الأخلاق و التدين

مولود مدي في الجمعة ١٦ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

يرى شتى المؤمنون من مختلف الديانات سواء كانت ابراهيمية او وضعية أن الدين هو مصدر الأخلاق, ولو نفترض صحة هذا الطرح فهل هذا يعني أنه لاوجود للأخلاق قبل ظهور الديانات ؟ الم يعرف الانسان التجربة الأخلاقية من خلال احتكاكه مع المجتمع الذي يعيش فيه ؟, الم تصدر من هذا الانسان اعتراضات لأمور يراها غير لائقة ( غير أخلاقية ) ؟ فما تعريف الديانات للأخلاق اذن ؟ هل أخلاق الإسلام هي نفسها أخلاق المسيحيّة وأخلاق اليهوديّة وأخلاق الهندوسيّة وأخلاق البوذيّة ؟.

الأخلاق هي مجموعه من العادات والقواعد السلوكية التي يعتنقها ويؤمن بها أي مجتمع وبهذا تصبح ملزمة حتمية لسلوك الافراد, فالعادات والتقاليد مثل الثأر وثقافات الأكل والألبسة ، وعادات الزواج ، والصدق والشجاعة والكرم واحترام الجار والصداقة هي أخلاق, لكنها تختلف من شعب الى أخر و من حضارة الى حضارة فهناك الكثير من العادات الموجودة في المجتمعات الغربية تعتبر تقاليدا لكنّها غير مقبولة ومستهجنة عند شعوب المشرق فعلى سبيل المثال، فإنّ شرب الخمر سيعتبر شيئًا لا أخلاقيًا بالنّسبة للمسلم لكنه ليس كذلك عند المسيحيّ، بينما نجدُ أنّ الطّلاق يعتبر أمرًا مرفوضًا أخلاقيًّا عند المسيحيّ لكنه ليس كذلك عند المسلم، وهكذا, لكن هذا الاختلاف يدل على أن مفهوم الأخلاق عند أصحاب الديانات الابراهيمية يخضع لمنطق الحلال و الحرام, أي هناك جهة عليا تصدر الأوامر للإنسان بأن لا يفعل كذا والا سينال العقاب, أي أن أتباع الديانات تجاهلوا تأثير الضمير على سلوكيات الانسان, فالإنسان الذي لا يسرق لأنه يخاف العقاب لا يستوي مع الانسان الذي لا يسرق لأنه سيشعر بتأنيب الضمير وبالضرر الذي سيتسبب به على المسروق, التصرف الأول لا يجعل أخلاقَ المؤمن أخلاقًا حقيقيةً بالمعنى النّقي للأخلاق، لأنها تقوم بالأساس على طاعة جهةٍ آمرةٍ ناهية, أما التصرف الثاني فباتفاق الجميع يعتبر عملا أخلاقيا مئة بالمئة لأنه تمّ بدافع الضمير, وهذا يدل على أن الأخلاق هي أفكار موجودة عند الانسان قبل كل شيء و ليست في الامتثال للأوامر و النواهي فقط, هذا يدل أيضا على أن الأخلاق وجدت بمعزل عن الدين لأنها نشأت قبل ظهور الديانات, كما أنها تخضع لمنطق النسبية فهي متغيرة حسب الزمان و المكان, فالمجتمعات الاسلامية في القرن التاسع عشر كانت ترى خروج المرأة عيبا كبيرا, وكانت تمنع ذهاب البنت الى المدرسة, اما الأن فالوضع تغيّر..

ان القول بأن لا أخلاق دون دين هو اتهام ضمني لكل مخالف في الدين باللاأخلاقية و الفساد, لان الناس ليست على دين واحد, فضلا على انه اجحاف في حق الملحد و اللاديني فكل انسان لديه نوازع تدفعه نحو الفضيلة ، وتجعله يفعل الفعل الحسن ولديه قيَم تمنعه أن يفعل الأفعال الرذيلة, ومهما كانت ديانة الانسان فانه دوما محب للعدل و الاحسان و الصدق و الاحترام, ان مجرد القول بأن لا أخلاق بلا دين هو محاولة تديين الأخلاق و اختزال الفضيلة في أتباع ديانة معينة و اشاعة الكراهية ضد الأخر المخالف دينيا و القول عنه أنه منحل أخلاقيا مثلما يتم تعليم أبناء المسلمين أن أهل الكتاب هم كفّار و فاسدين من الصغير الى الكبير.

