العالم أصبح قرية صغيرة و كل شيء يحدث في أي مكان يصير تحت سمع و بصر العالم كله في نفس اللحظة.
لم يعد باستطاعة الطغاة أن ينفردوا بشعوبهم و يرتكبوا في حقهم المجازر في الخفاء من خلف ظهر العالم.
كل الناس تابعت أحداث الثورات في العالم العربي بالصوت والصورة علي الهواء مباشرة لحظة بلحظة.
هل المقولات السابقة صحيحة؟.
أعلم أيها القاريء الكريم أنك ستندفع قائلاً: نعم. ستقولها استناداً إلي أنك كنت علي اتصال مباشر بوقائع ما جري في تونس، و لأنك تابعت التظاهرات بالمدن المصرية، و شهدت بأم رأسك اعتداء قوات أمن حسني مبارك علي المتظاهرين بالقنابل و الرصاص، كما تابعت عدوان بلطجية مبارك علي نفس الثوار في موقعة الجحش و الجمل.
و لا شك أنك تابعت أيضاً المظاهرات في اليمن و رأيت الشهداء الذين غدر بهم علي عبد الله صالح، و تابعت الإرهابي الدولي معمر القذافي و هو يشن حرب إبادة ضد شعبه، و كذلك المظاهرات السورية و القتلي الذين سفك دمهم بالشوارع وحوش بشار الأسد.
أنا أعلم كل هذا، و مع ذلك فإنني لا أؤمن بصحة المقولات السابقة المتعلقة بالعالم الواحد و القرية الصغيرة إلي آخر هذا الهراء الكاذب...و إلا فقل لي:
هل علمت وسط كل هذه الأنباء أن عدواناً مسلحاً غاشماً قد قامت به المملكة العربية السعودية ضد شعب البحرين الآمن المسالم؟.
هل نمي إلي علمك أن الجيش السعودي قد أقدم علي غزو الجزيرة الصغيرة و ارتكب من المجازر بحق شعبها ما يشيب لهوله الغراب؟.
هل علمت أن الأشاوس السعودين قد روعوا الآمنين و دهموا المنازل و قتلوا الأطفال و هم نيام في أسرتهم أمام عائلاتهم؟.
هل نقلت لك قنوات التليفزيون صور جيش الإحتلال السعودي و هو يهدم البيوت علي رؤوس ساكنيها بالضبط كما يفعل الجيش الإسرائيلي في فلسطين المحتلة؟.
هل نقلت وكالات الأنباء صور الجنود السعوديين و هم يحتلون مستشفي السلمانية و يضربون الأطباء بكعوب البنادق و يطردون الممرضات و يمنعون المصابين من الوصول للمستشفي حتي لا يعرف العالم حجم الجريمة؟.
يا سادة..إن ما حدث في البحرين هو جريمة القرن الواحد و العشرين بامتياز، و لا أعتقد أن بقية القرن سوف تشهد جريمة إبادة مماثلة يتواطأ عليها العالم كما يحدث الآن بالنسبة للجريمة السعودية في البحرين.
فجأة تبخرت كاميرات التليفزيون و اختفي مراسلوا السي إن إن و البي بي سي و طبعاً العربية، و هي القنوات التي كانت تتابع دبة النملة في باقي البلاد العربية و تنقلها نقلاً مباشر.
حتي قناة الجزيرة التي اعتبرها العرب صديقة الثورات حملت عصاها هي الأخري و أدارت ظهرها لما يحدث في البحرين و رحلت عندما وجدت أن العدوان يخص آل سعود و ما دامت المذابح التي ترتكب بحق السكان تحمل الختم السعودي المقدس!.
نجحت المملكة العربية السعودية في إخراس العالم كله وجعلت منه شريكاً في الجريمة. بل إنها ما اكتفت بهذا و لكن راحت الأبواق الإعلامية التي تقتات علي المال السعودي تردد المزاعم التي اخترعوها في الرياض لتبرير العدوان و الإحتلال عندما وصفوا المتظاهرين السلميين البحرينيين من سنة و شيعة بأنهم عملاء لجهات خارجية!. و قد عملت هذه الأبواق علي نسبة الأحداث للشيعة فقط و ذلك ليسهل شيطنتهم و إقحام إيران في الأمر، و هو الأمر الذي يكذبه القبض علي ابراهيم الشريف رئيس جمعية وعد و هو سني و ليس شيعي ، فضلاً عن أن نسبة التظاهر السلمي و المطالبة بالحقوق للشيعة فقط تسحب عن سنة البحرين الوطنية و الكرامة و هو الأمر الكاذب جملة و تفصيلاً، فهم جميعاً لا ينفصلون عن الكتلة العربية التي تحركت طلباً للعدل و الحرية.
