ظلم الفاتحين - المقال القنبلة ..!

ابراهيم المسلمى في الجمعة ٢٧ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

للدكتور أحمد صبحى منصور مقال شهير بعنوان ( المسكوت عنه من سيرة عمر ) نشره فى مطلع عام 2005 وأظن أن أغلبنا قد قرأه وعالج نفسه بعد قراءته من آثار صدمة ثقافية محققة ..  وعن نفسى - وبرغم عدم ارتياحى لكثير مما جاء فى هذا المقال - الا أنى قد شعرت ببعض الثبات ازاء موقف من مسألة الفتوحات كنت قد أعلنته فى مقال نشرته فى جريدة شباب مصر الالكترونية عام 2004 بعنوان ( هل كانت دولة للخلافة أم جريمة تاريخية فى حق الشعوب ) . لكن قنبلة هائلة انفجرت فى مطلع عام 2007 فى مقال بعنوان قمة ال ( 17 ) للدكتور سيد القمنى .. وهو عنوان لا يتناسب بأى حال مع خطورة ذلك المقال ويجب تعديله الى عنوان آخر هو ( ظلم الفاتحين ) .

وفيما يلى سوف أنقل لحضراتكم مقال الدكتور القمنى لتقرأوه بأنفسكم ...

لكن قبل ذلك أود أن أسجل هنا استغرابى الشديد من موقف الإثنين - الدكتور القمنى والدكتور منصور حيث اعتمدا فى هذين المقالين الفظيعين على مصادر تاريخية قديمة للغاية كالطبرى وغيره ولم يتطرق اليهما أدنى شك في صحة ما تم تدوينه فى تلك المصادر التاريخية ( !! ) لدرجة أنهما يبنيان عليها استنتاجات كارثية تصور مدى جهل ودموية وهمجية الفاتحين وأمورا أخرى باطنة كالتى وردت فى هذين المقالين ..

ألا ترون هذا موقفا غريبا يحتاج لتفسير ؟!

 ولما وجدت نفسى غير مستعد لقبول كل ما ورد فى هذين المقالين فقد تطلعت لإشراككم فيما يكابده ضميرى من صراع وألم ومرارة ..

اليكم المقال الكارثة للدكتور سيد القمنى .. وهو مقال طويل ويحتاج لاستعداد وصفاء ذهنى كامل .

 قمة ال ( 17 ) 

 للدكتور سيد القمنى

في انتصارات سريعة كاسحة , تمكنت أسراب الجيوش العربية من احتلال العراق وفلسطين والشام , استخدم فيها الغزاة القوة والقسوة المفرطة , وهو تعبير حديث مخفف عن المجازر والمحارق الهائلة التي نفذها الغزاة بحق شعوب البلاد الموطوءة , مع عمليات نهب يندر في التاريخ الإنساني مثلها , إضافة لنموذج تلك الجيوش الفريد في استباحه الأعراض وسبي الذراري والنساء في مواقع كثيرة حاول فيها اهالي البلاد المفتوحة الدفاع عن ممتلكاتهم أو أعراضهم.
وفي يوم تاريخي استتب فيه الشأن ليثرب , لتتحول من موطن لتجمعات قبلية الي عاصمة لأمبراطورية في زمن قياسي , اعلن الخليفة عمر بن الخطاب عقد قمة للنصر , دعي اليها كل من عبد الرحمن بن عوف , والزبير بن العوام , وطلحة , وبلال بن رباح ومعاذ وعلي بن ابي طالب وابن عمر، والسبعة كلهم من قريش , اضافة الي خمسة من الأوس ، ومثلهم من الخزرج ، ممثلين للانصار ، لتنعقد في جبين التاريخ القمة الإسلامية الثانية بعد قمة السقيفة...........هي قمة الـ (17).
ان اجتماعا بمثل هذا المستوي الرفيع , وبمثل القدسية المشتملة تحت اسماء حضور القمة ومكانتهم في الدعوة ومكانهم بين العرب :
• لاشك كان لبحث مسئوليات جسام بعد تلك الفتوحات الميمونة المباركة.
• و أيضا لاشك أنه كان بغرض هدف عظيم من أهداف الدعوة والأمة والدين.
• و ايضا لاشك بالفرض الحتمي ان اجتماعا بهذا المستوي كان سيضع نصب عينيه تداول ما تم انجازة من اعمال الجهاد , وتقييم تلك الأعمال ، لدرس ما امكن تحقيقه من اهداف سامية مقدسة.
• و أيضا لاشك بالفرض انه كان علي جدول الأعمال النظر في مختلف الطرق لإبلاغ العالم كله بالدين العالمي الجديد , وتبليغ البشرية في كل المعمورة باهدافه السامية ومقاصده الشريفة وتفاصيله النبيلة. ترغيبا لسكان العالم للمسارعة في اللحوق به.
• بالفرض أيضا لابد ان تكون القمة قد أدرجت علي بنودها مناقشة امكانية تشكيل لجان متفرغة من كبار الصحابة الأجلاء , لكتابة المصاحف التي ستحتاجها البلاد المفتوحة ليعرف اهلها تفاصيل دينهم الجديد , مع لجان أخري تكون من مهامها القيام بوضع الشروح والتبيان والترغيب
• بالفرض كذلك ربما لا يفوت هذه القمة مدارسة إمكان افتتاح كتاتيب في البلاد المفتوحة , وتزويدها بالفقهاء والمعلمين المتخصصين من صحابة رسول الله , كرامة لهم وكسبا للثواب. وربما أمكن التفكير في تشكيل لجان تقوم بنسخ المقدس الاسلامي وترجمته ,
• مع تكليف فريق آخر للقيام بمهمة الوعظ والارشاد في البلاد الموطوءة , وان يعملوا بقوت يومهم فقط , رغبة في الثواب الأعظم عند الله تعالي.
• ربما أيضا لو اتسع الوقت في هذا الاجتماع التاريخي , وما أوسع الوقت أيامهم , ان يتم وضع الخطط لإقامة المعاهد الإسلامية في مكة والمدينة لاستقبال البعثات الوافدة من البلاد الموطوءة ، طلبا للتفقه في الدين ودرس اللغة العربية واصولها ، وهو ما يستتبع التفكير في توفير سبل الإقامة لهم بانشاء مدينة للبعوث القادمة من بلاد الكفر الي الأرض المقدسة , حتي يعودوا الي بلادهم مسلمين صالحين عارفين مجتهدين , مع امكانية فتح فروع لمعاهد الجزيرة في العواصم المفتوحة , للقيام بذات المهمة السامية الشريفة.
