إذا أراد المسيحي المتطرف أن يحارب الأقباط، ويضرّ قضيتهم العادلة، ويصنع لهم عداوات وكراهية في قلوبهم؛ فما عليه إلا أنْ يـَـسـُـب الإسلام وتعاليمه وقرآنه ونبيه.
قضيت نصف عُمري السبعيني، تقريبا، أدافع عن حقوق أقباطنا في كل مكان تُعرَض فيه همومهم، ولم أتراجع قيد ذرة، لذا كان كبح جماح غضبي حالة هيــّــنة من جراء التعاطف الدافيء والودي من أقباطنا الذين كانوا يقرؤون لي ما بين السطور فيلقون بأحمالهم علىَ قلمي.
لكن كانت وما تزال هناك مستنقعات بشرية تميل إلى الجراد، فإذا هَجَمَتْ هَمَجَتْ، وإذا أقنعت مريديها بآرائها؛ وضعت ملاريا في ألسنتها وأقلامها.
حرب غير عادلة، وضرب خبيث تحت الحزام، وظلال لاهوتية في أحاديث عبثية، لكنها دراكيولية النزعة، فالكراهية لا تُصنـــَــع فقط، لكنها تُزرَع في النخاع الشوكي فتصيب العقل والوجدان والفؤاد بدعوشة مسيحية لا يعترف بها أبو بكر البغدادي، ولا يباركها المسيح، عليه السلام.
أنتقد تصرفات وسلوكيات وأفكار وآراء أكثر المسلمين، من صغارهم إلى علمائهم على مدىَ التاريخ؛ لكنني لم أخلع رداء الإيمان فإسلامي الصحيح ينضوي تحت لواء شراكتي مع أقباطنا.
في مصر يتناغم جرس الكنيسة مع شدة تسامح قبطية، ويبحث القبطي عن أقوال المحبة في آيات إنجيلية، فيهدأ، ويرتمي في أحضان الملائكة خشية تطرف قوىَ متشددة؛ سرقت الإسلام ودهنته باللون الأسود عنوة رغم صراخ المستنيرين المسلمين.
لكن نفس هذا القبطي الجميل والمشرق والسند والداعم لدين شركاء وطنه، والذي كان يخشع إذا أنصت للشيخ عبد الباسط عبد الصمد أو الشيخ المنشاوي أو ابتهالات النقشبندي يقطع حبل السُرة مع كنيسته في الشرق ليصبح واحدًا من ثعابين مغتربة؛ تلدغ بأنياب سامة دين وقرآن ونبي شركاء وطنهم .. سابقا!
هل هو انتقام من ظلم وطن غادره أم كراهية لدين ظنوا أنه يعاديهم، واعتقدوا باطلا أن الاخوان المسلمين والسلفيين والدواعش يمثلون آخر الأديان التوحيدية.
نحن نحارب ونقاوم ونصدّ ونـُـصَفـّـي ما ألفينا عليه بعض آبائنا، ونتبرأ من الفكر الطالباني والقاعدي والداعشي والبرهامي؛ فإذا برهط من الجهلة وأنصاف الأميين والحاقدين والكارهين ينشرون، ويتبادلون فيما بينهم شائعات عن الإسلام في قضايا هامشية حشتهم بها، فضائيــًــا، قردة مقارنة الأديان.
حرب غير عادلة، فالمسلم لا يقدر، ولا يستطيع، بل ويخرج من دينه إذا شتم أو سبّ أو أدّعىَ كذبا وزورًا وبهتانا أشياء قبيحة ومؤذية وعفنة ونتنة عن المسيح ابن مريم، روح الله، وأمه، خير نساء العالمين، عليهما السلام.
لكن المتحولين من القبطية المزهرة والمسالمة والعفيفة إلى مسيحية مغتربة ومتغربة ومهاجرة يضربون في ديني تحت الحزام، ويتناقلون أحاديث وأخبارًا وحكايات أوحى لهم بها شياطين الإنس في كتب صفراء فاقع لونها، تحيل كل لون إلى الأسود.
التزمت بــ" وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامـًـا"، وبين الفينة والأخرى أترك نفسي لغضب ينتهي قبل أن أزفره، وردٍّ أتنفسه كله؛ فيخرج نصفه.
