نماذج من النشر فىجريدة ( الأحرار ) ضد الوهابية ( 3 من 3 )
كتاب : نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية. ج 2 الوهابية
الباب السادس : جهادنا ضد الوهابية
الفصل التمهيدى : النشر فى الأحرار : نماذج من مقالات ضد الوهابية ( 3 من 3 )
مقدمة : كل إنسان مسالم فهو مسلم طبقا للاسلام السلوكى ، وإختياره فى الدين هو شأن شخصى له وحسابه وحسابنا عند ربنا يوم الدين . وأى دولة لم تعتد على المؤمنين ولم تُخرجهم من ديارهم يجب فى شرع الرحمن البّرُّ اليهم والقسط فى معاملتهم . أما فى دين الشيطان الوهابى فكل من ليس وهابيا هو عدو ، تحرم مودته ويجب قتله أو قتاله . لا فارق إذا كان شيعيا أو صوفيا أو قبطيا فى الداخل، أو أوربيا أو أمريكيا أو بوذيا فى الخارج . كتبت فى الأحرار أهاجم هذه الشريعة ، ولكن التحالف بين الوهابية والعسكر نشر ثقافة التعصب ضد الأقباط فى الداخل . أنشر هنا نموذجين عن هموم الأقباط فى مصر التى حملتها ولا زلت ، فى إطار الانتماء الى المستضعفين فى الأرض .
أولا : (1 ) :
( جريدة الاحرار فى 26 اكتوبر1992 ) ( قال الراوى : الكراهية المقدسة!! )
( هو صديقى لأنه صادق فى تعبيره عن مشاعره أمامى ، وصديقى هذا مغرم بالدين المغشوش وكاره معرض عن الدين الصحيح ، هذا مع أنه يحمل بطاقة تقول أنه مسلم الديانة، ويتعامل مع الناس على أنه من زعماء الاسلام فى هذا الوقت البائس . صديقى فى تدينه المغشوش يؤمن بوجوب التبرؤ من الأقباط ويعتقد أن موالاتهم كفر، وأن التودد اليهم معصية ، وأنه يجب مضايقتهم فى الطرقات وايذاؤهم فى الحارات ، وانهم يستحقون قطع الرقبة ، ويتمنى أن تقوم الدولة الدينية لتحقق له مايتمناه ومايعتبره الإسلام .
وحقيقة الأمر أن صديقى هذا لايكره الأقباط فحسب ، وانما يكره الإسلام الحقيقى الذى أنزله الله تعالى فى القرآن والذى طبقه خاتم النبيين ـ عليه السلام . ومشكلة صديقى أنه يؤمن بأحاديث مزورة تمت صياغتها فى عصور التعصب ، وهى تخالف صحيح الاسلام ، ومشكلة صديقى ـ أيضا ـ أنه يعطى عقله أجازة مفتوحة وهو يستمع الى دعاة الفتنة فى أجهزة الاعلام عن الموالاة والتبرؤ فى التعامل مع أهل الكتاب ..
أن الموالاة تعنى فى حديث القرآن أن تكون (مع) المؤمنين (ضد) الكافرين فى حالة اعتداء الكافرين على المؤمنين فى ديارهم ، وفى حالة اضطهاد أخيك فى الايمان ينبغى أن تقف الى جانبه تواليه ضد من يعتدى عليه . وهكذا نزلت أيات التبرؤ ضمن موضوعات القتال. وهم يسيئون ـ عن جهل أو عن عمد ـ فهم آيات القتال فى القرآن الكريم ، ومعروف أن القتال فى الاسلام هو للدفاع وليس للاعتداء، يقول تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة ) . ومن المنطقى أن الذى يعتدى على أخى فى دينى فانه ينبغى على أن أدافع عنه وأن أواليه وأن أقف الى جانبه ضد ذلك المعتدى ، وذلك هو معنى الموالاة والتبرؤ فى صحيح الاسلام. وفى ذلك الموضوع نزلت سورة بأكملها هى سورة "الممتحنة" ، والواضح من السياق فيها أن بعض المؤمنين بعد الهجرة كان يحتفظ بعلاقات مع مشركى قريش الذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم وأموالهم والذين دأبوا على اضطهادهم حين كانوا فى مكة ثم واصلوا حربهم بعد أن هاجروا للمدينة . ولذلك بدأت السورة بالنهى عن موالاة أولئك الأعداء وتذكر السبب ، تقول :"( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) ) أى أخرجوكم لأنكم تؤمنون بالله تعالى ربكم ، ثم تتحدث السورة الكريمة عن صنف من المشركين لم يقاتل المؤمنين ولم يسهم فى طردهم من ديارهم ولم يتحالف مع أعدائهم ويأمر القرآن المؤمنين بأن يكونوا أبرارا معهم ، يقول تعالى "( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) ) . ثم تؤكد الأية التالية على أن التبرؤ إنما يكون من أولئك المعتدين فقط": (إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة ) . وذلك يعنى بوضوح أن القرآن يأمر بالمودة مع المخالف فى العقيدة طالما كان مسالما لم يصدر منه اعتداء، بل أن القرآن يأمر بالصفح الجميل عنهم "( وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) الحجر ) . والصفح الجميل يعنى أنهم إذا أساءوا اساءة لاتدخل فى اطار القتال والطرد من الديار فعليك أن تصفح عنهم ، ويقول تعالى يؤكد نفس المعنى : (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) الزخرف ) . ويقول تعالى يأمرنا بأن نغفر لهم ونترك الحكم لله تعالى يوم الدين : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) ) الجاثية ).