• وبالفرض ايضا كان لابد ان يدرج علي جدول اعمال هذه القمة ، بحث تأهيل العاصمة لاستقبال ابناء الطبقات الأرستقراطية في البلاد الموطوءة ، لتثقيفهم بالإضافة الي الدين باصول البروتوكول العربي والإتيكيت والأدب الإسلامي ليتأدبوا بأدبه , ليكونوا عند عودتهم الي بلادهم سفراء للعرب وللاسلام. كما كان يفعل الفراعنة عندما كانوا يأخذون أبناء الملوك والارستقراطية الي مصر , ليثقفوهم بثقافتها فيربونهم بالقصر الملكي مع الحاشية الملكية ، لاحداث تقارب ثقافي يضمن ولاء الاجيال التالية لمصر عندما يعودوا حكاما علي بلادهم , مما ينتهي الي تعايشهم معها في سلام. وقد كان العرب علي اتصال بتلك الحضارات المحيطة ببلادهم , وكانوا يرسلون أبناءهم قبل الاسلام لتلقي المعارف في بلاد تلك الحضارات ، فعلموا سيرتها ومناهجها , فكانوا يذهبون للدراسات الأولية في مدرسة جنديسابو الشهيرة. ليلتحقوا من بعد بالتعليم العالي في جامعة الإسكندرية المصرية الأشهر , وقد وصلنا من كتب السير والأخبار أسماء لعرب أثرياء درسوا في تلك المعاهد والجامعات ، مثل : النضر بن الحارث وعقبة بن ابي معيط اللذين تم قتلهما أسري في وقعة بدر الكبري , وهو ما يفيد بمعرفة العرب بشأن المدارس ومعاهد العلم ولم تكن شأنا مجهولا لديهم.
• علي جدول الأعمال لابد أن نفترض بنودا وضعت نصب أعينها أهداف هذا الدين القيم لجلوها نبيلة مضيئة خلابة , كاتخاذ الإجراءات السريعة الكفيلة برفع الجور والظلم عن كاهل الشعوب المفتوحة , التي عانت كما تقول كتب التاريخ العربي من ظلم حكام الطاغوت فرسا وروما , بإقرار العدالة في تلك البلاد وترسيخ المساواة والإخاء بين شعوب الإمبراطورية ، تحقيقا لمبدأ "كأسنان المشط" و إعمالا لقول النبي "كلكم لآدم , وآدم من تراب" ، بدءا بتخفيض الجباية عما كانت علية زمن الطواغيت لرفع المعاناة عن المعوزين والضعفاء. ثم تأسيس المساواة بتحرير عبيد البلاد المفتوحة المستذلين ، مما يكسب الفاتحين صيتا يليق بدين الحرية والإخاء والمساواة والعدل بين الناس , لتحقيق مبدأ لا فضل لعربي علي أعجمي ، وهو أمر يسير لن يخسر العرب معه شيئا.
• كان محتما أيضا ان يتذكر حضور القمة خاصة الاعضاء القرشيين السبعة ، معاناة مهجرهم من مكة الي المدينة , ومؤآخاتهم مع الانصار باقتسام الطعام والمسكن والزوجات ، فيرفقون بأبناء الشعوب المفتوحة لتجنيبها مرارة التجربة التي خاضها الصحابة الكرام البررة ، احقاقا للعدل , باعادة توزيع الثروات بين الناس في تلك البلاد وفق المبدأ الاسلامي الرفيع في المؤآخاة , دون أن يخسر الفاتحون شيئا , بل أن كسبهم لدينهم ومبادئهم هو النتيجة المحتومة ، وحتي تكتسى الدعوة الاسلامية النزعة الانسانية التي تبين فضل الاسلام علي غيره من الأديان , مع تبيان فضل الاستعمار العربي علي غيره من ألوان الاستعمار الشركي الطاغوتي , تحفيزا لهذه الامم للدخول في دين الله افواجا.
كل هذه الفروض البسيطة التي تؤكد الدين وتنشر قيمه لم يكن أيا منها علي جدول أعمال هذه القمة القدسية المشرفة!!!
فلم ينشغل الأعضاء لا بإرسال القرآن ، ولا الشراح ، ولا الدعاة , ولم يخطر لأحدهم استجلاب البعوث لمكة والمدينة لتلقي العلم , لانه وحتي بعد انجلاء هذا الاجتماع التاريخى , وحتي زمن طويل بعده , لم يرد من البلادة المفتوحة الي الحجاز سوي الذراري والسبايا الحسان ، لركوبهن... وليس لتفقيههن في الدين. بينما ذهب ملوك العرب وامراؤهم في زماننا هذا ليتلقوا العلم في بلاد الغرب , وتخرج أكابرهم من أكاديميات كبري مثل سانت هيرست في بريطانيا ، ولم يركبهم أحد هناك ، علي الأقل فيما هو معلوم ومعلن!!
هنا فجوة كبري هائلة بين تصوراتنا اليوم وبين تصورات ذلك الزمان البعيد ومفاهيمه , لان كل الافتراضات المبنية علي مفاهيم اليوم حول ما كان واجبا أن تهتم به قمة الـ (17) ، لم تكن في مخزون العربي الثقافي في تلك الازمان.
و يزداد ابتعاد المفاهيم الاسلامية عن تلك الفروض عندما نتذكر ان ذلك الذي حدث كان في القرن السابع الميلادي , قد حدث في مكان من نوع خاص ، وانه لم يحدث في روما وقوانينها ولا فى اثينا وديمقراطيتها ولا في الاسكندرية وعلومها ولا في بيروت وابجديتها ولا في جنديسابور ولا في نينوي ، وانما كان في بلاد كان اهلها يأكلون بعضهم ويغزون بعضهم ويركبون بعضهم ، حتي جمعهم الاسلام محولا طاقاتهم العنيفة نحو خارج الحجاز، ليأكل بهم كنوز كسري وقيصر حسبما أكد الحديث النبوي التنبؤي.
لقد كانت قمة الـ(17) قمة هامة بلا شك بل هي القمة الثانية في تاريخ الصحابة بعد قمة السقيفة , كانت قمة مصيرية تأتي بعد الفتوح والانتصارات لتتوجها , وهي بمعني من المعاني تعادل في ظرفها الموضوعي ، قمة الحلفاء بعد انتصاراتهم في الحرب العالمية الثانية , و لكن في زمن مختلف وثقافة مختلفة ، بل ان العرب كانوافى زمانهم يتخلفون درجات عظمي عن ثقافة ناس زمانهم في محيط الجزيرة الحضاري الذي احتلوه.
فقد اثمرت قمة الحلفاء المنتصرين في 12 اغسطس عام 1949 ميلادية عن اتفاقيات ومواثيق لحماية الإنسانية من حروب أخري ، وعن الأمم المتحدة , وعن مواد في مواثيق جنيف , ومنها المادة (14) التي تؤكد انه "لأسري الحرب حق احترام اشخاصهم وشرفهم في جميع الاحوال ويجب معاملة النساء الأسيرات بكل الاعتبا" , والمادة (34) التي نصت علي أن "يترك لأسري الحرب حرية كاملة في ممارسة شعائرهم الدينية الخاصة بعقائدهم , كما تعد لهم اماكن مناسبة لاقامة شعائرهم الدينية". وهو ما يضمن للمهزوم الحفاظ علي دينه وشرفه وعرضه ، وان من قرر ذلك هم المنتصرون الذين اتبعوا ذلك بمشروع مارشال لدعم المهزومين علي كل المستويات ، لإعادة تعمير مادمرته الحرب في البلاد المهزومة.
اذن ومع مراعاة فروق الزمن وفروق الثقافات يمكن مراجعة مادار في هذه القمة التي حضرها اشخاص مقدسين في تاريخ الاسلام ، خاصة التيار السني الذي يري نفسه نهاية واكتمال كل حضارة سامية ونبيلة ممكنة.
كان علي جدول أعمال قمة الـ (17) أربع بنود فقط تلخص موقف العرب الفاتحين ومفاهيمهم وطريقة تدينهم وتقواهم، أربع بنود كان سببها اربع رسائل وصلت الي الخليفة العادل عمر بن الخطاب. وهي علي الترتيب:
البند الاول: كتاب سعد بن أبي وقاص الي الخليفة ينبئه بأن الناس (أي العرب الفاتحين) قد سألوه أن يقسم بينهم مغانمهم وما أفاء الله عليهم.
