هذا الهجص المضحك : ( من حجّ ولم يزرنى فقد جفانى )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٧ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

قال : لماذا تنكر حديث ( من حجّ ولم يزرنى فقد جفانى ) ؟

قلت : أنا أنكر كل ألأحاديث ولا أومن بها ، وأرفض إسناد أى حديث للنبى عليه السلام ، وأعتبر هذا الاسناد إفتراءا عليه . ألا يكفى أن الله جل وعلا قد أوجب الايمان بحديث واحد هو حديثه جل وعلا فى القرآن ؟.

قال : ولكننى أومن بهذا الحديث بالذات .!

قلت : هى حريتك فى الدين ، وأنا أرضى لك ما ترضاه لنفسك ، المهم أنه لا إكراه فى الدين ، وربنا جل وعلا يحكم بيننا يوم اقيامة فيما نحن فيه مختلفون .

قال : دعك من هذا وقل لى : ما الذى لا يعجبك فى هذا الحديث ؟ قل لى أدلة عقلية منطقية أقتنع بها .

قلت : صيغة الحديث ( من حجّ ولم يزرنى فقد جفانى ) صيغة عامة موجهة لكل البشر فى كل زمان ومكان ، بما فيهم هتلر وموسولينى ولينين وماو تسى تونج وجون كيندى .. هل هذا يصح من وجهة نظرك ؟

قال : كل الأوامر تأتى عامة للبشر ومنها الحج ، والذى يحج الى البيت الحرام ولا يزور النبى فقد جفا النبى . ماذا عندك غير هذا ؟

قلت : متى قال النبى هذا الكلام : ( من حجّ ولم يزرنى فقد جفانى ) ؟

سكت وهرش رأسه ..

ثم قال : طبعا قال هذا الكلام وهو يعيش

قلت : وأين قال هذا الكلام ؟ هل وهو فى مكة أم وهو فى المدينة ؟

قال : وما الفرق ؟

قلت : الفرق كبير . لو كان فى مكة فالمعنى أن الذى يحج الى البيت الحرام فى مكة دون أن يزور النبى فى بيته فى مكة فقد جفا النبى . فهل هذا هو المعنى الذى تراه ؟

قال : ربما .

قلت : ولكنه وهوفى مكة كان يعيش مضطهدا ، وقد جفاه معظم أهلها ، ومن يقترب منه كان يتعرض الى الإضطهاد ، فكيف يصعّب الأمر عليهم بأن جاء الى الحج من العرب وافدا الى مكة ثم لا يزوره فقد جفاه ؟ وإذا كان هذا خطابا للبشر جميعا فى عصر النبى فما هو موقف سكان الصين والهند وأمريكا واستراليا وموزمبيق وساحل العاج ؟ هل يتحملون مسئولية جفاء النبى وهم لا يعرفون مكة أصلا ؟ ثم إذا كان هذا كلاما له وهو فى مكة فهو لا يلومنا بشىء ، لأن الخطاب كان فى عصره وليس لعصرنا . وحتى لوكان لعصرنا يدعونا لأن نزوره فى بيته فنحن لا نعرف  بيته . ولو زرنا بيته لن نجده فيه . ولو بحثنا الآن عن بيته فى مكة لقبض علينا المطوعة من الهيئة الشرعية الوهابية السعودية .

قال : ربما قال ذلك وهو فى المدينة بعد هجرته من مكة اليها .

قلت : وهل كانت العلاقات وثيقة وسلمية بين قريش والمدينة بحيث تسمح بأن من يحج من العرب الى مكة يذهب الى المدينة ليزور النبى فيها ؟

قال : ربما .!

قلت : وهؤلاء العرب الكافرون والذين كانوا يحجون الى مكة وهم أعداء للنبى هل تتصورهم يرضون بعد الحج أن يذهبوا الى المدينة لزيارة النبى الذى يكرهونه ؟

قال : المقصود هم المؤمنون وليس الكفار ، لأن الكفار يكرهون النبى ، أما المؤمنون فيخشون أن يكونوا جُفاة للنبى . فالخطاب للمؤمنين  فقط .