حجة مقيتة سخيفة مارسها بن علي و مبارك و القذافي و علي صالح و الأسد. كلهم اتهموا آخرين بإدارة مؤامرة!. لم يعترف أحد منهم بأن هناك شعب له مطالب يتعين مناقشتها. و الأغرب في حالة البحرين أن هذا الشعب ذا المطالب هو شعب دولة أخري و ليس الشعب السعودي، فكيف سمحت المملكة لنفسها أن تقتحم حدود دولة آمنة، و كيف بلغت الجرأة بجنودها و هم يعتلون ظهور الدبابات أن يلوحوا بأيديهم بعلامات النصر في أحد المشاهد القليلة التي تناولتها القنوات التليفزيونية قبل أن تغيب في الجب السحيق.
أي نصر هذا الذي يلوح به النشامي من جيش الإحتلال السعودي؟.
هل هو النصر علي الأطفال و النساء؟. هل هو بسالة القوات في إطلاق الرصاص علي الشباب الأعزل؟. هل هو الإنتصار علي وسائل الإعلام و حملها بالترهيب و الترغيب علي ابتلاع الحذاء و الصمت علي أفاعيل جيش الإحتلال السعودي.
قد يسأل البعض: و من أين عرفت بكل هذا ما دامت قنوات التليفزيون لا تذيعه و الصحف لا تنقله؟
و الإجابة هي أنه بفضل اختراع الكاميرات الصغيرة و كاميرات الموبايلات أمكن للشباب البحريني ان يقوموا بتوثيق كل ما حدث لهم بالصوت و الصورة و أرسلوه إلي كل المواقع علي الإنترنت، كما أرسلوه إلي قنوات التليفزيون. و من المواقع و القنوات القليلة التي رضيت أن تتحدي النفوذ السعودي و تبث الصور و الأخبار عرفت حجم الجريمة التي يجهلها العالم الذي يزعمون أنه قد أصبح قرية صغيرة!.
إن ما يثير الأسي و الحنق في الأمر أن الإحتلال السعودي لمملكة البحرين لا يفترق علي الإطلاق عن الإحتلال العراقي للكويت عام1990 لا في دمويته و لا في حجم الخراب الذي أحدثه في البيوت الآمنة و لا في حجم الترويع الذي أحدثه في النفوس.
و لا أدري كيف ينظر الناس باستنكار إلي ما يحدث في ليبيا من اعتداء كتائب القذافي المسلحة علي الشعب الليبي، و لا يرون أن الأمر نفسه يحدث في البحرين علي أيدي القوات السعودية التي جعلت الناس بعد الهجمات البربرية يترحمون علي هولاكو و جنكيزخان.
و من عجب أن نفس هذه القوات التي يزعمون أنها درع الجزيرة الذي يتحرك لصد العدوان عن الدول الخليجية لم تحرك ساكناً عندما اعتدي صدام حسين بجيشه علي الكويت..و لا نعرف أين كانت يومئذ؟.
ليس هذا فقط..بل إن نفس هذه القوات لم تظهر عندما اقتحم جيش صدام الحدود السعودية نفسها و دهس أراضيها و قام باحتلال منطقة الخفجي.
يومها هرع حكام المملكة إلي الأمريكان يطلبون قدومهم لحمايتهم من جيش صدام؟.
كذلك ما زال ماثل في الذاكرة الهزائم التي ألحقها الحوثيون اليمنيون بنفس هذا الجيش السعودي، و كان الحوثيون مسلحون ببنادق من القرن الثامن عشر!.
الأمر يعني بكل بساطة أن هذا الجيش السعودي الذي يتكلف تسليحه مئات المليارات و الذي لم يشارك في يوم من الأيام في أي من معارك العرب و المسلمين حتي أنه كان الجيش العربي الوحيد الذي لم يشارك معنا في حرب أكتوبر 73 و لو مشاركة رمزية!. هذا الجيش الذي لا يستطيع أن يصمد في مواجهة أي قوة مسلحة حتي بالحجارة... استطاع فقط أن يمارس الرجولة المهدرة علي شعب عربي مسالم أعزل اسمه: الشعب البحريني.