النشر فى جريدة الأهالي
كتاب : نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية. ج 2 الوهابية
الباب السادس : جهادنا ضد الوهابية
الفصل التمهيدى : النشر فى جريدة الأهالي .
مقدمة :
1 ـ الحياة الثقافية والسياسية فى عصر السادات ومبارك كانت فى إتجاهين : العلمانى والوهابى . الاتجاهات العلمانية توزعت بين الوفد اليمينى واليسار . تسلل الاخوان والوهابيون الى معظم دوائر الحكم ماعدا وزارة الثقافة ، كما تسللوا الى معظم منظمات المجتمع المدنى ـ ما عدا مركز ابن خلدون . تسربت الوهابية الى حزب الوفد وجريدته ، وفى حزب الأحرار وجريدة الأحرار . أما حزب التجمع اليسارى وجريدته ( الأهالى ) فقد إتخذ موقفا مبدئيا وصلبا ضد الاخوان والوهابية . هذا فى الأغلب ، لأن الاتجاه الناصرى والقومى داخل التجمع وخارجه كان يميل أحيانا الى التحالف مع الاخوان ، وظهر هذا فى فصيل يمثله حمدين صباحى . صمود الأهالى وأغلبية حزب التجمع فى الوقفة ضد الوهابية أثار إعجابى وإحترامى للأهالى وقادة حزب التجمع .
2 ـ أصبح النشر فى جريدة الأهالى منفذا لى الى دوائر اليسار ، ومنها تعرفت بقيادات يسارية أعتزّ بها . وبعد إغتيال فرج فودة تشاركنا فى تأسيس الجمعية المصرية للتنوير فى مكتبه بمدينة نصر ، وفى الاحتفال السنوى الذى كنا نقيمه فى ذكراه بمساعدة اليسار . وبالتحالف مع قيادات اليسار ورموزه تأسست ( الجبهة الشعبية لمواجهة الارهاب ) وصار لنا وجود فى المنظمة المصرية لحقوق الانسان . وقد دٌعيت للترشح لمجلس أُمنائها للتحالف مع اليسار ضد مرشح الوهابيين د محمد سليم العوا . وأذكر أننى لم أحضر يوم الاقتراع فقد كنت فى زفاف أختى ، ومع هذا نجحت بأغلبية ضمن مجموعة من اليسار والناصريين الحقوقيين .
3 ـ كان واضحا أن العلمانيين من اليسار المصرى واليمين المصرى الصامدين ضد الوهابية يحتاجوننى بقدر حاجتى لهم . تحالفى معهم ينبع من إيمانى بأن الاسلام دين علمانى ، لا مكان فيه لمؤسسة دينية أو خلط للدين بالسياسة أو كهنوت من دجالين يزعمون أنهم واسطة بين الناس ورب الناس . تتابعت مقالاتى فى الاهالى ، وحرصت فيها على توضيح العدالة الاجتماعية فى الاسلام بالاضافة الى الاطار العام وهو توضيح التناقض بين الاسلام والوهابية ، وتحطيم تقديس الآلهة السنية الوهابية . أنشر هنا منها مقالين :
أولا : مقال : ( ابن السبيل )
1 ــ ( ابن السبيل) من الكلمات القرآنية التى تتردد فى معرض الآيات النى تحث على الاحسان للمحتاجين. (والسبيل) هو الطريق ، و(ابن السبيل) هو الغريب الذى يأتى الى بلد ولا يجد فيها مأوى . ومن حقه طبقا للقرآن أن يجد المأوى والرعاية والإحسان . وقد يكون ابن السبيل ميسورا ولكن يظل من حقه ان يتمتع برعاية المسلمين الذين يدخل بلدهم . فالقرآن لم يفرق بين ابن السبيل الغنى والفقير وإنما جعل الوصف عاما لكل غريب لايجد المأوى .
2 ـ وفى عصرنا الراهن – حيث تقدمت المواصلات وتقاربت المسافات – اصبح المفهوم التقليدى لابن السبيل نادر الحدوث . فالمسافر إلى مكان يستطيع ان يعود الى بلدته فى نفس اليوم وليس مضطرا كما كان يحدث منذ مئات السنين الى أن يقضى اسابيع وشهورا فى السفر يكون فيها غريبا وابن السبيل فى المدن التى يمر بها.
