بقلم : هانى الديبانى
لم يعد أمام كافة التيارات الإسلامية بمصر إلا التطور ومواكبة هذه المرحلة الهامة والخطيرة فى عمر مصرنا الحبيبة ومن ملامح المشهد الحالى لأداء بعض التيارات الاسلامية نرى ملمح تغيير كبيرا فى الخطاب السياسى وان لم ينضج سياسياً بعد ولكن الايام والممارسة الفعلية هى المحرك الرئيسى والفاعل لإنضاج فكر بعض التيارات التى تدخل العمل السياسى بعد طول غياب حتى القوى التى كانت تمارس السياسة قبل الثورة فلم يكن ذلك بالممارسة المثلى نظراً لاحتكار الحزب الوطنى المحظور حالياً للحياة طيلة 4 قرون من عمر مصر ... فإن الناظر الى حال الاخوان المسلمين على فترات مختلفة من تاريخهم الدعوى والسياسى يجد انهم لم يكونوا على مثل ما هم عليه الآن بل اخذ التطور منهم وقتاً كبيراً قد لا يرى البعض فى صورة الاخوان الان التطور المنشود ولكن مقارنة ذلك بعقود سابقة يؤكد مدى التطور والذى تحتاج الاخوان لمزيد من هذا التطوير نظراً للمتغيرات المتتالية على الساحة السياسية والدعوية المصرية .
ولكن لم تختلف الاخوان من قبل عما عليه السلفيون الان فقد كان سمت الاخوان لا يختلف كثيراً عن السمت السلفى ولم تكن افكار وقناعات الاخوان بعيدة عما هو عليه الان التيار السلفى ولكن حين قرر الاخوان دخول المعترك السياسى فى السبعينيات بعد قطيعة دامت سنوات طويلة عقب حادث المنشية 1954 . بدأت تتحلل من بعض المفاهيم والمعتقدات التى كانت عليها قبل دخول المعترك السياسى مما ادى الى تطور طفيف فى سير الامور داخل الجماعة صاحبة الثمانين عاماً وثلاثة
ومن ثم فهناك من ينزعج الان من وجود ودخول السلفيين على الساحة السياسية وقد يكون البعض محقا فى ذلك ولكن يجب ان نعلم ان الحديث خارج الصورة يختلف تماماً عما هو بالداخل فالى الان السلفيون لم يدخلوا الساحة بعد ليتم الحكم النهائى ولكن لازال السلفيون ينظمون صفوفهم من جديد لدخول العمل السياسى وقد يكون قريبا وليس بعيدا ولا مستبعداً ان يقوم السلفيون بعمل حزب سياسى ... وهو الامر الذى حرمه السلفيون من قبل بل ومنهم من انتقد الاخوان حين قرر الاخوان عمل حزب بل ومنهم من انتقد مشاركة الاخوان فى العمل السياسى من الاساس . فأمر الاحزاب هو من الامور التى ظل يروج السلفيون بحرمتها وعدم جوازها . ولكن الان اصبح لدى السلفيين التجربة على ارض الواقع مما اتاح له الحكم عن قرب وتحديداً ان الحزب اصبح أداة من ادوات المشاركة السياسية مما ادى الى التفكير الجدى فى انشاء حزب للسلفيين . وهذا امر جيد ويعد مرونة وخطوة استباقية للتيار السلفى بمصر بعد تجربة السلفيين فى العمل السياسى بالكويت .
ليس هذا فحسب التطور الحالى بل ان السلفيين الان يفكرون فى تكوين مجلس شورى للسلفيين والبدء فى انشاء تنظيم للسلفيين وهذا ايضاً كان يعد ضد ثوابت العمل عند السلفيين وكثيراً من ينتقد الاخوان لكونها تنظيما وان هذا الامر ضد الاسلام وان الاسلام لا يؤمن بما يسمى بالدعوة الحزبية ... ولكن هاهم الان حين دخلوا المعترك الفعلى يطورون من ادائهم ويبدأ فى عمل تنظيم ادارى ومجلس شورى . واصبح لديهم الان متحدث اعلامى وهو الشيخ عبد المنعم الشحات وهو من مدرسة الاسكندرية وهي من اقوى المدارس السلفية بمصر . وهذا يعد من الأشياء الإيجابية ولكن على التيار السلفى الذى قرر دخول المعترك السياسى ان يبدأ من حيث انتهى اليه الاخوان كى يتواكب وما يحدث ولا يبدأ من حيث بدأ الاخوان وهذا سيعطل السلفيين كثيرا وسيفقدهم جزءا من الوقت والجهد . وهذا ما دعا اليه بعض رموز التيار السلفى الذين ينتمون الى إحدي المدارس السلفية المعتبرة ومن اهم رموزها الدكتور محمد عبد المقصود والشيخ فوزى السعيد والدكتور سيد العربى والشيخ نشأت وغيرهم ... فقد وصفت هذه المدرسة الاخوان بالخبرة السياسية التى يجب اما الوقوف معها واما الاستفادة منها وقد يكون هذا الرأى هو الرأى الأصوب للسلفيين والتيارات الاسلامية فى هذه المرحلة ولكن لم يقف على هذه النصيحة وهذا الرأى من يقوم الان بتأسيس حزب سلفى والتقدم باسم السلفية كسياسيين وانهم يحملون رؤية سياسية وأنهم لا يقلون عن الاخوان فى القوة والحجم من وجهة نظرهم ....
