة الذكر ، ويأتي أهل القرية من كل حدب وصوب ليحضروا هذا العمل المبارك ، فمنهم من يكتفي بالمشاهدة وإمالة الرأس يميناً ويساراً ، ومنهم من يشارك في الحلقة قافزاً عن الأرض نصف متر ، ومخرجاً من فمه زفيرÇedil;ً يزعمون انه اسم الله عز وجل !! وإذا أصغيت لهذا الزفير تجده أقرب ما يكون لصوت حرف الهاء مضموماً ( هو ) .
واستمر الشيخ سعد الدين في نشر طريقته بين أهل القرية حتى صار له مريدين كُثر يأتمرون بأمره ، وينتهون بنهيه ، ويعتقدون بقدرته على شفاء المرضى ، ورد الغائب ، وفك السجين ، وزرع المحبة بين الزوجين ، وجعل العقيم ينجب أولاداً، إضافة إلى علم الغيب ، فهو قطب من الأقطاب!! .
والتحق بجوقة الشيخ ، الشاب مهران بعد أن أكمل نصف دينه بالزواج ، وأراد أن يتقرب إلى الله عز وجل ، فدخل إلى الشيخ في زاويته ، ووقف قبله بمترين وجثا على ركبتيه ، وزحف ، حتى وصل إلى حيث يقعد الشيخ ، فانحنى إلى يده وانهال عليها تقبيلاً ووضعاً على الجبين ..... فوضع الشيخ يده الأخرى على رأس مهران وقال : لقد تقبل الله منك خضوعك ، فادخل بسلام إنك من الآمنين .
وصار مهران من مريدي الشيخ يحافظ على حلقات الرقص الذكري إضافة إلى جلسات حقن العقل بالمفاهيم المنومة والتغييب عن الواقع .
وذات يوم اجتمع مهران مع أحد مريدي الشيخ في طريقه إلى حلقات الذكر فرآه حاملاً سلة بيض وفرخ دجاج .
فسأله لمن تحملهم وأنت ذاهب إلى الحلقة !؟.
فأجابه : إلى حضرة مولانا الشيخ .
فتعجب مهرا ن!! وسأل : لماذا ؟
فأجابه صاحبه : إنه لا يعمل شيئاً فمن أين يعيش !؟
وتابع قوله : لذا ينبغي علينا أن نتكفل بمعيشته وأهله حتى يتفرغ إلى عبادة الرب ويتفرغ لتربيتنا وتدريسنا .
فاندهش مهران ولم يدر ما يقول .
وتابعا الطريق إلى حلقة الذكر ، وانخرطا بها قافزين صاعدين نازلين مرددين هو – هو – هو !! حتى أصابهم التعب ، وشعر مهران بتيار من الغباء يسري في عقله ! فاستغرب هل هو تيار النشوة والمحبة واليقين أم فعلاً تيار من الغباء !! وقطع الشيخ سلسلة الفكر خشية من أن تتم قائلاً : أيها الأحبة رددوا معي يا لطيف عشرة آلاف مرة عسى أن يلطف بنا اللطيف ! يا لطيف – يا لطيف .
وضاعت جذوة الفكر مع جوقة يا لطيف ، وانطفأت .
وخرج مهران وهو حائر ضائع يشك في وجوده ، ويتساءل كيف أكون أنا هو ، وهو أنا !! إن قلت هو فأنا ، وإن قلت أنا فهو !! . وسار متثاقلاً إلى زوجه ، وصار اسمه في نفسه حيران أو حمران بدل مهران ، وعندما استقبلته زوجه نظر إليها وقال : أنت أنا ، وأنا أنت ، وهو أنا ، وأنا هو ، فأنت هو ، وهو أنت ، فنحن هو ، وهو نحن !! نظرت زوجه الشابة إليه باستغراب وقالت : باسم الله عليك ! ماذا أصابك يا زوجي العزيز ؟ فقال : باسم نفسي على نفسي ، ماذا أًصاب نفسي من نفسي !! أمسكت زوجه بيده وأدخلته إلى البيت وهي في حالة ذهول واضطراب مما أصاب عقل زوجها .
وأخبرت جارتها في اليوم الثاني عما حصل لزوجها فأشارت عليها بإخبار الشيخ بحالته حتى يعالجه .
وفعلاً جاء الشيخ ومعه بعض المريدين ، ودخل الشيخ إلى البيت ، وعندما رآه مهران قفز من السرير وأخذ يقبل يد الشيخ وينتحب وأجهش بالبكاء ، فربت الشيخ على رأسه وطلب منه الرجوع إلى مرقده ، ووقف الشيخ عند رأسه قائلاً : يا مهران !! لا تسأل عنه فهو حاضر في كل شيء ، ولا يغيب عنه شيء ، وقادر على كل شيء ، ومع كل شيء ، وهو شيء ليس كمثله شيء !! والأمر فوق العقل والفكر فليس لك إلا أن تؤمن به وتتبعني في كل ما أقول ، ولا تسألني عن الأمر حتى أخبرك به ، فإن فعلت ذلك فأنت ناج وسعيد ، وإياك ثم إياك من إعمال العقل والتفكير لأن ذلك من طريقة إبليس اللعين فإنه لمَّا أعمل عقله وقال : النار أفضل من التراب . وقع في المعصية وتكبر ، فطرده الله من رحمته ومن الجنة ولعنه إلى اليوم الدين . فإياك يا مهران !! من العقل والتفكير، ونفذ ما تسمعه دون سؤال أو نكير عندئذ ترتاح وتحصل على اليقين ، والآن نم قليلاً واسترح وتعال مساءً إلى جلسة العلم والدراسة . ودعا الشيخ له ، وأَمَّن المريدون خلفه .