3 ـ ومع ذلك فإن عصرنا الراهن اتحفنا بنماذج أشد بؤسا لابناء السبيل الذين لايجدون المأوى ويعيشون على الكفاف يبيتون على الأرصفة وفى خيام لاتسترهم وفى منازل آيلة للسقوط وفى أعشاش خربة تعاف الحيوانات منها .
وهذا الصنف من الناس تراهم هنا وهناك ، يصفع مرآهم ضميرنا الإسلامى ، وينذرنا بأن هناك خللا فى فهمنا لكتاب الله ، حيث لايأبه أحد من محترفى التدين بهذه النوعية البائسة من أبناء السبيل ، الذين هم ايضا من الفقراء والمساكين والسائلين . يستحقون الرعاية والاحسان لكل صفة من هذه الصفات .
4 ــ ولكن الذين يرتزقون بالدين ويحولونه الى تجارة انهمكوا فى جمع أموال المسلمين لإقامة المزيد والمزيد من مساجد لاتكتمل فيها صفوف الصلاة ، وينفقون على تزيينها مايمكن أن يطعم مئات الأ لوف من الجوعى ، وأن يقيموا مئات الالوف من الوحدات السكنية لملايين من المشردين والشباب الباحث عن إقامة اسرة .
5 ـ هذا ، مع أنه يمكن للمسلم أن يصلى فى أى مكان ،والارض كلها أمامه مسجد حيث يسجد بجبهته على الارض . وبينما حفل القرآن بآيات كثيرة فى حقوق الفقراء والمساكين وابناء السبيل فى المال والطعام وفى المسكن ، إلا أننا لانجد هذا الاهتمام باقامة المساجد والدعوة الى تأثيثها . فالمسلم يسجد لله ويصلى فى أى مكان ولكن ينبغى أن يكون مخلصا لله فى عبادته متبعا للعدل أو القسط ، قال تعالى : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (29) الاعراف ) . والمسجد هو موضع السجود ، قد يكون ذلك بيتك الذى تقوم فيه، أو أى بيوت أخرى لاتختلف عن البيوت العادية ولكن يعمرها المسلمون بالتسبيح وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة للمحتاجين . يقول جل وعلا : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) النور ) . وقد كانت قريش تحترف التجارة بالدين وتقيم مساجد تعبد فيها الأولياء لتقربهم لله زلفى ، وقد نهاهم الله تعالى عن ذلك فقال : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)الجن ). ولكنهم أصروا على هذه النوعية الفاجرة من التجارة،عمّروا مساجدهم بالزينة والضجيج وخربوا عقائدهم وقلوبهم بالزيف ، فقال تعالى فيهم: ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) ) التوبة ) . وفى غمرة انهماكهم فى ذلك كله نسوا حقوق الفقير والمسكين وابن السبيل . ) . انتهى المقال .
ثانيا : مقال : ( فى الجامعات أيضا .. محاكم تفتيش ! .. تعليق على محاكمة الدكتور حامد أبو أحمد . ) بتاريخ : 18 /4 /1990.
1 ـ أعلنت نتيجة الثانوية الأزهرية عام 1969 وكان الأول على القسم الأدبي هو الطالب/ حامد أبو أحمد ، وكان الرابع فى الترتيب الطالب / أحمد صبحي منصور . ودخل الطالبان كلية اللغة العربية فى بداية العام الجامعي 69 ـ 1970 . وحضرا معا أولى المحاضرات فى الشعبة العامة " النحو والصرف واللغويات " . وكانت تلك بداية التعارف بيني وبين زميل الدراسة والتفوق / حامد أبو أحمد . واتفقنا سويا على التحويل من كلية اللغة العربية . اختار(حامد) التحويل إلى كلية اللغات والترجمة وكانت لا تزال تحتل جزءا من كلية اللغة العربية واخترت التحويل إلى قسم التاريخ والحضارة ، وكان يتأهب للانفصال عن كلية اللغة العربية ـ ولا يزال ..
2 ـ لم يعجبني ـ منذ المحاضرة الأولى فى الشعبة العامة ـ أن أظل أسمع ترديد القديم من أمثلة" ضرب زيد عمرا ، وقتل خالد بكرا ".. وقد مللت أن أظل أسمع هذه الأمثلة ـ بعد تسع سنوات فى الإعدادي والثانوي ـ واعتقدت وقتها أنه ليس مكتوبا علىّ أن يظل( خالد يقتل بكرا ) وأن يظل ( زيد يضرب عمرا ).. وهكذا هاجرت إلى قسم التاريخ والحضارة لعلى أجد جديدا . وهاجر ( حامد) إلى اللغة الأسبانية فى كلية اللغات وتشعبت بنا السبل وإن كانت المودة قائمة بيننا .