قلت : ولكنك قلت سابقا أن الخطاب عام لكل البشر

قال : أقول الآن إنه خطاب للمؤمنين فقط

قلت : هل تتصور وجود مؤمنين خارج المدينة ، يذهبون الى الحج ثم بعده يزورون النبى فى المدينة ؟

قال : ولم لا ؟

قلت : أوجب الله جل وعلا على المؤمنين فى سورة الأنفال (  72 ــ ) أن يهاجروا الى المدينة حتى يتمتعوا فيها بالأمن ، بل أوجب على المنافقين من الأعراب المخادعين المتلونين أن يهاجروا الى المدينة ، وهذا جاء فى سورة النساء ( 88 : 91  ). أى بالتالى نحن امام حالتين : مؤمنون هاجروا الى المدينة وعاشوا الى جانب النبى يدخلون بيوت النبى ويعايشونه سباح مساء فلا ينطبق عليهم هذا القول : ( من حجّ ولم يزرنى فقد جفانى )، ومؤمنون يعيشون خارج المدينة رافضين الهجرة اليها لأسباب خاصة بهم ، أى وقعوا فى جفاء النبى من البداية، ولا نتصور أنهم بعد الحج للبيت سيزورون النبى فى المدينة  .

قال : ربما قال هذا بعد موته ؟

قلت : نعم يا خويا ؟ قال هذا الكلام بعد موته ؟ كيف ؟ هل يتكلم الانسان بعد موته ؟ ومن الذى يكلمه الانسان بعد موته ؟

قال : ربما رأى بعضهم النبى فى المنام يقول هذا الحديث .. هناك كتب كثيرة تروى أن بعضهم كان يرى النبى فى المنام .!

قلت : هذه الأكاذيب عن رؤية النبى فى المنام لم تكن معروفة فى عصر الصحابة وعصر التابعين وتابعى التابعين ، ولم يعرفها العصر الأموى ولا العصر العباسى الأول ، ولم ترد فى تدوينات السيرة ألأولى لابن اسحاق وابن سعد والطبرى والمسعودى . بدأت فى الظهور مع إنتشار التصوف منذ القرن الخامس الهجرى ضمن أساطير الكرامات ومناقب الأولياء الصوفية وعلمهم اللدنى ، ومنها زعمهم رؤية الله جل وعلا والحديث معه ، وزعمهم رؤية النبى والحديث معه ، ويمتلىء تاريخ المنتظم لابن الجوزى ت 597 بهذا البهتان ، كما حشا كتابه عن مناقب أحمد بن حنبل بهذا الإفك ، ثم توسع فيه الصوفية فى العصر المملوكى  .

قال : ليس فى المنام . اقول ربما رووا هذا الحديث فى العصر العباسى الثانى

قلت : يعنى ظهر هذا الحديث فجأة بعد موت النبى بأربعة قرون ؟

قال : ربما .

قلت : لو ظهر فجأة بعد موت النبى بأربعة قرون شأن أحاديث كثيرة إفتروها فى هذه القرون كانت ستكون له صيغة أخرى .

قال : كيف ؟

قلت : بدلا من قولهم ( حدثنا فلان عن فلان أخبرنا فلان عن فلان عن فلان عن فلان أن النبى قال .. ) كانوا سيقولون ( رأى فلان النبى فى المنام فقال له كذا .. ) هناك فرق بين صناعة الحديث وصناعة المنام وكلها مصنوعات ومفتريات . كلها منسوجات ، بعضها ( منسوجات صوفية ) نسجها الصوفية ، وبعضها منسوجات سنية والآخر منسوجات شيعية ..

قال : حيرت قلبى معاك .!!

قلت : أسألك أنا : ( من حجّ ولم يزرنى فقد جفانى ) إذا كان قال هذا ــ فرضا ــ بعد موته .. فأين يمكن زيارته ؟

قال : فى قبره طبعا .

قلت : وهل كان النبى فى حياته يعرف قبره ؟ هل كان يعرف بأى أرض سيموت ؟ هذا مستحيل طبقا لما جاء فى القرآن . ( لقمان 34  ) .

قال : ربما يعنى القبر الموجود الآن .

قلت : ولكن النبى لم يدفنوه فى قبر . دفنوه فى حجرة السيدة عائشة بعد موتها .

