الجزائر- حوار: ياسمين صلاح الدين - خاص
1
نتالي ستينا خبيرة فرنسية في الأمن القومي، مختصة في دراسة مكافحة الإرهاب. تعمل في المركز الفرنسي للدراسات الاستخباراتية. وحاصلة على الدكتوراه في القانون. من مؤلفاتها: الإرهاب، تاريخ عولمته الصادر سنة 2001 عن منشورات "لامارتان" الفرنسية، وكتاب: في مسألة الإرهاب الصادر عن منشورات "مشالون" الفرنسية.
آفاق: أود أن أبدأ بكتابك " الإرهاب: تاريخ عولمته". هل تعتقدين أن الإرهاب ذو طابع سياسي فقط؟
ستينا: الإرهاب عبارة عن إيديولوجية في سياق دوافعه والسياسة التي يعبر عنها، لأنه يعبر عن احتجاجاته على هياكل الدولة، إذ يترجم ذلك الاحتجاج بشكل عدواني ضد المدنيين، لممارسة حالة من التخويف ولإجبار الحكومة على التصرف باتجاه معين. الإيديولوجية في عمق العملية تصبح عبارة عن (مناهضة للإمبريالية، الفتن، القومية، الخ) فيما يخص الإيديولوجية الدينية (التطرف) فتشمل أيضا الطوباوية (الطائفية، معارضة الإجهاض.. الخ) بمعنى أنه يتخذ أكثر من شكل.
آفاق: تطرقت في كتابك إلى إرهاب الدولة، بمعنى الاغتيالات السياسية، في ليبيا وإيران الخ، أليس إرهاب الدولة هو الذي مهد الطريق للإرهاب الأصولي المتشدد سواء دينيا أو أيديولوجيا؟
ستينا: إرهاب الدولة تكتيك استخدم استراتيجيا وبطريقة غير مباشرة من قبل بعض الدول داخل حدودها أو على أرض أجنبية، وكان تعبيرا في وقت معين، وفي سياق معين إزاء "سلاح" الإرهاب، لكنه لا يحلله، تماما كما هو الحال مع التطرف الأصولي، الذي تبدو تشكيلته وهيكلة تشغيله مختلفة.
آفاق: كيف تنظرين إلى ظاهرة التطرف الديني في العالم؟
ستينا: في جميع أنحاء العالم تسعى بعض الجماعات الدينية إلى فرض رؤيتها الأصولية عبر الدين، نجد من بينهم من يعبرون عن تلك الرؤية بطريقة عنيفة، كاستخدام العنف والتهديد الإرهابي. إنهم ينشطون بالخصوص في الأماكن التي تنفجر فيها النزاعات، كما ينشطون في الدول الغربية، أو في المناطق التي يوجد فيها مواطنون غربيون في كل أنحاء العالم، أو ببساطة في الدول العربية المعتدلة. إنها شبكات محلية أو إقليمية، تدين بالولاء لمرجعية تنظيم القاعدة، بحيث أن جانب عملهم مرهون بمدى تسربهم في المنطقة التي يعتزمون ضربها، إزاء قدرة مكافحة الإرهاب في الدول المستهدفة.
آفاق: ثمة من يتكلم عن مؤامرة دولية. هل تؤمنين بأطروحة المؤامرة؟
ستينا: أطروحة الإرهاب الدولي، إن كنت تقصدين هذا، طرحت فعلا إبان الحرب الباردة، وفي الحرب المضادة للإرهاب. المنظمات و الشبكات الإرهابية تعكس بناء عشوائيا غير مستقر، سريع الزوال أحيانا، لا تحاول أن تتبنى نظاما مبرمجا على الصعيد الدولي، ومع هذا نحن أمام شبكات متشابكة ومترابطة فكريا بالتأكيد، لكنها غير متجانسة، تفتقد إلى أي تصنيف، ولهذا يصعب تحديدها، مما يجعل خطرها كبيرا على الدول المستهدفة.