البند الثاني كان كالأول كان مدارسة كتاب أبي عبيده بعد فتح الشام يخبر الخليفة ان المسلمين الفاتحين قد سألوه أن يقسم بينهم "المدن وأهلها" ؟؟!!
البند ثالثا مثل أولا وثانيا ، فكان طلب الجند الموفدين من الجيش الفاتح للعراق بنصيبهم. ومثل أولا وثانيا وثالثا كان
البند رابعا ، كان مدارسة طلب بعض الصحابة أن يقسم الخليفة الأرضيين المفتوحة علي الصحابة كما كانت تقسم غنيمة العسكر , كما حدث في خيبر.
الملحوظة التي تفرض نفسها هنا أن الرسائل الاربعة قد أجمعت علي الكلام نفسه ، وعلى المطاليب ذاتها. من كان بالشام أرسل يطلب ما طلبه من كان بالعراق , ولم يكن عندهم موبايلات ولا وسائل اتصال بينهم ليتم الاتفاق علي هذه المطاليب بهذا التوافق الدقيق , وهو ما يفصح عن كون هذه المطاليب كان من المسائل المنتهية ، المتفق عليها سلفا ومفروغا منها لأنها قواعد جهادية عسكرية تم تطبيقها من قبل , وان تقسيم الأرضيين هو شرع وسنة عن النبي كما فعل في توحيده بلاد الحجاز وخاصة ما حدث في خيبر.
لكن ذات الصحابة قد خاضوا مع نبيهم فتح مكة , وكان أهلها هم الطلقاء؟ فلماذا لم يتصور أيا من الصحابة في مصادرهم الاربعة إمكان معاملة البلاد المفتوحة بمادة مكة؟ خاصة اذا اخذنا بالحسبان ان شعوب البلاد المفتوحة حتي الفتح كانوا هم الاقرب الي صحيح الدين بالمفهوم الاسلامي ، فقد كان معظمهم علي آخر ديانة سماوية رسمية هي المسيحية , اي كانوا علي الدين الصحيح حتي زمن الفتوح , بينما كانت مكة أكبر معقل في العالم حينذاك للوثنية والجهل والتوحش.
كانت العدالة تفترض معاملة أهل البلاد المفتوحة معاملة مكة مع ما فرضه الله علي مسلميه من المودة والرحمة للقسيسين والرهبان , وكان للنبي فيهم يهودا ومسيحيين صهرا ونسبا ، بل ونالت مكة ميزات اضافية فبعد اطلاقهم سالمين بأوامر الاخ الكريم وابن الاخ الكريم (ص) , فقام النبي يشتري ايمانهم بالمال تألفا لقلوبهم , فلماذا اختار الفاتحون لبلادنا القتل والذبح والاسر والسبي والمغانم والفىء ، ولم يختاروا لنا مادة مكة ولم يتألفوا قلوبنا بالمال؟ لماذا لم يشترونا ؟؟؟؟ وهي بالاضافة لكونها سنة نبوية ونموذجا من نماذج الفتح المطروحة ، هي ايضا فرض علي المسلمين حسب نص الآيات؟
لقد عامل الفاتحون أهل الكتاب في البلاد المفتوحة معاملة أشد سوءا وبشاعة وقسوة , كان موقفهم بعيدا حتي عن قواعد العدل في الحرب حسب الشريعة الاسلامية نفسها، حتي ذلك الوقت كنا أولي بمادة مكة لا بمادة خيبر , حتي لا يحسب الناس الأشرار ان اطلاق الوثنيين المكيين وشراء ايمانهم ، كان لسبب عاطفى اوعنصري لقرابتهم من النبي. كان العدل هو معاملة البلاد المفتوحة بمادة مكة حتي لا تحسب عصيبة قبلية لا علاقة لها بالدين وكرامته..... لقد كانت حكاية إنقاذنا من الظلم علي يد العرب هي اكبر كذبة شريرة في التاريخ الأنسانى كلة.
كان هذا هو جدول أعمال قمة الـ (17) , ولم يسجل ان أحدا في هذا الاجتماع قد تقدم بطلب احاطة عن الفرد المسلم ، والمرأة المسلمة ، والمجتمع المسلم ، وأحوالهم في البلاد الموطؤة , وهو ما يطلبه كل المشتغلين علينا بالدين في أيامنا هذه. يريدون لنا : الفرد المسلم و المراة المسلمة ،والمجتمع المسلم ، ان الأخوان المسلمين يطلبون لنا ما لم يطلبه لنا الصحابة الأجلاء في زمن الاسلام الذهبي.
لقد كان الخليفة عمر بن الخطاب يعادل في زمنه الرئيس الامريكي جورج بوش اليوم , لكنه كان زمانا له قيمه المختلفة , التي حملها شعب لا علاقة له بالحضارة خرج من بيئة متبدية وثقافة بدائية، زمن لم تكن فيه امم متحدة لتراقب ، ولا مجلس أمن ليحاسب ، ولا ضمير عالمي قادر علي اعلان صرخته الاحتجاجية.
كانت قمة الـ (17) اجتماعا يليق بزمانها وبأصحابها , اصحابها الذين نسوا تماما وبالمرة الهدف الذي كانوا يفتحون البلاد من أجله ، وجلسوا يتباحثون في توزيع الارضيين والبشر اطفالا ونساء والبهائم بينهم فيئا.
قد يذهب حسن الظن بالقارئ هنا الي أن الفاتحين قد فتحوا البلاد ثم جلسوا هناك ينتظرون موافقة قمة الـ (17) لينالوا فيئهم وغنائمهم , و هذاهو الخطأ نفسه ،لان الفاتحين قد نالوا غنائمهم علي أرض المعركة فورا مع كل موقعة ومع كل مدينة ومع كل قرية ومع كل رجل أو امرأة أو حتي طفلا. لقد كانت مطالبهم أبعد من ذلك , كانت مطالبهم بعد كل ما غنموه وسلبوه وسبوه هو الارض بمن عليها , كانت مطالبهم قسمة الارضين عليهم بعد أن أفاءها الله عليهم بسيوفهم.
يحكي ( أبو هريرة الدوسي) ما أصاب الصحابة من الدهش والحيرة والفجأة لما أصبح بين أيديهم , فيقول:" قدمت من البحرين (ساحل الاحساء حاليا) بخمسمائة ألف درهم , فأتيت عمر بن الخطاب (رضي) ممسيا , فقلت: يا أمير المؤمنين اقبض هذا المال. قال: كم هو؟ قلت خمسمائة ألف درهم , قال: أو تدري كم هي الخمسمائة ألف؟ قلت : نعم , مائة ألف خمس مرات , قال: أنت ناعس , اذهب الليلة فبت حتي تصبح. فلما أصبحت أتيته فقلت: اقبض هذا المال , قال: وكم هو؟ قلت خمسمائة ألف درهم , قال: أمن طيب هو؟ قلت: لا علم لي بذلك، قال الخليفة: أيها الناس قد جاءنا مال كثير , فان شئتم أن نكيل لكم كيلنا , وان شئتم أن نعد لكم عددنا / أبو يوسف , الخراج 49".