وقد لا يكون الحزب الذى يعكف على تأسيسه الأن سلفية لاسكندرية هو الحزب السلفى الوحيد حيث ان التيارات السلفية ليست جماعة واحدة كجماعة الاخوان المسلمين بل ينتظر من مدرسة سلفية اخرى مثل مدرسة انصار السنة ان يكون لها حزب مستقل ويظهر فى الافق الشيخ محمود عامر الذى انتقد البرادعى لمجرد انه اعلن ترشيحه للرئاسة ودعوته للعصيان المدنى انهم خروج على الحاكم ويجب ان يقطع رقبته الحاكم اى حسنى مبارك وقتها فهو الان يرشح نفسه للرئاسة ويعد عامر اول سلفى يعلن نفسه مرشحاً للرئاسة وهذه المدرسة الفكرية التى ينطلق منها عامر هى فى الاساس على خلافات شديدة مع مدرسة الاسكندرية والتى من رموزها الدكتور ياسر برهانى والشيخ محمد اسماعيل المقدم والشيخ سعيد عبد العظيم والدكتور احمد فريد والشيخ احمد السيسى وغيرهم وكان خلاف تاريخي بين هاتين المدرستين على امور عدة كانت اغلبها سياسيه واخرى فقهية ولكن المعتقد لا يختلف كثيراً .
بالتأكيد هذه النقله النوعيه التى بدا السلفيين بها لم تكن متوقعه بهذه السرعه خاصه وان كثيرا ما استخدم النظام السابق بعض التيارات السلفيه وبعض الرموز بل وقام جهاز امن الدوله بصناعه العديد من الرموز السلفيه لاستخدامها اما بتمرير منافع خاصه بالنظام مثل تحريم المظاهرات حرمه مطلقه والاضرابات وعدم جواز الخروج على الحاكم وكثيرا ما سمعناه من شيوخ كثر امثال الشيخ حسان ويعقوب والقوصى الذى تحول 180 درجه فى فترة قصيرة مما يدعو الى انه قد يكون مقتنعا بهذه الافكار ولم يكن ليستطيع الادلاء الا بما يحتاجه النظام السابق ام انه تغير فكريا بشكل حقيقى ولكن كيف بهذه السرعه الفائقة التى تدعو الى الريبة حيث انه يبقى تصدى بعض الرموز التى يرضى عنها النظام السابق امثال القوصى وحسان للمشهد الاعلامى بل ان قناة الرحمه عادت قبل الثورة بعد صفقة ابرمت مع النظام السابق واتفق مع المشرف العام للرحمه على العوده مقابل ان يساعدهم فى اخلاء ميدان التحرير من المتظاهرين حيث انه اى حسان سيقرر لهم ان هذا الامر مخالف لتعاليم الدين وضد الشرع ولا يجوز هو وكافه شيوخ القناة الذين يظهرون بها مما ادى الى عوده القناة قبل تنحى مبارك ولكن تنظر على الناحيه الاخرى تجد ان باقى القنوات الدينيه التى اغلقت لم تعود الا بعد تنحى مبارك باسابيع بل ومنهم من لم يعد الا منذ ساعات قليله كالحكمه ... وقد اعترف الشيخ حسان انه كان يأتمر بتعليمات امن الدوله وقال ان الجميع كانوا كذلك وهذا كلام يخالف الحقيقه تماماً حيث ان العديد من الشيوخ من يكن يأتمر بتعليمات امن الدوله ومنهم الدكتور عبد المقصود والشيخ فوزى وسيد العربى وغيرهم بل كان هؤلاء ممنوعين من الخطابه وقد قال حسان ايضاً انه منع من الخطابه وهذا كلام عار تماماً عن الصحه فقد كانت الدنيا كلها مفتوحه للشيخ حسان داخل مصر وخارجها وكانت قناته تنقل له خطب الجمعه والدروس يومياً وهذا دليل على عدم المنع وكيف يمنع من اعترف انه كان يأتمر بتعليمات امن الدوله . وهذه كلها اشارات ورسائل نفهمها نحن القريبون من المشهد السياسى وايضاً الاعلامى وتجد ان الشيخ القوصى اصبح نجما بل علم من اعلام السلفيه فى العديد من وسائل االاعلام فجأة نظراً لما قدمه من افكار تعد تطمينات على ان السلفيين لديهم مرونه فكريه وليسوا فزاعه ولكن يبقى الخلاف التاريخى بين مدرسه القوصى وبين باقى التيارات السلفيه هى الحائل دون استجابه قواعد السلفيه له . ولكن ما يتوقعه الكثير هو انقسام بين التيار السلفى يشقه اذناب النظام السابق عن طريق بعض الشيوخ الذين تربوا فى احضان امن الدوله وكبرت لديهم الأنا الى ان احدهم يفكر جدياً فى الترشح للرئاسه وان انكر ذلك .
ولكن ندع الايام تكشف ما سترته مباحث امن الدوله على مدار اكثر من 50 عاماً من عمر مصر ولعبها بعدد من التيارات الاسلاميه .
*باحث فى التيارات الاسلامية