واستمر مهران في حضور جلسات العلم اللدني ، وحلقات الرقص .
وذات يوم كان مهران حاضراً جلسة فقه عند الشيخ . فقال الشيخ له بعد أن رآه مضطرباً يتململ : ما الذي يشغل بالك يا مهران !؟
فأجاب مهران : مولاي الشيخ!! زوجتي حامل في شهرها الثاني وتتوحم على حلاوة بالسميد ، ولا أدري من أين أحصل عليها .
فقال الشيخ : الأمر بسيط يابني!! بعد أن ننتهي من الجلسة لا تذهب وانتظر إلى آخر المريدين .
وفعلاً انتظر مهران انصراف المريدين واحداً تلو الآخر ، ولم يبق إلا هو والشيخ .
فقال الشيخ : أتؤمن بصدق كلامي وأفعالي يا مهران ؟
فأجاب مهران : نعم يا مولاي !
الشيخ : أتشك في صحة قول أو فعل يصدر مني ؟
مهران : حاشاك من الخطأ أو الكذب يا مولاي !
الشيخ : ائتني بهذه القصعة التي بجانبك حتى أضع لك فيها حلاوة بالسميد فتأخذه إلى زوجك !؟
فقام مهران وناول القصعة للشيخ ووقف ينظر كيف سوف يأتي له بحلاوة السميد وهي غير موجودة . فلم ينتظر مهران كثيراً إلا وقد رأى الشيخ يضع القصعة تحته ويرفع جبته ويقعد عليها ، ثم سحب القصعة من تحته وناولها إلى مهران قائلاً : خذ الحلاوة إلى زوجتك بارك الله فيكما . فأخذ مهران القصعة وهو ينظر إلى الشيخ هل هو جاد فيما يقول !! ونظر إلى القصعة فرأى فيها مادة طرية تميل في لونها إلى لون السميد إذا تحمص على النار واقترب من صفة الحرق ، فرفع نظره إلى الشيخ باستغراب وذهول !!.
فقال الشيخ : ألا تؤمن بمقدرتي وصلاحي وولايتي !؟
فأجاب مهران : نعم يا مولاي لا شك بذلك .
فقال الشيخ : إذن قم واذهب لعند زوجك وأطعمها الحلاوة!.
فقام مهران وخرج من زاوية الشيخ ، وسار باتجاه بيته وهو يحمل القصعة . وفي الطريق بدأ يسترق بعض النظرات إلى القصعة فتصيبه قشعريرة وشك فيما تحتوي عليه القصعة ! فيستغفر الله عز وجل ويصرف بصره ويحاول أن يشغل عقله بشيء آخر ليلهيه عن الفضول والتساؤل !! ولكن هيهات أن يقف العقل عن التساؤل والفضول فيطلب من مهران أن يعاود النظر !! فلا يستجيب مهران لنداء العقل ويلجمه بقوله : هل ممكن أن يكذب الشيخ فلقد قال : إن في القصعة حلاوة . إذاً في القصعة حلاوة !! .
فيحاول العقل أن يجرب وسيلة أخرى . فيقول لمهران : لماذا لا تتذوقها وتقطع الشك باليقين ، أليست هي لك ولزوجك !؟
فَيُعجب مهران بهذا الرأي فهو لم يقلل أو يشك في صدق الشيخ أو مقدرته .
فيقوم بغمس سبابته في القصعة ، ويتناول ما فيها ويرفعه إلى فمه فتسبقه رائحة كريهة تدخل أنفه !! وهي رائحة يعرفها جيداً لا تخفى على أحد !! فيعاوده الشك ولكن سرعان ما يقول: وهل يعقل أن يكذب الشيخ !! فيقول العقل له : ليس لك من حل إلا أن تتذوقها ؟ فتقطع الشك باليقين .
فرفع مهران أصبعه الملطخ بما في القصعة ووضعها بسرعة في فمه وأطبق عليها وسحبها بأسرع مما ووضعها !! ويا للهول !!!! إنه بُراز الشيخ !! لقد تغوط في القصعة !! . ورمى القصعة من يده ، وأخذ يبصق ويبصق لا يدري أيبصق البراز من فمه أم يبصق على الشيخ !! .
وضحك العقل ساخراً منه وقال : تستحق ذلك!! لأنك لم تعقل وتفهم من النظر ولا من الشم حتى لعقت البراز !!
وتابع العقل حديثه موبخاً : لقد استغرقت المعرفة منك استخدام ثلاثة حواس(النظر والشم والتذوق)حتى استطعت أن تحكم على البراز أنه برازاً . فهنيئاً لك بالمثل الذي يقول :
ال......لا يصدق حتى يأكل ال.....!!!

اجمالي القراءات 14429