كان هذا المال قادما من منطقة هي الاشد فقرا في الجزيرة ، وليست بغني بلد كالعراق أو الشام ، فقد غنموا بعد ذلك ما كان يصيب بالبهتة , فجاءوا من خزائن كسري بثلاثة ألاف ألف ألف ألف دينار , ووجدوا بالقصر من التحف والأمتعة ما لا يقيم بمال ، من ثياب منظومة بالجواهر الي حلل مكللة بالديباج منظوم فيها الؤلؤ.
هذا غير ما غنمه المحاربون الفاتحون مباشرة بالاستيلاء عليه ، فكان جيش سعد بن أبي وقاص من ستين ألف فارس أصاب كل فارس ثنتا عشر الفا , ثم أن سعدا بعدما أصاب أهالي البلاد المفتوحة الذعر !!!! ، قتفرقوا هاربين بجلودهم فزعا ، قام فقسم المنازل والدور بين رجاله وأنزل العيالات (القبائل الزاحفة من الجزيرة لخير الفرات) في الدور فأقاموا بها ، وهو ما يذكرنا بحكاية دير ياسين وقيبة وكفر قاسم , نفس الممارسة ردا علي ذات الفعال. انها ثقافة البداوة المقدسة المعلومة عند كليهما..... أليسا بنى عمومة ؟ وإن العرق دساس كما قال النبى محمد.
عن موسي بن يزيد قال: " حمل أبو موسي الاشعري الي عمر بن الخطاب (رضي) ألف ألف , فقال عمر: بكم قدمت؟ قال بألف ألف , فأعظم عمر ذلك وقال: هل تدري ما تقول؟ قال: نعم , قدمت بمائة ألف عشر مرات , فقال عمر: لئن كنت صادقا ليأتين الراعي نصيبه وهو باليمن / أبو يوسف , 50".
ان هذا المال الذي كانت كثرته كفيلة بالإقناع انه " من طيب هو!! قد جاء بلاد العرب حلالا زلالا وفق شريعة الجهاد الخيبرية , خالد بن الوليد مثلا فتح حصنا لمدينة صغيرة بالعراق تدعي بانقيا , فقتل كل من كان فيه من الرجال , وسبي كل من كان فيه من الاطفال والنساء ، ثم امر باحراق الحصن وهدمه لتذروه الرياح , ثم قرر علي أهل القرية جزية سنوية مقدارها ثمانين ألف درهم ( أبو يوسف 157) , فاذا كانت تلك القرية العراقية المنكوبة المنكورة قد تقرر أن تدفع هذا المبلغ بعدما سلبت ونهبت وخربت ، فكم بالحري كان يدفع العراق كله ، أو الشام كله ، أو مصر كلها؟
عاد العراق برزقه الذي "من طيب هو" لكل فارس محارب بأربعة عشر ألفا , ولكل محارب راجل سبعة الآف ومئة سهم، وأسهم لعيال الشهداء والنسوان من صلب هذه الفئ (اليعقوبي 2/145). أي انه كان علي المفتوحين أن يدفعوا دية الميت الفاتح ، وأن يعولوا عياله ونسوانه..... , هل تذكرون صدام حسين عندما كان يأخذ ثمن الرصاصة من اهل المقتول بعد أن يقتل أمام عياله؟ يبدو أن صدام كان خليفة زماننا النموذجي !! هذا رغم أن توزيع مال الفئ علي العيال والنسوان مخالف لشريعة الجهاد ، لانهم لم يوجفوا مع المجاهدين لا بسيف ولا ركاب حسب الشرع القرآني ، أما مدينة المدائن الشهيرة فقد فاضت بـ " طيبها الحلال" فأصاب الفارس في الموقعة ثنتا عشر ألف , وكانوا ستين ألف فارس (الكامل في التاريخ ج2 , ص 518).
أما النساء السبايا من المليحات من شوام وعراقيات وفلسطينيات ، فترصدهم لنا كتب التاريخ الاسلامي وكتب الخراج بأيما فخر وأيما اعتزاز , فسبي خالد في سيره من الحيرة بعد انهائها من الوجود الي دمشق , الف رأس منتقاه , وسبي من دمشق وحدها خمسة آلاف رأس من النوع الأبيض الأشقر الذي يعشقه العربي , أما بنات جلولاء الحرائر فقد فاضوا سبيا وخيرا عميما تم توزيعه علي الاعراب فى مضاربهم بالجزيرة ، وفاضت السبايا من جداتنا وامهاتنا البعيدات، حتي أتي الإعرابي لذته نصيبا وهو مسترخ على مؤخرة بعيره باليمن.
وبين أهازيج الفتوح ، ومفاخر الفاتحين ، تجد نوادر يتامي ممن ذهبوا للفتح فلم يروا في هذا الجهاد ما رآه السادة من الصحابة , مثل ذلك الذي اسمه ثعلبه ، الذي عاد ليخطب في مسجد بني حمان مقسما قائلا: " لله علي ألا أرجع الي سواد العراق مما رأيت فيه من الشر/ القرشي /الخراج/45".
المشتغلون علينا بالدين يؤكدون أن أهم أهداف الفتوح الاسلامية هو
• تحقيق العدل ،
• و اقامة المساواة ،
• و نشر الحريات ،
• و ترسيخ الإخاء،
• و حقوق الانسان ،
• و القضاء علي العبودية.
لكن يبدو ان تلك الاهداف لم تكن واضحة لصحابة رسول الله في زمنهم , فلم يخطر لأحد من هؤلاء الصحابة الكبار أن يطرح أيا من تلك الاهداف ولو في مداخلة استفسارية فى قمة ال(17) التى عقدها الخليفة عمر بحضور سبعة عشر من كبار الصحابة. لم يطلب الصحابة المساواة والاخاء والعدل والقضاء علي العبودية في بلادنا الموطوءة , بل طلبوا بوضوح ودون أي تزويق ، ودون أى تحرج انعدام المساواة وانعدام الاخاء وانعدام العدالة بالكلية مع مزيد من العبودية , طالبوا بامتلاك الارضيين بمن عليها سادة كانوا أو عبيدا ، ملكا خالصا لهم يورثونه أولادهم وأحفادهم كريم لكريم وشريف لشريف وكابر لكابر.
الفرق بين هذة القمة وقمم الدنيا كلها أن قرارات الـ (17) كانت قرارات مقدسة , تحولت الي قوانين شرعية استفاضت في تشريعها وتسنيدها كتب الفقه علي مختلف مذاهبها , وما ترتب علي ذلك بالضرورة أن أصبحت قرارتها أبدية.
يحكي أبو يوسف في الخراج (ص 24) وأبو عبيده في كتاب الاموال (ص 59) ما توصل اليه المجتمعون في قمة الـ (17) بقولهما : "و الذي رأي عمر الامتناع عن قسمة الارضيين بين من افتتحها".
أما كيف انتهي عمر الي هذا القرار , فقد حدث : " عندما عرفه الله ما كان في كتابه من بيان ذلك , توفيقا من الله كان له فيما صنع , وفيه كانت الخيرة لجميع المسلمين (يقصد العرب). وفيما رآه من جمع خراج ذلك وقسمته بين المسلمين لعموم النفع لجماعتهم , لان هذا لو لم يكن موقوفا علي الناس (العرب) من الأعطيات والأرزاق لم تشحن الثغور , ولم تقو الجيوش علي السير في الجهاد ".
