الفارس النبيل :الاستاذ الصحفى عبد الوارث الدسوقى

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٣ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الفارس النبيل :الاستاذ الصحفى عبد الوارث الدسوقى  


 كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية.  ج 2 الوهابية

الباب السادس : جهادنا ضد الوهابية  

الفصل التمهيدى: الفارس النبيل :الاستاذ الصحفى عبد الوارث الدسوقى  

أولا :

1 ـ فى كتوبر 1988رجعت من أمريكا خوفا على أولادى ، وقضيت ليلتين فى سجن أمن الدولة ، وبعد تحقيق مكثف أفرجوا عنى ، وعدت الى دارى أحمل أوراقى وكتبى المخطوطة فى حقيبيتين كبيرتين ، ذهبت بهما الى أمريكا فى يناير 1988 ، وعدت بهما الى مصر بعد عشرة اشهر . قام ضباط أمن الدولة خلال الليلتين بفحص كل أوراقى وكتبى المخطوطة ، وأعمالى الدرامية . فى التحقيق جاء ذكر حمولتى هذه من مصر الى أمريكا ثم من أمريكا الى مصر . قلت لهم : ( زملائى من شيوخ الأزهر يبنون عمارات ، وما رأيتموه هو العمارات التى أملكها ، هذا هو رحيق العمر ). كان بإمكانهم تدمير كل أوراقى ولكنهم أرجعوها كما هى . وأفرجوا عنى على وعد بأن اعود اليهم بعد اسبوع لاستكمال التحقيق . وعدتهم أن أكتب لهم تقريرا صادقا عن كل ما حدث لى فى أمريكا . كتبت التقرير بكل صدق ، فليس فى حياتى فى أمريكا ما يشيننى فى علاقتى برشاد خليفة وغيره . ودعنى رئيس المكتب ، وهمس لى ونحن على الباب حتى لا يلتقط كلامه جهاز التسجيل : ( يا د كتور أحمد .. ترفق بنفسك . أرجوك لا تنكر السُنّة ولا تهاجم الأزهر فنحن نتلقى منهم التعليمات ) قلت له : ( إذا هاجمونى سأهاجمهم . وكتاباتى بالقرآن وعليهم الرد عليها ).

2 ـ قيل لى إن الاستاذ (عبد الوارث الدسوقى ) فى جريدة أخبار اليوم يسأل عنك ، ويريد أن يراك . عرفت أنه كان ضمن المشرفين على تأسيس جرية الجمهورية ، وتعامل مباشرة مع السادات الذى كان رئيساً لمجلس إدارتها، ومع عبد الناصر ، وإشتهر بصراحته وإستقامته وحرفيته الصحفية ،  أعضاء مجلس قيادة الثورة وعلى رأسهم جمال عبدالناصر، ثم انتقل الى مؤسسة الأخبار مع مصطفى أمين . ومع شهرته فى الوسط الصحفى فقد كان غير معروف للقارىء بسبب حرصه على أن يظل فى الظّل ، يكتب دون أن يضع إسمه على ما يكتب . وكان مشرفا على الصفحة وعلى صفحة الرأى للشعب .

قابلته وقال لى إنه كان يحضر خطبة الجمعة فى مسجد الزمالك الذى كنت أخطب فيه ، وأنه الذى كتب المقال الذى دافع فيه عنى فى جريدة الأخبار حين كنت فى السجن ، وكان بتوقيع الاستاذ جلال الحمامصى . وسألنى عن أحوالى فحمدت الله جل وعلا ، عرض علىّ كثيرا المساعدة المالية و رفضت شاكرا ، وقلت له إنه إذا أراد مساعدتى فعلا فأنا أريد أن أنشر مقالا اسبوعيا فى الصفحة التى يشرف عليها فى الأخبار . قال إنه لا يضمن النشر الاسبوعى ، ولكن سينشر لى ما إستطاع .

وبدأت النشر مبكرا فى الأخبار ، وكانت مقالاتى تحت عنوان ( القرآن هو الحل ) ، واثارت الجدل بسبب هجوم جمال بدوى أبرز كتّاب جريدة الوفد علىّ . ومعظم ما نشره لى الأخبار أعدت نشره هنا ، خصوصا مقال ( معركة الربا ) وكان آخر مقالاتى فى الأخبار بعد تدخل شيخ الأزهر ( جاد الحق ) و المفتى ( محمد سيد طنطاوى ، وعقد صفقة لحل موضوع الربا مقابل منعى نهائيا من الكتابة فى الأخبار.

وتوسط لى حتى نشرت دار أخبار اليوم كتاب ( مصر فى القرآن ) ، ودخل بسببى فى معركة مع شيوخ الأزهر و عميلهم داخل مؤسسة ألأخبار ، وهو ( أحمد زين ) . والتفاصيل مذكورة فى مقدمة كتاب ( مصر فى القرآن ) المنشور هنا .   