3 ــ وبعد شهرين من الدراسة فى السنة الأولى بقسم التاريخ أيقنت أنه لا جديد أتلقاه من أشياخ التاريخ ، وأنه من الأفضل أن أعود لبلدتي ويقتصر حضوري على الامتحانات فقط ، وهكذا عملت طيلة سنوات الدراسة ـ فى التعليم الإبتدائى الأزهري مدرسا ثم ناظرا ، مع احتفاظي فى نفس الوقت بالتفوق وكوني الأول على قسم التاريخ فى السنوات الأربعة ، إلى أن تخرجت فى كلية اللغة العربية قسم التاريخ بمرتبة الشرف ، وعينت معيدا فى القسم ، وتعيّن على حضور الدراسات العليا . ومن وقتها بدأت المشاكل بيني وبين الفكر السائد فى الجامعة؛ فى الماجستير رفضوا تسجيل موضوعي " وحدة العقيدة الدينية فى مصر فى العصور الثلاثة : الفرعوني ، القبطي ، الإسلامي ".. وبعدها فى مرحلة الدكتوراه ، وافقوا بعد امتعاض على تسجيل موضوعي" أثر التصوف فى مصر فى العصر المملوكي " وذلك فى مارس 1976 ، وفى أكتوبر 1977 كانت الرسالة جاهزة للمناقشة فى نحو ألف صفحة ، تتناول أثر التصوف المدمر فى الحياة الدينية والأخلاقية والعلمية والثقافية والسياسية فى مصر المملوكية . واحتدمت المشاكل مدة ثلاث سنوات إلى أن أجبروني على حذف ثلثي الرسالة ، واقتصرت على النواحي السياسية والثقافية والعلمية ، وبذلك أجيزت الرسالة بمرتبة الشرف الأولى فى أكتوبر 1980 !! ثم انفجر غضبهم علىّ بعد أن أصدرت كتابي الأول" السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة " وكان يضم بعض صفحات الرسالة التى نوقشت . وبدأت بذلك حربهم المدمرة ضدي التى انتهت بإحالتي إلى مجلس التأديب بعد مؤامرات عديدة منها الوقف عن العمل ومصادرة مستحقاتي المالية ومنعي من السفر . وكل ذلك لأنني أصدرت خمسة كتب دفعة واحدة فى عام واحد هو 1985 ، وقدمت إلى مجلس التأديب دفاعي القانوني فى أن المادة الثانية من قانون الأزهر تجعل من واجبي باعتباري عضو هيئة تدريس أن أجتهد فى توضيح حقائق الإسلام .. وذلك ما أفعله . ولكن الذين قعدوا عن الاجتهاد هم الذين يضطهدونني ويحاكمونني . وأنه من الظلم أن يحاكم عالم مجتهد يستشهد بالقرآن ، وما تيسر من كتب التراث ، ولم يستطع مجلس التأديب ادانتى بعد هذا الدفاع ولكنه أمعن فى الكيد لي ، فالقانون يسقط الاتهام عنى إذا مر عام دون أن يحكم مجلس التأديب بالإدانة ، وقبل أن يمر العام بقليل أحالوني ثانيا إلى مجلس التأديب بتهمة أخرى مماثلة ، والهدف أن أظل مبعدا عن العمل ورهن مجلس التعذيب إلى ما لا نهاية حتى أرضخ لضغوطهم وأتنازل عن آرائي ، وقدمت استقالتي فرفضوها ثم فى النهاية اضطروا لإطلاق سراحي، وكان ذلك من أسعد أيامي !!!
4 ــ ونعود لزميل التفوق فى الدراسة الدكتور ( حامد أبو أحمد) الذي هاجر إلى اللغة الأسبانية وعين معيدا فى كلية اللغات والترجمة ،ثم واصل دراسته فى أسبانيا وعاد منها ليجد الكثير من المضايقات ، كان أخرها إحالته لمجلس التأديب إياه لأنه ترجم رواية أسبانية فيها بعض الألفاظ المكشوفة وأن ذلك لا يتمشى مع كونه أستاذا فى جامعة الأزهر حسبما يقولون ..
