من الديانة إلى الكهانة :
يقول أصدق القائلين جل وعلا ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ..
الآية القرآنية السابقة هي في نفس الوقت حديث نبوي صحيح فالكلام في الآية بعد كلمة( قل ) قاله النبي محمد ص حتما بأمر إلهي و الحديث النبوي الصحيح هو كما قلنا سابقا ما وثقه القرآن الكريم لأنه الوحيد قطعي الثبوت و غيره لايوجد أحاديث تتعلق بالتشريع أو الإيمانيات أو الغيبيات لأن الله سبحانه ختم شريعته التي أنزلها على محمد باكتمال القرآن وقوله ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) .. ليغلق الأبواب تماما على كل من أراد أن يخترق ما حرمه الله قطعيا في الآية الأولى وهو أن يشركوا به ما لم ينزل به سلطانا من قول أو فعل منسوب لله تعالى فلا إله إلا الله تعني أنه هو فقط المشرع و أنبياؤه مبلغين فقط وهذا موثق قرآنيا بقوله جل وعلا ( وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) .. فما الذي حصل إذا حتى شاعت الظنيات على أنها دين ؟
لم يعجب كلام القرآن بعض من أراد تحويل الناس من الديانة إلى الكهانة .. فالكهانة تعتبر من أقدم مهن التاريخ بعد البغاء والسياسة و هي تدر المال الكثير على أصحابها ناهيك عن السلطة الروحية التي يحوزها أصحابها والقداسة الكاذبة والهيبة المجتمعية بين عامة الناس ..ولا سبيل في اختراق هذا الدين الذي شريعته القرآن الواضح المبين والذي حدد محرماته ب حوالي 16 محرما فقط لاغير إلا بوجود الكثير من المحرمات الأخرى ليتم سؤال الكاهن عن كل كبيرة وصغيرة في حياتنا وعن كل خطوة ومن ثم يبدأ استصدار الفتاوى التي لاحصر وخاصة التي تخدم السلاطين وأصحاب المال والنفوذ ليتقربوا بها إليهم فينام العقل المسلم ويحاصر إلى الأبد مما يفتح المجال لتكاثر الكهنة كالجراد في المجتمع بل وحتى توريث المهنة لأبنائهم و أحفادهم من بعدهم .. ولكن كيف تم بداية هذا الاختراق؟
في الحقيقة لقد جاء رجل بعد أكثر من 150 سنة من وفاة النبي محمد ص و حل لهم المسألة لتحويل الإسلام من الديانة إلى الكهانة باختراعه لنظرية تلقفتها منه كل المؤسسات الفقهية الكهنوتية.المذهبية بعده وكأنها ماء الحياة باختراعه لنظرية واهية الحبكة ولكنها كانت تكفيهم تدعى.ب ( نظرية الوحيين ) والتي إدعى بها صاحبها أن كل ما قاله النبي محمد ص أو تصرفه هو وحي ثان غير وحي القرآن !! أي منطقيا حسب زعمه هو كلام الله أيضا طالما هو وحي ولكن لم يدون ولم يؤمر بتدوينه وترك للناس والمنافقين و المنتفعين تدعيه كما تشاء و تصور النبي محمد وكأنه لم يكن له إرادة كالرجل الآلي ولم يكن بشرا يخطيء ويصيب بل و يصحح له القرآن ويؤنبه أيضا و تصور جبريل عليه السلام كمرافق شخصي للنبي محمد ص يبث في أذنه كل كلمة ليقولها بعد اتصاله بغرفة القيادة فهي وحي إلهي حسب زعمهم !!
و لكن مع ذلك بعد أن يوحي الله له كل شيء يأتي الله تعالى نفسه ويؤنبه على ما أمره هو نفسه جل وعلا بالتصرف به فهل كان ربنا نسيا أو متناقضا ؟ حاشاه سبحانه عما يصفون .
وكمثال يقول تعالى (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم ) فهل كان جبريل عليه السلام في إجازة مثلا عندما أخطأ النبي الذي إدعوا عصمته من الخطأ ومرافقة جبريل له في كل كلمة وتصرف بينما هو نفسه قال بأنه بشر مثلنا عليه السلام وليس عليه الإ البلاغ فماذا كان الوحي المنزل إليه عليه السلام ؟
يجيبنا الله أصدق القائلين بقوله ( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ) ..فالوحي هو الكتاب ولن يجد شيئا آخر من دونه عليه السلام ليبلغه.
ثم اقتطع صاحب النظرية المعروف والذي لا زال يمجد لليوم عن قصد أو غير قصد بعض الآيات عن سياقها ليثبت وجهة نظره للأسف المنحرفة وكمثال ( .. ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وهي تتحدث للأسف لو بدأ بأولها عن توزيع الغنائم بشكل واضح تماما .
وآية وما ينطق عن الهوى .. والتي يميز الله بها النطق عن القول فالناطق هو الناقل للقول وليس مبتكر القول فالناطق باسم زيد ليس زيدا وإلا اتهمنا القرآن بالترادف وعدم الدقة وحاشا أن يكون كتابا إلهيا كرسالة خاتمة محفوظة للعالمين كما يصفون ..
فنتج عن ذلك للأسف ما نحن عليه اليوم من دين روائي معنعن ظني بعد أن تركنا قطعيات القرآن فأصبحنا حسب الآية التي إبتدأت بها مقالتي مشركين بالله بما لم ينزل به سلطانا من شرع أرضي كهنوتي معتدي يمجد السفاحين و يعطيهم قداسة و يعنصر الدين الذي جاء ضد العنصرية و يذم كل المختلفين عنا والذي قال عنا وعنهم ربنا (إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .. والنتيجة واضحة للعيان:
عقل مسلم متخلف محاصر بدين و حرام الكهنة الذي وصل عشرات الآلاف.. و تأخر حضاري و كهنوت في كل بيت مسلم عبر مئات الفضائيات كتجارة رابحة للقنوات و ما خلفته من قواعد ودواعش وحوالش ونصرة و إخوان و تكفيريين و و و من أندونيسيا إلى أميركا الشمالية ... فهل نحن منتهون ؟
و هل فكر أحدنا لماذا قال تعالى على لسان نبيه ص الذي سيشتكينا جميعا يوم القيامة بقوله ( يارب إن قومي إتخذوا هذا القرآن مهجورا ) رغم أنه يقرأه الملايين يوميا .. وما ذلك إلا بسبب ترك تدبره والعمل برسالته الرحمانية إلى شرع صاحب نظرية الوحيين وغيرهم ممن أصبحوا أصناما للمذاهب يعبدون من دون الله.. والله المستعان.
د. عمارعرب 29.05.2016