آفاق: في رأيك، ما الذي يغذي الإرهاب في دولة مثل الجزائر؟
ستينا: للأسف الجزائر تعاني منذ سنوات طويلة، و في الأشهر الماضية، العمليات المنسوبة إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي استهدفت رموز الدولة، مثلما استهدفت التواجد الغربي في البلاد. هذه العمليات الرهيبة ـ العمليات الانتحارية ـ هي الطريقة الإرهابية للبحث عن أقصى قدر من الصدى على الساحة الدولية. يعتزمون معاقبة دولة يرونها نتاج الاستعمار، ولهذا يرفضون المصالحة الوطنية، وهم بلا شك يريدون انهيار خيار المصالحة.
آفاق: حديثا عن الجزائر نتطرق آليا إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، بصفتك خبيرة في الدراسات الأمنية الدولية، كيف ترين هذه الفوضى، وهل تعتقدين أن تهديد القاعدة سيصل إلى دول الجوار مثل المغرب وتونس؟
ستينا: أنا لست متخصصة في المسألة الجزائرية، لكن في عام 2007، تبنى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي العديد من العمليات في الجزائر، مما جعل الجزائر تتحول إلى هدف أولي ضمن دول المغرب العربي.
لكن لا ننسى أن العمليات الإرهابية مست أيضا المغرب في السنوات الماضية. أي دولة من الدول التي ذكرتها ليست بمنأى من التهديد الإرهابي، بالخصوص وأن المغرب أو تونس بمثابة ضوء اقتصادي وسياحي بالنسبة للغرب وبشكل خاص الأوروبيين والفرنسيين. الإرهاب قادر على ضرب الأشخاص أو المصالح الأجنبية في المغرب و تونس وأيضا في إفريقيا. التهديد موجود اليوم، ومن ثم العمل المشترك والمعمق بين تلك الدول وأوروبا من أجل الحصول على أفضل المعلومات فيما يخص الشبكات وقدراتها على العمل لتفادي المخاطر ولاستباق الهجوم.
آفاق: هل تعتقدين ان أوربا تواجه تهديدا إرهابيا باعتبارها قريبة جغرافيا من إفريقيا الشمالية؟
ستينا: منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 والدول الأوروبية تعي مخاطر التهديد الإرهابي على أراضيها، وضد رعاياها في العالم. لهذا قاموا بتعزيز الحماية المضادة للإرهاب عبر تعزيز أدوات الحماية أي الشرطة و القضاء وعبر التطوير في مجال التعاون الأوروبي و الدولي. خلال 6 سنوات الأخيرة، دول أوروبية مثل اسبانيا وبريطانيا كانت هدفا متكررا للإرهابيين، عبر العمليات الانتحارية، دول أخرى تعرضت للتهديد من قبل تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى العمليات الإرهابية التي أحبطت على الأراضي الفرنسية، البلجيكية، الألمانية، الإيطالية، السويدية.
العمليات الإرهابية المرتكبة في الجزائر عام 2007 اعتبرها الأوروبيون تصعيدا خطيرا، مما جعل الخوف قائما من أن تنتقل العمليات إلى أراضيهم. تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يستهدف النظام الجزائري، وفرنسا والدول الغربية بمجموعها، فهو يعتبر واحد من التنظيمات الخطيرة والمهددة للأمن في أوروبا، باعتبار أن عناصره تقيم في أوروبا تقوم بدعم التنظيم لوجستيكيا عبر جمع الأموال الخ، ناهيك عن أن طريقة العمل المشابهة لتلك المستخدمة في العراق تثير قلقا كبيرا أيضا في أوروبا.
آفاق: تعتقدين أن فرنسا مستهدفة أكثر من أي دولة أوروبية أخرى؟
ستينا: لا شك أن فرنسا كدولة أوروبية وغربية مهددة منذ سنوات، لكنها تتمتع بهيكلة جيدة وعلى درجة كبيرة من الكفاءة لمكافحة الإرهاب مما جعلها بمنأى إلى الآن من الهجمات الإرهابية. العديد من الخلايا الإرهابية تم تفكيكها في السنوات الست الأخيرة.
ثم ان التهديدات الإرهابية ضد فرنسا مرتبطة بجملة من المعطيات منها :المواقف السياسية الفرنسية (الدعم للدول العربية المعتدلة مثل الجزائر، والتقارب مع الولايات الأمريكية المتحدة)، تواجدها في أفغانستان، التصويت على قانون منع الحجاب في المؤسسات التعليمية، مساندتها في مجال مكافحة الإرهاب في الدول المغاربية. المخاوف تكمن في هجمات إرهابية على الأراضي الفرنسية، أو ضد الرعايا الفرنسيين في الدول الأجنبية.