واضح ان الاهتمام تركز في نهاية اجتماع هذه القمة كما كان في بدايتها , علي الاعطيات والارزاق للعرب , وتقوية جيوشهم في الثغور حتي لا يعود الروم أو الفرس لاختطاف الفريسة مرة اخري. الاهتمام بالمنافع المادية والاعطيات والارزاق دون اي اشارة توضح أى اهتمامهم من جانب أى واحد فيهم بالدين ذاته وحقوقه والعبادات واصولها وحقوقها. وقد تأكد لأبي يوسف وابي عبيده ان الله قد أظل قمة ال(17) بظله. بل وشارك فيها بفعالية , فقام بتعريف عمر بن الخطاب بالصواب توفيقا منه , وهو أن تتحول الارضيين من فيئ يوزع علي المحاربيين حسب شريعة الجهاد , الي فيئ موقوف علي العرب كملكية عامة علي المشاع بجميع أجيالهم ، الي أن يرث الله الارض ومن عليها. وكانت هذه المشاركة السماوية فى قمة ال(17 ) بغرض تسديد عمر وإلباس قرارة رداء قدسيا بهذه القمة المباركة. وهو ما سيطبق بعد ذلك علي مصر بعد فتحها. حين رفض عمرو بن العاص مطلب الزبير بن العوام بتقسيم مصر علي الفاتحين. وإعماله التوصيات التي انتهت اليها القمة بشأن بلاد الشام والعراق. ولم يقم بعد هذه القمة أي خليفة بمحاولة تغيير في هذه التوصيات , فلم يغير من بعد عمر لا عثمان ولا علي ، لانهما كانا من أعضاء القمة ووافقوا علي ما انتهت اليه من توصيات. وكان (علي) يقول في خلافته بهذا الخصوص : "ان عمرا كان رشيد الامر , ولن أغير شيئا وضعه عمر". وهو ما استمر قائما في الزمن الأموي والعباسي والعثماني , ولم تسترد هذه الشعوب مقدراتها وارضها وحدودها الا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية , وبسبب الاتفاقية المعروفة باسم سايكس بيكون ، التى يصفها القوميون والإسلاميون ب (المشؤمة) !!
ان القوميين ومشايخ الدين وكل فرق الفاشية العنصرية والطائفية تحمل بشدة علي اتفاقية سايكس بيكون ويصفونها بالملعونة , لكنهم لا يقومون اخلاصا للمبدأ القدسي ومداً لحبل الإيمان علي استقامته ، بسداد جزية بلادنا للحجاز التي هي القيمة الإيجارية لأصحاب الحق القدسي في بلادنا , و كذلك لا يرسلون نسواننا لمتعة العربي في الحجاز و الى الراعى المسترخى على مؤخرة بعيرة فى اليمن , ولا يرسلون بنات جلولاء وصبايا دمشق من الشوام وعذارى دجلة والفرات لاصحاب الحق في ركوبهن........... , حتي يكون لكلامهم معني !! , وحتي يتموا صحيح الدين ان كان الدين هو شاغلهم حقا. وعليهم ايضا اعلان التراجع الكامل بل واعلان الأسف و الخجل من اطماعهم في كراسي الحكم في بلادنا , لانه لن يكون (مع مد الخيط علي استقامته) لغير قرشي حسب نص الحديث الصحيح مرويا عن ابى بكر " لخلافة فى قريش". هذا مع علمهم ان منهجهم يفترض أن إعلاء كلمة الله هي الأهم من كل مشاغباتهم السياسية وجرائمهم التي ترتكب كل يوم في حق الانسانية , وانها الاعلي من كل المنافع والمناصب الدنيوية التي يصبون اليها.
أهل الدين والمسترزقون به يسلكون مسلك السلف في طلب منافع الدنيا , و يريدون تزوير الشريعة بطلبهم الحكم وهو ليس لهم. والدليل انهم لا يتمون هذا الشرع بارسال حق الوقف لأصحاب الوقف الشرعيين في الحجاز ، لانهم ليسوا بأصحابه , بل هم انفسهم فيئ ضمن الفيئ وعليهم دفع ضريبة رؤوسهم لأهلها، فهم ليسوا اكثر من عبيد ،لا يحق لهم مجرد القول أو ابداء الرأي. ولعل أهم ما يميز قمة الـ (17) عن قمم العرب التى نعرفها في أيامنا هذه , انها قد صاحبتها إجراءات تنفيذية فورية لتطبيق التوصيات دون تسويف أو مماطلة أو تأخير. فقد انتدبت القمة رجلا مجربا محنكا في قياس الاراضي وتقويم جودتها هو (عثمان بن حنيف) , وأمدته بمساعد خبير بذات الشأن هو ( حذيفة بن اليمان) , وامرهما الخليفة بعمل قياس مساحي لاراضي السواد بالعراق , وعمل تقدير لقيمتها الخراجية موزعة علي الوحدات بدقة تحقيقا للعدالة , ومنعا للجور والظلم الذي قد يؤدي بالعربي الي أخذ نصيب اكثر من أخيه العربي , أو أكثر مما يستحق حسب منزلته في التراتب العربي لمنازل الناس وطبقاتهم ، ذلك التراتب الذي كرسه الخليفة عمر في توزيع هذا الفيئ , فقد وجد ان مساحة سواد العراق 36 ألف ألف جريب , اي 36 مليون جريب , فوضع علي كل جريب من الحنطة قفيرا ودرهما , أو أربعة دراهم وعلي كل جريب شعير درهمين , وعلي كل جريب كروم عشرة دراهم , وعلي النخل 8 والقصب 6 والرطب 8 , وفي ذلك يقول الشاعر زهير بن أبي سلمي:
تغل لكم مالا تغل لاهلها قري بالعراق من قفير ودرهم
بعد حصر الغلة جاءت مرحلة التوزيع , ومن أجل هذا التوزيع وليس من اجل نشر الدين تم تشكيل اللجان , " فدعي عمر (عقيل بن أبي طالب) و( مخرمة بن نوفل) و( جبير بن مطعم) , وكانوا من نسابة قريش , وقال لهم: " أكتبوا الناس علي منازلهم " , اي أن المسلمين انفسهم لم يعودوا كأسنان المشط , بل اصبحوا رتبا ومنازل ودرجات وطبقات , وهي منازل لا تعتمد علي مدي التقوي أو الايمان ودرجتة ، ولا علي حسن السير والسلوك ولا علي مدي الزهد والورع انما هي رتب عصبية قبلية جاهلية ، أولها المهاجرون من قريش يتوارثون ذلك في اجيالهم ونسلهم , وهم بدورهم رتب فأولهم من حضر غزوة بدر , ثم هاشم ثم بقية قريش , ثم الأنصار , ثم عرب الشمال , ثم عرب الجنوب.. الخ
انظر معي قارئي ونحن علي المائدة الاسلامية والأكالون (بتشديد الكاف ) بيعزموا بينا علي بعض : " سأل عمر: بمن أبدأ؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: أبدأ بنفسك. قال:لا , لكني أبدأ ببني هاشم , فبدأ بالاقرب من رسول الله والاقربون أولي بالمعروف , ففرض للعباس ثم لعلي , ثم والي بين خمس قبائل حتي انتهي الي الانصار.. وكان يفضل في العطاء علي قدر السابقة في الاسلام , وعلي قدر القربي من رسول الله , ولكل من شهد بدرا 5000 درهما في السنة , وكل مهاجر قبل الفتح 3000 درهما. ولمن أسلم بعد الفتح 2000 درهما.