 3 ـ كان أحمد زين على النقيض من استاذه عبد الوارث الدسوقى. الغريب أننى سمعت الاستاذ عبد  الوارث يرثى ويتألم من المصاعب الصحية التى يتعرض لها أحمد زين . وكان هو رئيس تحرير ( اللواء الاسلامى ) الجريدة الاسبوعية التى تصدرها مؤسسة أخبار اليوم . عندما نشرت كتاب ( المسلم العاصى : هل سيخرج من النار ويدخل الجنة ) كتب يهاجمنى ناقما فى صفحته فى الأخبار .  وهو الذى نشر فى جريدته تلك مقالا ملتهبا للشيخ الشعراوى ـ قبيل القبض علينا ـ يدعو فيه الشعراوى لتطبيق حدّ الحرابة علينا ( أى قتلنا وصلبنا وتقطيع أيدينا وأرجلنا من خلاف ) .!!، وكان مقال الشعراوى هذا تبريرا مسبقا لاعتقالنا بإعتباره أخفّ كثيرا من حدّ الحرابة . وبينما دافع عنى الاستاذ عبد الوارث الدسوقى وأنا فى السجن شأن الفارس النبيل فإن أحمد زين سخّر جريدته ( اللواء الاسلامى ) لتهاجمنى طيلة مدة سجنى . فى التحقيق معى وأنا فى السجن كانت اللواء الاسلامى تنقل من محاضر التحقيق تحت عنوان منكر السنة يقول ، وتكتب عناوين ملتهبة ، وتزعم كذبا وبهتانا أننى إعترفت بأخطاء كذا وكذا ، وتأتى بآراء الشيوخ التى تحرَض الدولة والناس ضدى .كل هذا وأنا فى السجن لا أستطيع الرد والدفاع عن نفسى . وبعد عوتى من أمريكا لم تتوان جريدة اللواء الاسلامى من الهجوم علىّ بمناسبة أو بدون مناسبة . عندما جاء نبأ إغتيال رشاد خليفة كتبت اللواء الاسلامى تحرّض على قتلى وتتهمنى بأننى تابع له .

أخيرا :

أول مقال نشره لى الاستاذ عبد الوارث الدسوقى فى الحرب ضد الوهابية :   

جريدة الاخبار

الصفحة الرابعة 15من رمضان 1409 هجرية

القرآن هو الحل

دعوة للاحتكام إلى كتاب الله..فى مواجهة السلاسل والجنازير!!

   تفاقمت الأزمة بين الدولة والجماعات الدينية. ولايبدو هناك حل حاسم مع الاطراد المستمر فى الأزمة الاقتصادية التى تضيف أنصارا جددا إلى معسكر الجماعات الدينية من الشباب المتمرد واليائس والساخط.. ويزيد من حدة الازمة أن وسائل الدولة فى مواجهتها لم يحالفها التوفيق ..  فالجماعات الدينية تقوم على أسس دينية فكرية تدعمها ظروف اقتصادية وسياسية ، ومواجهة الأفكار الدينية بالعنف يتيح لها فرصة الانتشار خصوصا إذا وجدت المناخ الاقتصادى الملائم.. وتحاول الدولة اجراء حوار مع الشباب مع زيادةالمساحة الاعلامية فى المواد الدينية.. ولكن لايبدو النجاح من نصيب هذه الخطوة أيضا لسببين أساسيين :

أ ــ إن القائمين على إجراء الحوار والمسيطرين عليه من رجال الدين الرسميين، وهم نجوم أجهزة الاعلام الرسمية فى البرامج الدينية، واتهامهم بأنهم" علماء سلطة" حدا بهم لمحاولة إنكار هذه التهمة فى تصريحات علنية لم تجد شيئا!.

ب ــ ثم وهذا هو الأهم ــ  إن علماء الدين الرسميين ينتمون لنفس الأسس الدينية التى يؤمن بها ويدافع عنها شباب الجماعات الدينية، وانطلاقا منها يؤسسون حقهم فى تكفير المجتمع وخروجهم عليه بل واستباحة الدماء وطلب الاستشهاد!. وبدون مواربة ــ  فلم يعد هناك متسع للمجاملات  على حساب الوطن ــ نقول ان الأسس الدينية التى تنبت فيها دعاوى التطرف تتمثل فى الاحاديث التى صيغت ثم انتشرت ودونت منذ العصر العباسى فى خضم الصراعات السياسية والفكرية بين الأحزاب والفرق السياسية والدينية .. ولاتزال تلك الاحاديث تمارس دورها فى أذكاء الصراعات بين المسلمين . وبرغم مافيها من تناقض وتصادم مع القرآن الكريم فإنها اكتسبت حصانة تصونها عن النقد بل ومحاولة النقاش لأن من طبيعة المؤسسات الدينية الرسمية أن تحافظ على التراث وأن تدفع عنه خطر النقاش والبحث العلمى الحر .

