لنأخذ فسحة بعيدا عن الأحقاد والندم والألم، لنفرح قليلا ونفرج عن أنفسناولنتصالح مع ذواتنا ومع تراثنا !
حين أتحدث هنا عن التراث، فأنا أقصد جميل التراث من آدب وفن راق وموسيقى !
لم يجن سكان البلاد المفتوحة من طرف العرب تحت غطاء ديني سوى الدمار والخراب والعبودية ، لكن من سخرية الأقدار أو الرحمة الإلاهية أو قدرة الإنسان على التحمل وقطف جميل الأزهار من بين الأشواك، فإن الشعوب استطاعت التعايش مع الألم واستطاعت استخراج عبق الأزهار من وسط دخان الحرائق!
بعد خروج العرب من الأندلس ، لم يخرجوا خاليي الوفاض، ونحن هنا لانتحدث عما جناه خلفاء بني العباس من أموال طائلة ولكن عن الاحتكاك الثقافي مع الآخر والذي جعل من بلد كالمغرب نموذجا للتعايش مع مختلف الأديان والثقافات !
ثقافة الفايسبوك واليوتيوب وsocial media ، أنستنا إنسانيتنا، وجعلت منا أناسا يبحثون عن القبيح لنقده ، نبحث عن الفضائح والفظائع كي نرضي فضولنا للمعرفة، ولكن أية معرفة ؟
لم تعد أخبار العالم تحمل الفرح، بل أصبحنا نعيش في عالم انعدم فيه الأمن والأمان، وأصبحت فرصة وفاة أحدنا في انفجار أو دهس حافلة يقودها إرهابي ، أكثر احتمالا من وفاتنا بالأمراض أو الأوبئة أو الزلازل والبراكين.
من منا لايفتح هاتفه المحمول لتصفح صفحته على الفايس بوك بمجرد استيقاظه، وعوض فتح جريدة وارتشاف فنجان قهوة على أنغام الموسيقى، أصبح عالمنا أسود باردا ، نتعامل فيه مع الآلات أكثر من الإنسان! أصبحت جلودنا وأصابعنا باردة، وعوض الإحساس بحرارة الإنسان، أصبحت ملامسة زجاج الهواتف طريقنا إلى الشعور بأننا نتواصل مع العالم !
ويالوحدتنا وراء الزجاج!
ويالحزننا وخيبة أملنا!
ويالنسياننا لإنسانيتنا !
ولكن كي لا يشطح بي الفكر وأبتعد عن موضوعي، أود تقديم نموذج بسيط من الفرح والسعادة والتعايش والحب ،في نموذج فني رائع، قد لاتجده إلا في الثقافة المغربية أو المغاربية !
طبعا، استطاعت الكثير من الشعوب اليوم الالتقاء ببعضها ومزج فنونها للتعبير عن التآخي والتآزر الانساني، حيث تجد مغنية مثل داليدا تغني بالعربية كما قد تجد فرقة فلسطينية تغني مع فرقة أوروبية ، وهذا شيء جميل جدا ويثري ثقافة الطرفين! ولكن أجمل مزيج حضاري وثقافي وفني تلقائي قد لا تجده إلا في المغرب ، وذلك منذ أن طرد العرب من الأندلس ! ففي حين قضت الحروب الطائفية وهوس دولة الخلافة وكذا الأصولية الدينية على التعدد الثقافي في المشرق،استطاع المغرب أن يمزج في تناسق غير مسبوق ثقافة التعايش بين اليهودي والمسيحي والمسلم ! حيث استطاعت الشعوب بناء ثقافتها السمحة المتسامحة بعيدا عن الخلافات السياسية والدينية !
ومن بين أجمل النماذج في المغرب ، الأغنية .