وفرض لنساء المهاجرين والانصار 600 , ولعيال المقاتلة وذراريهم العشرات , ولكل مولود يولد 100 درهم , وقال عمر: لئن كثر المال لافرضن لكل رجل اربعة آلاف درهم , ألف لفرسه , وألفا لسلاحه , وألفا لسفره , وألفا لخلفها في أهله ".
وهكذا ومع الفتوح الاسلامية المباركة ظهر في التاريخ لاول مرة جماعة بشرية , تري نفسها المالك الوحيد للبلاد التي تحتلها بما فيها من اراضي وبما علي الارض , اقرأ معي " روي الشعبي , قال: اشتري عتبة بن فرقد ارضا علي شط الفرات , فذكر ذلك لعمر بن الخطاب , فقال له: ممن اشتريتها؟ قال: من أربابها. فلما اجتمع المهجرون والانصار عند عمر قال عمر: هؤلاء أربابها , فهل اشتريت منهم شيئا؟ قال: لا , قال عمر: فردها علي من اشتريتها منهم وخذ مالك ".
ويشرح الماوردي ما ذهب اليه الامام الشافعي فيما انتهت اليه قمة الـ (17) من قرارات , فيقول: " الظاهر من مذهب الامام الشافعي رحمة الله في سواد العراق , انه فتح عنوة واقتسمته الغانمون ملكا لهم وحدهم , ثم تنازلول استنزلهم عمر عنه فنزلوا ( اي تنازلوا عن حق الملكية الفردية مع الاحتفاظ بحق عائده كوقف لملكية العرب الجماعية) الا طائفة رفضت فاستطاب نفوسهم بمال عوضهم به عن حقوقهم؟!! فلما خلص للمسلمين ضرب عليه عمر الخراج ".
و(الخراج) بحسبانه بديلا عن حقوق العرب في امتلاكنا ملكية البعير والماعز والنساء والعبيد , كلمة تحتاج الي تعريف دقيق أو بالأحرى هى بحاجة لفض وفضح مصطلحها الدلالى , فالخراج هو الكلمة التي تدل علي غلة العبد أو الأمة عندما يفيض العبيد عن حاجة السيد , فيتفق السيد والعبد الزائد عن الحاجة علي اطلاقه يعمل فيما يجيده في الاسواق , فيقال فلان خارج غلامه , اي اتفق معه علي ضريبة يؤديها العبد المخارج لسيده كل يوم خراجا , ويكون مخليا بينه وبين العمل فيقال له: عبد مخارج. فالخراج هو غلة العبد المخارج , ومن ثم تم اعتبار شعوب البلدان المفتوحة عبيدا مخارجين يدفعون غلة العبد لمالكي رقابهم خراجا , يقول بن الاثير:" قال رسول الله لعمه أبا طالب: ألا أدعوهم الي كلمة تدين لهم بها العرب , ويملكون بها رقاب العجم / ج2 ص 23 , 24 ".
كان الخليفة عمر بن الخطاب بحسبانه رئيس قمة الـ (17) يعمل بآيات القرآن :" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتي يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون /29/التوبة ".
الآيات لم تقل "حتي يسلموا" وهو دليل عدم إكراه في الدين , الاكراه فقط في دفع الخراج ضريبة رقبة عبد مخارج , لهذا يتضح السبب في عدم تطرق قمة الـ (17) لمسائل الدين ونشره والدعوة اليه. كانت قمة من أجل الغنائم ليضمنوها شرعا قدسيا لهم ولنسلهم من بعدهم. نفس حكاية ابراهيم وربه في التوراة عندما منحه ربه الارض قائلا:" لنسلك اعطي هذه الارض من نهر مصر الي النهر الكبير نهر الفرات/ سفرالتكوين". اما المسلمين فلم تكن للارض المملوكة لهم ولنسلهم حدودا , كانت أرضهم المعمورة كلها , وغير المعمورة ،المسكونة وغير المسكونة.
ظل العبد المخارج شرعا معمولا به وأحد معالم الاسلام في الحجاز حتي اليوم , كل ما في الامر انه تم اعطاءه تسمية جديدة هي (الفيزا الحرة) التي يستورد بها السيد السعودي عددا من العمال من مصر أو الشام أو السودان أو العراق , ويطلقهم للعمل وعلي كل عامل أن يسدد لسيده كل شهر مبلغا من المال يشرطه السيد عليه , ولا يحصل علي جواز سفره الا بعد أن يسدد لسيده كامل غلة العبد المخارج , وتحيا الأمة العربية!!
وبعدما ملك العرب رقاب العجم , فان خليفتهم الذي وزع علي عرب الجزيرة هذه الاموال والنساء الوافدة من البلاد المفتوحة , لمن شاء عد , ولم شاء كال بمكيال , هو من مات قتيلا بسبب مالا يزيد عن درهم أو درهمين.
فبعدما حطم العرب العروش شمالا وشرقا وغربا , سقط في ذل الاستعباد أبناء تلك البلدان بعدما كانوا يعيشون في بلدانهم أحرارا. ومن بين نكدي الحظ كان (فيروز أبو لؤلؤة) المانوى لذلك يلقب بالمجوسى ، والمانوية نحلة متطورة من الزرادشتية ، فكان من نصيب المغيرة بن شعبة الثقفي.
كان الخليفة قد سن قانونا بعدم دخول العبيد البالغين عاصمته يثرب , لكن (المغيرة) تمكن من أخذ استثناء من الخليفة لعبده (فيروز) لانه كان عالما مخترعا , لديه من العلم ما ينفع به الناس. ومثل هذا المخترع لاشك أنه كان يعيش في موطنه عيشة السيادة والرفاهية في رعاية الدولة وربما فى رعاية كسري نفسه , ولاشك انه كان يغشي القصور ويعرف أهل الارستقراطية , فقد روي عنه انة كان يمشي في أسواق العبيد فى يثرب يمسح بيده علي رؤوس الاطفال الملكيين والارستقراطيين المسلسلين ، ويذفر بالعبرات بكاء ونشيجا. ولاشك أيضا أن عالما خبيرا مقربا من القصر عندما يجد نفسه عبدا وأولاد الملوك في الاسواق مع أهليهم يباعون بيع الماعز , لابد أنه قد استشعر إزاء هؤلاء القوم البدائيين في بواديهم ما جعله يكتوي نارا وبغضا وكراهية لهم ولدينهم.
خارج المغيرة عبده المخترع علي أربعة دراهم كل يوم ضريبة رقبته , وأطلقه يعمل بالمدينة , فذهب فيروز يستعطف الخليفة أن يخفف عنه درهمين أو درهما , فرفض الخليفة واعتبرها ضريبة عبد مخارج عادلة. بعد أيام التقي الخليفة فيروزا فقال له: " بلغني انك تقول لو أشاء لصنعت رحي تطحن الطحين بالريح , فرد عليه فيروز بنغمة صارمة: "لاصنعن لك رحي يتحدث بها الناس , فاقبل عمر علي من معه فقال: توعدني العبد ".
وقرر فيروز أن يتحول عن العلم والاختراع الي النقمة الفدائية , فكمن للخليفة بالمسجد فلما قام الخليفة لإمامه الناس قفز عليه فيروز فطعنه ثلاث طعنات نافذة ؛ فصرخ عمر " قتلني الكلب" ، فتكاثر الصحابة علي فيروز بسيوفهم ومعه خنجر , فتقاتلوا ، فقتل منهم سبعة ، وأصاب سبعة آخرين ، حتي اذا ما رأي أنه مأخوذ نحر نفسه بخنجره , فكان من احتز رأسه عبد الله بن عوف.
