(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28) سبأ )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٩ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

1 ـ جاءت لى هذه الرسالة فى الفتاوى : ( هل سيدنا محمد بعث للعالم كله ام للعرب فقط؟ وإذا كان بعث للعالم كله فكيف يصوم سكان الإيسكيمو مثلا وعندهم يوم واحد في السنة أي 6 أشهر ليل و6 نهار؟ ) . وكانت الاجابة : ( الله جل وعلا ارسل رسوله بالقرآن الكريم للناس كافة ، وضمن جل وعلا حفظ القرآن هدى لمن شاء الهداية من البشر الى قيام الساعة وليكون حجة عليهم يوم الحساب. ومن لا يستطيع الصوم فى رمضان ومن يجد فيه مشقة يجوز له ان يفطر ويطعم مسكينا فدية افطاره ، يسرى هذا على الاسكيمو وغيرهم لكل من يجد صعوبة الصوم ، وتشريعات الاسلام مؤسسة على التيسير والتخفيف ورفع الحرج وومنع المشقة والعنت.)

1 ـ أحد القادمين الجُدُد للموقع علّق رافضا عمومية الرسالة القرآنية ، رددت عليه وقلت تحت عنوان : (الله جل وعلا ارسل رسوله بالقرآن رحمة ونذيرا للعالمين ـ وللجن والانس) : ( هذا ما جاء فى القرآن الكريم عن ارساله للناس كافة ، وأن يظل القرآن محفوظا حجة على العالمين . والقرآن بلسان عربى ، والله خلق الناس مختلفة فى الألوان والألسنة ، وخلق إمكانية تعلم البشر لسان بعضهم البعض . كما جعلهم احرارا فى مشيئة الهدى أو الضلال ، وقال جل وعلا ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).ونحن لا نستيطع تصور حساب البشر جميعا والجن والملائكة فى اليوم الآخر . ولكن نرى عجبا أن القرآن الذى نزل بلسان عربى لعل العرب يعقلون ـ لم يتعقله العرب ، وكذبوا به فى حياة النبى ثم اسلموا ظاهريا بالسلام ثم ارتكبوا الفتوحات ، فى تكذيب عملى للقرآن . وأسسوا أديانا أرضية بوحى شيطانى  مضاد للقرآن ، ولا يزالون حتى الآن أعدى أعداء القرآن . هذا بينما هناك من لا يقرأ العربية ويهتدى بدون القرآن ، أو يهتدى بعد ترجمة معانى القرآن . والغرب إكتشف ـ بعد معاناة ـ القيم الانسانية العليا من العدل والحرية وكرامة الانسان ولا يعلم أنها قيم إنسانية ، بل هو يعرف أن داعش والوهابية هى التى تمثل الاسلام طبقا لما يؤمن به معظم المحمديين فى الشريعة السنية . الغرب فى تعاملاته الداخلية هو الأقرب الى شريعة الاسلام القرآنية بما يدل على سهولة الاهتداء الى الاخلاق السامية ، كما عقليا يمكن للإنسان بسهولة أن ينتقد تقديس البشر والحجر وخرافات التثليث . وهناك كثيرون لا يؤمنون بهذه الخرافات دون معرفة بالقرآن ، بينما تجد أكثر من بليون ( مسلم ) يعرفون القرآن ويقدسون البشر والحجر . ثم معضلة من بلغتهم الرسالة أم لا ؟ وهؤلاء الأبرار الذين يطبقون تعاليم الاسلام دون معرفة القرآن ودون إيمان به ما هو مصيرهم وكيفية حسابهم ؟ لا ندرى ، لأنه ليس علينا حسابهم ، الحساب هو بيد الخالق جل وعلا.أرجو ألا تدفعنا تعقيدات هذه القضية الى إنكار النصوص القرآنية الصريحة فى أن القرآن رسالة رب العالمين للناس كافة.  )

2 ـ لم يقتنع القادم الجديد بالرد . وهذا حقه . ولكنه تفرغ ليحول الموضوع الى مبارزة فأثار موجة من الجدل ، أصرّ هو على استمرارها ، وطال الجدل وتحول الى مهاترات ، وهذا ضد سياسة الموقع فى ألّا يتحول الى مصطبة للدردشة، فموقعنا يمضى فى طريقه ينشر  اجتهادا جديدا ، ولا يتوقف فى جدال يستمر حتى يصبح تراشقا شخصيا يبتعد عن الموضوع الأصلى ، وقد عانينا من هذا كثيرا ـ حتى إتخذت قرارا بألّا تطول المناقشات فى أى موضوع ، يكفى أن يقول من يشاء رأيه ويوضحه ثم ينتهى الأمر .