وقد كان النبى والمؤمنون فى مكة يصبرون على الأذى ويغفرون لأعدائهم، فلما أصبح الأذى طردا وقتالا تحتم عليهم أن يردوا الاعتداء بمثله وأن يأتى النهى بعدم موالاة أولئك المعتدين .والأقباط فى مصر لم يضطهدوا أحدا فى دينه ، ولم يقع منهم اعتداء علينا، بل أنهم أكثر من تعرض للاضطهاد فى عهد(كراكلا) و(دقلديانوس) فى العصر البيزنطى ، ثم فى عصور التخلف والتعصب نالوا الاضطهاد من بعض الولاة العرب وغيرهم.
ولاينبغى أن تقترن ( الصحوة الاسلامية ) التى نتحدث عنها بعودة التعصب الدينى ومفاهيم القرون الوسطى المظلمة. إن الصحوة الحقيقية هى فى العودة للإسلام الحقيقى الذى عرفه الرسول ـ عليه السلام . إن الصحوة الحقيقية هى أن نفهم قوله تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) المائدة ). فالنصارى هم الأقرب مودة للذين آمنوا . ولذلك كان بعضهم من القسيسين والرهبان يعرفون الحق ويعترفون به. والصحوة الحقيقية هى أن تعود سماحة الإسلام الأولى التى عرفها عصر الرسول عليه السلام حين كان يفرح النبى وأصحابه بانتصار الروم النصارى على الفرس المجوس ، وحين كانوا يحزنون اذا انتصر الفرس على الروم ، وينزل القرآن يبشر المؤمنين بأن الروم النصارى سينتصرون بعد هزيمتهم بعد بضع سنين : (غُلِبَتْ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) الروم ) .
ان الصحوة الاسلامية الحقيقية لامكان فيها للتعصب أو الكراهية المقدسة ..
وصديقى صاحب التدين المغشوش يكره الاسلام قبل أن يكره الاقباط .
انتهى المقال ، ولم ينته إضطهاد الأقباط
(2 ) :
( جريدة الاحرار ـ الصفحة الثانية ـ بتاريخ : 17/5/1993 ) ( قال الراوى : آه يازمن ..!! )
( مررت فى طريقى باحدى الكنائس وقد تجمع حولها الأطفال فى سعادة مع ذويهم وهم يحملون سعف النخيل ، وجدت فى وجوههم ملامح اولادى، نفس القسمات ونفس التقاطيع ، ولا تستطيع ان رأيت هؤلاء فى مكان أن تعرف ان كانوا مسلمين أو نصارى ، هم مصريون فحسب ومنظر الاطفال فى هذا الاحتفال لايختلف عن منظر باقى الاطفال فى أى احتفال آخر، سواء كان عيد الفطر او عيد الشعانين او شم النسيم ، اطفال فى حالة بهجة، ومنظرهم يبعث على السعادة لولا .. وآه من لولا هذه .. لولا أن أحاط بأولئك الاطفال فرقة من الامن المركزى تحميهم .. !! الى هذا الحد ؟ .أطفال مصريون ابرياء يحتفلون بعيدهم فى حراسة البوليس خوفا من اعتداء – مصريين آخرين عليهم ؟.
آه يازمن !! أى زمن هذا الذى نعيشه ؟ .