وبشأن هذا التاريخ الجهادي العربي النبيل يقدم لنا الكاتب الاسلامي المستنير (فهمي هويدي) تعريفا له يقول:" ان العقل الغربي ينظر الي الجهاد علي أنه Holy war حرب مقدسه , وهي في الحقيقة كلمة لا مرادف لها عندهم (طبعا!!) فالجهاد يتميز عن القتال أو النضال الذي قد يكون في سبيل أي شئ آخر ولا ينتقص منه شيئا بينما الجهاد يفقد مضمونه ويفقد شرعيته اذا لم يكن في سبيل الله / كتابه مواطنون لاذميون 218 , 220".
وبغض النظر عن كون التعريف الهويدي يتضمن دعوة صارخة للتخلي عن مفهوم المواطنة والوطن , بتعارض مطالب الدين مع مطالب المواطنة , فاننا نتابع الاستماع اليه مستطردا " والاسلام لم يأمر أمته بالعدوان" !!؟.. بسيطة.. ماذا يسمي هويدي ما فعله العرب الفاتحون" ؟ ما هو بالضبط ؟ يستكمل هويدي :"و لم يأمر أمته بترويع الامنين ولا بسلب مقدرات الاخرين ولا الاستعلاء عليهم قط "؟
( قط؟!) ألم يطالع هذا الرجل تاريخ اسلافه الكرام البررة؟ أم هو كاذب؟ والكذب شر بالضرورة ، فما بالك اذا كان يكذب علي أمته وعلي العالمين؟
يتابع الكذوب الشرير ليقول ان "الجهاد في الاسلام شرع لنشر الاسلام ونصره للحق ودفعا للظلم واقرارا للعدل والسلام والامن , وتمكينا للرحمة التي أرسل بها محمد ص للعالمين ليخرجهم من الظلمات الي النور , لذلك هو فريضة شرعية"!!
لكن الا يري هويدي وفقا لهذه المبادئ السامية فعلا ؛ الرفيعة حقا ، انه كان علي العرب أن ينسحبوا من البلاد المفتوحة بعد ان أبلغوهم بالاسلام , أو أن يعلنوا ذلك علي الاقل في أي كلمة أو نص أو حرف في مكتبتنا الاسلامية الهائلة , كما تعلن امريكا عن ذلك بشأن العراق اليوم؟ حتي يتركوا أهالي البلاد المفتوحة أحرارا حقا يحكمون بلادهم بأنفسهم؟ أم أن من ضرورات اكتمال الجهاد حيازه الارض والبشر عبيدا ، والجزية وغلة خراج العبيد والسبي ، ميراثا لهم كابرا عن كابر؟
واذا كان الاسلام ونشره هو غرض الجهاد كما يقول , فلماذا لم يكن ذلك علي بند كبار الصحابة في قمة الـ (17). الي جوار بنود اقتسام الفريسة بأشد وأقسي وأبشع ما عرف الناس علي يد أي احتلال آخر بطوال التاريخ؟ ولم يكن الجهاد الفاتح نشرا للدعوة المكلف بها ، لان الدعوة لو كانت حاضرة حقا وراء تلك الفتوح , لرأي العالم من العرب فعالا تحببهم فيها وترغبهم في الدين الجديد , بالسيرة فيهم بالعدل والإحسان حتي يدخلوا فيه حبا وطوعا لا كرها.
هويدي يري أن الجهاد هو تحرير البلاد، وهو ما يقوله المشتغلون بالاسلام للمؤمنين الذين اختاروا تسليم أوطانهم مقابل استلامهم الدين , لكن ألا يري هويدي أن الفعل الذي تقوم به الجيوش المحاربة هو ما يحدد طبيعة الفعل العسكري ومسماه؟
مثلا للتوضيح ذهبت الجيوش المصرية وشاركت في حرب تحرير الكويت , وسميت حربها هناك تحريرا لان القوات ذهبت وعادت , فماذا عن الجهاد المقدس؟ هل كانت الجيوش العربية جيوش تحرير أم غزو أم احتلال أم استعمار استيطاني أم هو إحلالي؟ أي اسم سيختار هويدي؟
العراق هذه الأيام هو هم الاستاذ هويدي الشاغل لأنه يرزخ تحت نير الاحتلال الامريكي
لكن السؤال : هل العراق بذلك يكون تحت الاحتلال؟
الإجابة بالقطع هي نعم
لكن يأتي السؤال الثاني وهو : ماذا تفعل قوات الاحتلال هناك؟
هل تغزو؟ أم تستوطن ؟ هل تم استقدام القبائل الامريكية مع النساء ، وهل أنزلوا العيالات القادمة من كاليفورنيا ونيو يورك وشيكاغو فى دور من فر اهلوها فزعا بالنجف والفالوجة؟
ام انها قد حررت العراق من الطاغية؟
هذا مع الإعلان الدائم انها مهمة لها نهايتها وان الجيوش ستعود الي بلادها بعد استقرار الاوضاع. وفي ظل هذا الاحتلال العجيب الشأن بين ألوان الاحتلال عبر التاريخ , عاد الصوت العراقي مرة أخري , وعاد شعبه المجيد يسمع صوته للدنيا سواء في مظاهرات دائبة ، أو انتخابات حرة لم يحدث مثلها علي ارض تلك الاوطان منذ الفتح العربي الميمون , تسمع الدنيا أن هنا شعبا عريقا وأن هنا حرية ، ان الفعل هو ما يحدد الاسم وليس العكس.
ان سحب مفاهيم اليوم عن العدل والمساواة والحريات علي تاريخ الاسلام هو ظلم لكليهما , والعدل هو تسمية الاشياء بأسمائها ، دون تزويق لشأن تعجز كل مساحيق التجميل في الدنيا عن اخفاء تشوهاته وقبحه وبشاعاته. وان ما فعلته قمة الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية يأتي بعد قرون متطاولة من التطور القيمي والاخلاقي والانساني ، بعد انتصار نموذج الدولة الديمقراطية العلمانية كأفضل نظام عالمي اليوم. لذلك عندما جلسوا لم يبحثوا في توزيع الأرضيين ، وغلة العبيد المخارجين ، وتوزيع النساء المسبيات حتى يأتي الكاوبوي نصيبه من اللذة وهو مسترخ على مؤخرة حصانة في تكساس. كانت العلمانية الراقية هي سيدة الموقف منذ عصر التنوير , مما أمكنها أن تفرز رقيا ونبلا وسموا وتحضرا ما كان ممكنا أن تفرزه أبدا حضارة البداوة الفقيرة المدقعة حتي في مفاهيمها وطرق اجتماعها وتحضرها بالضرورة.
ان خلط أهل الدين بين الزمنيين يضر بديننا ودنيانا , لان اليوم غير الامس ولان بوش أو بلير غير أبي بكر أو بن الخطاب , رغم ان كل منهم هو سيد زمانه , وأمريكا غير الحجاز والناس غير الناس وكل شئ غير كل شئ , لذلك لا تشبه قمة الحلفاء ولا مستنداتها ولا جدول اعمالها ولا أهدافها قمة الـ (17) في شئ.