ويظن الشوكيون أن المسلم حلقة ضعيفة، وأن المسلم الذي يأبىَ ويرفض المساس بالمسيح وأمه، عليهما السلام، ينبغي عليه أن يقرأ، ويسمع، وينصت، ويخرس إذا جاء الجاهلون والجاهليون والمتغربون عن الوطن وسبّوا ولعنوا نبينا الكريم، وزوجاته وأصحابه وأهل بيته والمؤمنين برسالته.
حرب قذرة رفضتُ، وأرفض أن أشارك فيها رغم أنني درست مقارنة الأديان لأكثر من نصف قرن، وأستطيع أن استخرج من تاريخ المسيحية والمسيحيين ما يجعل الخصوم يشجّون رؤوسهم في الحائط من الخجل، كما أن أي مسيحي مستنير وعاقل ودارس يمكنه أن يستخرج من تاريخ ديني وسلوكيات وتصرفات وأفكار وفتاوى المسلمين ما يجعلني ألقي بنفسي في أحد خلجان النرويج المنتشرة في بلاد شمس منتصف الليل.
العفن الفكري يظن أن الذي ينال من قرآنك ونبيـّـك أقوى منك وأشد صلابة في منطقه الأعوج لأن لسانك تقطعه بنفسك أفضل من أن يمس المسيح وأمه، عليهما السلام.
ومع ذلك فقد ظللت لنصف عُمري لا أهتز في محبتي ودفاعي وقلمي إذا تعلق الأمر بدين شركاء الوطن الأحباب وقضاياهم وحقوقهم والظلم الواقع عليهم، رغم وساخة متغربين ابتلعوا عقارب وثعابين وخلطوها في نفوس جاهلة وحاقدة ووضيعة.
لماذا لا نتجمع، مسلمون ومسيحيون، مقيمون ومغتربون، على كلمة سواء بيننا، ونحارب التطرف والتشدد والتزمت والإرهاب والكراهية بدلا من نـَـحـْـتِ أعمارنا في معارك تختصرها في تفاهات وصغائر وجهالات يضيع معها عُمر أهدانا الله إياه فجعلناه ساحة وغىَ أو سباقـًـا إلى أحضان الشيطان.
في مقال سابق قلت لأحد الذين ينامون ويستيقظون على كراهية الإسلام والمسلمين، وهو المتغرب مجدي خليل:
وكتبتُ له في موقع آخر:
أنا أعرف أنني مضطر للعودة كلما امتلأ جهازي العصبي فأنفخ في قلمي فيصير طيرًا بإذن الله، فطائر الشمال لا يكترث في أي أرض يهبط، وفي أي سماء يطير.
إن النزعة الاعتزالية للمتغربين المغتربين لا تستطيع أن تضع خطـًـا واحدًا يشير إلى حضارة ميـّـتة، فهؤلاء يأكلون، ويشبعون من جيفة الحوارات الفضائية في مقارنة الأديان، ويبتلعون قيء محاورين وفضائيين قرأوا عدة صفحات في كتب إبليسية، فظنوا أن السماء ستسقط على مخالفيهم.
ما يحيرني هو عدم تصديق هؤلاء أن مسلما يمكن أن يحب، وأن مسيحيا لا يستطيع أن يكره، وتلك أفكار أناس درسوا هامش التاريخ من الفهرس، وصعدوا جبلا واكتشفوا أن حناجرهم لم تكن معهم فوضعوا بدلا منها حجارة من سجيل.
إن الذي يعيشون على الشتائم والسباب، ويجمعون حواديت المُخرّفين من البرهاميين والقاعدين والطالبانيين والدواعش والسلفيين يعرفون أنهم يرتوون من وحل آسن، فلا الإسلام يرضاه ولا المسيحيون العقلاء يصدّقون أن هذا دين أحبابهم .. شركاء الوطن.
في نفسي غضب لا قرار له، وفيها حزن لا يؤثر قيد شعرة في مشاعري ووجدانياتي وذكرياتي وقناعاتي عن أقباطنا الرائعين الذين لم يتغربوا فيتلوثوا بعالم البغضاء الذي ينتقم من المسجد ليرضي الكنيسة، فإذا بالصليب والهلال يتعانقان أكثر.
أنا أفهم أن يعيش المرء على طعام واحد، ولو سبب له الأمراض، لكنني أعجز عن فهم من يعيش فرحـًـأ بالكراهية.
إنها حربٌ ضيزىَ، تسب وتلعن وتشتم محمدي وآل بيته وصحبه، فأرد عليكَ بالسلام والمحبة على مسيحيك وأمه.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 21 يونيو 2017