5 ــ ولن أدافع عن الدكتور حامد فهو بعلمه وألمعيته أقدر فى الدفاع عن نفسه منى . ولكني أرد على محاكم التفتيش فى جامعة الأزهر فى موضوع يدخل فى اختصاصي .
6 ــ هل قرأت محاكم التفتيش الأزهرية تراثهم المقدس ووجدوه خاليا من الفحش فى القول وفى الفعل ؟ وبالتأكيد لم يقرءوه .!. وهذه هى مشكلتهم ، إذ لا وقت لديهم للقراءة ، وإنما كل وقتهم فى اضطهاد من قرأ وفكر واجتهد ، وهم يفعلون ذلك حتى فى غير أوقات العمل الرسمية . ولن أرد عليهم بنصوص من كتب الأدب فى العصر العباسي ـ عصر الأئمة ـ أو كتب الفقه التى درسوها لنا وفيها صور فقهية بذيئة اقتحمت عقولنا البريئة فى سنوات الإعدادي .ولن أردّ بشعراء المجون من امرىء القيس إلى بشار بن برد وأبى نواس ،لن أرد بتلك الأشعار القذرة التى فرضوها علينا مذ كنا فى الثانوي وفى سنوات المراهقة الحرجة .ولكن سأكتفي فى ردى بحديث واحد ورد فى البخاري فى الجزء الثامن ص 207 ط . دار الشعب، وقلمي يعف عن كتابته وعليهم الرجوع إليه . ونحن بالطبع نبرىء رسول الله من أن يتلفظ بهذا .. فقد كان عليه السلام خلقه القرآن . ووصفه ربه بقوله له فى صورة التأكيد " وإنك لعلى خلق عظيم ".. ولكننا نتهم البخاري بأنه افترى ذلك على الرسول الكريم ضمن افترائه فى تثبيت ما يعرف بحد الرجم وليس فى القرآن ما يعرف بحد الرجم ، وضمن افترائه أحاديث أخرى تطعن فى شخص النبي والسيدة عائشة وفيها ألفاظ أخرى فاحشة نبرىء منها النبي وبيته الكريم .وابن برزويه هو الاسم الحقيقي للبخاري الذي جعلته محاكم التفتيش فى الأزهر إلاها معصوما من الخطأ ، واضطهدتني لأنني اعتبرته إنسانا يخطى ويصيب وانه لابد من مراجعة كتابه وكتب الآخرين من الأئمة .
7 ــ وقلت ــ ولازلت أقول ــ إن تجلية حقائق الإسلام هى الوظيفة الأساس لعلماء الأزهر ، ولم تعد مجرد ترف فكرى ، ولكنها أصبحت ضرورة سياسية بعد أن أتضح أن ذلك التراث تقوم على أساسه تيارات سياسية يمكن أن تدمر المجتمع والوطن. وقبل أن تظهر تلك التيارات الدينية المتطرفة كان فى الأزهر رجال أمثال محمد عبده والمراغى وشلتوت . وكان لهم باع طويل فى تنقية التراث ، وكانت محاكم التفتيش موزعة بين صغار العقول هنا وهناك .. ولكن قويت محاكم التفتيش وأشتد عودها بوجود التيار الديني والسياسي إذ أن لهما مصلحة واحدة هى الوصول للحكم. ولو كان الإمام محمد عبده حيا لقدموه إلى مجلس التأديب ، ولكنه كان سعيد الحظ فمات وتركنا نعانى .
8 ــ وقلت ــ ولا أزال أقول ــ أن القراءة والحوار هما الوسيلة للتحرر من تقديس البشر والوقوع فى الجهل .. وكان الجهلة فى عصر النبي يحاولون إرغامه على تقديس الأولياء فقال له ربه تعالى : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) الزمر ) . ولكن المشكلة أنه حيثما يتحكم الجهل توجد محاكم التفتيش .
9 ــ قلبي معك يا دكتور حامد أبو أحمد .. يا رفيق التفوق فى الدراسة ويا أحد النقاط المضيئة القليلة الباقية فى أزهرنا العزيز !! 10 ــ متى يعود أزهر الشيخ محمد عبده ؟؟ )
إنتهى المقال .