ومن استقراء تاريخ الحركة الفكرية فى الحضارة الاسلامية نعرف أن  الائمة المجتهدين كانوا خارج المؤسسات الدينية الرسمية بل نالهم من الدولة العباسية وعلمائها الرسميين صنوف الأذى والاضطهاد، ونعرف ماحدث لائمة الفقه الأربعة على يد الخلفاء العباسيين وأعوانهم فى عصر حكمت وسيطرت فيه الدولة الدينية وطبق فيه " الخلفاء" الشريعة لتعزز من سلطانهم المطلق .

إن احتمالات المستقبل المفجعة لاتترك مجالا لأى مفكر مهموم بوطنه لكى يهرب من مواجهة المشكلة الدينية ، والباحث المسلم يعلم عن يقين أن حلول المشكلة الدينية تأتى من القرآن الذى مافرط فى شىء والذى جاء تبيانا لكل شىء..

 يقول تعالى فى وجوب التحاكم للقرآن " ومااختلفتم فيه من شىء فحكمه الى الله..(الشورى 10) "ويقول " أفغير الله ابتغى حكما وهو الذى أنزل اليكم الكتاب مفصلا" (الانعام 114) . وتحت عنوان" القرآن هو الحل" يمكن كتابة مجلدات فليس ذلك العنوان الا تحديدا للشعار السياسى المطروح فى مواجهة الحكومة ، واذا صدقت النوايا فى حصار المشكلة الدينية ومحاولة حلها فان القرآن سيكون هو الحل الوحيد الناجح .

 لن نستطيع مواجهة التعصب الدينى إلا بآيات القرآن" ادع الى سبيل ربك بالحكمةوالموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن " (النحل125) " وإ نا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين ، قل لاتسألون عما أجرمنا ولانسأل عما تعملون ، قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم"(سبأ26:24) .

    وهذه الكراهية " المقدسة" للأقباط هل تتفق مع قوله تعالى" لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لايستكبرون"(المائدة82 ) وهل الله منحاز لنا فقط دون غيرنا؟ دعونا نستمع إلى شهادة رب العزة .. القرآن يقول لا .. اقرأ قوله تعالى " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم  ولاهم يحزنون"

( البقرة62 ).. " ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون "(المائدة69) . ان موقف بعضهم من التعصب ضد الأقباط لا أساس له فى القرآن ، ربما يستند إلى بعض الأحاديث الموضوعة من نوعية " ضيقوا عليهم فى الطرقات" و" ارتفاع السفلة فى البنيان" على أنه من علامات الساعة ... إلخ ...

   إنهم يحاولون فرض السيطرة على الشارع على أساس أنه فريضة دينية تستند للحديث المشهور " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.. إلخ" وأحاديث أخرى.. وقد كانت تلك الأحاديث دستورا لطوائف الفقهاء الحنابلة وحركاتهم فى  العصر العباسى وبالبحث يمكن أن تعرف متى حيكت وانتشرت تلك الاحاديث.

 ماهى حدود الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفقا لآيات القرآن ؟.  يقول تعالى لخاتم النبيين " واخفض جناحك لمن إتبعك من المؤمنين، فإن عصوك فقل إنى برىء مما تعملون" (الشعراء216:215 ) لم يقل له فإن عصوك فإضربهم بالسلاسل والجنازير. وحين كان النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة كان بعض المنافقين يدخل على النبى ليقول معسول الكلام ثم يخرج ليتآمرعليه. بماذا أمر القرآن النبى أن يفعل ؟ اقرأ قوله تعالى " ويقولون طاعة فاذا برزا من عندك بيت طائفة منهم غير الذى تقول والله يكتب مايبيتون ، فأعرض عنهم وتوكل على الله(النساء81 ) لم يقل له أقتلهم وانما قال أعرض عنهم ..

 لسنا فى مجال استعراض للحلول القرآنية ، وفى القرآن مايكفى ، والفجوة عميقة بين القرآن ونوعية التدين عندنا، ولسنا فى مجال الزام غيرنا باجتهادنا، ونحن نحترم حق الآخرين فى الاختلاف معنا. وانما ندعو للاحتكام إلى كتاب الله فى حل المشكلة الدينية التى تهدد حاضرنا ومستقبلنا ، ونريد حوارا مفتوحا يشارك فيه كل المفكرين المهتمين بمصير مصرنا الحبيبة.

 لن ينقذ مصر إلا القرآن.  لماذا لانعطى فرصة لكتاب الله ؟

كاتب المقال :استاذ سابق بكلية اللغة العربية بجامعة الازهر.

اجمالي القراءات 6746