هويدي وأمثاله يقولون لنا " إحنا بتوع الحرية" اسلامنا عدل واخاء ومساواة ، هو القيم الأولي والأخيرة الأزلية الأبدية , هو نهاية التاريخ , لا تسايره ولا تطاوله قيم اخري ناهيك ان تعلو عليه. لكنهم لا يوضحون لنا لماذا لم تكن هذه القيم معلومة لأصحابها من صحابة رسول الله , لانها لو كانت معلومة ولم يفعلوها فانهم يكونوا قد خرجوا عن صحيح الدين , وان لم تكن معلومة ولا من صحيح الدين يكون هو ذلك هو القول الأدق والأكثر عدلا وحقا. ويكون هويدي كذاب أشر.
ان سادتنا اللاعبون بالاسلام علينا يرددون اليوم كلام روسو ومونتسكيو وفولتير، انهم لا يرددون هنا كلام محمد والاسلام , انما يرددون منتج الحداثة العلمانية لينسبوه للاسلام ثم يكفرون به العلمانية!!؟ ان هذه المبادئ والقيم ليست من ثقافة العرب والمسلمين ، لذلك لم تكن معلومة لديهم ، حتي لا نظلمهم بادعائنا علمهم بها وتنكبهم سبلها ، فهي لم تكن ضمن مخزونهم الثقافي (قط) , وهذه الـ (قط) هي الصدق غير الكذوب.
وانتهي اجتماع قمة الـ (17) دون اصدار أي تعليمات جديدة بالتوقف عن السلب والنهب والسبى والنكح بعد مدة محدودة مثلا لكل جيش , حتي يتفرغ الفاتحون بعد الاكل والنكح، للدعوة الي سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة , ويعفو الله عما سلف. بل انهمك الخليفة عمر بعد ها مسافرا في فيافي العريان ومفاوز الصحاري بالجزيرة العربية ، يحمل اليهم نفقاتهم (حقوقهم) وحظهم من الغنائم والفيئ. كان عمر مخلصا لبني عنصره وجلدته اخلاصا عظيما مأجورا عند الله , عطوفا بهم رغم قسوته , لانه كان عادلا عدلا بلا نظير ، لكن هذا العدل كان قاصرا علي عنصر العرب ونوعهم وحدهم , كانوا هم الرعية , أما أهل البلاد المفتوحة فشعوبها لم تكن ضمن الرعية , انهم كانوا فيئ الرعية , انهم كانوا من يدفعون للرعية ، ويعولونها.
في عام الرمادة شارك الخليفة عمر رعيته في جوعهم وشظف عيشهم حتي أسود وجهه من أكل الشعير الملتوت بالزيت , وكلمة عام تطلق هنا مجازا لانها كانت بضعة اشهر , فقد كتب عمر الي ولاته وأمرائه علي الأمصار طالبا الغوث , فارسل عمرو بن العاص قافلة من السوائم علي ظهورها الخيرات من مصر الي يثرب قائلا:" أرسل لك قافلة أولها عندك وآخرها عندي ". لكن عسر الطريق ومشقته كان يقضي في كل مرة علي معظم السوائم عطشا وجوعا , فكتب عمرو بن العاص الي الخليفة عمر : انه كان في مصر قناة تربط النيل بخليج السويس ( القلزم حينذاك) ، وأن القبط سدوه في حروبهم مع الروم , وأن فتحه سيؤدي لخروج خيرات مصر بالسفن من حقولها طازجة الي الحجاز , وهو بقول عمرو بن العاص : ما يجعل سعرها بالحجاز مثل سعرها بمصر. ولكن هذا المشروع سيحتاج كل المصريين للسخرة فيه وهو ما سيؤدي الي خراب مساحات كبيرة من الارض الزراعية بغياب اليد العاملة عنها , وأيضا سيؤدي الي كسر الخراج في الاعوام المقبلة.
" فكتب اليه عمر أن افعل وعجل فى ذلك , فقال له أهل مصر: خراجك زاج وأميرك راض , فان تم هذا , انكسر الخراج بسبب نقصان الانتاج لانشغال الفلاحين في الحفر واهدار الماء (النيل) في البحر. فكتب الي عمر ذلك وذكر فيه انكسار خراج مصر وخرابها , فقال له عمر في كتابه: اعمل وعجل فيه.. أخرب الله مصر في عمران مدينة رسول الله وصلاحها / الطبري.... على اتفاق بين كتب التاريخ الاسلامى/ كتاب التاريخ/ بيروت/ دار الكتب العلمية / مج 2/ص 509"
ان عمر بن الخطاب كان عادلا صارما مؤمنا صادقا قوي الايمان , و لم يجد في دينه وايمانه ما يمنع من خراب مصر لصالح مدينة رسول الله , لان الانسان الذي يشكل مفهوم ا لرعية عند عمر هم عرب الجزيرة وحدهم , وفيما عدا ذلك هم مصدر ومحلب ومجلب , وربما لم يكونوا بشرا , فهم لجلب المنافع , هم والسوائم واحد.
طريقة الفتوح نفسها تشير الي هذه المعاني , فلم يتم ارسال كتب الهداية أو المبعوثين للدعوة والوعظ الارشاد المتقدم قبل الفتح , ولا نجد في تاريخنا أي حكم أو دروس أو حجج قدمها المسلمون لأهل البلاد المفتوحة قبل ان يفتحوها ويسلبوها ويهتكوا عرضها كعقوبة لعدم الاستجابة للدعوة. ولم يذكر لنا تاريخنا أي اشارة لأي مؤتمر بين الطرفين يناقش الامر ليعلن علي الناس. كل ما نقراه حرق ودمار وهتك أعراض ، في مفاجآت كارثيه تأتي من خارج الحدود علي أفراس العربان مرددين صياحهم في خيبر : "إنا اذا نزلنا بساحة قوم.. فساء صباح المنذرين ".
أحيانا تصيبك الدهشة من ذكاء مشايخ قنواتنا الفضائية الذين يؤكدون أن كل تلك الاموال المنهوبة ، كانت تصب في النهاية في فوائضها في بيت المال للانفاق في سبيل الله!! وهو ما يعني أنه ما كان لاصحاب تلك الاموال الأصليين معرفة بالإنفاق , وان العرب وحدهم هم من يعرفون كيف ينفقون , وعليهم جمع الاموال من أصحابها ليقوم العرب بخبرة الإنفاق.. بالإنفاق !!
نبوءة النبي " والذي نفسي بيده لتملكن كنوز كسري وقيصر وتنفقونها في سبيل الله " تحققت مما يعني ان انفاق غير العرب هو في غير سبيل الله , وهو الانفاق الذي لم يعد علي البلدان المفتوحة سوي بالذل والعبودية والخراب , وهو ما يعني أيضا أن هويدي لا يري حتي اليوم أن المسلم العراقي أو الشامي أو المصري أو المغربي أهل للانفاق في سبيل الله , لانها خبرة عربية قدسية قاصرة علي العربي وحده.
مرة أخري أعود فاؤكد أني لا أتهم هويدي بالجهل , بل بالتزوير الفاضح والكذب الشرير المقيت علي ناسه وأهله وبنى ملتة , وكذبه ليس أبيضا بحال ، بل هو كذب أسود حالك شديد الظلمة ، والظلم ، والعتمة ، والزيف ، والضلال , هو بيع للوطن في صفقة علنية لاتخزى ولا تستحى... مع الشيطان.
من موقع الحوار المتمدن

اجمالي القراءات 6450