كتاب : نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية. ج 2 الوهابية
الباب السادس : جهادنا ضد الوهابية
الفصل الأول : فصل تمهيدى عن جهادنا ضد الوهابية :
لمحة سريعة :
1 ـ ليس هذا حديثا عن الذات ، وإنما هو تأريخ لنضال واقعى يُعدُّ جزءا من تاريخ مصر المعاصر ، كما يعدُّ جزءا من تاريخ المسلمين الفكرى ، فإنتاجنا الفكرى من آلاف المقالات والكتب والفتاوى والتعليقات ليست مسبوقة على مستوى العالم ، ومن حيث الاجتهاد الذى يأتى بجديد ، فمعظم ما قلناه لم يقله أحد قبلنا سواء فى التدبر القرآنى أو فى تحليل تاريخ المسلمين وشرائعهم وأديانهم الرضية خصوصا السنة والتصوف . ثم هناك بجانب هذا النضال الفكرى نضال فى سبيل الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية الدينية المطلقة للفرد ، وعلى هامش هذا النضال الفكرى معاناة وإضطهاد وسجن وتشريد واتهامات بالكفر ودعوات للإغتيال لم تنقطع حتى الآن ، عايشتها وأنتظر تحقيقها لتتحقق أمنيتى التى أرجوها ، وهى أن أموت قتلا فى سبيل الله جل وعلا . وعلى هامش هذا كله تعاملت مع أصدقاء وأعداء وأعدقاء ( خليط من المنافقين ) ، وبالتالى فهو تأريخ لآخرين عاصرتهم .
2 ـ وبطبيعة الباحث التاريخى المتعمق فيه أعرف أهمية التسجيل التاريخى الذى يقوم به مؤرخ لعصره . فكتبت عن السابقين باحثا تاريخيا ملتزما بمنهج البحث التاريخى . وبمنهج المؤرخ الذى يعايش عصره كتبت لمحات عن عصر مبارك والسادات والاخوان والحكم العسكرى وحكم الرئيس السيسى ، كتبت ناقدا وناصحا وناقما ، ولكن إلتزمت الصدق فيما أكتب ، خصوصا وأن هدفى هو الاصلاح ما استطعت . وفيما كتبت عن السعودية أسرة ودولة وعن النظام العسكرى الذى يجثم على صدر مصر من عام 1952 وفيما كتبت عن الأزهر والوهابيين من سلفيين وإخوان مسلمين ــ حاولت الموضوعية بكل المستطاع . وكنت أفترض الخير الى أن يظهر العكس . وفى ضميرى أننى مؤاخذ يوم القيامة بما أكتب سواء عن الاسلام أم عن خصومه من أتباع الديانات الأرضية . وكباحث تاريخى ومؤرخ أعى تماما أن ما أكتب سيظل بعدى مقروءا ، فالكاتب ـ خصوصا الذى يسبق عصره ـ لا يموت بل يظل حيا بكتاباته وإنتاجه الفكرى . وكم شعرت بالحنق والغضب من تفاهة وتدجيل وغباء وسطحية معظم مؤلفى القرون الوسطى ، والذين اصبحوا أئمة بعد موتهم ، ولا أريد أن يقرأ لى أحد بعد موتى ويشعر أننى أخدعه أو أُدجّل عليه . قد يستاء من صراحتى ولكنه لا يستطيع مواجهة أدلّتى . وحين يقرأ لى سيقع فى مواجهة مع نفسه ، لا يستطيع أن ينكر فى داخله ما أقول ، وقد يقوم بالتشويش والصراخ ، ولكن جحده الحق لا يمنع الحق من التسرب الى قلبه ، وأنه بعد أن يقرأ لنا لن يكون نفس الشخص الذى كان .
3 ـ هذا هو الباب السادس من الجزء الثانى من كتاب ( نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية ) ، وهو مخصص للوهابية ، من بدايتها فى الدولة السعودية الأولى الى نشرها فى مصر عبر الاخوان والسلفيين ، ويبقى أن نتوقف فى هذا الفصل من الباب السادس عن جهادنا ضد الوهابية . وهو جهاد مرّ بطورين :، حين كنت سنيا معتدلا وخصما للتصوف ، ثم أن أصبحت قرآنيا ، أتدبر القرآن الكريم باحثا عن الحق والهدى ، وهذا بعد خلفية علمية ـ قلما تتوفر لكثيرين ـ من التخصص اللغوى ( تخرجت فى كلية اللغة العربية ) والتخصص التاريخى ( قسم التاريخ الاسلامى ) والتخصص فى تاريخ التراث خلال معاناة البحث فى التصوف وأثره فى العصر المملوكى من كل النواحى السياسية والدينية والعلمية والاجتماعية ، بما إستلزم بحث كل التراث الذى تمت كتابته فى العصر المملوكى ، والتراث الذى سبقت كتابته فى العصر العباسى ، ثم أعيدت كتابته ونسخه فى العصر المملوكى بعد سقوط بغداد وتدمير المغول لمكتبتها . الدخول على القرآن الكريم بهذه الخلفية الفكرية أعانت على إكتشاف حقائق الاسلام فى الايمان ( لا إله إلا الله ) فقط ، وفى فهم تشريعاته وقصصه وقيمه الاخلاقية العليا ، والتناقض الهائل بينه وبين أديان المحمديين الأرضية . وفى هذه المرحلة القرآنية صدرت معظم المؤلفات المنشورة هنا ، وفيها المواجهة الفكرية للوهابية ، فعملنا هو هدم وبناء . هدم لخرافات السنيين والشيعة والصوفية ، وبناء لحقائق الاسلام المنسية .
