انتقد خبراء وإعلاميون وثيقة تنظيم البث الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية والتي أقرها الاجتماع الاستثنائي لوزراء الإعلام العرب في القاهرة أمس. واعتبر الخبراء هذه الوثيقة ردة إلى عصر الوصاية على الجماهير بحجة إسباغ قدسية على المؤسسات الحاكمة.
ويقول أكاديميون إن الوثيقة التي نصت على احترام حرية التعبير قيدتها بتعبيرات فضفاضة قابلة للتأويل والتفسير، ما يضيق هامش الحرية إلى الحد الذي يعرض القائمين على الفضائيات العربية إلى الوقوع تحت طائلة تشريعات وطنية مكبلة لعملهم.
الجزيرة وأخواتها
واعتبر أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور صفوت العالم أن الوثيقة تستهدف مجموعة البرامج والقنوات الفضائية التي تعرض الرأي والرأي الآخر، كونها أصبحت كابوسا لبعض الحكومات العربية التي لم تتعود على سماع الرأي الآخر، وقال إن "الأمر يتعلق بوضوح بالجزيرة وأخواتها".
وأضاف العالم في تصريح للجزيرة نت أن الوثيقة تجاهلت معالجة القضايا المهنية لمشكلات الفضائيات المتراكمة منذ عام 1987، وقال "لم تتعرض الوثيقة للبرامج الإباحية وحلقات الجدل والشعوذة والإعلانات الوهمية، لكنها ركزت في بنودها على كلام فضفاض يصلح كمقصلة لمحاسبة أي برنامج أو قناة لمجرد عرض الرأي المخالف للحكومات".
وانتقد الفقرة التي تتحدث عن ضرورة وجود 30% من مواد القناة من الانتاج العربي المشترك، وقال "قبل إقرار هذه الفقرة، هل سأل الوزراء العرب أنفسهم أين هي البنية والهيكل للإنتاج البرامجي العربي المشترك؟.. الوثيقة تجاهلت البحث في كيفية بناء البنية التحتية للإعلام العربي واكتفت بالحديث عن العقوبات".
لكن وزير الإعلام السوداني الزهاوي إبراهيم مالك نفى أن تكون الوثيقة قد تضمنت قيودا على حرية التعبير، مشيرا في تصريح للجزيرة نت إلى أن التقدم التقني الهائل في وسائط الإعلام يجعل من العبث تصور أن يؤدي تطبيق الوثيقة إلى مزيد من القيود على حركة الفضائيات العربية.
وأردف الزهاوي بأن الهدف من إقرار الوثيقة "تهذيب وتقييم" نتائج الثورة التقنية للاستفادة من إيجابياتها والحد من تأثيراتها السلبية، مشيرا إلى أن بلاده اقترحت إنشاء مفوضية عربية للإعلام كآلية لتنفيذ ما جاء في الوثيقة.
اعتقال المشاهدين
الإعلامي والكاتب المصري عبد الحليم قنديل وصف الوثيقة بأنها "سياسية بامتياز"، وقال "إنها ووسط نصائح أخلاقية -لا جديد فيها- دست العديد من التعبيرات التي تعيد فكرة القدسية للمؤسسات الحاكمة عبر الحديث عن عدم تجريح الرموز الوطنية وهو تعبير فضفاض، والهدف بوضوح كان مواجهة المعارضة في الفضائيات".
واعتبر أن "أخطر ما تضمنته الوثيقة هو تجريم ليس فقط البث بل الاستقبال، ما يعني أن الأنظمة العربية قد تذهب إلى حد لا يتخيله عقل بأن تعتقل من يشاهد قناة تعتبرها هذه الوثيقة غير مطابقة للشروط".
واستغرب قنديل "دعوة مجلس وزراء الإعلام العرب إلى جلسة استثنائية لمناقشة قضية مطروحة منذ عقود، وكذلك حالة التشنج التي بدت على وزير الإعلام المصري وتهجمه على الإعلاميين خلال الاجتماع".
وقال إن تحفظ قطر ولبنان على الوثيقة ثم معارضة قطر لإقرارها "يؤكد أن هاتين الدولتين هما الوحيدتان في المنطقة اللتان تؤمنان بحرية الإعلام وبالديمقراطية وتعملان على حمايتها".
وأكد أن مصير الوثيقة الفشل لأنها لا تملك آلية عملية لمنع البث الفضائي للقنوات العربية، وقلل من الإجراءات العقابية التي توعدت بها الوثيقة القنوات المخالفة، مستشهدا بقناة الجزيرة التي أغلقت مكاتبها في العديد من العواصم العربية لكنها ظلت رائدة الإعلام العربي.
وكان وزير الإعلام المصري أنس الفقي قد قال إن الوثيقة تعد قرارا نافذا بإجماع وزراء الإعلام العرب، مشيرا إلى أن تحفظ دولتي قطر ولبنان على الوثيقة تحفظ قانوني وليس سياسيا.