ان الادعاء أن لا أخلاق دون دين هو تجريد الانسان من انسانيته, ولا نستطيع ان نتصور ان الطقوس فقط هي التي تقوّم السلوك ، بل الادعاء يعبّر عن نظرية ان الانسان كائن لا يستقيم الا بالعصا, وهذا غير صحيح, والا بماذا يختلف الانسان عن الحيوان في هذه الحالة ؟, ان أردت اصلاح الأخلاق فعليك بالنقد و الحوار و اسداء النصيحة, توجيه النقد للأفكار الخاطئة يعتبر من اعمال الخير ، التنبيه والتحذير من مسلك الخطأ .. والنصيحة والارشاد الى مسلك الصواب كلاهما من اعمال الخير ، لان من يقوم بتنبيه الناس الى الخطأ وتوعيتهم بأضراره لكي يتجنبوه انما هو يقدم منفعة للأخرين دون مقابل وهو من سمات فعل الخير, و التنبيه الى الخطأ لغرض اجتنابه .. والارشاد الى الصواب لغرض اتّباعه .. واجب على كل انسان تفرضه مبادئ التضامن الانساني والاخوة الانسانية

لقد قال المشايخ أن الروادع الموجودة في القرآن و " السنّة " ستصنع مجتمعا مسلما أخلاقيا مثاليا, وسيعض علينا الغرب " الكافر " الأنامل من الغيظ فأهملوا تربية العقل و الوجدان و الضمير و انشغلوا بتخويف الناس من خرّافات الدجال و عذاب القبر و الشجاع الأقرع الذي يضرب العاصي بسلسة تدخل من فمه و تخرج من دبره ان لم يفعلوا ما أمروا به! فتم حشو عقول المسلمين بالخزعبلات, فخرجت أجيال و مجتمعات مسلمة غاية في الانحراف و العنف, سيقولون ان البعد عن الدين هو السبب فهل الشعوب الأوروبية المتحضرة هي أقرب الى الدين منا ؟ وهل يعرف الياباني " السنّة " و احاديث عذاب القبر و الدجّال و عقاب جهنّم ؟! لقد قالوا أن الغرب منحل و كافر و تجاهلوا أن نسب الفساد و الانحلال الخلقي و جرائم الاغتصاب و القتل ذات معدّل مرتفع في العالم العربي والاسلامي أكثر من العالم الغربي حتى اعتاد المسلم على جرائم القتل و الارهاب و اصبحت امرا اعتياديا و معروفا, وعندما تسألهم عن المعايير التي اعتمدوها في معرفة مدى انحراف الغرب سيقولون لك لانهم " كفار و ملحدين " !!, ان البعد عن الدين ليس بالعامل الوحيد المسؤول عن تراجع أخلاق المسلمين بل العوامل السياسية و الاقتصادية هي التي تسببت في هذا التراجع أضافة الى التشدد الديني و نشر الغلو في الدين و التحريض على الارهاب الفكري و الجسدي و بعد ذلك يتساءل الكهنة لماذا ظهر الالحاد في الأوساط الأسلامية الأكثر تدينا ؟ لقد كفر الشباب المسلم من أفعال شيوخه قبل أن يكفر بالدين.

الطريف أن اغلبية المشايخ يقولون ما لا يفعلون, فالإنسان عندما يتحدث عن الدين يجب أن يكون مثاليا , لكن من المؤسف أن تسمع عن مشايخ يدعون المسلمين ان يعيشوا على طريقة الصحابة حيث زمن الجوع و التقشف, لكن تجدهم يركبون السيّارات الفارهة و يتسكعون في دول " الكفر و الالحاد " و يتقاضون اجورهم بالدولار, فهل هذه هي الأخلاق ؟!.

المفروض أن يكون الإنسان المتدين يتمتع بأخلاقيات عالية، وأن ينعكس ذلك التدين على أخلاقه وسلوكه. فالتدين بنفسه وبذاته لا يعطي أخلاقا, فالأخلاق تأتي قبل العبادات, فالكثير يلتزم بالصلوات و الصيام و الزكاة لكن تجده يزوّر الفواتير لحسابه, ويكذب ويسرق ثم يقول لك أن الله غفور رحيم!, وهذه الأفعال هي نتاج الاكاذيب التي يتم الترويج لها في العالم الاسلامي.. انها عقلية اتباع السلف, لقد كان الصحابي فلان بن علان يفعل كذا و كذا و هو من المبشّرين بالجنة فاذا قلّدته ستدخل الجنة! هكذا تتم تربية المسلم.. أن يقلّد وفقط لذا لا داعي للتعجب من التناقض الصارخ بين تدين المسلم و أخلاقه.

ان الالتزام بالأخلاق هو من اجل العيش في عالم لا تسوده شريعة الغاب, ان تهذيب الأخلاق هي في تهذيب الضمير و العقل قبل كل شيء, يجب تعليم المسلم أن التزامه بالأخلاق تجاه الأخر هو حبّا فيه وليس لأن الله يراه و يراقبه, فالالتزام بالأخلاق بسبب الخوف من العقاب يعتبر نفاقا و انتاجا لتدين زائف و ذرائعي.

اجمالي القراءات 10841