4 ـ صحبت د جميل غازى ومسجده فى الزيتون ن ثم تركته وصحبت د سيد رزق الطويل ، واصبحت من أعمدة جماعته ( دعوة الحق ) ثم تركتها وتركت الأزهر ، وتنقلت أدعو فى المساجد ، يطاردنى الوهابيون ، يطردوننى من مسجد الى آخر ، حتى وضعنى مبارك فى السجن عربونا لإعادة علاقاته الرسمية بالسعودية . كان هذا فى أواخر عام 1978 ، بعد عقد مؤتمر فى اسلام أباد تزعمه الرئيس الباكستانى ضياء الحق العميل السعودى ، وحضره أئمة الوهابية من الأزهر والسعودية وبتمويلها ، ثم مؤتمر آخر عقدته فى مدينة جدة ( رابطة العالم الاسلامى ) السعودية المنوط بها نشر الوهابية فى العالم . والتفاصيل فى مقالات سبقت ، ومنها مقال منشور هنا عن التسامح الدينى بين مصر وأمريكا ، ومقال عن المطرية وبوسطن . بعد الخروج من السجن تلقفنى فهمى هويدى بمقالات تحرّض على قتلى ، ومقالات أخرى نشرها د . عبد المعطى بيومى ، ونشرت عن هذا مقالات عن ( فهمى هويدى ) وعن عبد المعطى بيومى فى ( معركة الربا ) . سافرت لأمريكا بدعوة من رشاد خليفة ، وعشت معه وإكتشفت أن يريد إستغلال حاجتى اليه فى الترويج لأكذوبته أنه نبى الميثاق . تركته هاربا ، وخوفا من ملاحقته تركت توسان ـ أريزونا ـ وهاجرت الى سان فرانسيسكو . وظللت فيها الى إن ساءت أحوال أولادى ، فغامرت بالرجوع عالما أنهم سيقبضون علىّ فى المطار. وهو ما حدث فعلا . والتفاصيل فى مقال عن رشاد خليفة .
5 ـ وبعد اسوأ ليلتين من اسوأ ليالى العُمر أفرجوا عنى ، وبدأت صفحة جديدة فى حياتى أتحالف فيها مع العلمانيين والحقوقيين فى مواجهة الأزهر والوهابيين ونظام مبارك . سرتُ على الأشواك ، بين ملاحقة أمن الدولة وفتاوى التهديد بالقتل من الوهابيين . لكل مثقف هيئة ينتمى اليها تحميه وتقف ضد خصومه . أما أنا فالمؤسسة الكبرى ( الأزهر ) الذى أنتمى اليها هى أكبر خصم لى . الدولة التى أنتمى اليها تبيعنى الى دولة أخرى تعادينى ، وأوامر إضطهادى تأتى من السفارة السعودية ، عشت كما قلت فى أحد مقالاتى ( احمل مصريتى عارا فوق جبهتى ) . ولكن هذا زادنى إصرارا على التحدى ناشطا فى مجال حقوق الانسان والديمقراطية والحرية الدينية باعتبارها من القيم الاسلامية المهجورة ، وفى هذا النضال نشرت مئات المقالات فى الصجف وكتبت العديد من الكتب..
6 ـ فى هذه الفترة عملت مع الراحل فرج فودة ، حتى إغتياله . وبعده حولنا مكتبه الى مقر للجمعية المصرية للتنوير ، وكنت من مؤسسيها ، ثم عملت فى منظمات أخرى ( عضو مجلس إدارة المنظمة المصرية لحقوق الانسان ) ، ومن مؤسسى الحركة الشعبية لمواجهة الارهاب التى وقفت مع مبارك فى قتاله ضد الارهابيين الوهابيين حين اشعلوا الصعيد نارا . ثم عملت مع د سعد الدين ابراهيم فى مركزه ( ابن خلدون للدراسان الإنمائية ) ، وفيه عقدت الندوة الاسبوعية التى لم تتوقف من 2 يناير 1996 وحتى إغلاق المركز فى 30 يونية 2000 . إعتقلوا سعد الدين ابراهيم وإعتقلوا عددا من أهل القرآن ، ليستخلصوا منهم بالتعذيب شهادات تديننى . وقبيل القبض علىّ بيومين كان التوفيق الالهى بالهرب الى أمريكا يوم الثلاثاء 16 اكتوبر 2001 .
6 ـ أبرز محطات نضالى فى التسعينيات هى إغتيال فرج فودة بفتوى كانت تحرّض على قتله وقتلى . ثم مشروع إصلاح التعليم المصرى من خلال مركز ابن خلدون والذى كان ـ ضمن أسباب أخرى ، سبب إغلاق المركز وسجن د سعد الدين ابراهيم ، ولجوئى لأمريكا لاجئا سياسيا .
7 ـ وفى هذا الباب السادس فى مواجهة الوهابية لا نعيد ما كتبناه عنهم ، ولا نكرر ما سبق نشره من ملامح الجهاد ضدهم ، ولكن نذكر تفصيلات جديدة ، تتركز حول الصديق الراحل د فرج فودة ، ومشروع إصلاح التعليم المصرى ، ولمحات متصلة بالموضوعين .