3 ـ  لذا عندما طال النقاش وتحول الى مهاترات كتبت تحت عنوان : ( أرجو أن يتوقف هذا الجدل ..فقد أوضح كل صاحب رأى رأيه..ولنلتفت الى موضوعات أخرى . وسأكتب وجهة نظرى فى مقال قادم . لا أقول إنها فصل الخطاب ، ولكنه رأى غير معصوم من الخطأ . ولو تمسكنا بأن ما نكتبه مجرد وجهات نظر مع إحترام  حق الخلاف لن نضيع وقتنا فى مهاترات ، لأن هذه المهاترات تتحول الى شأن شخصى ورغبة فى فرض الرأى على الآخرين . وليست هذه سياسة الموقع.وكل عام وأنتم بخير) ردّ صاحبنا مستكبرا مستنكرا، فمنعته من دخول الموقع .

4 ــ أكتب هذا المقال وجهة نظرى فى هذا الموضوع :

أولا : عمومية الرسالة القرآنية لا مجال لمؤمن بالقرآن إنكارها :

1 ـ الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم للعالمين . تكررر هذا فى القرآن الكريم باسلوب القصر والحصر ليفيد التأكيد،قال جل وعلا : ( وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52) القلم ) (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (90) الانعام ) ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) التكوير )( يوسف (104) ).

2 ـ وجاءت إشارة الى وصول العلم بالقرآن الى كل العالمين ، قال جل وعلا:(إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)ص )، ونحن الآن نعلم أن العالم كله يسمع عن القرآن .

3 ـ الله جل وعلا أنزل رسوله بالقرآن رحمة للعالمين لمن شاء أن تتغمده رحمة رب العالمين ، قال جل وعلا : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الانبياء )، وعن كونه إنذارا للعالمين قال جل وعلا : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1) الفرقان ).

4 ـ مصطلح العالمين يشمل الانس والجن . وقد جاء فى القرآن الكريم أن نفرا من الجن جاءوا وإستمعوا للنبى ثم عادوا لقومهم يبشرون وينذرون بالقرآن الكريم . ( الجن : 1  ـ ) ( الأحقاف 29 ـ )

5 ـ عمومية الرسالة القرآنية تتأكّد باستعمال مصطلح(كافة )، قال جل وعلا : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28)  سبأ ) وبمصطلح ( حميعا ) ، قال جل وعلا : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) الاعراف )

6 ـ الرسول محمد رسول الله بشر مات ، ولكن الرسالة بعده قائمة للعالمين بشيرا ونذيرا ، ومحفوظة من لدن الله جل وعلا الى نهاية العالم ، قال جل وعلا : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر )

ثانيا : اللسان العربى للقرآن الكريم

1 ـ من آيات الخالق جل وعلا إختلاف البشر فى اللون وفى اللسان ـ أى النطق ، قال جل وعلا :( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) الروم ). وبالتالى فكل رسول كان يتحدث بلسان قومه وينزل عليه الكتاب بلسان قومه ، قال جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) ابراهيم )

2 ـ إنّ أصل الكتب السماوية فى ( أم الكتاب ) وفيها معانى الرسالات السماوية ، ثم تتنزل منها كل رسالة بلسان الرسول وقومه ، وبهذا نزل القرآن الكريم باللسان العربى ، قال جل وعلا : ( حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) الزخرف ).

3 ـ قبل القرآن كانت التوراة والانجيل بلسان أهلها ، ونزل القرآن الكريم مصدقا لما سبق ، وبلسان عربى مبين ، قال جل وعلا : ( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) الاحقاف ). والآن تنتشر ترجمات القرآن بألسنة البشر المختلفة .

4 ـ ولأنه لا يمكن للبشر أن يتكلموا بلسان موحد ولأن خاتم النبيين لسانه عربى شأن قومه ، فقد نزل القرآن الكريم بلسان عربى واضح مبين ، قال جل وعلا : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ (196) الشعراء ).أى إن العلم بالقرآن مذكور فى الكتب السماوية السابقة . كلمة : ( زبر ) أى كتب . وتكرر وصف القرآن بأنه عربى  ، قال جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) الشورى ). ، قال جل وعلا : ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (97) مريم )

ثالثا : الهداية لا ترتبط باللسان الذى نزل به القرآن الكريم

1 ـ وفى سبب إنزاله باللسان العربى قال جل وعلا يخاطب العرب: ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف)،أى حتى يتعقلوا،ولم يتعقلوا .  ونزل بلسان عربى حتى يتقوا ويتذكروا ، ولم يتقوا ولم يتذكروا ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) الزمر )، وقال جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) طه ). بل يسّر الله جل وعلا قرآنه بلسان عربى لعلهم يتذكرون،قال جل وعلا: ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) الدخان )، ومع ذلك فكانوالا يتذكرون وهم الآن أيضا لا يتذكرون .!.