حيث أنك تجد جوقا نسائيا بامتياز ، وذلك ناتج طبعا عن التفريق بين النساء والرجال في المجالس ، كنتاج للفكر والتراث الإسلامي ( ولكن هذا أبدا لايعيب ولم يعب التراث والاغنية المغربية، بل طور مواهب نساء كثيرات وأعطى حلاوة وحرية وانطلاقة للنساء في التعبير بحرية بعيدا عن مجتمع الرجال ، بل إن هذا البعد اضطرهن لتعلم التعامل مع كل أنواع الآلات الموسيقية مستغنيات في ذلك عن حضور الرجال بشكل نهائي ).
لكن الأجمل من هذا كله ، هو التعدد الثقافي الذي مزج الفن العربي الإسلامي بجمال الأغنية العبرية اليهودية والرقص الأندلسي الرائع وكذا اللغة الاسبانية بحضور مسيحي جميل ! هو ذا تراثنا الذي احب الاعتزاز والفخر به بعيدا عن اي شوفينية او تطرف او تعصب ! ومع اجتماع هذا كله ، تجد رابطا مشتركا بين كل النساء، لباس مغربي محتشم ينم عن أناقة المرأة وجمالها دون السقوط في الابتذال والسوقية ! بل انك تحس بنظرات الفرح والنشوة والانطلاق بكل اللغات ، دون خدش للحياء أو تعبير لا يليق !
طبعا يبقى هذا الكلام حبرا على ورق ، ولكنني أرجو من القارئ، أن يطلع على هذا الفيديو لجوق نسائي مغربي، يجمع المسلمة باليهودية والمسيحية في تجانس رائع لن تجد له مثيلا إلا في بلد كهاته ! وطبعا لم يغب عن هذا الحضور الجميل المرأة الصحراوية، ذات اللباس الصحراوي المتميز الذي يغطي الجسد كله بشكل لاتحس فيه المرأة بانتماء عرقي او ديني ، بل فقط الى منطقة صحراوية في جنوب المغرب تجبر نساءها على ارتداء هذا اللباس التقليدي الذي يحمي رأسها وسائر جسدها من لفحات الشمس ورمال الصحراء ، تماما كما يرتدي رجالها العمائم والعباءات .
ولأن من سمع او قرأ ليس كمن رأى، فإني اقترح على القارئ هذه الوصلة النسائية الموسيقية التي تبدأ بموال يهودي لتنتهي بأهازيج صحراوية ورقصات اندلسية مع لهجة مغربية عربية ولباس مغربي أصيل !
رجاء إتمام الفيديو للأخر كي تستطيعوا الحكم !
يخطئ الكثيرون في حكمهم على المغاربة على أنهم شعب غير ملتزم بمفهوم الالتزام الشرقي طبعا، ولكن الالتزام على الطريقة المغربية كان دوما أخلاقيا أكثر منه دينيا ، حيث يتعايش اليهودي مع المسلم والمسيحي ، حيث يمكنك أكل الكسكس يوم الجمعة بعد الصلاة ولعب الاوراق مع المسيحي في السبت واقتسام غذاء اليهودي في شباط ! ولكل دينه وعقيدته ! لكنهم يشتركون جميعا في نفس اللباس ونفس التقاليد إلا ماهو مرتبط بدين كل واحد على حدة!
لم يهاجر اليهود المغاربة بنفس الحدة بعد وعد بلفور بل بقوا في وطنهم الأم، لأن كرامتهم ظلت مصانة وحقوقهم محفوظة كأشقاء للمسلمين و بمنطق لكم دينكم ولي دين! ولكن للأسف وبسبب ظهور بعض التيارات الاسلاموية الوهابية، اصبحت تدخل على المغاربة تقاليد خليجية غريبة قد تطمس هوية هذا التعدد الثقافي الرائع إذا لم ينتبه المغاربة ويحذروا من أخطبوط الوهابية السام !
قراءة وفرجة ممتعة أتمناهالكم ، ورجاء ، اتموا الفيديو إلى لآخر !
قد تختلف أذواقنا لكننا لايمكن إلا أن نشعر بالارتياح لرؤية الفرحة والابتسامة على وجوه هؤلاء النساء وهن يرقصن ويغنين بكل البهجة والفرح في غياب أي عنصر ذكوري !
https://m.youtube.com/watch?v=PXaglB3HJsE