ان الله تعالى قد بعث خاتم النبيين رحمة للعالمين فهل يرضى الذى أرسله الله رحمة للعالمين ـ عن افعال اولئك الذين يرهبون الآمنين ويقتلون المسالمين ؟ بالطبع أنه سيتبرأ منهم يوم القيامة ويشهد عليهم وعلى غيرهم ممن هجر القرآن : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان ). هم مجرمون أعداء خاتم النبيين ، لأنهم لو اتبعوا القرآن وآمنوا به ما وقعوا فى براثن التعصب والتطرف والارهاب وسفك الدماء. ومنذ أشهر قاموا بتفجير اتوبيس يحمل مصريين من الاقباط ، كانوا فى رحلة دينية ، قتلوا اخوة لهم فى الوطن ، دون أن يعرفوا لأحدهم اسماء ، واكتفوا بالقتل على الهوية الدينية ، أى يكفى أن يكونوا أقباطا ليستحلوا دماءهم ولينهبوا ممتلكاتهم ثم ينسبون أنفسهم الى الإسلام العظيم ، فيضيفون الى جرائمهم اثما أعظم وأفظع حين ينسبون جرائمهم الى الإسلام ، والاسلام منهم ومن أفعالهم برىء ..
إن القضية لم تعد تحتمل التأجيل والتسويف وانصاف الحلول وسياسات التوازن والحلول الوسط والتراخى وبيانات الشجب والاستنكار ومؤتمرات العناق والابتسامات العريضة .إن تلك السياسة هى التى اوصلت الوطن الى هذه الحالة ، حالة أن يقوم الامن المركزى بحراسة أطفال مصريين أمام دار عبادتهم وتتخيل نفسك أخى المسلم وأنت لا تأمن على أطفالك امام المسجد أو وهم معك فى زيارة للحسين أو السيد البدوى أو اى مكان آخر هل يطيب لك العيش فى بلد لا تأمن فيه على نفسك واولادك ؟.. وهل من العدل الذى أمر به رب العزة أن يعيش الانسان المسالم فى رعب لمجرد أن له دينا يخالف دينك ؟ .
واذا كانت مشيئة الرحمن جل وعلا قد اقتضت أن يكون الناس مختلفين فى العقائد : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ (119) هود ) " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم . " فان مشيئته جل وعلا اقتضت ايضا ان تؤجل الحكم بينهم الى يوم القيامة الذى هو يوم الدين ، فالله تعالى لم يعط أحدا من البشر ـ حتى الأنبياء ـ سلطة الإكراه فى الدين أو معاقبة من ينحرف عن الدين الحق ، بل أمر خاتم النبيين بأن يترك خصومه فى العقيدة على عقيدتهم وننتظر الحكم فى الدين يوم الدين : ( وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود ) .هذا هو الحق وهذا هو الاسلام .وسنة الرسول عليه السلام كانت التطبيق العملى لاوامر القرآن. ولكن مالبث الزيف أ ن لحق بتراث المسلمين وابتدعوا نوعية من التدين فيها التعصب والتطرف والارهاب ..
ومقولات التطرف يدافع عنها الشيوخ الذين تحتضنهم الدولة وتجعل فى أيديهم السيطرة على الفكر الدينى والاعلام، ويأتى شاب قد قرر أن يتدين فيقرأ و يستمع الى أجهزة الاعلام فيتحول التدين عنده الى تطرف وتعصب ، ثم ينهض للجهاد فيقتل الابرياء، إذ تقرر لديه أن المجتمع كله كافر يستحق القتل .. وكالعادة تهرول اجهزة الدولة تعتقل وتعقد المؤتمرات ويصدر المشايخ بيانات تتحدث عن سماحة الاسلام وتزين صورهم وابتساماتهم صفحات الجرائد .. ونظل نضحك على بعضنا وتيار التطرف والارهاب يتقدم ويتقدم وينذر بتفجير الوطن كله ، لإن سموم التطرف لاتزال كما هى فى كتب التراث تحظى بتقديس المشايخ وحماية الدولة ، والاعتقاد فى تآمر الغرب خارجى . )
إنتهى المقال ، ولم تنته مذابح الأقباط .!!
ثانيا :
من مظاهر التحالف بين العسكر والوهابية تعاونهما على الإثم والعدوان ، وفيما يخص موضوعنا توجيه الكراهية والاحباط والغضب الى الغرب ، بدلا من أن يتجه نحو الفاعل الأصلى ، وهو المستبد . الوهابية تجعل من دينها كراهية الغرب ، وهذا يخدم المستبد . كتبنا فى مكافحة نظرية التآمر الخارجى مقالات كثيرة فى الأحرار ، وغيرها . منها هذا المقال الذى نشرته جريدة الأحرار بتاريخ ( 30 /5/ 1994 )
( قال الراوي : وسواس قهري )
( قال لى: إن الغرب لن يكف عن محاربة الإسلام وهو السبب فى كل المصائب حولنا . قلت له: لعلك تقصد أن الغرب يحارب المسلمين .