2 ـ الأغلبية كذبوا بالقرآن الذى نزل بلسانهم ، وتزعمتهم قريش ، ثم دخلت فى الاسلام قبيل موت النبى ، وبعد موته قادت أكبر حركة ردة عن الاسلام بما يعرف بالفتوحات ، ثم ما تلاها من الحروب الأهلية أو الفتنة الكبرى . عن تكذيب قوم النبى بالقرآن الكريم قال رب العزة جل وعلا فى سورة مكية يخبر بحالهم وينبىء بما سيفعلونه بذلك مقدما : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)  الانعام ) .

3 ـ أى إن الهداية لا ترتبط باللسان الذى نزل به القرآن الكريم ، فالعرب بزعامة قريش كذبت به قوليا وعمليا وحربيا وتاريخيا ، وكانوا يتبعون أهواءهم يحاولون بها التأثير على خاتم النبيين عليهم جميعا السلام ، قال جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ (37) الرعد )، وهم فى إعراضهم عن القرآن الذى نزل بلسانهم أعلنوا هذا التكذيب، قال جل وعلا : ( حم (1) تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) فصلت ).

4 ـ ولا يزال العرب يكذبون بالقرآن الكريم حتى الآن ، ويكفى ما نعانيه منهم حين ندعوهم الى الاحتكام الى القرآن الكريم الذى نزل بلسانهم . وهم بتكذيبهم للقرآن وإتخاذه مهجورا صاروا شرّ أمة أخرجت للناس ، من بلادهم تأتى العمليات الارهابية تضرب فى قارات العالم . وفى بلادهم تنتشر حمامات الدم ، كل هذا وهم يزعمون الايمان بالقرآن ، وما إزدادوا به إلا خسارا ، فالقرآن رحمة وشفاء لمن شاء الايمان ، وهو خسار وشقاء لمن شاء الظلم والكفران، وهذا هو حال العرب بلسانهم العربى وومعهم القرآن باللسان العربى ، قال جل وعلا : ( وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82) الاسراء ) .

5 ـ هذا يينما وصل الغرب بدون القرآن الى القيم الاسلامية من العدل والاحسان والحرية وكرامة الانسان . الغرب بحث عن الهداية فيما يخص معنى الاسلام السلوكى فى تعامله الدنيوى، فوجد سبب الشقاء والحروب وحمامات الدم فى الاستبداد والإكراه فى الدين وسيطرة الكهنوت السياسى والدينى ، وأدرك أن السلام يتحقق بين شعوب الغرب بالعدل والحرية والاحسان ، فقاموا بتأسيس دولهم على هذا الأساس ، فخرجوا من أسر ثقافة العصور المظلمة التى لا يزال يعيش فيها العرب .   

رابعا : الهداية متاحة لكل فرد ، وهى لا ترتبط بالتبليغ :

1 ـ قام عليه السلام بتبليغ الرسالة القرآنية كاملة ، ومع ذلك كفر العرب ، وقاموا فيما بعد بتأسيس أديان أرضية باللسان العربى نفسه .

2 ـ تبليغ الرسالة القرآنية مستمر ،أو يجب أن يكون مستمرا ، قال جل وعلا : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف )، فالدعوة الى القرآن الذى هو بصائر للناس مستمرة أو يجب أن تكون مستمرة .

3 ـ وقوله جل وعلا : ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ (24) فاطر).ينطبق على الماضى والحاضر والمستقبل . كل أمة يوجد فيها نذير. والأمة هى المجتمع فى عدة أجيال . النذير أعمُّ من النبى المرسل ، فكل رسول نذير ، ولكن هناك منذرين من غير الرسل ، من الدُّعاة للحق ينذرون قومهم . وبالتالى فالدعوة الى الحق قائمة ، وبغض النظر عن إختلاف اللسان .

