نشأ الفتى وحيداً لأمه، حصل من خلالها على العطف والحنان، والمال الوفير، لم يذق طعم الجوع أو مرارة العيش، فرغ حياته لإسعاد أمه وزوجته، ومرت عليه ثورة الشعب يوم الـ 25 من يناير عام 2011م، واستخف بالثائرين على الظلم، والإستبداد، والفساد، فهو لا يرى ما يرون، ولا يشعر بما يشعرون، ومرت الشهور حتى جاء يوم 3 يوليو 2013م، فوجد أن الأمور قد عادت إلى نصابها، وأن الثائرين كانوا هم البغاة.
حتى جاء يوم وقعت أُمهُ المصابة بهشاشة في العظام على الأرض، فأصيب بكسر في منطقة الحوض، وهي السيدة المُسنة، فظلت تصرخ إلى أن ذهبت لمشفى بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة، حيث يقطنون، ويطلب الفتى من الأطباء سرعة التصرف لوقف آلامها، فيخبروه أنهم قد أعطوها نسبة عالية من الأدوية المخدرة، إلا أن آلام الكسر أكبر من المخدرات، ولابد من إجراء عملية جراحية عاجلة في صباح اليوم التالي، وهذا لن يتوفر إلا بمشفى معين بمدينة السادس من اكتوبر، تبعد عن المشفى التي بها أمه مسافة 45 كيلومتر، فلم يتردد الفتى، وطلب سيارة إسعاف لنقل أمه، التي كانت تصرخ من شدة الآلام، وإستبشر الفتى خيراً، لأن نقل أمه لن يستغرق وقتاً طويلاً فالساعة كانت الثالثة بعد منتصف الليل، أي ستكون طرق وشوارع القاهرة خالية.
ويستقل الفتى سيارة الإسعاف مع أمه التي لا زالت تصرخ من الألم، وبعد تحرك السيارة ومرورها فوق أول مطب صناعي تزداد صرخات الأم، وتطلب من السائق القيادة بهدوء، وينفعل الفتى على السائق، فيخبره أنه مطب صناعي، ثم تستكمل السيارة سيرها، لكن المرأة تصرخ بشكل أكبر، فيخبرها السائق أن الأسفلت تالف، وليس الذنب ذنبه.
فيطلب الفتى من السائق التوقف ليقود هو السيارة، فإذا بها تصرخ أكثر، وتطلب الرحمة من إبنها، كانت المرأة تشعر كما لو أن احداً يقصم جسدها شطرين بسكين تالفة !، بيد أن الفتى حاول تلافي تلفيات الطريق بقدر المستطاع، لكنها لا تتحمل الالم، فيتوقف الفتى ليعود سائق الإسعاف إلى موقع القيادة مرة أخرى، ولازالت الأم تصرخ بسبب سوء الطريق.
ظل الفتى يحث أمه على الصبر، فقد قاربوا الوصول، إلا أن صراخها ظل يزداد، حتى وصلت السيارة للمشفى، لكن الأم صمتت، وتوقف صراخها، فشدة الآلام جعلتها تفارق الحياة.
حزن الفتى على ما أصاب أمه، وأقبل عليه سائق الإسعاف يلتمس منه العذر، فالطرق تالفة والمطبات الصناعية كثيرة، وأنه لم يقصد أبداً إيلام أمه، التي ماتت من الألم.
حتى جاء يوم مر فيه الفتى على مظاهرة عابرة، فنزل من سيارته ليلحق بها، فسألته زوجته إلى أين أنت ذاهب، فيجيبها : ذاهب لأسترد حق أمي.
شادي طلعت