يوم 24 ديسمبر 2007، تم اغتيال أربعة سياح فرنسيين في موريتانيا من قبل جماعة سلفية قدمت نفسها كموالية لتنظيم القاعدة. في بداية هذا العام، العديد من الرسائل الإسلامية المتطرفة وجهت ضد شخصيات و ضد مواقع فرنسية تم تحديدها من قبل المصالح المضادة للتجسس الفرنسية. على الانترنت العديد من المواقع توجه التهديدات تحت سياق "مناهضة فرنسا"، مشيرة إلى عمليات ضد مواقع "شعبية وذات أهمية اقتصادية كبيرة".
آفاق: هل تعتقدين أن العدد الكبير من المهاجرين يشكلون خطرا ما على الأمن في فرنسا؟
ستينا: لحسن الحظ أن الغالبية العظمى من المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا مسالمين، ومندمجين، وليس لهم أي علاقة مع التهديد الأمني التي تواجهه فرنسا ! لكن أجهزة الاستخبارات متيقظة لفئات معينة (فئة قليلة) من المقيمين ذوو الأصول الأجنبية الذين يعملون كقاعدة خلفية للنشطاء في الخارج، أو تلك التي تساهم في تجنيد عناصر لإرسالها إلى العراق، بحيث ان الخوف يكمن في إمكانية عودة هؤلاء إلى فرنسا.
آفاق: هل تعتقدين أنه سيكون ثمة قانون فرنسي للحد من الهجرة؟
ستينا: الرئيس ساركوزي أيد مشروع هجرة مختارة، و تأطير الهجرة التي تسعى فرنسا على غرار شركائها الأوروبيين إنشاءه هو مشروع تجاري الغرض.
آفاق: طيب دعيني أسألك كخبيرة في مجال الأمن القومي. ما الذي يصنع الإرهاب. الفقر مثلا؟
ستينا: الإرهاب وسيلة يستخدمها هؤلاء الأنصار في محاولة الحصول على شيء يعتقدون أنهم لن يحصلوا عليه بالطرق السياسية القانونية. إنهم يبحثون عن الصدى في بلدانهم، أو على الساحة الدولية. كلما كانت العملية الإرهابية استعراضية، عبر شكلها وما تمثله من تهديد، كلما اعتقد الإرهاب أنه يفرض قوته و قدرته على فرض أفكاره. لأجل القيام بأعمال العنف ولأجل فرض الأمر يحتاجون إلى الدعاية، لتوسيع دائرة المناصرين.
من هنا عامل الفقر يستغل بطبيعة الحال، لأن الذين يستقطبون المؤيدين يلعبون على الأوتار الحساسة منها التهميش، والمصاعب الاقتصادية، والاجتماعية لشرعنة معركة والتزام يدخل فيها المعوزين بشكل كبير، ولكن لا يجب تعميم هذه الأطروحة، بحيث أننا وجدنا بعض الأشخاص أكثر اندماجا في المجتمعات الغربية ارتكبوا أعمال إرهابية واسعة. الشعور بالقمع والطرد من الأرض، الإبعاد ذو الطابع الديني، كلها تصنع أفكارا للانتقام يستند عليها الإرهاب ليغذي مزيدا من الضغينة حتى يعطي لنفسه شرعية.
آفاق: الآن أسألك ما الذي يوقف الإرهاب في رأيك؟
ستينا: هنالك أولا الوقاية قادرة على كبح التهديد و زعزعة استقرار الشبكات الإرهابية، لكن هذا الإجراء لا يمكن أن يأتي أكله على المدى العميق إلا أنه يجب أن يـُتبع بتفكير جذري و عميق إزاء التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للدول التي تبدو ضعيفة إزاء الدعوة إلى الإرهاب. من الضروري على الدول المستهدفة ألا تقع في فخ الصراع الحضاري، أو ان تخضع لدعوات أولئك الذين يحاولون إقامة مواجهة بين الإسلام و الغرب. لكن يبقى العمل على مساعدة التنمية في الدول الفقيرة عامل أساسي لقطع الطريق أمام الإرهابيين.