قال: وما الفرق بين الإسلام والمسلمين؟
قلت له : الفرق هائل بين الإسلام والمسلمين ، وإذا أردت الحقيقة فإن المسلمين هم الذين حاربوا الإسلام حين نسبوا للرسول عليه السلام ما لم يقل ، وحين حولوا الإسلام القائم على التوحيد الخالص إلى تقديس للبشر والأضرحة والأسفار والكتب ، وحين حولوا الإسلام القائم على التسامح والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة إلى تطرف وتعصب وسفك للدماء . قال: إن مؤامرات الغرب هى التى أوقعت الفرقة والإختلاف بين المسلمين .
قلت: أين كان الغرب حين إقتتل المسلمون فى الفتنة الكبرى ؟ وهل الغرب هو الذى قسّم المسلمين إلى سنة وشيعة ؟ وهل هو الذى قسمهم إلى مذاهب وطوائف فى العصر العباسى ؟ إننا فى عصرنا الحديث توارثنا كل تلك الإختلافات ونقتل أنفسنا كما كان أسلافنا يفعلون . قال: ولكن الغرب يخشى من الصحوة الإسلامية ولذلك يتآمر عليها..
قلت : إن الصحوة المزعومة تحقق للغرب كل مايريده ، إنها تريد الرجوع بالمسلمين إلى الوراء وظلام القرون الوسطى حيث ساد الإستبداد باسم الدين وحيث سيطر الظلم الإجتماعى .. بينما يتحرك العالم كله نحو التقدم وحقوق الإنسان .
قال : إن أسس التقدم وحقوق الإنسان فى الإسلام قبل أن يعرفها الغرب .
قلت له : أنت صادق فى هذا ، ولكن المسلمين حولوا دعوة الإسلام للسير والبحث فى نشأة الأرض إلى خرافات ، وحولوا دعوة الإسلام للحرية والكرامة إلى استبداد ، واخترعوا لذلك نصوصا دينية نشرتها حركة الصحوة المزعومة على أنها الإسلام .
قال : ولكن الغرب يحارب الصحوة الإسلامية لأنها فى النهاية تحمل إسم الإسلام .
قلت ولماذا يهتم الغرب بحربنا ؟ إن الغرب الآن لا وقت عنده لشعوب تجر نفسها للماضى وتنسحب من الحاضر ولاتفكر بتاتا فى المستقبل ، إننا لازلنا نختلف فى حكم التعامل مع البنوك، وصفات الخليفة هل هو من قريش أو من الصعيد ، ولازلنا نحتكم فى خلافاتنا إلى ما قاله الأئمة السابقون مع أنهم إجتهدوا لعصرهم واختلفوا فى عصرهم ، إن الغرب الآن مشغول عنا بالشعوب الناهضة في آسيا ، تلك الشعوب التي تستعد لمنافسة الإنتاج الغربى فى القرن الحادى والعشرين ،أما نحن فقد آثرنا أن نخرج من السباق مبكرا ونهجر الثورة المعلوماتية وتراكم المعلومات والإكتشافات التى تتضخم كل دقيقة ، تركنا ذلك كله للبحث عن فتاوى السابقين وتراثهم الذى لم يعد يصلح لعصرنا .
قال : ولكن تاريخ الغرب يثبت تآمره وحروبه الصليبية ضدنا ..
قلت : هذا كان يحدث حين كنا عنصرا مؤثرا فى العالم .. أما العصر الحديث فلم يهتم بنا الغرب إلا حين أقام محمد على فى مصر الدولة الحديثة على الأسس الغربية وسعى لتوحيد مصر والشام وتطوير الدولة العثمانية، فتعاونت أوربا على إرجاعه إلى مصر وقضت على مشروعه. أما الآن فإن الغرب لايهتم حتى بالقضاء علينا لأننا نفعل ذلك فى أنفسنا بالنيابة عنه .. وحتى اسرائيل التى كنا نجهز أنفسنا للتسابق الحضارى معها، أصبحنا نتسول منها السلام والتطبيع، ثم نقول إن الغرب لايكف عن حرب الإسلام وإن الغرب فى ذعر شديد بسبب الصحوة الإسلامية .. إننا فى الحقيقة مرضى بالوسواس القهري .. والحل الوحيد أن نرجع إلى القرآن الأصل الحقيقى للإسلام وهو سنة الرسول عليه السلام ففيه الشفاء والعلاج.
وإنتفض واقفا غاضبا يقول لنفسه بصوت عال : إن الغرب لن يكف عن محاربة الإسلام .. إن الغرب .. إن الغرب .. إن الغرب .. الغرب ...
ودعوت له ـ مخلصا ـ بالشفاء .).
إنتهى المقال ، ولا يزال الوسواس القهرى مشتعلا .