4 ـ يعزز ذلك وجود الفطرة النقية داخل النفس البشرية ، هى ( لا إله إلا الله ) ، قال جل وعلا : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) الروم ).هذه الفطرة تتراكم عليها الذنوب ، فتغطيها ، قال جل وعلا :( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)  المطففين ) إدمان العصيان بلا توبة يؤسس فى النفس التكذيب بالرسالة السماوية، قال جل وعلا : ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون (10) الروم ) . هذه التغطية هى ( الكفر ) لأن كلمة ( كفر ) تعنى (غطّى ) ، والكافر هو المشرك الذى يغطى الفطرة النقية بالايمان بأولياء وآلهة يجعلهم شركاء لله جل وعلا فى حكمه وقدسيته. هذه التغطية عن الفطرة النقية لا تمحو الايمان بالله جل وعلا ، يظل بالفطرة كامنا مستورا ولكن موجودا . والانسان حين يتعرض الى مرض أو محنة أو يكون على وشك الغرق تستيقظ فيه هذه الفطرة وينقشع عنها ما تراكم فوقها من خرافات الأديان الأرضية فيستغيث بربه جل وعلا متضرعا مخلصا له الدعاء . ثم إذا أنقذه ربه عاد الى ما كان عليه .

5 ـ واقع الأمر أن الله جل وعلا فى إختباره لكل فرد يوقعه فى مواقف تجعله يفيق ويتذكر الأسئلة الكبرى التى كانت تراوده فى طفولته ووقت فطرته، ثم نسيها عندما قوى جسده ووقع فى غرائز جسده . هى الأسئلة عن هذا الكون ولماذا جاء والى أين ، وكيف ولماذا ..الخ . كل فرد يتعرض لمواقف تجعله يستيقظ ويمكن أن يهتدى . إذا شاء الهداية بحث عنها وجاهد فى الوصول اليها ، وعندها تدركه رحمة ربه بأن يزيده هدى ويهديه الى طريق الرشاد، قال جل وعلا: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)  العنكبوت )

6 ـ قد يكون هذا الباحث عن الهداية من الاسكيمو . وقد أرسل الله جل وعلا لهم فى الزمن القديم رسلا أنبياء ، ولا يزال صدى هذا فى تراثهم الشعبى ،ولكن غطته الأديان الأرضية بخرافاتها ، فتحولت ( لا إله إلا الله ) الى إيمان بالخالق وبوسائط معه.  وربما جاء اليهم منذرون ، وكان فيهم منذرون . ولا ريب أن كل فرد منهم وقع فى محنة فنسى آلهته المزعومة وإستغاث بالخالق جل وعلا . هذا الباحث عن الهداية فى داخله كل هذا وتعرض لكل هذا ، ثم شاء أن يبحث عن الهداية لأن عقله لم يقتنع بتقديس البشر والبقر والحجر وأن فلانا ابن الله وأن فلانة هى أم الاله ..تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . صاحبنا من الاسكيمو أدرك بعقله وتفكيره وحواره مع نفسه أنه من العبث أن نصنع تمثالا ثم نعبده ، او أن نقيم قبرا ثم نقدسه وتنوسل به . وصل الى الحق بتفكيره معتمدا على فطرته ، لو أراد البحث عن الحق . هنا سيقرأ المتاح له من تراجم ( العهد القديم والعهد الجديد ) وغيرها ، ومنها تراجم القرآن الكريم ، وهى تغطى كل أرجاء الأرض . مهما تكن فى الترجمة من أخطاء ومهما كان فيها من تأثر بأقوال المفسرين وخرافات المحمديين ، فسيجد فى تلك الترجمات الهداية .

7 ــ لماذا ؟  . لأنه من إعجاز القرآن الكريم أنه ميسّر للذكر أى الهداية ، وقد تكرر فى سورة ( القمر ) قول رب العزة جل وعلا : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ )، هى دعوة مفتوحة للبشر جميعا كى يتذكروا ويهتدوا . ليس مطلوبا منهم التعمق فى آيات القرآن الكريم ، فهذا هو مجال الراسخين فى العلم من الباحثين المفكرين . المطلوب هو الهداية ، وهذه الهداية مُتاحة فى مئات من الآيات القرآنية ، وهى واضحة المعنى بأسلوب تقريرى وفى حوار عقلى لمن أراد أن يتعقل ويهتدى .

8 ـ والبشر المنعزلون عن العالم فى غابات الأمازون ومجاهل أفريقيا قد لا يصل لهم العلم بالدعوة، وقد لا يكون قد أرسل اليهم رسول .  قال جل وعلا : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الاسراء )

اجمالي القراءات 10689