قال : وما الفرق ؟

قلت : النبى عليه السلام لم يكن له قبر بالمعنى المألوف . كانت القبور فى البقيع ، ولم يدفنوه فى البقيع بل فى حجرة عائشة ، ولم تكن حجرة عائشة قبرا ، بل كانت سكنا لها تنام فيها وتأكل وتلتقى صاحباتها وتصلى وتغتسل وتقضى حاجتها وتمارس حياتها الطبيعية كإنسان يعيش فى غرفته . السيدة عائشة عاشت فى حجرتها هذه حتى ماتت عام 58 هجرية فى خلافة معاوية . فهل كانت تعيش فى قبر أم فى مسكن عادى ؟

قال : وماذا عن هذا القبر المعروف الآن ؟

قلت : أول توسعة لمسجد المدينة كانت فى خلافة الوليد بن عبد الملك وفى ولاية عمر بن عبد العزيز على المدينة ، وكان هذا بعد وفاة السيدة عائشة بحوالى أربعين عاما . وكانت بيوت أمهات المؤمنين قد صارت مهدمة ،وإنتهى جيل من الناس وجاء جيل جديد ، وفيه تم توسعة المسجد من كل الاتجاهات فدخلت فيه بيوت امهات المؤمنين بلا تمييز وبيوت غيرهم من بقية الاتجاهات . ولم يحدث فى هذه التوسعة تحديد لمكان حجرة عائشة التى سبق دفن النبى فيها .

قال : إذن كيف عرفوا مكان حجرة عائشة وحددوا المكان المدفون فيه النبى ؟

قلت : لم يعرفوه .ولم يهتموا وقتئذ بالموضوع . وفى التوسعات التالية فى العصر العباسى أضيفت بيوت كثيرة تم هدمها والبناء مكانها .. ثم حدث تقديس النبى فيما بعد فإختاروا  ناحية فى المسجد عشوائيا وأقاموا فيها قبرا رمزيا للنبى ، وصاروا يحجون اليه ، وينسجون الأحاديث التى تدعو الى الحج اليه مثل هذا الهجص القائل : ( من حجّ ولم يزرنى فقد جفانى ) ، والهجص الاخر الذ يزعم أن ما بين منبره وقبره روضة من رياض الجنة ..

قال : شككتنى فى هذا الحديث ، ولكن أخشى إن لم أزره أن يجفونى النبى ؟

قلت : جسد النبى أصبح ترابا ، ونفس النبى إنتقلت الى البرزخ لا تشعر بأحد .

قال : ولكنهم يقولون أنه حىّ فى قبره يستغفر لنا ويراجع أعمالنا ؟

قلت : إشرح لى كيف ؟ كيف يعيش حيا فى قبره ؟ وإذا كان حيا فى حفرة تحت أقدام الناس فلماذا لا نزيح عنه التراب ونخرجه من هذه الحفرة المسجون فيه ونحرره منها ؟ وبالمرة نراه عيانا بيانا ، ونسأله عن أحوالنا وقيام السعودية بتدمير العراق وسوريا واليمن وليبيا ، ونسأله عن صحة هذه الأحاديث المنسوبة اليه وتلك التشريعات القائمة عليها . لماذا لا يحفرون ويستخرجونه من تحت التراب إذا كان فعلا يعيش حيا فى قبره ، وإذا كان فعلا يريد الناس أن تزوره وتتحدث معه شأن الزائر مع صاحب البيت .

قال : أنت تستهزىء برسول الله عليه الصلاة والسلام .!

قلت : حاش لله .. أنا الذى أدفع عنه هذا الهجص الذى ألصقتموه به ، ذلك الزعم الذى جعلتموه به سجينا فى حفرة تحت أقدام البشر يقوم وحده بمراجعة أعمال بلايين الناس فى نفس الوقت ، ثم فى نفس الوقت ـ حسب هجصكم ـ إذا سلم عليه أحدكم رد عليه السلام .. كيف يفعل كل هذا فى نفس الوقت ، يراجع ويستغفر ويرد السلام ، وكل هذا يفعله بنفسه دون سكرتارية ودون موظفين مساعدين . إن لم يكن هذا هجصا مسيئا للنبى عليه السلام فماذا تسميه ؟

قال : مهما قلت فلن أترك ما عاش عليه الناس قرنا بعد قرن .. هذا ما وجدنا عليه آباءنا وأسلافنا والسلف الصالح وما أجمعت عليه الأمّة ، والأمة لا تجتمع على باطل ، ونحن على آثارهم مقتدون .

قلت : صدق الله العظيم  القائل :  (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف  )

اجمالي القراءات 9397