رقم 36
عن المنتظم ج 7 / 180
فقيه جدع وابن حلال
ابن جدعان أو ( ابن أبى مليكة )
هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان التيمي القرشى المتوفى عام 117
كان ابن جدعان هذا مشهورا بالكرم و الثروة ، ( وكانت له جفنة مباحة ) أى كان يفتح بيته لاطعام الناس ( فلما أسن ) أى أصابته الشيخوخة ( حجر عليها رهطه) أى قام أهله بالحجر عليه ( فإذا أعطى رجعوا على المعطي فأخذوه ) أى فاذا أعطى مالا لأحد أخذوا المال ممن أعطاه له. ( فكان إذا جاءه سائل قال له: كن مني قريبًا حتى ألطمك ولا ترضى مني إلا أن تلطمني أوتفدي بلطمتك بفداء رغيب. فلما أعلم أهله بذلك خلوا بينه وبين ماله. ) أى كان يلطم السائل ليعطيه عوضا ـ فيلتزم أهله بدفع العوض للسائل. وأفلحت الحيلة فرفع أهله الحجر عنه.
وكان ابن جدعان يقول:
إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي ** وهاب ما ملكت كفاي من مال
لا أحبس المال إلا حيث أتلفه ** ولا يغيرني حال على حال
هذا الفقيه الكريم يلمس بشعره ناحية انسانية خاصة عاشها ، وهى فى الحقيقة اختبار صعب ربما لا ينجح فيه أكثرية من يصبح غنيا بعد فقر ... وهى ببساطة : هل يمكن للثروة أن تغير الانسان ؟ الشاعر هنا يفخر بأن المال لا يغير أخلاقه ، وإنه يظل ( يتلف المال ) أى ينفقه على الاخرين فى السراء والضراء وفى كل حال .
وهناك مثل انجليزى يقول ( الثروة لا تغير الانسان ، وانما تظهره على حقيقته ) وهو مثل يستحق التفكير، وينطبق على هذا الشاعر الجواد . فالمال الكثير لديه لم يغيره، و حين حجروا عليه وأصبح فقيرا فكر فى حيلة ليعطى بها من يسأله صدقة.
ومن الأسف أن هذه النماذج المضيئة فى تاريخنا تقبع بين سطور التاريخ ـ و تحتاج الى بحث جهيد لاظهارها ـ بينما يتمتع الكذابون و المفترون والأفاكون والأفاقون والمجرمون و قطّاع الطرق وأرباب السوابق بعناوين كبرى فى تاريخنا ، و تسبقهم ألقاب فخمة مثل ( الخليفة ) و ( السلطان ) و ( الملك ) و( الأمير ) و ( الشريف ) و( الامام ) و( الحافظ ) و( الحجة ) و( المفتى ) ..و ( شيخ الاسلام ) ..!!
التعليق متروك للقراء